33 استراتيجية  للحرب -7- (استراتيجية الروح المعنوية)

سلسلة مقالات 33 استراتيجية  للحرب -7- (استراتيجية الروح المعنوية)

بسم الله الرحمن الرحيم

7- استراتيجية الروح المعنوية

 

الإيمان بالله .. وضوح المنهج .. القيادة الربانية .. صدق الإخوة .. نزاهة شركاء المسيرة ..

انتشار العدل .. الانسجام بين همة الشباب وحكمة الشيوخ .. إنكار الذات والتمسك بالفريق ..

النبوءات والمبشرات .. البطولات والأبطال .. الراية والشعارات .. الرموز والقدوة ..

أساس نهضة المعنويات وبها ترتقي .. فنحن أمة جمعنا

إله أحد .. نبي واحد .. كتاب واحد .. رسالة واحدة .. قبلة واحدة .. أمة واحدة ..

 

 

اهتم الإسلام بالروح المعنوية وعمل على إخراج الأنا من الفرد المسلم إلى نحن ( المسلمين ) .. وجعل ثمرة ذلك هو النصر الجماعي في الدنيا .. وجعل الرفعة في الدنيا للدين .. وجعل التمكين له والهداية للبشر سبيلا للغاية ( رضا الله ) .. وبين أن المعنى الحسن للعزة والكرامة المصاحبين للأنا لا يأتي إلا من خلال الدين وللأمة كلها وليست حكراً أو ثوبا خلع على أمير أو حاكم أو ورثتهم ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام …) .. وأكد الإسلام أن حقيقة الثواب للفرد بالآخرة .. وزهد في حظ الدنيا وجعل التخفف منها إشارات على الطريق النقي الطاهر  ..

فالطريقة المثلى لرفع الروح المعنوية هي: أن يكون الدين هو الرمز وما الفرد والجماعة والدولة والإمكانات والأشياء والأدوات إلا أجزاء من دائرة تتكامل لتخدم القضية الأساسية .. الدعوة إلى الله باللسان وبالسنان .. فالدين يعمل على ربط ضمير الفرد بالكل وتزكيته بالتضحية والتواضع لإفراغ صدره من الأنانية والكبر والتعالي .. و ترسيخ الإيمان بالغيب وأن ما عند الله هو خير وأبقى .. وأن دعوتهم وجهادهم من أجل قضية عادلة .. بهذا تجتمع الأجزاء وتتحول إلى كل متناغم .. وهذا يشبع أي نفس مؤمنة .. هذا ينتشلهم من مصالحهم الخاصة .. ويغلب جانب الفداء والتضحية .. ويجعل المصالح الفردية تتقاطع مع المصالح العامة .. فالعز والفخر في نصرة الإسلام والخزي والعار في خذلانه أو نصرة غيره .. فحسن التزام الفرد بدينه يجعله مرهف الحس إزاء الضمير الجماعي الساعي لنيل رضا الله ..

الإيمان حالة نورانية من رقي المشاعر وإرهاف الحس ترشد الفرد للكل وتأخذ بضمير الجماعة لحقيقة الارتباط بالخالق سبحانه وتعالى .. إنها حالة من الخشية والشوق {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23} .. هنا تطيب التضحيات فتهون الصعاب وتسمو الروح ويصبح فناء الجسد وتمزقه زورق نجاة يرتقي بالروح من حياة البرزخ لتسكن في حواصل طير خضر .. قال تعالى { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169}آل عمران .. وقد سأل مسروق عبد الله بن مسعود عن هذه الآية فقال ( إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا؟ قالوا أي شيء نشتهي؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يُسألوا، قالوا يارب نريد أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُرِكوا ).رواه مسلم

يسلك بعض القادة بوعي ( تعمد ) أو بدون وعي .. بعلم أو بجهل .. فيعمد لرفع المعنويات بالمبالغة في المدح .. أو الكرم في المكافأت والعطايا .. وتوزيع المناصب ومنح الصلاحيات …الخ .. هذا السلوك يؤدي لإتلاف النفوس وإفساد العقول وشراء الضمائر وإظلام للحالة النورانية وفسخ للتعاقد الروحاني .. هذا السلوك يفسح المجال أمامهم للهيام في عالم الأسباب مفتقرين لواعظ داخلي أو خارجي يردها.. وفي الختام يكتشف القائد أنه أفسدهم بالدلال المفرط الذي نما عندهم الإحساس بالأنا وحب الدنيا والزهد في التضحية ..

وحينما يراجع القادة أنفسهم في محاولة الإصلاح بالعقاب والانضباط يتحول الحب المصطنع إلى كراهية حقيقة .. أو حينما يحاول إعادة بناء ضمائرهم بإلهاب مشاعرهم بالخطب الرنانة أو الأنشطة الجماعية لن يجد منهم إلا كلمات السخرية والاستخفاف .. لقد تلفت الأجساد وتبعها الأرواح والضمائر  ورزحت فيها العقول ..

حقيقة ما حدث أنه اشترى ولائهم بالمنح والعطايا .. فلم تكن لله وإنما لرمزيته فقط .. لقد بدأ بشراء ولاءهم فأفسدهم ثم أراد عالجهم فكسب عداوتهم .. فأي تغيير عما اعتادوه سيجابه بحالة دفاعية للمحافظة على مكتسباتهم .. ما أكثر هذا وما أكثر من أفسدهم الدلال والمال .. ولا صلاح لذلك إلا بصلاح القيادة والبطانة التي تنتبه لفساد الرمزية وفساد السلوك .. فيعملون منذ البدأ بما فلح به الأوائل.

لعلاج الذين أفسدهم الدلال والمال والمناصب والقرابة .. سبيل .. لنعلم أن الروح المعنوية معدية .. سلبا أو إيجابا .. فالمطلوب إعادة تعينهم في مجموعات تم تربيتها بشكل سليم .. مجموعات مرباة ومنسجمة ونشطة لكي تلتقط الأرواح التائهة والعقول الشاردة وتفيض عليها هدى وفق منهج سليم لرفع المعنويات بطريقة طبيعية .. هذا الوجدان الجماعي يحد من محاولة العودة لسلوكهم الأناني .. ومن أبى بعد ذلك سيواجه وبسهولة بالعزل والعزلة .. وهذا آخر ما يرجوه إنسان ..

ولكي ننشأ مجموعات نشطة وفعالة قادرة على احتواء الأزمات وناجحة في تجاوز العقبات فهذه بعض الإرشادات التي يجب أن يعمل القادة على غرسها أو تنفيذها:

الإيمان بالغيب وأن ما عند الله خير وأبقى .. المحافظة على الطاعة في وقتها من صلاة وصيام وزكاة.. ترسيخ مبادئ الزهد في الدنيا وإشاعة روح التكافل والتضحية .. تقديم نموذج القيادة الصادقة التي تشاركهم المناخ الذي يتحركون فيه .. تحقيق الوحدة الفكرية .. خوض المعارك وفق استراتيجية سليمة لتحقيق النصر في الحرب .. توفير التدريب الراقي للمجاهدين .. توفير الأسلحة والمعدات المناسبة .. تعيين القيادات البارعة المؤمنة .. توفير عناصر النجاح للعمليات العسكرية .. المعاش المناسب بدون تميز .. والمكافأة للمجتهدين .. توزيع الغنائم .. رعاية أسر الشهداء من أرامل وأيتام وتوفير حياة كريمة لهم بعيداً عن الاهتزازات التنظيمية .. إحسان الرعاية الطبية للجرحى .. تكثيف الجهود للبحث عن المفقودين .. الاجتهاد في فك الأسرى بالمال أو بالقتال أو بالخطف .. إحسان التماس الأعذار لعوام الأمة ودعوتهم برفق وحلم .. وحسن التألف للمترددين .. ونفصل في بعضها تالياً..

نقاط هامة لرفع معنويات الجنود في ميدان المعركة:

أولاً: عدالة القضية التي يقاتلون لأجلها: فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه .. فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان .. يتوجب على القادة والكوادر وأهل العلم العمل على توعية جنودهم وكشف الحجب أمام أذهانهم عن الواقع الذين يعيشون فيه .. ويهمنا هنا حقيقتين الأولى مراد الله منهم .. والثانية جوهر الوجود الإنساني .. قال تعالى: {* وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ {61} .. ( التوحيد .. عمارة الأرض ) .. وبحسن بيانهما يتولد لدى الناس إرادة التغيير وتتضاعف لدى الجنود الرغبة في الفداء والتضحية لنصرة معتقدهم من طرف والعيش الكريم في ظلاله من طرف آخر .. يستشكل كثير من الناس دور الدين كمحرك للثورة .. لكنهم جميعا يدركون حقيقة الظلم الاجتماعي وسوء توزيع الثروة والاستئثار بالسلطة .. وهي أيضاً مطالب شرعية حث الإسلام على رفعها بإقامة العدل والتكافل وإيكال الأمر للأمناء من المؤمنين .. إن عدالة القضية وإرتباطها برضا الله يوفران للجنود والناس المحفز الأساسي للقتال والتضحية لتحى الأجيال القادمة في ظلال الشريعة بحرية وكرامة وفرص لمستقبل أفضل.

ثانياً: الإنسان روح وجسد ولكل منهما متطلباته .. ولا بد من الحرص على تقديم هذه المتطلبات:

– الروح: تنشط بزيادة الإيمان بالله وعالم الغيب .. وتتغذى الروح على الكلمات والمواقف والمبشرات والنبوءات .. وتنهض بهم محلقة في أجواء من الحماسة والعاطفة مقتربة من السماء راغبة في ما عند الله .. وليس بعد كلام الله ورسوله كلمة إلا ما ربطت بين الآيات والأحاديث وشرحهما .. قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ } وقال سبحانه { إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } وقال أيضا { إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ } وقال جل في علاه { وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ } وقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم ( والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) .. وقال أيضاً ( أبشر يا أبا بكر ! أتاك نصر الله، هذا جبريل على ثناياه النقع ) .. وقال عليه السلام  ( الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم ) .. وقال وهو يتبسم؟ ( تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله )..

أما المواقف والبشريات والنبوءات فكثير جدا منها للمظفر قطز ما رد به عادية التتر ( فحمل الملك المظفر رحمه الله بنفسه في طائفة من عساكره، وأردف الميسرة حتى تحايوا ورجعوا، واقتحم المظفر القتال وباشره بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم بلاءً حسناً، وعظمت الحرب وثبت كلٌ من الفريقين مع كثرة التتر، والمظفر يشجع أصحابه، ويحسن إليهم الموت، ويكرُّ بهم كرة بعد كرة، حتى نصر الله الإسلام وأعزه، وانكسرت التتر، وولوا الأدبار على أقبح وجهٍ بعد أن قتل معظم أعيانهم …) .. ومن البشريات يقول الشيخ محمد المنجد [ ثم يرصدون أنه بعد ( 11 سبتمبر ) تضاعف عدد الداخلين في الإسلام ثلاثة أضعاف من أهل البلاد الأصليين، وهذا يعني بأن الناس هناك يريدون التعرف على الإسلام والقراءة عنه ] .. ومن النبوءات ما ورد عن الطائفة المنصورة ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله ) إنها أمة عجيبة مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره.. أرفق في نهاية المحاضرة محاضرة للشيخ محمد المنجد مفيدة في هذا الباب ..

– الجسد: ميدان العمل هو ميدان التضحية والفداء .. أن تقدم كل ما تملك روحك وجسدك ومالك مقابل أن تحيا الأجيال القادمة في ظل الإسلام فهذا قمة الجود .. هذه هي الحالة المثالية .. لكن للحرب وللنفس البشرية متطلبات هامة بدونها نفقد قدراً من الطاقة والمعنويات .. في الميدان الجسدي للحرب لا بد أن تكون معدة الجنود ممتلئة وعلى بدنهم زي يناسب العمليات كما يناسب فصول السنة، حتى تستمر إندفاعتهم القتالية وتظل معنوياتهم مستقرة .. وفي الميدان النفسي لا بد أن تكون بجيوبهم أموال فخلفهم من هم بحاجة لها لمواجهة متطلبات الحياة.

إنها المسؤلية إحساساً والتزاماً .. ويمكن تفسيرها في كلمة وحديث وإدراك .. ( الرعاية ).. ( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ) .. ( لو عثرت بغلة بالعراق لسألت عنها يا عمر ) .. تكاليف العملية القتالية عادة محسوبة .. لكن التكاليف المصاحبة لها والتالية لأحداثها لا يمكن حسابها .. كل الحروب تكلف كلا من المنتصر والمهزوم لأنها تخلف: قتلى وهذا يعني أرامل وأيتام .. جرحى وهذا يعني رعاية طبية ونفسية .. أسرى وهذا يعني مجهود سياسي ومالي أو قتالي .. مفقودين وهذه تعني إضطراب وقلق اجتماعي ..

فعلى القادة الانتباه لحجم الأمانة التي على أكتافهم .. كما عليهم الإلتزام بمسؤليتهم لضمان ثبات الصف ولاستقرار المعنويات ولنماء الثقة باطراد .. وعليهم الاجتهاد في توفير: شؤون إدارية قوية .. وتكليف أكفأ وأنشط العناصر بمسؤليتها ويتابعونه بأنفسهم ..

ميدانيا: يجب توفير وجبات منتظمة أثناء القتال ولا بد من توفير وجبة ساخنة خلال اليوم القتالي .. توفير الملابس والأحذية المناسبة التي تسهل مهمة الجندي في ميدان القتال .. الإبداع في مهارة الإخلاء للجرحى ونقلهم من ميدان المعركة ..

إجتماعيا: لا بد من توفير الكفالة والمعاش المناسب بدون تميز .. تقدير المجتهدين بمكافأت .. توزيع الغنائم .. رعاية أسر الشهداء من أرامل وأيتام وتوفير حياة كريمة لهم بعيداً عن الاهتزازات التنظيمية .. إحسان الرعاية الطبية للجرحى .. تكثيف الجهود للبحث عن المفقودين .. الاجتهاد في فك الأسرى بالمال أو بالقتال أو بالخطف …إلخ.

ثالثاً: القدوة وليس العبرة : كن في الطليعة حقق الاتصال الحسي مع الجنود ولا تكسر قلوبهم بفخامة سيارتك او جمال اسلحتك ومعداتك .. خاصة اذا كان بعض القادة يمثلون قدوة تصل الى حد الاسطورة عند الجنود ..

حينما ينشأ التنظيم يتحتم على القائد أن يقود من الأمام وليس من الخلف فهذه لازالت بعيدة جداً .. فهو أشبه بقائد ميداني عليه أن يقدم القدوة لجنوده حتى يتبعوه .. عليه أن يبذل من الجهد أكثر منهم حتى يكون لومه أو مدحه في محله بل يصبح محفزا فعالا مطلوبا من جنوده حتى تستمر معنوياتهم مرتفعه وهمتهم عالية .. من المهم جدا للقائد سبر أغوار النفس البشرية ليتمكن من إحسان إدارتها على الوجه الأكمل .. عليه أيضاً تحريك غريزة المنافسة الحميدة بين جنوده ومساعديه ..

كان النبي صلّ الله عليه وسلم أحسن الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلّ الله عليه وسلم وقد إستبرأ الخبر، وهو على فرس لأبي طلحة عُري، وفي عنقه السيف، وهو يقولك ( لم تراعوا لم تراعوا ) ثم قال: ( وجدناه بحراً ) أو قال: ( إنه لبحر ). رواه البخاري ومسلم.

الروح المعنوية للقائد معدية وأنت كقائد تحدد الإيقاع لا تتركه للجنود .. أذا أدرك المساعدون والجنود أن أي تضحية يمكنك عملها فلن يترددو في التسابق إليها والعكس صحيح .. أن تجعل من نفسك مثالاً هو أفضل طريقة لوضع الإيقاع الصحيح للعمل وبناء الروح المعنوية، حين يرى المساعدون والجنود إخلاصك وتكرسك للقضية فإنهم يتغذون من معنوياتك وروحانياتك المرتفعة ومن تضحيتك الذاتية وسيسابقونك لمعاييرك وستجدهم يركضون خلفك .. عليك أن تجد الهدف وتوحد إرادة جنودك وتجعلها تنسجم سويا لتحقيقه.

ومما رواه مسلم في صحيحه عن غزوة حنين …. قال البراء: كنا والله إذا إحمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي صلّ الله عليه وسلم.

تولد المشكلة عندما يتحول القائد إلى صنم .. فإن تمكنت منه الغيرة والحسد فهذا بداية الطريق للتسلط ( الدكتاتورية ) .. فيغار من بروز بعض الكوادر والأبطال ويبدأ في تهميشهم أو تحويلهم لمستشارين بعيداً عن أعين الجنود .. هنا يكون القائد قد غرس بذور التفكك والانشقاقات وتم تحديد موعد لنهاية التنظيم بعد أن كان طول عمره مأمولاً .. فعلى القادة أن يجتهدوا على أنفسهم بالطاعة والتجرد والبطانة الصالحة..

رابعاً: إيقاظ الحماسة: والمحافظة عليها والتخطيط لإبقاء جذوتها مشتعله مع التعقل حال الاندفاع للأمام .. الخمول والكمون قاتل للحماسة .. لذلك لابد من بقاء الجنود في حالة من الحركية والنشاط باتجاه الهدف[1] التالي .. الإسلام يخاطب الروح والجسد وإلهابه للمشاعر ليس تلاعباً ولا تمثيلاً وإنما تحضيراً للنفس لحثها على بذل الوسع لإنجاز ما تؤمن به .. القادة الصادقون فقط هم الذين ينجحون في إحسان آداء فرض التحريض وإلهاب الحماسة { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً {84}النساء ..

ولتحافظ على اشتعال الحماسة لابد من تنمية روح الفريق وتشجعها وتهيئة مناخ الانتماء لفريق وسعي الجنود للإنضمام إلى كتيبة أو مجموعة لها قدرات خاصة وسجل حافل من البطولات ولها شعار وراية وزي ورموز تجذب الشباب وتشعرهم بالفخر لأن يكونوا من أعضائها ..

روح الفريق أيضا تنموا من خلال التدريب الأساسي .. فكل وفد جديد لمعسكر التدريب يعتبرون أنفسهم رفاق سلاح ومسيرة من اليوم الأول وإلى الشهادة أو التمكين .. وكلما مضوا سويا في التدريبات التالية كلما تعمق بداخلهم أنهم فريق واحد متفهم يعرف قدراته وما يمكنه عمله .. وكلما كان التدريب جاداً وقوياً كلما زادت الثقة بينهم ونما شعور الفدائية والتضحية من الفرد للفريق ومن الفريق للفرد إنه الإيمان والمسؤلية .. إن رابطة اخوة السلاح من أقوى الروابط ..

ويضاعف من الروح المعنوية للجنود حسن وجودة أسلحتهم .. فمثلاً امتلاك سلاح مضاد للطائرات يرفع الإحساس بالعجز في مقاومتها ويجعل الجنود يندفعون للأمام بحماسة مطمئنين على تحيد طيران العدو ..

يتشكل أي فريق من مجموعة من المؤمنين بقضيتهم .. مجموعة حريصة على التضجية في سبيلها .. من الممكن جمع هؤلاء في فريق عمل .. وقد يشكلوا بأنفسهم فريق عمل وهذا كثير في حرب العصابات أن يحدث إنسجام بين مجموعة من الأفراد تجمعهم صفات مشتركة .. وقد يكونوا منضبطون أو فوضويون إلا أن الصفة المهمة هي إلتزامهم بأداء ما يوكل إليهم من مهام على أكمل وجه .. هذه الزمر تبقي معنويات الجيش مرتفعة وتساهم في خلق ما يمكن تسميته القوات الخاصة .. بإيجاز الفريق يمكن تكوينه أو قد ينشأ وحده .. المهم احسان رعايته لإحسان استثمار جهوده ..

إن أربعة من الجنود الشجعان لا يعرف بعضهم البعض لا يمكنهم مهاجمة أسد .. في حين أن فريق من أربعة جنود أقل منهم شجاعة لكن يعرفون بعضهم البعض ويثقون بأنهم يمكنهم الاعتماد على بعضهم فسيهاجمون بإقدام .. هذه هي خلاصة[2] علم تنظيم الجيوش ..

خامساً: امزج بين الحلم والحزم: كن حليماً عادلاً حازماً وأحسن الموازنة بين الثواب والعقاب .. فكثرة المكافأت لأي سبب تفسد المراد منها .. وكثرة العقاب يدمر الروح المعنوية .. وحسن الالتزام بالعدالة يمنح المجتمع سلامته والجيش قوته والدولة هيبتها ..

المعيار في نظرية الثواب والعقاب هو: اتباع الحق والعدل والإنصاف {* إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا {58} .. للمحسن أحسنت وللمسئ أسأت { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {60}.. الصدق وليس المجاملة ( اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ) .. تأليف القلوب وليس شراء الذمم { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {63} .. المداراة وليس المداهنة “المداراة: بذل الدنيا لصالح الدين وعكسها المداهنة” .. العقاب وليس الانتقام { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {160}..  فالهدف تعديل السلوك وردع مرتكب الجرم وضمان عدم تكراره وإخافة الغير ووعظهم ..

يتساوى الناس في الحقوق لا وجود للمحاباة .. يمنح الإيمان والعدل والكفاءة ( أصحاب الجدارة ) الدور والمهمة وحتى اللقب .. روى البخاري أن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ( لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) .. وكنى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم أصحابه بصفاتهم الجبلية: أمين الأمة .. الصديق .. الفاروق .. أسد الله .. سيف الله .. الأسد في براثنه .. سفينة ..

التربية القرآنية تقودنا دائما لتقديم الترغيب على الترهيب .. فالثواب يأخذ بيد الناس ويشجعهم على الخير .. والعقاب ضرورة فبعض الناس يكيفهم رؤية السوط وبعضهم لابد أن يمس السوط جلودهم .. وعلى قائد الجند أن يكون حليماً حازماً لا يحابي أحد ويقدم ويؤخر الناس على كفاءتهم وبذلهم ..

سادساً: قاوم الإشاعات والدعاية المضادة .. قاوم الروح المعنوية المتردية .. شكل رأي عام جديد ..

الإشاعة والدعاية السوداء تغذيهما عدم وضوح القيادة وسرية الاتفاقيات وضبابية الكلمات والمواقف وسوء الاستشهاد بأدلة من أحداث تاريخية أو معاصرة مشابهة لواقعها .. تُقاوم الإشاعة والدعاية السوداء بحسن إيمان القائد وبطانته وشوراه وعدم وقوعهم فيما يغذي الإشاعة مما أسلفنا .. كما تقاوم الإشاعة بالحزم مع المرجفين والمثبطين وعزلهم بأسرع وقت وتقديم العناصر الأكثر التزاماً وانضباطاً وحماسةً هؤلاء سيكونوا درعا ضد أولئك المرجفين المثبطين ..

الكلمات ( سواء كانت إشاعة مضادة أو كلمات تحفيزية ) أو الكلمات المصحوبة بمواقف من الاستكبار والفخر الأجوف تصيب الجنود من الخارج تلامس عاطفة وربما هوى ولا تلامس إيمان .. وقف أبو جهل خطيباً متكبراً مفتخراً فقال: ( والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم ثلاثاً فننحر الجذور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا )..

الكلمات المصحوبة بالمواقف الإيمانية للقيادة والتي تخرج من القلب وبصدق وتواضع تصيب القلوب في الداخل خاصة في أحلك الأوقات يقول علي رضى الله عنه: ما كان فينا فارس يوم بدر إلا المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلَّ الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح .. وعند اللقاء خطبهم فكان مما قال: ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين … ) ..

مقاومة الروح المعنوية المتردية ( الإحباط واليأس والعجز ): القائد السيء يصيب كوادره وهيئة أركانه بحالة من الاحباط تخلف خمولا ويأساً .. فيتولد عندهم موقفا متضاد ( الثورية والخمول ) في نفس الوقت، هنا لا بد من تغيير القائد الذي خلف برنامجه هذه الحالة وما ترتب عليها لاحقاً من هزائم .. القائد الجديد لكي يعيد بناء الثقة لكوادره وجنوده عليه أن يتخذ أسلوبا غير مباشر للوصول لمكامن الطاقة لديهم فيحفزهم بها .. عليه أن يعيد تدريبهم ميدانياً وأن يزيد الاحتكاك بين كافة المستويات متكلماً عن المعاني الإيجابية التي غابت لفترة والتي تتمسك بالمبادئ وتبرز الشهامة والوفاء والمروءة وتحرك الطاقة وتلهب الحماسة .. ويتفادي الحديث عن المعاني السلبية التي تلحق الخزي والعار بفاعلها .. مجموعات الجند لها شخصية جماعية .. وبإحسان توجيهها تزداد صلابتها الإيجابية مع الوقت والعكس صحيح .. شدد على الفاعلية والنشاط لأنها تؤدي إلى النجاح؛ والنجاح يرفع الروح المعنوية وهو المطلوب..

كان خالد بن الوليد رضى الله عنه قائدا ملهما موفقا مبدعا مجددا.. ومنذ توليه القيادة في معركة مؤته لم يعرف الفشل إلى ركابه طريق .. وأصبح يمثل أسطورة عسكرية في نظر جنوده .. وشعروا أنهم جزء من إسطورته فصحبوه بإيمان وثقة في توفيق الله له رغم أن خالد كان لا ينام ولا يُنيم .. كما أنه لم يفسدهم بالدلال أو قرب منه غير الأكفاء .. فلقد كان زاهدا راغبا فيما عند الله .. ولطالما خاطب جنوده بالعزة والمرؤة ولم يخاطب جشع النفوس .. وحينما يكافئ أو يرقي أحد فكانت تمنح على الجدارة لا على حسابات سياسية .. قاد خالد من الأمام وتكسرت في يده السيوف .. فأوجد حالة من الإثارة والفدائية بين الجنود فنافسوه في الإقدام .. والدارس لمعارك خالد يجدها درسا في القيادة تتكدس الصفحات ولا تحتويه وتتوه الحروف عجزاً عن التعبير .. عجزت النساء أن يلدن مثل خالد .. رحم الله أبا بكر قد كان أعلم مني بالرجال مني .. وعلى مثل خالد فلتبك البواكي ..

الحرب صراع إرادات، سواء أكانت حرباً باردة أم ساخنة، فإنها بين الشعوب وليست بين القوى المسلحة وحسب، والايمان بالله هو جوهر الروح المعنوية وهو مصدر الإرادة، وهي حالة روحية وإيمانية عقلية ونفسية تثبت الشجاعة والأمل، وتتجسد في روح الفريق وحب الوحدة والتصميم والعزيمة، وتنبعث من الدين والقيادة والانضباط واحترام الذات والإيمان الراسخ بعدالة الدوافع والأسباب، والجانب الذي يحافظ على طاقة القوة المعنوية يمكنه التحرك بنجاح حتى النهاية رغم كل العقبات، أما إذا فُقدت الطاقة المعنوية فإن كل الخطط والإجراءات والإمكانيات تصبح عديمة القيمة..

الروح المعنوية المرتفعة تضاعف من أداء الجيش وتجعل قدرات المجاهد تتفوق على إثنين من خصومه وقد يصل تفوقه إلى عشرة وربما ألف.. قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ {65} الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {66} الأنفال .. وكان بعض فرسان الصحابة يعد بألف رجل في القتال منهم الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد وخارجة بن حذافة وطلحة بن خويلد الأسدي رضي الله عنهم جميعا ..

نحن بحاجة إلى المؤمنين حقا .. الذين يقيمون الصلاة .. ومن أموالهم ينفقون .. الذين يصلحون ما أفسدته الظنون والحوادث .. الذين يذكرون الله كثيراً .. وإذا ذكروه وجلت قلوبهم .. وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا .. فأحسنوا التوكل على الله .. إذا استغاثوا الله استجاب لهم .. وبشرهم .. وربط على قلوبهم .. وثبت أقدامهم .. وعلمهم .. {…. وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {282} ..

حقيقة الإنتماء لله وللدين يثمر وحدة الأمة .. الإرتماء خلف الأشخاص أو التنظيمات دون التزام بمرجعية سليمة يفرخ تشتت في الصف على مستوى التنظيم الواحد .. وعلى مستوى التنظيمات العاملة يحرم من فكرة التوحد المستقبلي .. وليس في هذا تزهيد من التنظيمات أو الجماعات ولا يقول بهذا إلا من ليس له حظ في مشروعات التغيير .. ولكن المقصود أن الفرد والتنظيم والجماعة يجب أن يكون ولاؤهم وانتمائهم ومرجعيتهم لله ودينه الذي ارتضاه .. قال تعالى {…  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا … {3} المائدة .. هنا ومن هنا فقط تطمئن النفوس أن المسيرة سليمة صحيحة .. وتبقى السنن .. وتبقى الأسباب ..

وأبشروا عباد الله فقد أخرج الحاكم عن تميم الداري ( ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، يعز بعز الله في الإسلام، ويذل به في الكفر ).

– – – – – –

[1] بعض الجيوش تستهلك طافقة جنودها بأعمال تافهة ليس المرجو منها شيء اللهم إلا صرف واستهلاك طاقتهم حتى لا تتحول إلى غضب إزاء القيادة الفاشلة

[2] الكولونيل تشارلز أردن دو بيكو .

بقلم  : عابر سبيل

المصدر:

مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world