طريق الحرير الأفغانى : أنابيب طاقة ، وطرق مواصلات
طريق الحرير فى مروره من أفغانستان لن يكون مجرد طريق لمرور السيارات والشاحنات فقط ، بل شبكة من طرق النقل البرى المكون من القطارات والشاحنات ، إضافة إلى شبكة من أنابيب نقل الطاقة (من نفط وغاز).
تصدير الغاز من إيران إلى الصين عبر الأراضى الأفغانية يعتبر إنعتاقا إقتصاديا للدول الثلاث وتحررا من تغول العقوبات والحرب الإقتصادية التى تفرضها عليهم الولايات المتحدة الأمريكية، والحصار البحرى الذى يحمى تلك العقوبات.
فلدى إيران المخزون الثالث للغاز الطبيعى فى العالم . وهى تعانى من مشاكل فى التصدير بسبب الحصار البحرى الأمريكى والعقوبات الإقتصادية المفرطة.
والصين على الطرف الأخر تعانى من أجل تأمين سلامة تدفق الطاقة ـ خاصة الغاز الطبيعى ـ لصناعاتها بسبب تهديد الأساطيل الأمريكية المتواجدة فى بحرالصين الجنوبى . وفى المحيطين الهادى والهندى.
أنابيب الطاقة من إيران إلى الصين عبر أفغانستان ستكون بعيدة عن تهديد الأساطيل الأمريكية ، وسيبقى التحدى المتمثل فى حماية الأنابيب من تخريب العصابات التى تديرها أمريكا أو تنفذها بقواتها الخاصة. وتلك مسئولية القوات الجهادية الأفغانية .
يحتوى طريق الحرير على شبكة من المشاريع الحيوية ، تنفذ فوق الأرض الأفغانية ، وتؤدى إلى إنعتاق أفغانستان من حالة الحصار وحظر التنمية الإقتصادية عنها لإبقائها داخل سجن الفقر والتخلف وحالة التسول واستجداء المعونات من أمريكا ودول الغرب.
– شبكة الطرق القادمة من الخليج الفارسى فى طريقها إلى الصين عبر أفغانستان. تشمل الطرق البرية للشاحنات والسيارات إلى جانب طريق للقطارات . طرفها يرتبط بالشبكة الحديدية والطرق فى الصين، والطرف الآخر مع الشبكات المثيلة فى إيران .
بصورة أخرى ستمر شبكة طرق ومواصلات، وأنابيب الطاقة بالعواصم الثلاث بكين ـ كابول ـ طهران . وبشكل أوسع ستكون رابطا بريا بين شواطئ الخليج الفارسي وشوطئ بحر الصين لتكتسب قيمة إستراتيجية عالية. وبالتالى فإن القدرة الإقتصادية لأفغانستان سترتفع إلى مدى كبير جدا، وكذلك مكانتها السياسية. فطريق الحرير وتفرعاته يعتبرإستثمارا حيويا للموقع الإستراتيجى لإفغانستان ، وإنطلاقاً من ذلك الموقع المتوسط إلى كل آسيا والعالم . وذلك كبديل عن وضعها السابق كمنطقة عازلة بين إمبراطوريتين (روسيا/ بريطانيا)، بما جعلها عرضه لغزو متتابع من كلا القوتين الإستعماريتين فى ثلاث غزوات بريطانية ، ثم غزوة سوفيتية (روسية )، تلتها غزوة أمريكية أوروبية مشتركة.
الآن .. وعبر طريق الحرير .. ستخرج أفغانستان من الحصار والإنكماش كمنطقة عازلة ، إلى وضعية الإنتشار العالمى، والتفاعل بين قيم الإسلام من جهة، وبين منجزات الحضارة المادية الحديثة من صناعة متطورة وتكنولوجيا .
طريق الحرير بالنسبة لأفغانستان هو مرور إيجابى لخطوط الطاقة والنقل البرى، وليس مجرد دخل إضافى من ضرائب المرور. أى أنه ليس مجموعة “بَتَكات” على طول الطريق لفرض ضائب عبور لا مبرر لها. بل هو مشاركة فى مشاريع متعلقة بذلك الطريق لتعظيم موارد الشعب وتشغيل الأيدى العاملة، وإكتساب الخبرات، وتطوير التعليم وربطة بالتطور الإقتصادي والإنتاج ، وليس مجرد توظيف الشباب فى المكاتب الحكومية.
فرص العمل :
تبدأ عملية توسيع فرص العمل مع بداية تنفيذ طرق النقل البرى ـ (من حدود الصين إلى حدود إيران). سيوفر ذلك فرص عمل لمئات الآلاف من الأفغان . ومن الخطوات الكبرى ربط أنابيب الطاقة وشبكة الطرق الجديدة مع مثيلاتها فى أفغانستان.
فالطرق البرية الداخلية سوف ترتبط بخط الحرير الدولى . وخطوط الطاقة من إيران إلى الصين ـ ستدخل فيها شبكة الطاقة المحلية إما للتصدير أو الإستيراد ، بضخ كميات الطاقة الزائدة عن الاستهلاك المحلى لتصديرها الى الصين ، أو إستيراد كميات الطاقة المطلوبة لاستهلاكنا المحلى عبر تلك الخطوط . وفى كِلا الحالتين توفير للأموال التى كانت تصرف فى نقل الطاقة.
شركة تنمية مصادر الطاقة :
الشركة المذكورة يمكن قيامها على هامش طريق الحرير فى أفغانستان. وتتكون من حكومات الدول الثلاث (الصين وأفغانستان وإيران) أو من شركات الطاقة فى البلدان الثلاثة .
من مهام الشركة الإشراف على توصيل وصيانة خطوط الطاقة القادمة من إيران إلى الصين عبر أفغانستان . والإشراف على تنمية مصادر الطاقة فى أفغانستان لإكتشاف مصادر جديدة للنفط والغاز والفحم الحجرى . وصيانة وتطوير منشآت النفط والغاز ومعامل التكرير.
الشركة فى مشروع صفقة مع تابى :
يمكن لشركة تنمية مصادر الطاقة ـ أن تدخل فى صفقة تجارية مع إدارة مشروع تابى لإنقاذه بعد أن أصبح محاصراً ومجمداً على الحدود بين تركمانستان وأفغانستان. فمروره من أفغانستان وصولا إلى الهند عبر باكستان أصبح مشروعاً فى ذمة التاريخ . وتمديد خطوط تابى للطاقة إلى شواطئ تركيا أو إسرائيل هو الآخر مشروع خيالى وغير إقتصادى بالمرة ، وهناك أيضا العلاقات الملغومة بين أطراف هامة مرتبطة بالمشروع.
طوق النجاة يمكن أن تقدمه “شركة تنمية مصادر الطاقة” لإنقاذ تابى . وبشكل مُبَسَّط تستلم الشركة ، جميع نفط وغاز تابى على حدود تركمانستان وتسير به إلى محطة رئيسية داخل أفغانستان ومنها يتم تسويق موارده فى أى إتجاه يتاح للشركة بدون أى تَدَخُل من إدارة تابى. (وذلك فى إمتياز محدود المدة بثلاثين عاما على سبيل المثال). وفقاً لفترات سداد متفق عليها تدفع الشركة قيمة النفط والغاز الذى أخذته من تابى .
“شركة تنمية مصادر الطاقة” ، واحتياجات باكستان :
شركة تنمية مصادر الطاقة يمكنها تزويد باكستان بإحتياجاتها من الغاز الطبيعى عبر ممر “سبين بولدك” الحدودى مع أفغانستان . ولكن من المستبعد الدخول فى أى مشروع كبير عابر لحدود البلدين قبل أن تبادر باكستان إلى إصلاح التجاوزات التى قامت بها على الحدود بين البلدين بالتعدى على الأراضى الأفغانية والتقدم فيها وإقامة سياج حديدى فاصل. ناهيك عن مشكلة تمركز القوات الأمريكية وغارات الطيران الأمريكى المنطلق من باكستان لقصف أفغانستان.
ومازالت مشكلة خط “ديورند” الفاصل بين البلدين ويحتجز خلفه أراضى أفغانية واسعة كان من المفترض عودتها إلى الوطن الأفغانى فى عام 1993 حسب الإتفاق البريطانى مع حكومة أفغانستان. لهذا فمن المعتقد أن تعرقل تلك المشكلات أى تطوير جذرى للعلاقات بين البلدين.
ولكن حل مشكلة الطاقة فى باكستان قد يشكل لها حافزا على إصلاح أخطائها الحديثة والتاريخية.
من المتوقع مرور كميات يصعب تخمينها من المنتجات الصينية التى ستعبر (طريق حرير أفغانستان ) صوب إيران، ومنها إلى الشرق الأوسط وأوروبا وجزيرة العرب وشرق أفريقيا . وكذلك المنتجات الإيرانية المتوجهة إلى السوق الصيني ، الذى يمثل لها قاطرة إنطلاق إقتصادى، بعد حصار إجرامى فرضته عليها أمريكا وبنوك العالم.
لن يكون إقتصاد أفغانستان على الهامش من ذلك الخضم الإقتصادى المتدفق عبر أراضيه، فتلك الخطوط لها فى بلاده منشآت ومستقرات ومخازن وأسواق حرة.
ولأول مرة سيتاح لأفغانستان فرصة المشاركة فى مسارات الإقتصاد العالمى .
وبإدارة حسنة ونظيفة من الإمارة الإسلامية لن يكون هناك فقر فى أفغانستان ولا إحتياج (لمعونات أنسانية) من أعداء الإنسانية ، ممن قتلوا الشعب الأفغانى خلال عشرين عاما ، وتظاهروا على قتلة لعشرات السنين.
بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )