أفغانستان شركة للمرتزقة

أفغانستان شركة للمرتزقة

عودة الماضى الإستعمارى لشركة الهند الشرقية

مشروع ترامب / برنس

 

# يوجد أصدقاء لشعب أفغانستان حيث يوجد أعداء للولايات المتحدة .

# العصب الحساس فى تلك الحرب هو ضرب صناعة الهيرويين الأمريكية .

# التحدي الجديد يفرض على حركة طالبان رفعا نوعيا لكل من مستوى التسليح والعمل السياسى .

بقلم: مصطفي حامد / ابو الوليد المصري

 

أنهى ترامب حديثه عما أسماه (استراتيجية) جديدة تجاه أفغانستان ، وكان عرضا للأفكار مضطربا ومتناقضا . ومتوافقاً تماما مع شخصية أسوأ رئيس أمريكى فى التاريخ .

هذا إضافة إلى توليفة من المصطلحات البراقة التى تخفى الفراغ الفكرى وتضلل المتابعين عن إتجاه الحركة الحقيقية . فمناقشة ذلك الهراء سوف تأخذ الناس بعيدا عن المسار الحقيقى للأحداث .

ويظهر من خطابه (الاستراتيجى) عن أفغانستان أنه لم يقدم أى جديد سوى تلاعب بالألفاظ واستعراض للمصطلحات الفارغه مثل : تخليه عن سياسة (بناء الأمم!!) التى إتبعها أسلافه وتبنى نظرية جديدة أسماها (الواقعية المسئولة!!). بينما ليس هناك أى بناء ولا أى مسئولية فيما فعلته وتفعله بلاده فى العالم منذ زمن طويل .

قالت “كيلى ماجزمن” المسئولة السابقة فى وزارة الدفاع الأمريكية والعضو السابق فى مجلس الأمن القومى : ( أن ما عرضه ترامب كان مجرد تعديل متواضع فى استراتيجية مركزية يجرى العمل بها منذ سنوات وظلت نتائجها مختلطة ) .

وهى بذلك إقتربت من نصف الحقيقة . لأن النصف الآخر يقول أن هناك استراتيجية حقيقية لم تعرض مطلقا فى حديث ترامب . ولكن تكشفها العديد من التحركات فوق الأرض الأفغانية ، وأيضا تحركات البيت الأبيض وكبار مستشاريه ، السابقون منهم واللاحقون .

الاستراتيجية المركزية القديمة ، التى تعنيها المسئولة الأمريكية السابقة ، قيلت منذ زمن، وكرر ترامب أن أهدافها هى :

1 ــ ألا تتحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية التى تريد مهاجمة الولايات المتحدة مثل طالبان (!!) والقاعدة .

2 ــ ألا تسقط الأسلحة النووية الباكستانية فى أيدى تلك الجماعات .

وأطلقوا على تلك الأكاذيب سياسة (بناء الأمم). وأقل إنجازاتها كان حوالى نصف مليون شهيد أفغانى ودمار هائل فى البلاد وإنهيار الأمن ، وإنتشار الفقر والفساد فى جميع مرافق الدولة .

الآن رغم أن الاستراتيجية المعلنة ظلت كما هى منذ عهد بوش، إلا أن ترامب أطلق عليها (الواقعية المسئولة)، فالشعارات تتغير والاستراتيجية ثابتة . وفى كلا الحالتين كان هناك (الظاهر) و(الخفى) لتلك الاستراتيجيات .

وتلك هى الاستراتيجية الحقيقية للولايات المتحدة فى عهد ترامب :

1 ــ تأكيد السيطرة الأمريكية على إنتاج الهيرويين من أفيون أفغانستان ، كأحد أهم موارد الثروة المالية فى العالم . كما أنه أحد أسلحة أمريكا فى حربها الناعمة ضد أعدائها وضد شعوب العالم .

2 ــ تأكيد سيطرة الشركات الأمريكية على ثروات أفغانستان المعدنية بشكل إحتكارى، فى مقابل الصين التى منحتها أمريكا بعض الرشاوى الهامة من تلك الثروات .

3 ــ حماية وتطوير سيطرة الشركات الأمريكية على غاز ونفط آسيا الوسطى وخطوط نقلها عبر أفغانستان وباكستان إلى مياه المحيط الهندى .

4 ــ متابعة موضوع مياه نهرى (سيحون وجيحون) فى أفغانستان والجمهوريات الإسلامية الخمس إلى حين إنضاج ظروف نزحها إلى خارج المنطقة ، على غرار ما يحدث فى نصيب مصر من مياه نهر النيل .

وهناك إشارات إنطلقت من كابول وأخرى من واشنطن حول التوجه الاستراتيجى الحقيقى للولايات المتحدة :

ــ الإشارة الأولى أطلقها الرئيس الأفغانى (أحمد غنى) خبير البنك الدولى وسياسة العولمة الإقتصادية ، والمدافع المتين عن الإحتكارات الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات . الرئيس الأفغانى يطلب من ترامب أن تستولى الشركات الأمريكية على ثروات أفغانستان المعدنية. وبدأ يظهر الحديث عن أنها تساوى ترليون دولار . وقد شاعت تقديرات فى أوائل التسعينات أنها تساوى أكثر من ضعف ذلك المبلغ ، وأن المسح الجيولوجى الذى قام به السوفييت كان دقيقا ولم تختلف نتائجه كثيرا عن نتائج المسح الأمريكى . وأن الشركات الأمريكية الكبرى فى ذلك الزمان طالبت الإدارة الأمريكية بطرد(الإرهابيين) العرب من أفغانستان ، لأن وجودهم هناك يهدد نشاط تلك الشركات. وكان عدد العرب فى أفغانستان وقتها لا يتعدى بضع عشرات.

“أحمد غنى” كرر عرضه عدة مرات . إحداها فى أثناء زيارتة لأمريكا ، وأخرى فى مؤتمر الرياض الشهير حين طاف “حجيج” من 50 دولة إسلامية”!!”حول بلورة ترامب السحرية.

ــ “غنى” مثل “آل سلمان” يعلم أن معادلة التعامل مع رئيس مع الولايات المتحدة هى : ( إدفع تحكم ، إدفع أكثر تحكم أكثر، إدفع بإستمرار تحكم بإستمرار) . وكأن ذلك كان أحد بنود البيعة التى قدمها من حضروا مؤتمر الرياض للرئيس الأمريكى الذى عاد من الرياض محملا بمئات المليارات من دولارات النفط التى إستردها من آل سلمان . فوهبه الرئيس الأفغانى ثروات أفغانستان كلها . وذكروا منها ترليون واحد فقط ثمن الثروات المعدنية . ولم يذكر أحد الأفيون ، الذى قد لا يمثل رقم ترليون إلا عائدات أمريكا من تجارة الهيرويين خلال أعوام قليلة .

ــ قال ترامب أثناء عرضه للهلام الاستراتيجى الذى طرحه ، أنه لن يحدد جدولا زمنيا أو خططاً، ولكنه سيفاجئ الأعداء بحركته”!!” . وحتى أنه لم يحدد أهدافاً عامة لتلك الاستراتيجية سوى ذلك التمويه الذى تحمله أهداف تلك الحملة الإستعمارية منذ بدايتها ، بالحديث عن (الملاذ الآمن للإرهابيين ، و الأسلحة النووية الباكستانية ) .

ــ ولكن تحديد الأهداف الاستراتيجية وخطة العمل ، وإمكانية تحديد جدول زمنى للتحركات ، بل وميزانية العمل الاستراتيجى كله ، جاء به بطل المرحلة القادمة فى أفغانستان ، الملياردير (إريك دين برنس) مؤسس شركة بلاك ووتر ذائعة الصيت وسيئة السمعة حول العالم . وهو أيضا مؤسس لعدة شركات مماثلة فى السؤ ولكنها أقل فى الشهرة . كما أنه ذو خبرة فى تأسيس الشركات متعددة الجنسيات حول العالم .

الملياردير المغامر شرح وجهة نظره حول أفغانستان فى مقال نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” يدعو فيه إلى فكرة جوهرية ، هى إنشاء شركة معاصرة على غرار” شركة الهند الشرقية ” التاريخية . وهو الإقتراح الذى دعمه اليهودى ( جاريد كوشنر) صهر الرئيس ترامب والأكثر نفوذا فى البيت الأبيض . كوشنير دعا “برنس” لشرح نظريته أمام الرئيس فى البيت الأبيض حسب تقرير لمجلة “فورين بوليسى”.

 

وعلى هذا فإن الاستراتيجية التى طرحها برنس لأفغانستان ستكون قائمة على عناصر:

1 ــ تطبيق الفلسفة الإستعمارية التى إشتهرت بها شركة الهند الشرقية ( 1700 ــ 1874) .

2 ــ الشركة تكلف المرتزقة بمهمة القتال فى أفغانستان وتستثمر جميع ثروات البلد .

الجانب الفلسفى فى مشروع “برنس” يتطابق من الفلسفة التى وضعها المستشار السابق لترامب (ستيف بانون) لجميع الظاهرة “الترامبية” التى يطلق عليها “اليمين البديل” ، والقائمة على ثلاث مبادئ : (الأمن ـ القومية الإقتصادية ـ تفكيك المؤسسات الإدارية القائمة وإعادة بنائها ).

ستكون تلك هى المبائ الحاكمة لنشاط الإمبراطورية الأمريكية داخليا وخارجيا . ويهمنا أنها ستكون حاكمة لاستراتيجياتهم فى أفغانستان : العسكرية ، الإقتصادية ، السياسية ،الإدارية .

الواقع العسكرى الجديد :

مشروع (برنس) الاستراتيجى ، وهو مشروع الدولة الأمريكية الأرجح ، سيعتمد عسكريا على المرتزقة (بلاك ووتر وأخواتها) . وقال (برنس) أن عددهم سيكون 5500 مرتزق أمريكى سيعملون مباشرة مع القوات الأفغانية “ضمن خيارات تدريبية مستحدثة !!” تضمن قيامهم بشكل أفضل بتنفيذ المهام الموكلة إليهم . وانتقد فى نفس الوقت أداء جنود البنتاجون الذين لم يحققوا الحد الأدنى خلال حرب إمتدت 16 عاما .

ولم يوضح برنس كيف أن هذا العدد الضئيل من المرتزقة يمكن أن يحقق ما لم يستطع تحقيقه 130,000 جندى أمريكى مدعومين بحلفاء وأتباع من 48 دوله خلال 16 عاما .

وما هى تلك البرامج التدريبية (المستحدثة)؟؟. وعلى أى صنوف الأسلحة وأى معدات التكنولوجيا الحديثة التى ستعطيهم تلك الفعالية الحاسمة التى لم تتحقق خلال تلك الحرب الأطول فى تايخ أمريكا الإستعمارى؟؟ .

وأيضا فإن الجيش الأمريكى إستخدم خلال أعوام حربه فى أفغانستان عددا كبيرا من المرتزقة ـ ومن شركة بلاك ووتر تحديدا ـ ويقال أن عددهم الذى لا يكشفون عنه كان يماثل تعداد الجيش الأمريكى نفسه ، وأرقام قتلاهم لا تحسب ضمن أرقام قتلى الجيش .

تلك الأعداد الضخمة من المرتزقة هل ستظل ثابته مضافا إليها رقم 5500 ، أم أن ذلك هو كل الرقم الإجمالى ؟؟. ترامب سيزيد هو الآخر قواته بمقدار4000 جندى ليصل مجموعها إلى 13000 تقريبا ـ وهى أيضا قوة غير كافية للدفاع حتى عن نفسها . كما أن الرقم الذى طرحه البرنس للمرتزقة لا يكاد يكفى حتى للدفاع الشخصى ، إلا أن تكون هناك أرقام غير معلنة .

هناك موارد أخرى للقوة البشرية المقاتلة . مثل الجيش “الوطنى” والميليشيات المحلية ـ بدون نسيان الدور الجوهرى المنوط بمسلحى داعش بعد هزائمهم فى الشرق الأوسط ، والذين تدفقوا من باكستان ، لتغيير المسار العقائدى والإجتماعى للحرب ، لصالح الإحتلال وضد حركة طالبان ومرتكراتها الدينية والإجتماعية .

ــ الاستراتيجية الجديدة (لشركة الهند الشرقية) من الطبيعى أن تحمل بصمات المؤسس”برنس” ونواحى تفوقه المهنى ، ومنها :

ــ مهارته فى تأسيس منظمات المرتزقة وإدارتها وتوسيع نشاطها بإستمرار.

ــ إستغلال عنصر التفوق التدريبى والتكنولوجى والإدارى ، فى إنجاز توكيلاته الحربية .

ــ خبرة “برنس” فى القضاء على الإرهابيين ، حيث كان جزءا من قوة المهام السرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية .

فمن مهام قوات المرتزقة فى الجيش الأمريكى كان المشاركة فى تشغيل برنامج الطائرات بدون طيار التى كانت مخصصة غالبا لعمليات إغتيال المجاهدين ، وتدمير المدارس الدينية ، والمناسبات الاجتماعية من أعراس ومآتم ، وتدمير معامل تصنيع الهيرويين داخل باكستان العاملة خارج المشروع الإحتكارى الأمريكى .

المناخ الاستراتيجى الجديد :

مشروع البرنس يخلق مناخاً استراتيجيا جديدا فى أفغانستان يؤثر على كل أعمال الإحتلال .

فمن ناحية تاريخية شكلت شركة الهند الشرقية علامة فارقة فى تاريخ الإمبراطورية البريطانية ، القوة الأولى فى العالم وقتها .

حيث تولت الشركة فتح الهند وإخضاعها عسكريا وسياسيا لسلطة التاج البريطانى ، ونزح ثرواتها لصالح الشركة وكبار مديرها وبالطبع لصالح الإمبراطورية الأم . وموظفى الشركة صاروا الأغنى فى الإمبراطورية ، وأصبح فى إمكانهم التأثير سياسيا وإقتصاديا حتى على الوطن البريطانى نفسه ، بشراء السياسيين والدوائر الإنتخابية.

( شركة الهند الشرقية) كانت مشروعاً إمبراطوريا متكاملا تمكن من إبتلاع الهند . وكان للشركة جيشها الخاص ، ولها القدرة على تعيين الحكام فى الهند أو التخلص منهم بحروب أو بإنقلابات .

وتجاريا عملت منذ لحظتها الأولى فى المتاجرة بمنتجات الهند من حرير وتوابل وشاى وأفيون”!!” الذى كان مصدر ثروتها الخرافية ، وبالتالى قوتها التى لا تقاوم ، وقدرتها على التأثير فى مجريات الأمور فى لندن نفسها .

وهكذا شركة ” البرنس”، سوف تبنى حكومتها الخاصة فى كابول وتسيطر على تجارة (الهيرويين) ـ وليس الأفيون الخام مثل قديم الزمان ـ ثم تدير السياسة الداخلية فى أفغانستان ، والسياسة الإقليمية المتعلقه بذلك البلد . مع نشاطات فى دول الإقليم بما يحافظ على سيادة الشركة سياسيا وزيادة أرباحها الفلكية من تجارة الهيرويين .

وما تمتلكه الدولة الأفغانية سوف يوضع ـ طبقا لتصور وفلسفة (شركة الهند الشرقية) ـ رهن تصرف إدارة الشركة الجديدة . فالسيد”برنس” من أنصار رؤية (اليمين البديل) التى تقضى بفك مؤسسات الدولة وإعادة تركيبها من جديد .

مبادئ العمل فى الشركات الناجحة : مثل الإقتصاد فى النفقات ، والإنضباط مع كفاءة الأداء ، سوف تحدث تغييرات جذرية فى نظام فى كابول ، من قمته الثنائية (غنى /عبدالله ) مرورا بقيادات الجيش الذى أنفق عليه الإحتلال 15 مليار دولار ليكون كتلة مسلحة من الفساد وإنعدام الكفاءة . وبالمثل أجهزة الإستخبارات ، ناهيك عن الشرطة والميليشيات بأنواعها بقيادة مسئولين كبار فى الدولة من أمثال “دوستم” ، أو على حواشى السلطة من أمثال “حكمتيار” الزعيم الأصولى السابق .

لا ضرورة للتذكير بأن أفغانستان لم تكن يوما مثل الهند . ولا الشعب الأفغانى مماثل لشعب الهند ـ ولا ظروف القرون الخوالى من الثامن عشر إلى التاسع عشر تماثل ظروف القرن الحادى والعشرين . وبالتالى فإن مصير تجربة السيد “برنس” فى أفغانستان ستكون قطعا مخالفة تماما لما توصل إليه آساطين شركة الهند الشرقية فى القرن 18 من أمثال (روبرت كلايف) .

مصادفات تاريخية من شركة الهند الشرقية :

ــ ومن المصادفات المدهشة أن شركة الهند الشرقية كانت وراء أهم عمليات القرصنة فى التاريخ القديم ، والتى قعت فى باب المندب (الذى تدور فيه حاليا حرب رهيبة ضد اليمن تقودها السعودية وشريكتها الإمارات ، التى تمول مشروع للسيد”برنس” فى إنشاء قوة من الصوماليين لمكافحة القرصنة!!) . وبديهى أن يكون لمرتزقة السيد “برنس” دور فى حراسة شواطئ اليمن وشرق أفريقيا وباب المندب ، بالتعاقد مع إسرائيل وبتمويل دول الخليج، لحماية أكبر عملية قرصنة فى التاريخ الحديث والقديم ، وهى عملية نهب نصيب مصر من ماء النيل والمتاجرة به عالميا بواسطة أنابيب وناقلات ماء . وهو مشروع تشارك تلك الدول فى تمويله كما تشارك فى تمويل المرتزقة لحمايته ، ومركز الحركة التجارية للمشروع هو باب المندب .

ــ أيضا من المصادفات التاريخية المدهشة أن شركة الهند الشرقية هى التى أذلت الصين وهزمتها عسكريا وفرضت عليها إباحة تعاطى الأفيون والتخلى عن أهم موانئها وجزرها لصالح تجارة الأفيون . الذى كان أهم الثروات المالية التى رفعت من شأن الشركة .

وأن “ستيف بانون” واضع أيدلوجيه تيار “اليمين البديل” يرى أن المواجهة الرئيسية للولايات المتحدة هى مع الصين ، فى حرب إقتصادية تحت مبدأ يقول بالقومية الإقتصادية . بما يعنى إسثناء أمريكا من تبعات مبدأ العولمة الإقتصادية ، وإستثناء أمريكا من الإتفاقات الدولية لحماية البيئة وقوانين فتح الأسواق ورفع الحماية الجمركية . بينما تفرض العولمة وفتح الأسواق على جميع دول العالم ، بالضغط والإكراه وحتى التلويح بالحرب المسلحة .

“شركة الهند الشرقية” الخاصة بأفغانستان سوف تستهدف الصين أساسا ، وتستهدف الدول المحيطة بأفغانستان ، بالحرب و بكافة أشكال التدخل ، كما فعل أسلافها التاريخيون فى الهند وجنوب وشرق آسيا ، فأخضعوا الصين بقوة السلاح بحربين لفرض تجارة الأفيون عليها .

الموقف العسكرى لحركة طالبان :

حتى قبل فوزه فى إنتخابات 2008 كان الرئيس “باراك أوباما” يدرك أن بلاده لن تستطيع السيطرة على أفغانستان ، وأن حركة طالبان لها اليد الطولى على أرض المعارك ، والسيطرة على الأرض ، والأهم هو الإجماع الشعبى حول قيادتها .

لكن حسابات المؤسسة العسكرية ومعهما الإستخبارات المركزية CIA المنغمسة فى التجارة الدولية للهيرويين ، تدرك المكاسب الفلكية العائده عليها من إحتلال أفغانستان ، وهؤلاء منعوا تنفيذ فكرة الإنسحاب .

وترامب فى برنامجه الإنتخابى غازل ناخبيه بأمنيات الإنسحاب من أفغانستان نظرا لعدم شعبيه تلك الحرب الطويلة ، بينما أمريكا نفسها تعانى من معضلة إقتصادية وتراكم تؤترات إجتماعية تهدد بإنفجار داخلى .

عند وصوله إلى الحكم أسفر ترامب عن موقفه الحقيقى ، وسياسته الكارثية فى أفغانستان وشرق آسيا والتى أسماها (الواقعية المسئولة !!). وملخصها تحويل أفغانستان إلى مستعمرة تديرها وتستثمرها شركات المرتزقة الدوليون (على رأسهم بلاك ووتر) . ومؤسسها وصاحب المشروع هو “إريك برنس” الذى تمول مشاريعه دولة الإمارات المقيم على أراضيها ، وللإمارات أيضا قوات شاركت فى القتال ضد حركة طالبان ، وإحتلت مواقع عسكرية فى قندهار ، ولها دور تاريخى ونصيب معلوم فى تجارة المخدرات الدولية .

ــ ما نشر عن القوات العسكرية للمحتلين الأمريكيين والمرتزقة لا يشير إلى أى تغير جوهرى يمكن يحدث فى الموازين الحالية ، إلا فيما يتعلق باحتمال إستخدام أسلحة متطورة تكنولوجيا بأكثر مما سبق إستخدامه حتى الآن . فالمستثمرون الكبار يفضلون توظيف التكنولوجيا أكثر من توظيف البشر . فهم يتوقعون منها أرباحاً أكثر ونتائج أسرع وفى الإجمال نفقات أقل . وهذا هو التحدى الذى يجب أن تتحسب له حركة طالبان .

الجانب المعنوى ونوعية المقاتلين والحاضنة الشعبية كل ذلك يجعل نتائج الحرب محسومة لصالح حركة طالبان مهما تنوعت الاستراتيجيات التى فشلت بإستمرار .

واستراتيجية ترامب مهتزه جدا فى جوهرها ، وحتى صاحبها يبدو غير مقتنع بها ، رغم صراخه بضرورة الإنتصار . فقوله بأن استراتيجيته لا ترتبط ببرنامج ولا خطة، يعنى ببساطة أنها ليست استراتيجية فى الأساس . بل لعبة من ألعاب المقامرات ، لأنه ينتظر مرور الزمن حتى يقرر ماذا سيفعل ، وكيف سيفاجئ خصمه ، فبأى شئ سيفاجئ وهو بلا خطة ؟؟ .

إنه يعتمد على ضربة حظ سوف نتكلم عنها لاحقا .

فى جميع الأحوال يلزم حركة طالبان تعزيز قواتها المقاتلة بالمزيد من المعدات المتطورة لمواجهه تطور كبير محتمل فى المستوى التكنولوجى للحرب ، ستفرضه الإستراتيجية الجديدة لشركة المرتزقة التى ستتولى خوض الحرب وإدارتها عسكريا وسياسيا واقتصادياً .

وبشكل خاص يلزم الحركه ما يلى :

1 ــ التوسع فى إستخدام مناظير الرؤية الليلية للأفراد والأسلحة / خاصة بنادق القناصة وقوازف الصوارخ المحمولة على الكتف/ . والتوسع فى إستخدام أجهزة تحديد المسافات العاملة بأشعة الليزر.

2 ــ صواريخ “أرض ـ أرض” ، تناسب أغراض حصار القواعد الجوية من حيث المدى والقدرة التدميرية.

3 ــ صواريخ ” أرض جو” محمولة على الكتف . تناسب أغراض حصار القواعد الجوية وخطوط الملاحة لطائرات نقل الهيرويين .

4 ــ معدات إتصال لاسلكى أكثر تطورا ، وأكثر عدداً ، لتحقيق الترابط بين المجموعات وتنسيق العمليات الصغيرة والكبيرة ، واعتراض إتصالات العدو اللاسلكية .

5 ــ معدات حديثة للتصدى للطائرات بدون طيار لإسقاطها أو الإستيلاء عليها .

6 ــ الحصول على تدريب متقدم لطواقم تلك الأسلحه جميعاً .

العصب الحساس : ضرب صناعة الهيروين .

المحور الحيوى لكل هذا البنيان الإحتلالى هو الثروة الهائلة التى يجنيها من تحويل محصول الأفيون إلى “هيرويين” داخل معامل حديثة فى القواعد الجوية الأمريكية . ثم ينقله عبر العالم بطائرات سلاح الجو الأمريكى ، مع تهريب برى عبر الحدود إلى دول الجوار .

حرمان العدو من ذلك المصدر المالى يفقد العملية الإستعمارية جدواها ويصبح الإنسحاب إختيارا أوحدا .

وذلك بشن حرب ضد ذلك العصب الحساس لحياة العدو ، فى مجهود عسكرى سياسى منظم . يمتد داخل أفغانستان حتى يصل شقه السياسى إلى دول الجوار ، والعالم الخارجى .

من أجل شن (حرب أفيون مضادة) وناجحة ضد العدو ، يلزم لها المتطلبات التالية :

1 ــ إحكام السيطرة عسكريا وإداريا على مناطق زراعة الأفيون .

2 ــ منع إيصال خام الأفيون إلى العدو ، بضرب ركائز عملية الإنتقال من معدات وأفراد ومخازن . والتخلص من كبار القائمين على مشروع المخدرات لدى العدو من عناصر محلية أو أجنبية .

3 ــ فرض حصار برى على القواعد الجوية حيث مصانع الهيرويين .

4 ــ التصدى لطائرات العدو لمنعها من نقل الهيرويين ، وضربها على الأرض وفى الجو.

5 ــ قطع طرق تهريب الهيرويين برا إلى خارج أفغانستان وإحراق الكميات المصادرة على الفور .

6 ــ تسهيل خروج الأفيون الخام حتى لا يقع فى أيدى العدو فيستخدمه فى صناعة الهيرويين .

المجهود السياسى للحرب على الهيروين :

داخليا: شرح موضوع حرب الأفيون للمزارعين والشعب عموما . وتوضيح الموقف الشرعى وفقا للمذهب الحنفى من المشكلة . والفرق بين زراعة الأفيون كنبات طبى وبين تعاطيه كمُسْكِر. وأن زراعته مباحة بينما تعاطيه حرام ، مثل تعاطى الهيرويين والمخدرات الأخرى.

ــ تحريم بيع الأفيون للعدو بشكل مباشر أو غير مباشر . وأن ذلك يعتبر عونا للكافرين على المسلمين .

ــ أنه بعد التحرير ورحيل المستعمر . سيجرى تصنيع أدوية من الأفيون للتصدير فى أنحاء العالم ، بديلا عن بيع الخام الذى قد يساء إستخدامه ، علاوة عن تدنى ثمنه كثيرا بالنسبة للأرباح العائدة على السماسرة والتجار، لذا يكون المزارع غارقا فى الديون الربوية .

خارجيا : مناقشة دول الجوار حول مشكلة الهيرويين الذى تصنعه أمريكا من محصول الأفيون الأفغانى وتهربه إلى دول العالم ، بما فيها دول الجوار. وإقناعها بالسياسة القاضية بتسهيل خروج الأفيون من أفغانستان لحرمان العدو من إستخدامه فى صناعة الهيروين القاتل ، مع عدم السماح بمرور شحنات الهيروين وإعدامها على الفور ومعاقبة ناقليها بإعتبارهم مساعدين للعدو .

ــ أن لدول الجوار أن تتخذ السياسة التى تناسب مصالحها إزاء شحنات الأفيون التى قد تنتقل إلى أراضيها ، فذلك من مسئوليتها . وطبقا لمصالحها تتعامل مع المضبوطات إما بالإتلاف أو بإدخالها ضمن دائرة الصناعات الدوائية لديها .

ــ يمكن الدخول فى برامج مشتركة لمكافحة عصابات تهريب الهيرويين ، حيث تلتقى مصالح الجميع حول ذلك .

ــ الأفيون فى الأساس نبات طبى يدخل فى صناعة جميع المسكنات ، لذا فإن التعامل الإيجابى معه هو الأصل . أما الهيرويين فهو منتج مدمر للإنسان والمجتمعات والدول . لذا يجب التكاتف ضد تهريبه وضد الإستعمار الأمريكى الذى دمر أفغانستان لأجل تحويلها إلى مزارع تخدم مصانع الهيروين وتجارته الدولية .

قتال الشركات .. قتال عصر العولمة :

تغير المناخ الاستراتيجى الذى تدور فيه حرب أفغانستان ، مع تغير نظرة العدو إلى الحرب معتبرا إياها نشاطاً تتخلى عنه الدولة (الولايات المتحدة) لصالح القطاع الخاص (شركات المرتزقة) . حيث واجبات الحكومة طبقا لسياسة العولمة الإقتصادية هى:

مجرد حارس لأمن الشركات وأداة لتنفذ سياساتها ، وتوكيل المشاريع العامة ووظائف الحكومة وسلطاتها إلى تلك الشركات التى تشاطر الحكومة حتى فى مهامها الأساسية المتبقية لها فى الدفاع والأمن . وتضع الحكومة القوانين التى ترفع كل العوائق من أمام الشركات الكبرى حتى لا تحد من إندفاعها المحموم صوب الربح . وطبيعى وكنتاج منطقى لكل ذلك أن تحتاج الحكومة إلى إستخدام درجة عالية من التضييق على الحريات العامة والقمع ومراقبة المواطنين لمنع ثورتهم على ذلك الظلم الفادح فى توزيع الثروات التى تتركز فى أيدى نسبة قليلة من أفراد المجتمع وفى النهاية أفراد قليلون من الصفوة المالية (يهود فى معظمهم) .

ــ الحرب فى أفغانستان وطبقا لرؤية ترامب هى نشاط للشركات وليس للحكومة . وتأسيس شركة على غرار شركة الهند الشرقية (1700 م ـ 1874 م ) يثير فى أفغانستان والمنطقة مخاوف تاريخية عظيمة الأثر . فتلك الشركة مهدت لإستعمار الهند ومناطق واسعة من شرق آسيا ، ودمرت الصين ، وأسست للقرصنة البحرية المنظمة ، وخربت الثقافات وتلاعبت بالأديان ، خاصة الإسلام فى الهند وفى جزيرة العرب حيث أسست هناك الوهابية ودولة آل سعود فغيرت بذلك حاضر تلك البلدان ، بل وكافة بلاد المسلمين، وشكلت مستقبلها . فى أفغانستان ، تلتقى شركة الهند الشرقية الحديثة للسيد “برنس” مع “داعش الوهابية ” المنتج التاريخى للشركة فى جزيرة العرب .

ذلك بلا شك يعنى جميع دول المنطقة ، خاصة جيران أفغانستان . وبشكل أكثر خصوصية الصين التى كانت قديما أكبر ضحايا شركة الهند الشرقية وسياستها الإستعمارية .

ــ جزء من المعركة أن تثير حركة طالبان تلك القضية الخطيرة مع دول الجوار للتوصل إلى رؤية مشتركة، والأهم هو التوصل إلى برامج عمل مشتركة للدفاع ضد ذلك الخطر الوجودى.

مع توضيح الدور المركزى لجهاد شعب أفغانستان بقيادة حركة طالبان فى التصدى للتحول الإستعمارى الجديد ومخاطره على المنطقة .

تعامل حركة طالبان مع الوضع الجيوسياسى الجديد لأفغانستان :

من أساسيات العمل السياسى لحركة طالبان ـ فى الداخل والخارج ـ هو إستخدامها الإيجابى وتفهمها الكامل للقيمة السياسية لموقع أفغانستان الاستراتيجى فى المنطقة ، فى ظل الوضع الدولى الراهن . فبعد أن كانت أفغانستان منطقة عازلة بين إمبراطوريتين إستعماريتين ، وذلك باتفاق الكتلتين معا ، فالآن بزوال ذلك الواقع ، من المفروض أن تتحول أفغانستان إلى حلقة ربط بين أجزاء آسيا الجنوبية والشمالية ، وبين شرق آسيا وغربها . ولكن الإحتلال الأمريكى عرقل ذلك الدور . ومع تحول الإحتلال إلى شركة إستعمارية من النمط القديم ، ولكن بوسائل حديثة ، فإن دور أفغانستان كحلقه إتصال تعرض للخطر حيث أن ذلك الموقع معرض لسؤ الإستغلال من جانب الشركة الإستعمارية الجديدة ، بتحويله إلى موقع للتدخل وتصدير الهيروين والإرهاب المؤسسى(بلاك ووتر) والإرهاب الوهابى الأعمى (داعش) ، وممارسة التدخل فى شئون دول المنطقة والسعى إلى السيطرة على ثرواتها .

ــ ومن المعلوم أن العديد من دول الإقليم قد إستثمرت أموالا طائلة فى مشروعات إتصال فيما بينها عبر أفغانستان ، وفى الطرق الحديدية بشكل خاص . وذلك متوافق مع دور أفغانستان كحلقة إتصال وتبادل تجارى بين دول الإقليم .

ــ حركة طالبان فى إتصالها مع دول الجوار توضح حرصها على ذلك الدور لبلادها فى تنمية الإقليم . وأن تلك المشروعات لن تكون عرضة للهجوم ، بل ستكون موضع تنمية فى المستقبل لأن من ضمن أهداف الحركة بعد وصولها إلى الحكم سيكون ربط أجزاء البلاد كلها بشبكة من الطرق البرية وخطوط السكك الحديدية . إضافة إلى عملية واسعة لإستخراج المواد الخام وتصنيعها ، والتوسع فى المشروعات الزراعية . والتعاون الإقليمى فى مجال الصناعات الدوائية المشتركة التى تعتبر حلا جذريا لمشكلة سؤ الإستفادة من محصول الأفيون .

تفتيش القواعد الأمريكية :

ــ وينبغى أن تكرر الحركة على الدوام مطلبها بضرورة إخضاع القواعد العسكرية الأمريكية للتفتيش الدولى بمشاركة دول الجوار ، للتأكد من حقيقة النشاطات غير العسكرية التى تدور فى تلك القواعد . مع الجزم أنها تضم أكبر معامل الهيرويين فى العالم وأحداثها . وأن أسطول طائرات النقل العسكرية ماهو إلا أسطول دولى لنقل الهيروين حول العالم . إضافة إلى أن تلك القواعد تحوى سجونا سرية ومقار للتعذيب والإستجواب العنيف للمعتقلين .

السياسة مع دول الجوار (صفر مشاكل ــ 100% تعاون ) :

هذا المبدأ ينبغى أن يأكده المكتب السياسى للإمارة فى حواراته مع دول الجوار . وأن السبيل إلى ذلك هو تحويل أى مشكلة “حدودية” أو “مائية” إلى مشاريع مشتركة فى تلك المجالات . مع فتح الباب لمفاوضات هادئة بين المختصين فى الجانبين للوصول إلى إتفاقات قانونية عادلة للمشكلات المعلقة .

حوار سياسى وعسكرى مع دول الجوار :

جاء فى رسالة موجهة من الإمارة الإسلامية إلى ترامب (فى 25 / 8 / 2017 ) { سترتكبون غلطة كبيرة إن أجبرتم شعب أفغانستان المسلم ليمد يده إلى “نظرائكم ” لأجل تحرير بلده والتخلص من ظلمكم } .

وفى الحقيقة فإن الخطأ الأكبر هو عدم القيام بذلك منذ اليوم الأول للعدوان الأمريكى على أفغانستان وحتى الآن . وعدم تفعيل المبدأ الشهير (عدو عدوى صديقى ، وصديق عدوى ، عدوى ) . وعوضا عن ذلك إفتتحت الحركة مكتبا سياسيا دائما لها فى قطر التى تلقت الأوامر أولا من الرئيس الأمريكى ، باعتبارها حاملة طائرات أمريكية وأكبر مخزن عتاد للقوات الأمريكية فى المنطقة . وذلك تناقض فادح يصعب تفسيره أو إيجاد مبرر له .

وطبقا للمبدأ الشهير للعداوة والصداقة بين الدول ، فمن المفترض أن تكون قائمة أصدقاء شعب أفغانستان هى نفسها قائمة أعداء الولايات المتحدة . ومن المنطقى أن يتصدر القائمة إسم كوريا الشمالية ، ثم تتوالى الأسماء لتشمل الصين وروسيا وإيران حتى تصل إلى فنزويلا فى أمريكا الجنوبية . فثمة أصدقاء لشعب أفغانستان حيث يوجد أعداء للولايات المتحدة . ومن حسن الحظ أن تلك الدول جميعا تصنع أسلحة على درجة من التطور تفى باحتياجاتنا القتالية ومواجهة التحديات الجديدة .

مخاطر مشتركة = مصالح مشتركة :

الجوار يفرض علينا مصالح مشتركة مع دول الجوار جميعها . والخطر العدوانى الرابض على أراضينا يقتلنا ويدمر شعبنا ومستقبل أمتنا ، هو خطر يهدد على جميع دول الجوار بلا إستثناء . والتطور الجديد (للمؤسسة الإرتزاقية) أو (شركة الهند الشرقية) الجديدة ، أو مشروع(ترامب /البرنس) هو تطور شديد الخطورة ودروسه التاريخية من القرون الماضية خير شاهد .

وحيث أن مجاهدى حركة طالبان يقفون فى الصف الأول لقتال تلك الأخطار ، فإن دول الجوار جميعاً تستفيد من ذلك الجهاد البطولى ، ويصبح من واجبها دعمه بكل وسائل الدعم الممكنة ، حسب الظروف المتاحة أمام كل بلد بدون تعريضها لأى مخاطر من أمريكا والمحور المساند لها .

أهم المطالب هى الحصول على السلاح المناسب وبالكميات المناسبة . وجبهة الأصدقاء يمكنهم توفير ذلك بسهولة ، ودول الجوار الصديقة عليها توفير ممرات لعبور السلاح إلى المجاهدين فى أفغانستان . أو على الأقل إغماض عينيها إذا قام المجاهدون بفعل ذلك بوسائلهم الخاصة .

ــ مع التطورات الجديدة وتغير المناخ الاستراتيجى للحرب ، حان الوقت كى تدخل علاقات طالبان مع دول الجوار فى مرحلة أكثر جدية ، ليس فقط فى مجال التسليح بل أيضا فى المجال السياسى والإعلامى وشتى العلاقات الأخرى ، التى ستشمل بحكم طبيعة الأوضاع موضوعات أمنية متعددة .

ــ هذا يستدعى فتح مكاتب إتصال مع تلك الدول لمتابعة الموضوعات المشتركة . ومكاتب الإتصال تكون تحت إشراف المكتب السياسى المركزى الذى يجب نقله إلى داخل أفغانستان ، وإلا فإن حركه طالبان لن ينظر إليها الآخرون بجدية فى الظروف المستجدة .

فى إنتظار الفتنة .. الوقت جزء من استراتيجيه ترامب :

فى طرحه الاستراتيجى المفكك ـ الذى لم يكن إلا مجرد تكليف لشركة خاصة بأمر الحرب فى أفغانستان ، على خطى الإستعمار البريطانى القديم ، قال ترامب أنه لا يمتلك جدولا زمنيا ولا خططاً ، بل سيفاجئ “الأعداء” بحركته ، وسيترك تحديد الزمن لتغير الشروط على الأرض .

فهو لا يملك خطة ولا جدول زمنى ، ولكنه يكمن فى إنتظار فرصة معينة لم يفصح عنها . فما هى تلك الفرصة؟؟.

يدرك الأمريكيون عدم وجود أى فرصة لإحداث تغيير أساسى فى الأوضاع العسكرية على الأرض . وأن أى ضغط عسكرى زائد سيتم إمتصاصه والتغلب عليه . فهم يخسرون الأرض باستمرار وتذوب الأجهزة العسكرية “الوطنية” من ناحية المعنويات والقدرات القتالية .

تنحصر فرصة العدو لإحداث التغيير بالأساليب الاستخبارية وليس العسكرية . وقدرة أجهزته على إشعال فتنة ما تؤدى إلى إضعاف حركة طالبان ، وإرغامها على الرضوخ والتسليم بشروطه . وهناك ثلاث أنواع من الفتن الممكنة نظريا ، أو يمكن تجربتها عمليا :

1 ـ الفتنة الداخلية : بإحداث خلافات داخل صفوف الحركة تؤدى إلى إنشقاقها .

2 ـ فتنة داعش : فى حال نجح داعش فى تثبيت فتنة ما ، طائفية أو عرقية ، فى المجتمع الأفغانى ، أو تشكيك الأفغان فى دينهم ، وإضعاف ثقتهم فى حركة طالبان .

3 ـ فتنة مشيخات النفط : باستخدام سلاح المال لشراء قطاع قيادى من حركة طالبان يكون كافيا لإحداث إنشقاق كبير يدخل فى تسوية سياسية تحت الشروط الأمريكية ، فيشكل حكومة مختلطة مع نظام كابول . كما فعلت السعودية مع منظمات المجاهدين حين شكل مدير مخابراتها (تركى الفيصل) حكومة مجددى وربانى، لتشارك فى الحكم مع الشيوعيين المنبثين فى أجهزة الدولة . وظل الرئيس نجيب يمارس بعض سلطاته من داخل مقر الأمم المتحدة بالقرب من القصر الجمهورى فى كابول .

من المعروف أنه من الصعب جدا إحداث أياً من أنواع الفتن فى أفغانستان بدون مساهمة باكستانية وثيقة . لهذا أصر ترامب على ضرورة تعاون باكستان بشكل أكثر جدية فى “مكافحة الإرهاب” ، بل وهدد حكومتها بعقوبات إن هى لم تفعل . فإحداث الفتن فى صفوف المجاهدين هو تراث باكستانى راسخ ، ورثته حكوماتها عن الإستعمار البريطانى للهند . هذا الإستعمار يعود الآن إلى المنطقة من جديد مع شركة (ترامب/ برنس) كورثة شرعيين لشركة الهند الشرقية .

تلك مجرد إحتمالات . ولكن الركائز الإيمانية للحركة الجهادية بقيادة حركة طالبان، قوية بما يكفى لإحباط الفتن جميعا ، وتحقيق النصر فى نهاية المطاف .

وليس من شك فى أن الولايات المتحدة ستلحق بالإتحاد السوفيتى، لينتهى أحد أكثر فصول التاريخ البشرى همجية ودمارا .

المصدر:

مافا السياسي (ادب المطاريد)

بقلم:

مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

www.mafa.world