المرحلة الثانية من حرب الأفيون الثالثة

المرحلة الثانية من حرب الأفيون الثالثة

–  باكستان عاصمة المرحلة ، وقطر قاعدة الأسلحة السرية المستخدمة فى أفغانستان.

–  بديلا عن قاعدة بجرام ، مطاركابل مركز للتوزيع العالمى تحت حماية الجيش التركى.

 

على ضوء هزيمتها وإنسحابها من أفغانستان ـ تعمل الولايات المتحدة على تفادى مصير الإتحاد السوفيتى، حتى لا تترافق الهزيمة والإنسحاب مع إنهيار الدولة الأمريكية .

فتعمل على الأقل لتأخير ذلك الإنهيار إلى أبعد مدى زمنى ممكن، رغم أنه يبدو حتميا .

من أساليب التأخير، التهديد بقصف المدن إذا دخلتها حركة طالبان . وهو تهديد لن يجدى كثيراً، لأن النظام يتهاوى بسرعة والمدن الكبرى تركض صوب طالبان مستغيثة بحكم الإسلام الذى طال إحتجابة بفعل حملة بوش الصليبية.

 كما فشلت محاولات أمريكية أخرى لتحويل قضية أفغانستان إلى قضية مفاوضات أزلية لا تنتهى، ولكن يتخللها تفاهمات إقتصادية وسياسية تضمن مكاسب الإحتلال وتوقف المقاومة الجهادية. مع توزيع رشاوى/ على النمط العراقى/ على زعامات قبلية وطائفية وسياسية.

 

أهم خطوات منع الإنهيار بعد الإنسحاب :

إعادة ترتيب سوق المخدرات الدولية بما يتناسب مع مرحلة إلغاء الإحتلال الأمريكى المباشر لأفغانستان. وهى عملية طويلة ومعقدة ، بدأت قبل توقيع إتفاق السلام المخادع فى الدوحة . وقد أعلن الأمريكان مؤخراً عن حملة إستخبارية دولية لضرب خطوط توزيع المخدرات. وادَّعوا إلقاء القبض على المئات من المتورطين . الهدف هو التحكم فى مسارات جديدة للنقل ، وتصحيح قائمة المنتفعين بصناعة التهريب الدولى . بالتوازى مع تعديل مسار تدفق أموال المخدرات الذاهبة إلى التكرير والتنقية (الغسيل). وهى عملية مؤلمة وتطال بنوك ومصارف ودول ومشاريع دولية عملاقة ، ومسارات سياسية هامة على إتساع القارات .

طبيعى أن تتأثر كيانات قائمة سلباً أو إيجاباً . ويعاد توجيه جزء هام من الأموال القذرة لدعم الإمبراطورية الأمريكية فى ثوبها المهترئ الجديد. بتمويل ثورات ملونة أو إنقلابات أو حروب محدودة { لإحلال السلام ، ومحاربة الإرهاب!! } .

– الولايات المتحدة نقلت معها إلى باكستان عمليات التصنيع (هيروين ومخدرات أخرى) و مراقبة وإدارة عمليات التوزيع وغسيل الأموال القذرة ومسالك حركتها حول العالم . وبذلك تأهلت باكستان لتصبح عاصمة المرحلة الجديدة لإمبراطورية المخدرات الأمريكية.

وتحولت إلى قاعدة عسكرية ومركز إستخباري مشترك (لأمريكا وإسرائيل)، هائل الحجم والتكنولوجيا ، ومرتبط بشبكة مماثلة فى مشيخات الخليج، واضعاً إيران بين فكي كماشة.

 

أفيون أفغانستان : المرحلة الثانية من حرب المخدرات الثالثة

فى عام 2001 شنت أمريكا على أفغانستان حرب الأفيون الثالثة بذريعة الإنتقام لحادث 11 سبتمبر . وبعد إنسحابها من أفغانستان و إنتقال الثقل الأمريكى إلى باكستان ، حولت الحدود بين البلدين إلى ساحة توتر عسكرى وتواجد تجسسي مكثف، موجه صوب أفغانستان وباقى المنطقة خاصة إيران والصين وآسيا الوسطى .

من تلك الحدود المشتعلة، تضمن أمريكا تدفق حصتها من أفيون أفغانستان، مستخدمة قوات المرتزقة الأجانب والمحليين فى إمداد مراكز التصنيع فى باكستان بما يلزمها من مخدرات.

 

مطار كابل بديل عن قاعدة بجرام الدولية :

التوزيع الدولى للمخدرات من أفغانستان، إنتقل مركزه إلى مطار كابول، بعد أن كان فى قاعدة بجرام العسكرية . وبدأ المطار يأخذ وضع فوق العادى بكثير. فالإدارة المدنية والردارت فى عهدة أبوظبى ، والحماية العسكرية تقع على عاتق القوات التركية.

– { دور الإمارات وتركيا فى أفغانستان/ بعد التراجع الأمريكى صوب باكستان/ مرشح كثيرا للتوسع، إعتمادا على مدى التطورات القادمة فى ميدان القتال. فالإمارات متعاقدة على إدارة ثلاثة مطارات أخرى غير مطار كابل . ومهام حمايتها لم تحسم بعد ، لأن مصير المطارات سيؤول حتما إلى أيدى حركة طالبان. ولكن الثقة الأمريكية و واقع قوات الناتو تشيران إلى أن القوات التركية هى المرشحة لأهم الأدوار فى أفغانستان ، إضافة إلى تلبية رغبات أمريكا فى بقاء قوات أجنبية لحماية البعثات الدبلوماسية فى كابل، بما فيها السفارة الأمريكيىة التى تصر أمريكا على تواجد قوات أمريكية لحمايتها، وهو ما تصر طالبان على رفضه}.

وهنا ينبغى ملاحظة تصريح الممثل الأعلى لحلف الناتو فى أفغانستان لصحيفة حريت التركية (اكتوبر 2019) حين قال أن تركيا لعبت على الدوام دورا بناء ومحوريا فى مهمة الناتو فى أفغانستان منذ عام 2003 . و يبدو أن هذا الدور يتعمق ويتزايد مع التطورات الراهنة .

– من بين الخطط التى سيعرضها الجيش الأمريكى على البيت الأبيض ، تكليف الجيش التركى المشارك فى قوة حلف شمال الأطلنطى، بمهمة حماية أمن مطار كابل والإبقاء على دفاعات عسكرية لردع أى خطر يهدد الملاحة الجوية. (و المقصود هنا حماية المطار من السقوط فى أيدى مجاهدى طالبان).

وقد رفع الجنرال فرانك ماكنزى قائد القيادة الوسطى الأمريكية إلى البيت الأبيض خططا لحماية السفارة الأمريكية فى كابل، وتأمين الطريق الذى يربطها بمطار العاصمة.( يحتمل تكليف القوات التركية بهذه المهمة أيضا، إستكمالا لمهامها فى حماية المطار نفسه ).

 

أهم الرحلات الدولية لتوزيع المخدرات تنطلق من مطار كابل لتتجه صوب تركيا وإسرائيل والإمارات .

– بعد الإنسحاب تعتزم أمريكا وضع أفغانستان (الإمارة الإسلامية) تحت ضغط أمنى وإقتصادى ، وحصار إستراتيجى يعزلها عن (جميع) دول الجوار ـ إن أمكن ـ ليقطع إمكانية تحولها إلى حلقة إتصال مركزية فى قارة آسيا، وبالتالى إرتفاع كبيرفى مكانتها الإقليمية والدولية ، مع إمكانات تطور إقتصادى غير محدود .

– القاعدة العسكرية الإستخبارية الأولى فى المرحلة الحالية من حرب الأفيون هى باكستان. يقابلها مشيخات مجلس التعاون الخليجى فى مجالات دولية مثل (التوزيع) و(الغسيل). وأيضا كقاعدة جوية لضرب أفغانستان بأحدث الطائرات المُسَيَّرة والصواريخ . والتى تستخدم على سبيل التجربة ـ حصرياً فى أجساد شعب أفغانستان. فى قاعدة العديد فى قطر، تستقر الطائرات الأحدث فى العالم ، والتى تعتبر أسرارا عسكرية، بحيث لا تأمن أمريكا على سلامتها فى أى دولة أخرى غير قطر ، حتى ولو كانت تلك الدولة الأخرى فاسدة ومنزوعة الإرادة مثل باكستان، التى هى عاصمة المرحلة الثانية من حرب الأفيون الثالثة.

 

أمريكا فى أفغانستان : أطماع و كوابيس :

 تعمل أمريكا على فرضية نجاح واحد من عدة إحتمالات متناقضة ، وهذا يفسر تضارب التصريحات الأمريكية حول أفغانستان. أفضل الإحتمالات للأمريكيين هى التوصل إلى تفاهم فى كابل حول نظام سياسى متكامل مع الإستراتيجية الأمريكية فى أفغانستان والعالم ، بإعتبار أفغانستان مصدر تأثير كبير فى إقتصاد وسياسة العالم (تراها أمريكا مزرعة مخدرات العالم، ومنجم لا مثيل له من المواد الخام النادرة).

أخطر الإحتمالات ـ وهو الأرجح ـ هو أن تعود الإمارة الإسلامية إلى الحكم الذى إنتزعته منها حملة بوش الصليبية الشهيرة . عودة مدعومة بحماس شعبى وثقة فى النفس وفى صحة المناهج الإيدلوجية والسياسية ، وكراهية كاملة لأمريكا والناتو وجبهة النفاق المساندة لهما بشعارات إسلامية وقوات عسكرية وفتاوى دينية مدفوعة الأجر.

 هناك تصميم راسخ على حتمية تطبيق إسلامى صحيح فى أفغانستان ، يتناول حياة الناس كلها وشئون المجتمع ، ولا ينحصر فى قشريات خادعة. يساعد على ذلك إنكشاف زيف الإدعاءات الإسلامية فى جزيرة العرب ، وفى تركيا أردوغان ، وفى باكستان المستودع الدائم للتآمر على أفغانستان.

أخطر الكوابس التى تخيف أمريكا هو يقظة الأفغان على قدراتهم وأهمية دورهم وعظمة بلادهم حاضرا ومستقبلا. وإدراك بحقائق السياسة العالمية والإقليم المحيط بأفغانستان. وتلَهُّف العالم الإسلامى على دور رائد ومميز لأفغانستان فى قضايا المسلمين كافة، من تحرير فلسطين إلى توحيد الأمة والمضى بها نحو المكانة العليا التى تستحقها.

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world