مصر .. حوار ما قبل الزوال
[ ليس حوارا وطنياً .. بل إحتفالا بإرتطام الوطن بقاع الهاوية ]
بينما مصر فى حالة “سقوط حر” نحو الهاوية التى طال إنتظار الوصول إلى قاعها ، وطال تهاوى البلاد فيها ، على عزف الموسيقى العسكرية ، منذ عام 1952 إلى اليوم.
يَحِق لسيادة البيادة أن يقول أنه نجح فيما لم ينجح فيه الأوائل . بأن جعل مصر فى حالة خراب شامل بعد أن عاشت كدولة عدة آلاف من السنين، حتى تحولت تحت وطأة البيادة إلى تابوت تسكنه ملايين الديدان البشرية، عديمة المعني والقيمة. ديدان ضاقت بالحياة وضاقت منها الحياة. بلاد ضحكت كثيراً على خيباتها، فلم تعد فى أعينها دمعة تنعى بها نفسها.
– أستدان عسكر المحروسة مبالغ فلكية من الدولارات ، يستحيل سدادها أو حتى إحصائها ، لأن حثالة أجناد الأرض لا تفلت من بين أيديهم حقيقة ولو بقدر سنت أمريكى. يُقَدِّرون الديون بملغ (409 مليار دولار) ولا يدرى أحد أين ذهبت. فإلى جانب النهب العسكرى المسلح هناك تصميم على تبديد أموال المصريين فى إنشاء هياكل أسمنتية غير منتجة، ولا تضيف غير القبح والإرتباك إلى حياة الناس.
– باعت الدولة أصولها لنفطيين صهاينة/عرب. يعملون خدماً لليهود، وكلاب حراسة وأفاعى تنزلق وتتسلل وتلدغ فتميت الشعوب.
والدائنون اليهود يقفون فى صفوف، إنتظاراً لإفتراس أصول مصر لقاء الديون . ومنذ الآن وبكل إطمئنان يمكن القول أن مصر لم تعد للمصريين بأى حال من الأحوال .
وأى مواطن يتَرَسَّب فى أرضها، عليه أن يتطابق مع الشروط الإسرائيلية، أو أن يرحل، أو ينتحر إن أمكن.
ليس هناك من مجال أمام المصريين/ أو أغلبيتهم الفقيرة/ سوى الإرتماء فى أحضان البحر الأبيض لتغرقهم السفن الحربية لأسطول بلادهم، والأساطيل الحليفة، التى تكافح الإرهاب الإسلامى والهجرة غير المشروعة والكراهية والتمييز بين الجنسين أو إحتقار الشواذ . أساطيل أروبية تساهم فى ذلك العمل “الرسالي” منذ فترة . وعلى سبيل التواضع لا أحد يعلن عن شئ. وأسماك البحر المتوسط تتولى إخفاء بصمات المجرمين، وتلتهم الأجساد الهزيلة لضحايا كانوا (جِلْداً على فقر).
– إسرائيل تدفع (جيش العروبة يا بطل) ــ وبتمويل خليجى غبر محدود ــ نحو ليبيا لفتح مجال لعدة ملايين من المصريين، لإشاعة الفوضى هناك ، ويكونوا ستاراً لتطهير ليبيا من أقصى شرقها إلى أقصى غربها، من المجاهدين ومحبى بلادهم ، فتصبح ليبيا جميعها تحت ظلال رايات الأبيض والأزرق.
ذلك العَلَم المشئوم يريد من ليبيا النفط ذو النوعية الممتازة، والمياه الجوفية الغزيرة، التى إنفق القذافى “عدوالشعب” عدة مليارات فى مشروع النهر الأخضر الذى يرفده أحد أهم مخازن المياه الجوفية فى أفريقياً.
لا تريد إسرائيل من ليبيا أكثر من: النفط و الماء. ولكن لا بأس من الحصول على السواحل الليبية الإستراتيجية الساحرة ، لتصبح منطلقا للمشاريع البحرية بين الشرق الأوسط اليهودى وأروبا الصليبية.
حوار ما قبل الزوال :
فى الثواني الأخيرة قبل الإرتطام بقاع الهاوية، التى جاهدت مصر للوصول اليها منذ سبعين عاماً، أوشك العسكر بجهودهم الجبارة على الوصول بمصر إلى ذلك القاع الذى طال إنتظاره .
فى الدقائق الأخيرة المتبقية من عمر الوطن المصرى العظيم، يسمح نظام البيادة بإجراء حوار وطنى بعد أن نسي الناس ما هو الحوار إذا كان خارج مدى نَعْل البيادة. كما لم يعد هناك ما يمكن تسميته (وطن)، وليس (معتقل) أو (خرابة).
المطلوب فى الحقيقة هو مشاركة جماعية فى إحتفالية الإرتطام بالقاع، بحيث لا يستأثر نظام البيادة بهذا الشرف وحده ، وحتى لا يزايد عليه أحد مستقبلاً، أو يَذْكُرَهُ التاربخ يما يستحق من تحقير.
يطمع نظام البيادة فى أن يشاركه كل الإمَّعات وطويلو اللسان، وسماسرة السياسة الغربية، والأذكياء الطامعون فى بعض الفتات، فى ظل السيادة اليهودية على مصر والمنطقة العربية.
وعند الإرتطام بالقاع التاريخى، سَيَدَّعي جنرالات البيادة / وجميع الكابات والدبابير والخنافس/ أنهم غير وحيدين فى تحمل مسئولية ما حدث، بل كان معهم الآخرين. ويقصدون(الشراذم) المدعوة تَهَكُماً “القوى الوطنية”. فالعسكر سيلقون باللوم كله على تلك(الشرازم الوطنية)، خاصة إذا إلتحق بهم الإخوان المسلمون، وهو أمرا مشكوك فيه حتى الآن .
– إن الحوار الوطنى الذى يتكلمون عنه الآن هو(دعوة إلى مائدة الهزيمة). حتى تضيع دماء الوطن بين قبائل الرذيلة ومجرمى السياسة، من عسكريين ومدنيين، أو بين الإسلاميين والعلمانيين، أو بين الأزهر والكنيسة ، أو بين الأهلى والزمالك، أو بين إعلام السيسى وإعلام المعارضة فى إسطنبول ولندن .
– يدرك الإخوان المسلمون معنى الدعوة إلى مائدة الهزيمة.. فهي المائدة التى تمت دعوتهم إليها فى حرب فلسطين. فانساقوا بكل حماس، بلا أدنى بصيرة أو نظرة إلى المستقبل. وشاركوا الجيوش العربية فى هزيمتها المُرَتَّبَة سَلَفاً، والمتفق عليها دوليا وإقليمياً مع أولياء الأمر. ثم قضى عليهم الجيش المصرى الذى دَرَّبَهم وسلحهم، وألحقهم بقواته فى فلسطين، لكى يقاتلوا نيابة عنه. ثم إعتقلهم وقتلهم. ومازال يطاردهم ويتهمهم بأنهم وراء جميع الجرائم منذ عهد آدام إلى زمن المسيخ الدجال.
– لأجل هذا لا يسعى نظام البيادة منذ تأسيسه عام 1952 إلى إضطهاد الإخوان فقط ، بل يسعى إلى إبادتهم معنوياً ومادياً حتى لا يبقى لهم أثر. وفى ذلك نوع من الدفاع عن شرعية البيادة، والتخلص من كل آثام وجرائم نظامها الذى عاث فسادا فى الوطن ودمره حاضراً ومستقبلاً . ثم إلصاق ذلك كله بقوة “شريرة” لم يتبق لها وجود.. هم الإخوان المسلمين.
– كذلك تمت دعوة الإخوان المسلمين إلى ما تصورت أمريكا أنه دعوة إلى الهزيمة فى ساحة الحرب الأفغانية السوفيتية. وكادت تكون هزيمة، ساهم الإخوان بكل قوة من أجل تحقيقها، وإرتكبوا كافة الآثام والجرائم حتى حققوا تحالفاً مع الأمريكان لغزو أفغانستان، التى إنتصر شعبها على السوفييت، فكان لابد من عقابه على تلك الجريمة. فلا يصح من وجه نظر إخوانية أن يتحقق أى نصر للمسلمين طالما أن هناك (إخوان مسلمون).
قالت بعض دوائرهم المتحمسة (نفضِّل أن نُفْسِد الأمور بأيدينا ، على أن نتركها لغيرنا حتى يصلحها). وعملياً ، فقد عجزوا عن الإصلاح فى أى ميدان عملوا فية .
فئران السفينة :
فى الحقيقة فإن الأخوان ليسوا فى حاجة إلى مهزلة الحوار الوطنى فى مصر. لأنهم نقلوا أمتعتهم منذ عقود إلى السفينة الإسرائيلية المُقْتَحِمَة، وغادروا سفينة الإسلام المتراجعة.
فالإخوان فى قارب الأعداء، وتحديدا منذ المؤتمر الذى عقدوه فى العاصمة الأردنية عام 1993 ، ورفعوا فيه شعارات متطابقة مع مبادئ رئيس وزراء إسرائيل شيمون بريز، الصديق العظيم للرئيس مرسى [حسب رسالة رسمية أرسلها إليه عندما تولى رئاسة مصر]. قرارات مؤتمر الإخوان فى عَمَّان هى نفسها مبادئ بيريز فى كتابة (الشرق الأوسط الجديد)، أو سِفْر التكوين لعرب الضياع .
نادى الإخوان المسلمون فى مؤتمر الأردن بمحاربة إيران و”تحريرها” وتحويل شعبها إلى المذهب السني. فكان ذلك بداية لمشروع التحالف مع إسرائيل ضد إيران كعدو مشترك لهما ، بما يعنيه ذلك من التسليم بضياع فلسطين، والإقرار بأحقية إسرائيل فى السيطرة على المنطقة العربية، من خلال المسيرة التى أوصلت المنطقة إلى موجة التطبيع .
ثم وصل الأمر إلى ما أفصح عنه ملك الأردن والقيادات العليا فى إسرائيل من ضرورة قيام تحالف عسكرى (ناتو إسرائيلى عربى) مُوَّجَه ضد إيران.
الإسلاميون و صمت القبور :
الإخوان المسلمون ، وأغلبية العمل الإسلامى العربى، غارق فى صمت القبور، إزاء سيطرة إسرائيل على بلاد العرب فى المجالات العسكرية والإقتصادية والسياسية. وإزاء وجود إسرائيل المتحدى فى المدينة المنورة ومكة المكرمة وشواطئ الخليج. وكأن المنطقة العربية تم إفراغها فجاءة من العمل الإسلامى أو حتى من الإسلام.
– بالتزامن مع التطبيع بين حكومات العرب وإسرائيل، ومع إنفلات اليهود بجنون فى جزيرة العرب ومقدساتها ، إختفى فجأة النشاط الجهادى العربى الصاخب، الذى سفك دماء الشعوب أنهاراً ، ومارس تكفير البشر والحجر والكائنات الحية بلا حساب ولا عتاب. وملأ”مجاهدوه” بلدان عديدة بالدماء والفوضى والرعب. إلى أن أتاح الفرصة لإسرائيل أن تتدخل بنفسها لتنظيم فريضة الحج على أسس أمنية شديدة الصلافة. فأصبح الحجاج مجرد أسرى للأمن الإسرائيلى وحلفائه من العرب وشركات الأمن الدولية. بينما التيار الجهادى العربى لا يكاد يُشاهَدْ إلا فى قتاله للعرب والمسلمين، وإشاعة الفوضى، وخدمة مصالح إسرائيل فى أى منطقة يعمل فيها .
– الإستثناء من بين مجاهدى التيار الشعبى العربى، هم مجاهدو حماس والجهاد الإسلامى فى فلسطين، وحزب الله فى لبنان ، والحوثيين فى اليمن ، وشباب الصومال.
الإنتظار ممنوع .. وغير ممكن :
الخطر اليهودى يُداهِم العرب بشكل خاص. وهو أكثر خطورة على جزيرة العرب ومناطق المقدسات. وهو خطيرعلى شواطئ جزيرة العرب المهددة بأساطيل الدول الكافرة التى تحاصرها. ومهددة أيضا بإقامة مستعمرات يهودية يستعين فيها يهود إسرائيل بأقليات غير مسلمة من قارة آسيا، خاصة من الهندوس المتعصبين والمتشوقين لإحتلال أجزاء من شواطئ الخليج، وأجزاء كبيرة من جزيرة العرب إن أمكنهم ذلك. حتى أنهم يتكلمون عن إحتلال مكة نفسها وإعادتها إلى عبادة الأصنام ذات الأصل الهندوسى.
– الخطر يهدد المنطقة العربية كلها، نظراً لإفتقارها إلى تحرك إسلامى شعبى، واعي وجهادى، بعد أن قضت المنطقة حوالى قرن من الزمان تحت التأثير المدمر للوهابية وتنظيماتها التى تفشت فى بلاد العرب إنطلاقاً من السعودية بعد إسقاط الإمبراطورية العثمانية على يد دول أوربا والخونة من قبائل قطاع الطرق فى جزيرة العرب، الذين تحصنوا بالهَوَسْ الوهابى لستر عداوتهم للإسلام وتعاونهم مع بريطانيا لإقامة دولة يهودية فى فلسطين ، ومن ثم إعادة اليهود للإستيطان فى جزيرة العرب.
– على سكان المنطقة العربية ــ وغيرها من بلاد المسلمين ــ إن أرادوا الحياة أحراراً ومسلمين ، ألا ينتظروا التنظيمات السلفية، فهىى قد أدت رسالتها بتمكين اليهود من حكم العرب وجزيرة العرب. وهم غير قادرين على إصلاح أنفسهم. فلا وجود مادى لهم بدون التمويل الوهابى القادم من مشيخات النفط، والتعاون غير المعلن مع يهود إسرائيل.
– على العرب تشكيل مجموعاتهم/ للجهاد والمقاومة واسترداد الحقوق/ بمبادارات ذاتية، معتمدين على الله، واثقين من النصر بالإعتماد على قواهم الذاتية. ويمكنهم تحديد أهدافهم بطريقة أسرع وأدق مما فعلته التنظيمات الإسلامية المنحرفة. فحيث توافرت مصلحة حقيقية للمسلمين فى شئ ما ، فإنه يوافق شرع الله ، (حيث توجد المصلحة يوجد شرع الله) .
– ولمعظم بلاد العرب، سواء فى الجزيرة أو فى العمق العربى، خبرات تاريخية رائعة فى حروب التحرير وأساليب حروب العصابات. وهناك العديد من الأسماء الجهادية المشهورة التى أنشأت خط إسلامى صحيح ومسيرة للدفاع عن حقوق المسلمين ومصالحهم. بداية من المغرب العربى وحتى مصر والسودان وشواطئ البحر الأبيض والبحر الأحمر، والخليج الفارسي والمحيط الهندى.
إن تشكيل الجماعات الجهادية الشعبية بشكل تلقائى، هو أسلوب تاريخى ثبتت صحته وفاعليته، وهو يضمن عدم الإرتهان لأموال النفطيين العرب. فالتمويل متوفر وكذلك السلاح . وكلاهما يحب أنتزاعه من أيدى العدو، كما فعل الأفغان مع الأمريكين طول عشرين عاماً من الغزو الأمريكى الصهيونى لبلادهم . وقد إنتصر الأفغان وكذلك سوف ينتصر المسلمون وجميع المضطهدين فى العالم، بإذن الله وعونه .
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )
