مغامرة إسرائيل فى أوكرانيا وإحتملات فوضى عالمية
الشكل المعقد لحروب السيطرة على الشعوب لا يعنى أنها ستكون ناجحة بالضرورة، بل أنها فى أفغانستان، بلد المنشأ ،أثبتت فشلها الذريع، ومنيت بهزيمة كارثية أدت إلى فرار أمريكا وحلفاؤها من دول حلف الناتو وإسرائيل.
ليس هذا فقط بل إن مجاهدى حركة طالبان غنموا كميات خيالية من الأسلحة والمعدات المتطورة التى تكدست فى أفغانستان لصالح تلك الحرب المعقدة. والنتائج أعمق وأخطر من ذلك بكثير، ومازال العالم يصرف النظر عمداً عن البحث فى ذلك رغم خطورته على مستقبل البشرية عموما خاصة الشعوب التى تقود صراعاً مصيرياً مع قوى العدوان الدولى برئاسة أمريكا وحلف الناتو وقيادة البنوك اليهودية وإسرائيل .
ثبت أن الحرب الحديثة المعقدة التى تتعرض لها الكثير من الشعوب، رغم أنها حرب مكلفة جدا وتستخدم أعلى درجات التقدم العلمى والقدرات التكنلوجية فى التصنيع العسكرى والفضائى والالكترونى. الا أنها حرب رغم ضخامتها فأنها قائمة على (شفا جرف هار). حتى أن حركة طالبان منزوعة السلاح وشعبها المحاصر وإمارتها المستهدفة عقائديا، قد تمكنوا من هزيمة المعتدين.
– هناك نقاط ضعف لتلك الحرب تجعلها قابلة للهزيمة أكثر مما يتصور هؤلاء الذين لم يخوضوا ضدها صراعاً حقيقياً .
أهم نقاط ضعف تلك الحرب أنها قائمة على فكرة تحويل الحرب إلى عمل إقتصادى مربح ليس فقط للدولة المعتدية بل أيضا كبار قياداتها السياسية والعسكرية وأجهزة الحكم فيها ومراكز صنع القرار مثل (الجيش والإستخبارات والصناعات العسكرية والنفطية … الخ). كبار الجنرالات الميدانيين هدفهم الأول تحقيق أرباح مالية لأنفسهم وكذلك يفعل قادة النظام العميل الذى وضعوه لحكم البلاد. والأكثر وحشية وفوضوية هم شركات المرتزقة الأجانب الذين حملوا العبء الأكبر لحرب أفغانستان منذ بداية حكم الرئيس ترامب. هؤلاء توسعوا فى قتل المدنيين وإحراق القرى وتعذيب السجناء والتنكيل بالأسرى والإنتقام من جثث الشهداء والإستمتاع بقتل الناس فى الأسواق لأكتساب الجرأة على خوض الحروب المماثلة فى المستقبل. وأحترفوا وبشكل منظم تهريب المخدرات والإتجار بالأعضاء البشرية وبيع المعدات العسكرية والأمنية التى بحوزتهم لأجل الحصول على المزيد من الأموال .
– أهم أسباب إنتصار الشعب وحركة طالبان هو عنصر الإيمان الدينى والثقة فى إستقامة وصلابة القيادة الجهادية وترابط القوى الإجتماعية.
ومن النقاط الأساسية لنجاح حركة طالبان الإستفادة من جميع نقاط الضعف التى ظهرت لدى العدو خاصة فى المجال الأخلاقى والمعنوى والنظرة التجارية لموضوع الحرب مع التجاهل التام للأخلاقيات والدين وعادات المجتمع .
– من أهم أسباب إنتصار حركة طالبان رغم الحصار الكامل التى عاشته 20 عاما من الإحتلال، كان عمق أرتباطها مع الشعب وعمق الإلتزام الدينى والأخلاقى والإستفادة الكاملة من المعطيات الجغرافية والسكانية لكل منطقة فى أفغانستان.
فكانت تلك العناصر خير تعويض عن قسوة الحصار وندرة المدد الخارجى، بل والهجوم المعنوى على الحركة حتى من الأوساط الإسلامية الحكومية والدعوية، وشبه الجهادية.
– الحرب الحالية الدائرة فى أوكرانيا بين روسيا ودول الغرب والحكومة الموالية له، ظهرت فيها ثغرات عديدة شبيهة بما ظهر من ثغرات فى أفغانستان بمعنى أن تلك الحرب قابلة نظريا للفشل فى أوكرانيا، بل والخروج بسلبيات لم تكن فى الحسبان . من أهمها التراكم الهائل فى الأسلحة لدى الجيش الأوكرانى، بشكل لا يتناسب مع المتطلبات الفعلية للمعركة. والمبالغة فى الكميات والنوعيات التى لا تتوقف عن التدفق على حكومة أوكرانيا وقواتها .
وكما حدث فى أفغانستان فسوف يتحول السلاح إلى سلعة رائجة وهناك دائما من يمتلك الثمن ويرغب فى إقتناء الأسلحة المتطورة. وفى وقت ما تحولت أفغانستان مع وجود الإحتلال إلى أكبر سوق لتهريب الأسلحة الأمريكية إلى خارج أفغانستان إضافة إلى مخازن هائلة مازلت حركة طالبان تكتشفها . وفى أحد مناطق تخزين السلاح بغرض التهريب. قال أحد كوادر طالبان لقد وجدنا أسلحة ومعدات تكفى لتسليح جيش كامل.
– يكاد يكون من المؤكد أن حرب أوكرانيا الحالية سوف تسفر عن إنتشار كبير وخطير للأسلحة المتطورة المخصصة لحرب عصابات فعالة ومدمرة. تلك الأسلحة ستظهر يوما ما فى دول أوروبا الغربية. وإذا طالت الحرب فقد تظهر فى شوارع وعواصم دول حلف الناتو .
– الطابع العنصرى والدينى والقومى المتطرف الذى راج مع تصاعد حرب الناتو فى أوكرانيا قد يؤدى إلى نتائج قد تصبح مفصلية على المدى القصير والمتوسط .
والشعب الروسى الذى لا يبالى بشئ سوى مشاكله المعيشية، مثلما تفعل معظم شعوب العالم، قد يصاب بلوثة قومية وهياج مذهبى أرثوذكسى، لتتحول الحرب إلى حرب دينية وقومية تضرب أوربا بشكل لم يحدث منذ العصور الوسطى .
– وربما إنتقلت العدوى إلى العالم العربى، فيستيقظ على صراع أوربى على أبوابه بين المذاهب والقوميات، بينما حلف الناتو يقاتل فى أوكرانيا من أجل إقامة مستعمرة ليهود الخزر .
– الحركة الإسلامية الآن أسيرة لدى حلف الناتو وذراعه التركى. الذى إلتقط الحركة الإسلامية المطاردة فى كل مكان من الوطن العربى. و اقتُلعت من جذورها المذهبية فى السعودية، ودول الخليج، لتخلى الساحة المذهبية لعقيدة الترفيه والسياحة الدولية ، وما يسميه اليهود تحالف بين إسرائيل وأهل السنة ضد ايران والشيعة.
– تركيا تلقفت كل ذلك الحطام الفاشل. وقسمته إلى ثلاث أفرع أساسية. النظرة الإسلامية التركية ثلاثية الأبعاد تشمل الإسلام الذى تقدمه تركيا فى أبلغ صورة عند عرضها لنموذج إداراتها لمسجد (آيا صوفيا) بالشكل التالى:
الطابق الأول من المسجد هو للمصلين المؤمنين .
الطابق الثانى هو للمسلمين أصحاب الميل للموسيقى الغربية الراقية .
الطابق الثالث للسياح العالميين الذين يتجولون فى سراديب وقنوات المياه أسفل مسجد “آيا صوفيا” .
– حتما سينشأ مسار جديد للإسلام الحركى، متمردا ومحطماً تلك النظرة ثلاثية الأبعاد. وبالفعل تشن تركيا حرباً على أى ميل من شباب الإسلام نحو اليقظه والفهم، أو إيجاد مسار إسلامى حركى جديد . فتقابلهم سلطات تركيا بالسجن والطرد .
بعض من حاولوا الفرار إلى أوربا لاقوا مصيرا أسوأ. فقُتُلوا بدم بارد فى مياه المتوسط بمشاركة دولية متعددة الأديان والجنسيات.
– إن حرب أوكرانيا ربما تترك أثرا فى الحركة الإسلامية والفكر الإسلامى، نحو الإنعتاق من قيود الفتنة والتخلف والفشل التى فُرِضَت على الحركة الإسلامية لِمَا يقارب قرن من الزمان .
– حلف الناتو سيأتى فى مرحلة تالية من أجل طرد روسيا من سوريا لتحقيق الإتصال البرى بين أمبراطورية الشرق الأوسط الصهيونية، والقارة الأوربية، عبر تركيا. وأستكمال مشاريع إسرائيل العظمى ومنع الحركة الإسلامية من اليقظة أو الفهم أو العمل فى الإتجاه الصحيح بالطرق الفعالة.
ومنعها هى والمقاومة الفلسطنية من الوصول الى كنوز الأسلحة الحديثة الأنسب لحروب العصابات المدمرة، والتى تتدفق على اوكرانيا ومنها سوف تتسرب إلى أوربا والمنطقة العربية. ذلك يعنى ببساطة إنهيار المنظومة الأمنية لحلف الناتو والإتحاد الأوربى وإسرائيلٍ وحكام العرب .
ويعنى أيضاً إمكانية جهاد إسلامى غير تقليدى لا يحارب التشكيلات الأمنية الهزلية للأنظمة ، بل يوجه ضرباته القاصمة للتواجد الإحتلالى الصليبى العنصرى المسيطر على العرب والمسلمين .
يوم ما سيرى العالم محتوى جديدا للحركة الجهادية التى لم تلوثها أيدلوجية السعودية ولا أموال النفط ولا التعبئة الفكرية التى يقوم بها حكماء بنى صهيون عبر الفضائيات ومناصات التواصل الإجتماعى وإمبراطوريات الإعلام الدولية، وماكينات الدعاية الدينية التى أقامتها إسرائيل كى تملأ الدنيا صراخا لترويج (الفتنة الإسلامية) والحروب الطائفية .
سؤال:
إذا كانت فوضى الحروب الحديثة ومنها حرب أوكرانيا، وقبلها حرب أفغانستان، يسفر عنها إنتشار الأسلحة المتطورة المناسبة لحروب العصابات وحروب التحرير .
ومن المتوقع أن حرب أوكرانيا سوف تتسبب فى إنتشار أخطر لتلك الأسلحة بحيث يتمكن كثيرون من حيازتها .
إذن الفوضى الشاملة هي النتيجة المتوقعة لحرب روسيا وأوربا فى أوكرانيا .
ولكن من سينتصر فى الحروب المتوقعة فى أوربا والشرق الأوسط ؟ .
الإجابة :
ينتصر فى تلك الحروب أى شعب يمكنه أن يطبق النظرية الأفغانية فى الأنتصار. وهى نزول الشعب المؤمن المتحد إلى ساحة القتال.
و الخاسر في هذه الحرب ، طبقا لنفس النظرية الأفغانية، هو بالتأكيد الطرف الذى سيعتمد على مبدأ الأرتزاق فى الحرب والنظر اليها كمشروع إستثمارى مالى معتمداً على الأسلحة الفتاكة، والقوى التى تمد المرتزقة بالأموال والدعم اللوجستى والسياسى.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )