استراتيجية (الصبر القاتل)

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

مجلة الصمود الإسلامية | السنة السادسة عشرة – العدد 185 | ذوالقعدة 1442 ھ – يونيو 2021 م.   

27-06-2021

 

استراتيجية (الصبر القاتل)

– جاهد الأفغان وانتصروا على أمريكا والنظام الدولي. وسينتصرون في معركة بناء دولتهم الإسلامية القوية، والمستقلة عن كل المواصفات الأمريكية.

– استراتيجية (الصبر القاتل) تتبعها الإمارة الإسلامية، فتترك عدوها يتنفس لبعض الوقت، إلى أن تنجز مهاماً كانت تُنْجَز عادة بعد الفتح واقتحام العاصمة.

– لم تنجح أمريكا في حرب المعتقدات وتغييرالسلوك والعادات الاجتماعية وتحويل المجتمع الأفغاني إلى صورة مشوهة للمجتمع الغربي كما حدث في معظم البلاد الإسلامية.

– مرة أخرى: بقوة الإيمان، ثم بقوة السلاح، فرض شعب أفغانستان إرادته فوق أراضيه؛ فتضاعفت مساحة الإمارة الإسلامية وأسلحتها وأعداد شعبها في الأراضي المحررة.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 185 : اضغط هنا

 

تتساقط المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بسرعة أذهلت حتى المراقبين الحكوميين.

والنشرات الصادرة عن أنصار الإمارة الإسلامية مزدحمة بأسماء المناطق وكميات الغنائم، والقادة العسكريين المستسلمين أو الصرعى والقوات التي تبخرت من الوجود لأسباب مجهولة.

حتى تكاثرت الأصوات التي تطالب الإمارة الإسلامية بالإجهاز على النظام بضربة نهائية وأن تدخل المدن والعاصمة. ولكن للإمارة الإسلامية خططها واعتباراتها. فهي تنشب أصابعها القوية في عنق النظام بدون أن تجهز عليه، مما أثار دهشة واستغراب أكثر المراقبيين.

– العجيب والجديد هو استراتيجية (الصبر القاتل) التي تتبعها الإمارة الإسلامية، فتترك عدوها يتنفس لبعض الوقت إلى حين ان تنجز مهام كانت في الحروب المماثلة، تنجز بعد الفتح واقتحام العاصمة. الإمارة أنجزت الكثير جدا من تلك المهام الآن. مستفيدة من تشبث أعدائها الأغبياء بإمداد النظام بمقومات الصمود. تلك المواد شيدت لها الإمارة الإسلامية طرقاً ومسارات ومخازن، لتحصل عليها بعد وقت قصير من وصولها.

النظام الحاكم، بفساده، يؤدي دورا وطنيا لأول مرة في تاريخه. إذ يخصم نسبة من المعونات كأتعاب له، ثم يمرر الباقي إلى المجاهدين. والنسبة المحتجزة يشتريها المجاهدون، مستفيدين من يقظة ضمير الفاسدين ، لحل مشاكل متوقعة بعد الفتح.

-قال خبير عسكري حكومي: طالبان تستخدم استراتيجية خطيرة. فهم الآن يسيطرون على المدن الأخرى تاركين العاصمة وحيدة حتى اللحظة الأخيرة.

وجاء في تحليل عسكري آخر، إن طالبان لا تتعجل إسقاط المدن حتى تتيح لمقاتليها فرصة لترسيخ أوضاع المناطق المحررة، بعد التقدم السريع في الفتوحات والأراضي المحررة، والقوات الحكومية المنضمة إلى الحركة.

إذن المهمة هي ترسيخ الأقدام وتنظيم المناطق المحررة وتجميع الغنائم الهائلة. أما المدن فطالبان متواجدون بداخلها عملياً بدون استلام السلطة رسميا، معتبرين ذلك عملا مؤجلا لحين الاستفادة من الوقت الحالي والفرص المتاحة فيه.

– ولا ننسى أن أمريكا والناتو ملتزمون بدعم النظام في جميع الأوجه، للصمود ودعم الاحتياجات العسكرية والمدنية، وكلها إمدادات تحتاجها طالبان الآن. ومازال الاحتلال يتكفل بها، وتصل إلى طالبان بسرعة. وذلك عنصر مؤثر في عملية الإعلان عن تولي الإمارة الإسلامية للسلطة رسميا في المدن عامة والعاصمة كابول بشكل خاص.

– لا أحد يدافع عن النظام الذي يقتله الفساد وصراع الأجنحة على السرقات. مع الشعور باقتراب السقوط تراهم يبيعون كل شيء للإمارة الإسلامية، حتى المعلومات السرية التي تؤدي إلى ضرب شبكات التجسس واغتيال الشخصيات المحورية التي تدير الأعمال المضاده لطالبان.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 185 : اضغط هنا

في أمريكا غموض وتناقض

تثير أمريكا جوا من الغموض والتناقض حول نواياها في أفغانستان. يرجع ذلك إلى معضلات تواجه تلك الدولة العظمى التي دخلت بالفعل في مرحلة الهبوط والأفول الحضاري نتيجة مجموعة من المشكلات العويصة. وهزيمتها في أفغانستان فاقمت من تأثير ذلك الخليط من المعضلات القديمة والجديدة. مضافا إليها تفاعلات الهزيمة العسكرية وهي تفاعلات نفسية ومعنوية، وضربة عميقة لجنون القوة، والثقة غير المحدودة بالقدرات المادية المتوفرة لتلك الدولة، وفشل كل تلك القدرات، وانهيارها غير المنطقي أمام قوة صغيرة متخلفة ماديا ، ولكن لديها قوة معنوية لم يتصور الأمريكان أن لها كل ذلك التأثير. حتى أنها أفشلت العوامل المادية التي وضعوا كل اعتمادهم ـ وإيمانهم ـ وثقتهم بها. بل كانت هي دافعهم الأول لمحاربة أفغانستان لاغتصاب ثروات شعب لا يدري حتى بوجودها في أرضه ـ أو أنها بهذا القدر المهول.

 

في أفغانستان.. الإسلام هو العدو

أدرك الأمريكيون ـ بعد فوات الأوان ـ كما أدرك السوفييت قبلاً ، أن سلاح الأفغان الأساسي هو الإيمان الديني. ولأجل استعباد ذلك الشعب، فلابد من انتزاع الدين منه. وقد واظبوا على ذلك طول الحرب التي كانت الأطول في التاريخ الأمريكي، حتى الآن.

والسبب الأساسي في إطالة مدة الحرب ـ رغم اتضاح فشلها منذ وقت مبكرـ كان لإتاحة فرصة زمنية أطول لاقتلاع الإسلام من أفغانستان، أو الفصل بين الشعب وبين الإسلام.(كان رأي أحد العسكريين الأمريكان أنهم في حاجة إلى سبعين سنة لاستبعاد الإسلام من أفغانستان). وأهم الأسلحة في ذلك هو التعليم، وإنتاج جيل غير مُؤمِن، يحكم البلد لصالح القوى الأجنبية وأطماع الطبقة المتعلمة الجديدة. وهو ما حصل في البلاد العربية التي بفعل التعليم الغربي تبدلت فيها الثقافة والمعتقدات، وجاءت طبقة قائدة، معادية أو لا مبالية بالدين، وبعد عقود أعلنوا الردة عنه ولكن بأسماء مبتكره مثل التقدم أو الترفيه والتطوير والانفتاح والتسامح.

إضافة إلى التعليم أصبح انتزاع الإسلام من الشعب معتمدا على الفضائيات التلفزيونية وشبكة الإنترنت، ثم باقي وسائل التخريب الثقافية،التي يقوم عليها أعداء الدين وعملاء المستعمر، يساندهم الغرب بالمال والجوائز والإشادة الإعلامية والسياسية، باعتبارهم طلائع المدنية الغربية.

لم تنجح أمريكا في حرب المعتقدات وتغييرالسلوك والعادات الاجتماعية وتحويل المجتمع الأفغاني إلى صورة مشوهة للمجتمع الغربي كما حدث في معظم البلاد الإسلامية.

ولكنها خلقت في ذلك المجال مشكلة كبيرة ستواجه الإمارة الإسلامية بعد عودتها إلى السلطة. وهي مشكلة تطهير المجتمع من آثار الغزو الثقافي والفكري الاجتماعي الذي رافق الغزو الأمريكي. خاصة وأن الغزو العسكري ضم (قوات إسلامية) تقوم بفتنة المسلمين الأفغان، وكسب ثقتهم ومودتهم لقبول الاحتلال وبرامجه خاصة في المجال الديني والثقافي.

 

مسلمون تحت راية الصليب

-من هنا كان خطورة وجود “مسلمين” تحت راية الحملة الصليبية على أفغانستان ـ وكان ذلك ضمن أهداف تواجد القوات التركية والإماراتية والأردنية ـ خلال العشرين سنة (الأولى) من الاحتلال. وفي مطلع “العشرين سنة الثانية” ظهرت خطورة إضافية لتلك القوات في أعقاب الانسحاب الكبير(وليس الكامل) للقوات الأمريكية من أفغانستان.

-فتقوم القوات التركية، بصفتها عماد قوات الناتو في أفغانستان، بالمهام الاستعمارية الجديدة التي كلفتها بها أمريكا. وهي أقرب إلى الاستعمار بالوكالة. ولما رأت تركيا المهمة أكبر من حجمها وقدراتها، طالبت بإشراك باكستان معها عسكرياً داخل أفغانستان بشكل علني، وليس فقط في مجال العمل الاستخباري السري.

– مرة أخرى: بقوة الإيمان، وقوة السلاح، فرض شعب أفغانستان إرادته فوق أراضيه. فتضاعفت مساحة الإمارة الإسلامية وأسلحتها وأعداد شعبها في الأراضي المحررة.

 

مؤامرة حلف الناتو الإسلامي

في أول زيارة خارجية بعد انتخابه رئيساً، رمى ترامب عدة قنابل ثقيلة على المسلمين.

الأولى اعتباره القدس عاصمة موحدة لإسرائيل.

الثانیة طرح مشروع (صفقة القرن) لإنهاء قضية فلسطين لصالح إسرائيل وتعويض الفلسطينيين ببرامج رشاوى اقتصادية يتحمل عرب النفط تكاليفها.

الثالثة والأخطر هي تكوين تحالف عسكري بين إسرائيل والعرب (والمسلمين السُنَّة) يكون موجهاً ضد “المسلمين المتشددين”. استبعد كثيرون أن يكون هذا الكلام قابل للتطبيق مهما كان التوافق السياسي بين إسرائيل وحكومات العرب والمسلمين ـ سراً أو علنا ـ ولكن أن يكون هناك تحالف عسكري ضد أطراف إسلامية أخرى، استبعد كثيرون ذلك الاحتمال.

 

الشريعة والحرية.. في مقابل السفارة والمطار

تحايل عجيب تحاول أمريكا تمريره على المجاهدين الأفغان وإمارتهم الإسلامية. فتقول إنها قد تُحَرِّك قواتها لحماية السفارة الأمريكية في كابول. وأنها قد كلفت القوات التركية بحماية مطار كابول والبعثات الدبلوماسية في العاصمة.

ليصبح الانسحاب مجرد استبدال لقوات الاحتلال وتغيير في واجبات المحتلين. وتتصور أمريكا أن الشعب الأفغاني يمكن أن يساوي بين حريته الدينية والسياسية وبين وجود سفارة أمريكية، وسفارات أوروبية لم تقدم له شيئاً في تاريخها سوى المصائب. بل إن بعضها كان منطلقا لعمليات احتلال أجنبي أو إدارة حرب داخلية. ومعظمها ـ على الأقل ـ منخرط بشِدَّة في نشاطات تهريب المخدرات وغسيل الأموال.

وأن الأفغان قد يتوهمون أن دولتهم لن تقوم لها قائمة بغير وجود سفارات في كابول، خاصة سفارات الدول التي شاركت في الحرب على بلادهم. بعض السياسيين الأفغان يتوهمون ذلك ويتصورون أنه بدون تواجد بلادهم في الأمم المتحدة فلن يكون لها اعتبارعلى كوكب الأرض.

-فكما جاهد الأفغان وانتصروا على أمريكا والنظام الدولي. سينتصرون في معركة بناء دولتهم الإسلامية القوية، والمستقلة عن كل المواصفات الأمريكية: بلا سفارات للمعتدين، ولا مطار للتهريب الدولي، ولا أمم متحدة متواطئة، ولا معونات اقتصادية أو”إنسانية!!” من المستعمرين اللصوص.

فلدى الأفغان أغنى الكنوز الطبيعية على سطح الأرض، وحولهم دول كبرى تتلهف على التعاون والمشاركة الاقتصادية العادلة والمتكافئة. فالإمارة هي الأقدرعلى إدارة البناء الاقتصادي ومشاريع التكافل والعون الإسلامي في أفغانستان، وليس أي مؤسسة صليبية جاءت وهي تحمل الإنجيل في يد ورغيف الخبز في اليد الأخرى، والقنبلة والمسدس في أياديها الثالثة والرابعة.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 185 : اضغط هنا

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world