الإمارة الإسلامية.. ثلاثة أمراء في ثلاثين عامًا

0

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

مجلة الصمود الإسلامية | السنة الثامنة عشر – العدد 215 | جمادى الأولى 1445 ھ – نوفمبر 2023م .  

25-11-2023

 

الإمارة الإسلامية.. ثلاثة أمراء في ثلاثين عامًا

– قرر (الملا محمد عمر) أن يبدأ باستخدام القوة لتغيير الظلم والمنكرات التي شاعت في البلاد على يد قادة الأحزاب والمليشيات.

– قادة النظام في كابل، قابلوا شباب طالبان بالسخرية والوعود المعسولة. وفي بعض الأحيان أهدوهم أقمشة ليصنعوا لأنفسهم ملابس، وفي ذلك سخرية واحتقار.

– الأمراء الثلاثة كل منهم كان رائدًا لمرحلة هامة من تاريخ البلاد، وأظهر إبداعًا وابتكارًا جعل منه قائدًا مميزًا لفترة حساسة لها خصوصيتها.

– بفتح كابل أعلنت طالبان قيام الإمارة الإسلامية بواسطة مجلس شورى موسع، وبايعوا الملا محمد عمر لتطبيق الشريعة.

– أمريكا..حروب لا تتوقف.. وأخيرًا حرب الأفيون

– كان الملا منصور أحد المنظمين لحرب جهادية ضد الاحتلال الأمريكي، طبقًا لأساليب حرب العصابات التي أتقنها الشعب ضد الجيش الأحمر السوفيتي.

– لم يكن هناك شيء جاهز لتلك المرحلة. وأهم ما كان مفقودًا هو المعنويات التي انهارت نتيجة الهزيمة الشاملة وكثرة الأعداء، حتى ظهروا وكأنهم كل العالم.

– تمكن الملا منصور من إغلاق أي منفذ يمكن أن تسلكه الداعشية إلى حركة طالبان. فبقيت الداعشية مجرد أداة مستأجرة يستخدمها الأعداء.

– الملا منصور وضع أساسات لجسور تمر عليها العلاقات الطبيعية بين أفغانستان وإيران. ويكون التعاون شاملًا لجميع أوجه المنافع المتبادلة.

– مولوي (هبة الله) تميز حكمه بالانطلاق الثابت على مسار تأسيس إمارة إسلامية قوية، وسط محيط إقليمي زاخر بالتطورات الجذرية، ومناخ دولي مضطرب.

– أفغانستان ستكون أحد أركان النظام الدولي القادم (لأسباب جغرافية، ومعدنية، وسياسية). مع العلم أن أفغانستان هي (أهم دولة تحتوي على المعادن في العالم).

– أهم إنجازات أمير المؤمنين مولوي هبة الله هو إصدار قانون العفو العام الذي أنقذ أفغانستان من كارثة الحرب الأهلية، وفتح الطريق أمام السلام والتنمية.

– يدرك أمير المؤمنين مولوي هبة الله تأثير الأوراق التي بين يديه، وأهمها الموقع الجغرافي، والثروات المعدنية. وبين يديه أيضا أفغانستان: الجغرافيا.. والتاريخ.. والشعب المؤمن الذي لا يُقْهَر، وهو أغلى كنوز الأرض.

 

 بقلم  : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

 

تحميل مجلة الصمود عدد 215 : اضغط هنا

 

من عمليات فتح العاصمة كابل، في المَرَّات الثلاث التي ذكرناها، كان الفتح الثاني والثالث هما بالكامل من نصيب حركة طالبان.

الفتح الأول بعد (الاحتلال السوفيتي)، كان طلاب الشريعة الإسلامية (طالبان) يشاركون فيه من خلال تشكيلاتهم الموجودة في عدد من التنظيمات الجهادية، خاصة تنظيم مولوي منصور، وتنظيم مولوي يونس خالص (حزب إسلامي). وأيضا جماعة مولوي محمدي (حركة انقلاب إسلامي).

ورغم انتشار”طالبان” في أحزاب مختلفة إلا أنهم تمتّعوا بوحدة فكرية وقاعدة دينية واحدة، ورؤية مشتركة لمستقبل أفغانستان. وخلاصتها أنه لا مناص من تطبيق الشريعة الإسلامية في تلك البلاد، بعيدًا عن التيارات السياسية التي وفدت إليها نتيجة للصراع بين القوى الكبرى، خاصة الصراع بين الإمبراطورية الروسية شمالاً والإمبراطورية البريطانية المحتلة للهند جنوباً.

عاصر مجاهدو طالبان الأوضاع في العاصمة في عهد (حكومة الأحزاب: مجددي/رباني) وحدّدوا نقاط الضعف وأوجه الفساد.

وزاد يقينهم أن الحل موجود عند علماء أفغانستان وطلاب الشريعة. ولكنهم لم يتخذوا خطوة عملية في ذلك الطريق، إلى أن قرر المجاهد الشاب (الملا محمد عمر) أن يبدأ باستخدام القوة لتغيير الظلم والمنكرات التي شاعت في البلاد على يد قادة الأحزاب والمليشيات.

قادة النظام في كابل، برئاسة رباني وباقي زعماء الأحزاب، قابلوا شباب طالبان بالسخرية والوعود المعسولة. وفي بعض الأحيان أهدوهم أقمشة ليصنعوا لأنفسهم ملابس، وفي ذلك سخرية واحتقار. وعندما حررت حركة طالبان العاصمة كابل (1996)، كان العديد منهم لا يمتلكون أحذية، بل يستخدمون نِعالاً بلاستيكية من النوع الرخيص الذي بالكاد يصلح للسير على الطرق العادية، وكانوا يقاتلون بها حتى في الجبال.

وعندما حررت حركة طالبان كابل من الأمريكان (2023) شهدت العاصمة أشياء قريبة من ذلك. وقال أحد السكان أنه شاهد في الشتاء الأول بعد رحيل الأمريكان نقطة حراسة على أحد الطرق الرئيسية داخل كابل، وكان قائد المجموعة يرتدي حذاءً بلاستيكيا رخيصًا بلا جوارب، بينما الثلج يغطي الطرقات والبرد شديد حتى لا يكاد يجرؤ أحد على السيرفي الشارع. فبادر أحد ركاب الباص بخلع جوربه ونزل راكضا من الباص ليسلمه إلى قائد المجموعة الواقف في العراء.

رفض قائد المجموعة أن يستلم الجورب وقال: إننا لا نأخذ شيئا من أحد، فقط قبلنا نسخا من القرآن الكريم من أحد الشاحنات التي كانت محملة بالمصاحف، ووزعناهاعلى مراكز طالبان في المدينة.

الفتح التصحيحي لكابل (أكتوبر 96) والذي حررت فيه حركة طالبان العاصمة من المليشيات والأحزاب، كان سببًا مباشرًا لإعلان قيام الإمارة الإسلامية التي أصبحت القوة المتمكنة الوحيدة في البلاد.

بعد هذا الفتح أقامت حركة طالبان دولة، وأصبح الملا محمد عمر أميرا للمؤمنين وقائداً للإمارة الإسلامية. فكان أول حاكم لأفغانستان يحمل لقب إمارة المؤمنين. ثم أعقبه أميران هما: “ملا محمد منصور” ومن بعده الأمير الحالي، القاضي وشيخ الحديث “مولوي هبة الله”.

الأمراء الثلاثة، كل منهم كان رائداً لمرحلة هامة من تاريخ البلاد. وأظهر في قيادته إبداعاً وابتكاراً جعل منه قائداً مميزاً لفترة حساسة لها خصوصيتها. أدى واجبه فيها بنجاح. فضمنوا للإمارة أن تستمر بقوة لمدة ثلاثين عاماً. وجميعهم قادوا حروباً غاية في القسوة ضد أمريكا المعتدية والنظام الدولي بشكل عام. وبالتالي خاضوا في مشاكل مع أكثر دول الجيران.

نعبر سريعاً مع القادة الثلاثة، ومراحل حكمهم، وما شهدته من تحديات.

 

أولاً: الملا محمد عمر

أهم إنجازات الملا محمد عمر كانت تجميع طلاب الشريعة الإسلامية (طالبان) تحت مظلة تنظيم حركي واحد، ضم معظمهم واكتسب الملا عمر ولاء الجميع.

كانت الأرضية الدينية والفكرية واحدة، والنظرة إلى المستقبل متقاربة كثيراً. فالارتكاز على أحكام الشريعة الإسلامية جعل الاتفاق حول الأساسيات كاملا. وحصر الخلافات في الفروع التي يمكن الخلاف حولها، بل إن تنوع الآراء فيها مطلوب ومفيد.

استنفذت مجموعات طالبان كل مالديها من حجج وصبر وقدرة على النصيحة، خاصة لمن هم في السلطة أو تحت أيديهم مجموعات مسلحة ويتحكمون في مناطق معينة.

وفي الأخير كان لابد من استخدام القوة لتغير ذلك المنكر. وبدأ الملا عمر بالمنكر الأقرب في ولاية قندهار، ثم توسع إلى أكثر مناطق أفغانستان بما فيها العاصمة التي تمكن من فتحها في حمله قادها الشهيد الملا (بورجان).

وبفتح كابل أعلنت حركة طالبان قيام الإمارة الإسلامية بواسطة مجلس شورى موسع ضم معظم العلماء والقادة الميدانيين وقادة القبائل. وبايعوا الملا محمد عمر لتطبيق الشريعة. فكان مجلس الشورى الموسع هو أحد الركائز الهامة لحكم الإمارة.

 

جاء فتح كابل (التصحيحي) بثلاث مكاسب كانت بالترتيب الزمني هي:

1/ تشكيل مجلس الشورى الموسع.

2/ قيام الإمارة الإسلامية في أفغانستان.

3/ تعيين الملا محمد عمر أميرا للمؤمنين وقائداً للإمارة.

 

أمريكا: حروب لا تتوقف.. وأخيرا حرب الأفيون

لم تتوقف أمريكا ونظامها الدولي عن إشعال الفتن والحروب الداخلية في أفغانستان حتى صارت هي الشغل الشاغل للإمارة.

أوشكت الإمارة على إخماد الفتن، ولم يتبق غير 5% من مساحة البلد تحت سيطرة المعارضة المسلحة بقيادة تحالف الشمال المدعوم دوليا وإقليميا.

فبادرت أمريكا إلى تنفيذ مؤامرة 11سبتمبر لتتخذ منها ذريعة لغزو أفغانستان، وصنع إسلام يناسب الغرب في ذلك البلد.

في الأساس لم تكن الإمارة الإسلامية تتصور نشوب حرب مع الولايات المتحدة. كما لم تتصور أن يكون لدى تلك الدولة العظمى ذلك النهم المسعور لابتلاع محصول الأفيون في أفغانستان، واستيعابه داخل تجارة الهيروين الدولية، لتصب في البنوك الربوية الكبرى مئات مليارات الدولارات سنويا.

لم تكن الإمارة تتخيل حربا مع أمريكا؛ وبالطبع لم تكن تريدها ولا هي قادرة عليها. وكانت كل خططها هي تطهير المساحة المتبقية تحت سيطرة المعارضة في شمال أفغانستان. وحشدت من أجل ذلك معظم قواتها وأرسلتهم إلى الشمال. فكانت فرصة سانحة لأمريكا كي تقضي على قوات الإمارة بضربات جوية مركزة وذخائر متطورة مشبعة باليورانيوم. إضافة إلى الصواريخ ذات الأوزان غير العادية والتي بلغ رأسها المتفجر حوالي 7 أطنان للصاروخ الواحد. وكانت آخر الصواريخ التي استخدمها السوفييت في أفغانستان هي صواريخ “اسكود ـ بي” التي كان راسها المتفجر أقل من طن واحد.

كما وصلت للقتال ضد الإمارة إمدادات أرضية عن طريق دولة طاجكستان المجاورة للشمال الأفغاني، وكان من بينهم مرتزقة روس. كما شاركت قوات من معظم الأحزاب الأفغانية.

دخلت الإمارة الحرب مع الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها والتي وصلت في آخر الحرب إلى 48 دولة، بينما الإمارة فقدت زهرة قواتها بفعل الضربات الجوية الأمريكية في الشمال. فتساقطت المدن تباعا مثل أحجار لعبة (الدومينو). وبالكاد توجد لدى الإمارة أي قوات جاهزة للقتال في الظروف الجديدة بعد الاحتلال.

الحل الإجباري كان أن تخوض الإمارة حرب عصابات من جديد، في ظل أسوأ ظروف يمكن أن تمر بأي بلد. إذ انضمت جميع الأحزاب والمليشيات من جميع القوميات والمذاهب لتقاتل تحت راية الاحتلال الأمريكي، كتفا بكتف مع حلف الناتو الذي ضم دولاً إسلامية أعضاء وغير أعضاء في الحلف. وكأن العالم تحت الراية الأمريكية و حلف الناتو قد وجد الشعار الذي يجمعه، والراية التي يقف تحتها، وهي القتال ضد الإسلام في أفغانستان.

أمير المؤمنين “الملا محمد عمر”، بقي يقود مجاهدي حركة طالبان لمقاومة الغزو الأمريكي/العالمي لأفغانستان. وفي ميادين القتال تولى عدد من أبطال طالبان مهمة إعادة رفع معنويات الشعب ومعنويات حركة طالبان، ليبدأوا، مرة أخرى ومن جديد، حرب عصابات ضد الاحتلال من نقطة الصفر. وكان ذلك من أشد المهام صعوبة واستحالة في ذلك الوقت.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 215 : اضغط هنا

 

ثانيًا: الملا منصور

كان الملا محمد منصور رحمه الله أحد المنظمين الأساسيين لحرب جهادية جديدة ضد الاحتلال الأمريكي، طبقاً لأساليب حرب العصابات التي أتقنها الشعب خلال الجهاد ضد الجيش الأحمر السوفيتي.

لم يكن هناك شيء جاهز لتلك المرحلة. وأهم ما كان مفقوداً هو المعنويات التي انهارت نتيجة الهزيمة الشاملة وكثرة الأعداء حتى ظهروا وكأنهم كل العالم. بينما أفغانستان لم تكد تتعافى من أثر الحروب السابقة، سواء ضد التنظيمات والمليشيات، ومن قبلها الحرب ضد السوفييت.

وتسبب الهجوم الأمريكي وتفوقه التقني الهائل، في إحداث صدمة ونوع من اليأس، بتأثير من عنصرين :

1 – أجهزة الرؤية الليلية لدى العدو والتي سلبت منهم امتياز الحركة ليلاً (فتحولوا بكل بسالة إلى الهجمات النهارية).

2 – العنصر الثاني كان القدرة غير العادية لسلاح الجو الأمريكي في التحرك السريع لتدمير قوافلهم المتحركة في سيارات. (فتوقف المجاهدون عن استخدام ذلك الأسلوب. وعادوا إلى التحرك على الأقدام في بيئة توفر لهم نوعاً من السواتر الطبيعية).

3 – كما ظهرت بوادر الإمكانيات غير العادية للطائرات بدون طيار، وقدرتها علي الرصد والتتبع والاغتيال. ناهيك عن القنابل الثقيلة (حوالي 7 أطنان في ذلك الوقت والتي وصلت إلى 11طن فيما بعد).

في نفس الوقت لم تحصل حركة طالبان على أي دعم خارجي، مثل ذلك الذي حظي به المجاهدون في حربهم ضد السوفييت. وكان توفير الأموال لشراء المستلزمات وتوفير الأسلحة وإعالة المجاهدين وعائلات الشهداء والجرحى، كلها تحديات بدت مستحيلة أمام أي قيادة. ولكن تصدى لها الملا عمر، وكان الملا منصور أحد أركان حربه في تلك المرحلة.

تولى الملا منصور زمام الحكم أميرًا للمؤمنين بعد استشهاد الملا عمر بسبب المرض. فتصدى “لمشكلات الدرجة الأولى” للإمارة، والمتعلقة برؤيتها الإسلامية للحكم، وعلاقتها الخارجية، خاصة مع دول الجوار.

كان الاحتلال الأمريكي وأعوانه يريدون صرف الإمارة الإسلامية عن نهجها الإسلامي الحقيقي، وتحويلها إلى نوع من الإسلام الذي يرضى به الغرب ولا يقبل عنه بديلاً. وهو ذلك الإسلام الذي يناسب مصالح الغرب ولا يتطابق مع أحكام الشريعة الإسلامية (والشهير باسم: الإسلام الأمريكي ـ الصهيوني ـ الغربي).

وعندما لمس الغرب والولايات المتحدة إصرار أمير المؤمنين الملا منصور على نهج الإسلام الصحيح، أطلقوا عليه الكائنات الداعشية التي ترفع اسم الإسلام بينما تمارس الحيوانية المتوحشة.

فكان من أهم إنجازات أمير المؤمنين الملا منصور القضاء على تلك الفتنة. وقد وضعت أمريكا وحلفاؤها كل ثقلهم لحقن الداعشية في أوردة حركة طالبان، لتتحول إلى حركة داعشية، أو أن تنقسم إلى قسمين أحدهما داعشي والآخر على النهج الإسلامي لحركة طالبان.

تمكن ملا محمد منصور من إغلاق أي منفذ يمكن أن تسلكه الداعشية إلى حركة طالبان. فبقيت الداعشية مجرد أداة مستأجرة يستخدمها الأعداء لتخريب الإسلام ونشر الفوضى والرعب في بلاد المسلمين. وما تبقى من داعشية في أفغانستان هم مجموعات من المرتزقة ــ أكثرهم أجانب ــ لا مستقبل لهم في أفغانستان أو حركة طالبان. ولا حامي لهم غير الطائرات الأمريكية المُسَيَّرَة، والمدد الاستخباري للتحالف الغربي الإسرائيلي، الذي يزوّدهم بالمال والمعلومات والعتاد.

من إنجازات ملا منصور في الجانب السياسي كان الخروج من البوتقة التي حاولت أمريكا والغرب حصر الإمارة الإسلامية بداخلها من الناحية السياسية والاقتصادية وإبقاء نفس التحالفات والنهج الذي سارت عليه الأحزاب في فترة حرب السوفييت لتصبح نهجاً ثابتاً في أفغانستان مهما كان نظام الحكم، فيكون أصدقاء أمريكا هم أصدقاء لكل حكومة تصل إلى كابل، وكذلك الأعداء فمن يكون عدوا لأمريكا يكون عدواً لحكومة كابل.

الملا أخترمحمد منصور حطم تلك القاعدة ووضع أساسات لجسور تمر عليها العلاقات الطبيعية بين أفغانستان ودول المنطقة، وأن تكون العلاقات طبيعية بين الجارين أفغانستان وإيران، ويكون التعاون شاملاً لجميع أوجه المنافع المتبادلة. أما الخلافات فَتُحال إلى لجان فنية وشرعية مختصة، لتحكم بما يتماشى مع الواقع والشريعة.

ولهذا السبب تحديداً تم اغتيال أمير المؤمنين الملا محمد منصور بواسطة طائرة أمريكية بدون طيار. فكانت رسالة تهديد واضحة وحاسمة، موجهة إلى كل من يتولى أي مسؤولية داخل أفغانستان، أو أي مواطن وصاحب رأي في ذلك البلد.

 

ثالثا: مولوي هبة الله

وهو أمير المؤمنين الثالث لإمارة أفغانستان. وقد تولى الحكم بعد استشهاد الملا منصور. وقد تميز بالانطلاق الثابت على مسار تأسيس إمارة إسلامية قوية وسط محيط إقليمي زاخر بالتطورات الجذرية، ومناخ دولي مضطرب، أيسر ما فيه هو أن يتغير إلى نظام دولي آخر بقيادة دولية جديدة (الصين وروسيا)، كبديل عن القيادة الأحادية الأمريكية التي تستخدم حلف الناتو كأداة عسكرية، وتستعمل الأمم المتحدة كأداة سياسية، وتستخدم الاقتصاد الدولي كأداة انتقام وعقوبات لإفقار الشعوب ونهب ثروات الأمم.

وكما كانت هزيمة السوفييت في أفغانستان مدخلا إلى النظام الدولي الأحادي، الذي أرادت أمريكا أن تسيطر به على العالم وفشلت بسبب هزيمتها في أفغانستان. وبسبب تلك الهزيمة تضاعفت عيوب النظام الدولي، وتجلت هشاشة القوة الأمريكية. فبدأت في العالم عملية كبرى لبناء نظام دولي آخر تقوده الصين وروسيا.

وغني عن الذكر أن لأفغانستان دور هام جداً في ذلك النظام القادم.

أولاً : لأنها المتسبب الرئيسي في تحريك الوضع الدولي نحو إسقاط أمريكا، وبروز قوى دولية بديلة.

ثانياً: أن أفغانستان تقع جغرافيا بين القوتين المرشحتين لقيادة العالم في مرحلة لن تكون بعيدة. وتشغل أفغانستان منطقة تعتبر أهم عقدة مواصلات برية وجوية في قارة آسيا، خاصة بين القوى العملاقة أو الأكثر حيوية في التأثير الجيوسياسي، مثل الهند والصين وروسيا وإيران، المطلّة على الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي.

إضافة أخرى لا تقل أهمية هي أن أفغانستان هي (أهم دولة تحتوي على المعادن في العالم) حسب رأي متخصص.

ولا مبالغة في القول بأن أفغانستان ستكون أحد أركان النظام الدولي القادم (لأسباب جغرافية/ومعدنية/وسياسية). خاصة وأنها ستشكل حكومة إسلامية استراتيجية. وسوف تشكل داخل النظام الدولي القادم تكتلاً إسلامياً يمثل مصالح المسلمين وثقافتهم، ويشكل تمثيلا ً إسلامياً دولياً مستقلاً عن القوى الاستعمارية الغربية، وعن السيطرة المالية للبنوك اليهودية، كما يضمن تواجداً إسلامياً على المسرح الدولي يحظى بالاحترام، ومن غير الممكن اضطهاده واستباحته بالعدوان المباشر بسبب انتمائه الديني، أو تحقير وإهانة مقدساته ومعتقداته، خاصة في القضايا الإجتماعية المتعلقة بحقوق الإنسان والمرأة والأخلاق والتعاملات، وإيجاد بديل اقتصادي يحل مكان الربا اليهودي، ويمنع سرقة أموال الشعوب وأكل أموالهم بالباطل الربوي.

 

قرار العفو الذى منع نشوب الحرب

أهم قرارات أمير المؤمنين مولوي هبة الله، كان العفو العام عَمَّن شاركوا إلى جانب الاحتلال في القتال ضد شعبهم.

كان قرارًا بعيد النظر بشكل غير عادي. حيث كانت أمريكا تهدد بحرب أهلية في أفغانستان إذا أصرت الإمارة على طرد قوات الاحتلال الأمريكي. حتى أنّ الوفد الأمريكي المفاوض في الدوحة هدّد بذلك صراحة. ومن المعروف أن إشعال حرب أهلية في أي دولة يعني تخريب اقتصادها وإيقاف نموها وفتح أبوابها لشتى التدخلات الأجنبية. الحرب الأهلية كانت هي المصير الذي جهزته أمريكا لأفغانستان في حال إرغامها على الجلاء من ذلك البلد.

لأجل هذا يمكن القول بأن أهم إنجازات أمير المؤمنين مولوي هبة الله هو إصدار قانون العفو العام الذي أنقذ أفغانستان من كارثة الحرب الأهلية. وبالتالي فتح الطريق أمام السلام الداخلي وممارسة التنمية الحقيقية طبقاً للشرائط الإسلامية.

هذا العفو العام ضرب في الصميم مجهودات المجموعات الإرهابية والدواعش والجيش السري الأمريكي الذي جهزه الاحتلال لتخريب الأمن وتسعير الفتنة الطائفية والقومية داخل أفغانستان، وبالتالي وقف التنمية الاقتصادية وإعادة الاحتلال من نافذة الحرب الأهلية، حاملا راية الحفاظ على مصالح وحقوق الفئات المتحاربة من شتى المذاهب والقبائل. فتعود أمريكا مرة أخرى حَكَماً وليس مستعمراً.

يدرك أمير المؤمنين مولوي هبة الله تأثير أوراق القوة التي بين يديه، وأهمها الموقع الجغرافي لأفغانستان كحلقة تواصل وترابط بين أركان قارة آسيا. وبين يديه الثروات المعدنية التي لا تقدر بثمن، وتجعل من بلاده أغنى دول العالم بالمعادن النادرة والثمينة. وهو يدرك ذلك من خلال عمله في توجيه وإدارة الاقتصاد والسياسة الخارجية والداخلية لإمارة أفغانستان الإسلامية.

وبين يديه أيضًا أفغانستان: الجغرافيا، والتاريخ، والشعب المؤمن الذي لا يقهر؛ وهو أغلى كنوز الأرض.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 215 : اضغط هنا

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world

 

الإمارة الإسلامية.. ثلاثة أمراء في ثلاثين عامًا



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا