ذات يوم (21)..من ليالى العرب فى قندهار (3من3)

ذات يوم (21)

من ليالى العرب فى قندهار (3من3)

وقتلوا النساء والأطفال عند الفجر
6 نساء ، 3 أطفال ، مزقتهم الطائرات الأمريكية

 

كان لرمضان عند العرب طعماً مختلفاً هذا العام.. ليس بسبب القصف الجوى, فالعديد منهم حضروا أمثال هذا القصف- وأشد منه- فى أشهر رمضان وقت الحرب ضد السوفييت فى أفغانستان. أما هذا العام.. فلأول مرة تكون نساؤهم وأطفالهم تحت القصف و الإستهداف الجوى المباشر.

كان الرجال موزعون ما بين النقاط الدفاعية خارج وداخل المدينة وبين حراسة العائلات والعناية بشئونها. وكان جزء من العائلات تعيش داخل المدينة وجزء أخر إنتقل للسكنى فى قرى مجاورة, خاصة فى قرية على بعد 17 كيلومتر غرب قندهار تدعى “بنشواى”, التى كانت فى ليلتهم تلك, مسرحاً لمجزرة قام بها الأمريكان ضد الأسر العربية.

‌- بمتابعه أخبار الأسر العربية أثناء الغارات الليلة أدرك العرب الورطة التى وقعت فيها العائلات الست الذين شردتهم الغارات الجوية للمرة الثانية فى نفس الليلة. فأرسلوا إليهم ثلاث سيارات لتجميعهم من الشوارع المظلمة التى هاموا فيها بعد الغارة الأخيرة, وتنقلهم إلى قرية”بنشواى”.

 بعد مجهود وسط أجواء الرعب والفوضى جمعوا النساء والأطفال داخل السيارات الثلاث ثم إنطلقوا بأقصى سرعة خارج المدينة, قبل أن تدهمهم غارات جديدة.

-على الجانب الآخر فى قريه “بنشواى” إستبد القلق بالأسر العربية هناك, فالطيران يقصف قري قريبة, وأصوات الإنفجارات تصل عبر أحشاء الليل فتثير الرعب. فقرروا نقل عدد من النساء والأطفال الذين إستبد بهم الخوف وعلا صراخهم إلى خارج القرية صوب ‍‍قندهار. فجمعوا ما استطاعوا حمله منهم داخل أحدى السيارات التى قادها أحد الشباب صوب المدينة المنكوبة.

لم تذهب السيارة بعيداً فقد إلتقوا فى الطريق الصحرواى بالسيارات الثلاث القادمة من قندهار فتوقف الجميع, لتبادل الآراء والتشاور فى الموقف.. أين يذهبون بالنساء والأطفال الذين إستبد بهم الخوف.؟

وسرعان ما جاءتهم الإجابة من صاروخ أطلقته طائرة أمريكية فأصاب أحدى السيارات وقتل فوراً كل من فيها من نساء وأطفال.

تشتت الركب فى فوضى عارمة ورعب قاتل, وزاد الطين بله أن الغارة تشنها هذه المره طائرات الهليكوبتر, ذات القدرة الأكبر على المناورة والمطاردة, والمزودة بالرشاشات الثقيلة إلى جانب الصواريخ الموجهة.

–  الشاب  اليمنى “قسورة”، بعد أن نجا بمعجزة من المجزرة. يصف ماجرى فى الدقائق الدامية.. أو بالأحرى ما استطاع مشاهدته قبل أن يفقد الوعى، ليفيق فى صباح اليوم التالى فيجد نفسه فى بيت أحد القرويين الأفغان، الذى حمله فجراً من الصحراء ليعالجه.

يقول قسورة : بعد الصاروخ الأول تحرك فوراً الأخ أبو على بسيارته وكان بها ثلاث نساء وثلاث أطفال, وإنطلق بأقصى سرعته محاولاً الإبتعاد عن المنطقة, لكن طائرات الهليكوبتر تابعته وأصابت سيارته بعدة صواريخ دمرتها تماماً بمن فيها.

فى نفس الوقت إنطلق إثنان من الشباب صوب جسر قريب, فوق وادى سيل جاف ونزلاً تحته للإحتماء من نيران الهليكوبتر, ولكن إحدى الطائرات تابعتهما وأرسلت إليهما صاروخاً أصابهما بشكل مباشر.

– العديد من النساء والأطفال إنطلقوا فوق رمال الصحراء المحيطة بالطريق, وتشتتوا فى إتجاهات متفرقة وهم يصرخون من شدة الرعب.

فتابعتهم طائرات الهليكوبتر بالرشاشات الثقيلة ومزقتهم شر ممزق, وكانت الطائرات تعاود إطلاق النيران على الجثث المترامية مرات عديدة وهى تدور حولها على شكل دائرة { كما كانت تدور النساء فى كابل حول جثث القتلى على أنغام الموسيقى، أمام عدسات التلفزيونات الأمريكية }.

– سيارة واحدة لم تدمرها الصواريخ, وهي سيارة الشاب أبو البراء الحجازى وزجته المغربية, فقد تكفلت بهما رشاشات الطائرات فمزقتهم. والسيارة أصبحت مثل الغربال. أما الزوجة فقد وجدت جثتها خارج السيارة وقد إصابتها طلقة رشاش ثقيل فى رأسها فتطاير مخها..

قسورة اليمنى ببراعته فى العدو السريع فوق الرمال، وفي ظلام الليل، إستطاع أن يناور الطائرات ويتهرب من رشاشاتها وصواريخها إلى أن إنفجر أحدها قريباً منه، فقذفه فى الهواء مسافة كبيرة قبل أن يسقط مغمى عليه، فظن الطيار الذى يطارده أنه قد مات فتركه فى مكانه البعيد وعاد للمشاركة فى  الإجهاز على باقى القافلة من نساء وأطفال ، الذين أعطة الأمريكيون لقتلهم أهمية أكبر من أهمية قتل الرجال.

– إنتهت المجزرة قبل أذان الفجر بحوالى ساعة . ومع الأذان خرج سكان قرية بنشواى ليعاينوا نتائج الغارة التى سمعوا ضجيجها ليلا. فشاهدوا حطام السيارات المحترقة, والجثث المتناثرة و الأشلاء.

وسرعان ما استدعوا عدة سيارات للعرب من قندهار فوجدوا جريحاً واحداً، من مصر، أصيب بطلقة فى كتفه خرجت من صدره, وإمرأة أصيبت بطلقة فى قدمها.. وكلاهما مغمى عليه.

ثم أخذوا يجمعون أشلاء القتلى فى “زكائب” يضعون فيها ، كيفما إتفق، قطع اللحم التى وجدت فوق الرمال.. أحدهم كان يبحث عن زوجته فلم يجد منها شيئاً, ولم يتعرف أى أحد على أى جثة بإستثناء جثة المغربية زوجة أبو البراء.. وما سوى ذلك لا شيء..

– يقول أحد جامعى اللحم البشرى  : (لم يكن أحدنا بقادر على منع إنسياب الدموع على خديه ونحن نجمع لحم الرجال والنساء والأطفال.. وقد وجدنا قطعة من فروة رأس عليها خصلة شعر لإمرأة. ومن الأطفال لم نجد منهم سوى “مشط رجل” لطفل فى حوالى الثالثه من العمر..ولم نجد شيئاً آخر من جسده..وعلى الرمال وجدنا قلب إمرأة ملقي إلى جانب شئ من ملابسها المتفحمة..ويجزم أحد جامعى أشلاء تلك الشهيدة أن قلبها كان مازال  ينبض وهو مطروحاً على الرمال منذ ساعات .. بلا جسد!!.

وكان من بين القتلى الشاب أبو حمزة السورى، الذى نجى من مذبحه التاسع والعشرين من شعبان/ التى قتل فيها أبو حفص المصرى القائد فى تنظيم القاعدة/  ولكنه قتل فى “بنشواى” فى مذبحة الأول من رمضان, ولم يعثر له على جسد.

–  دفنت جثة الشابة المغربية فى مقبرة قرب مصلى العيد فى قندهار.. ودفنت قطع اللحم جميعها فى قبر آخر مجاور لقبرها..

–  { حبذا لو أقامت الإمارة الإسلامية إلى جانب تلك المقبرة نصباً تذكارياً للنساء والأطفال العرب الذين قتلتهم الطائرات الأمريكية فى تلك الليلة. ويكون فى ذلك ردا على النفاق الأمريكى الذى يثير غبار الأكاذيب والتشنيعات على موقف الإمارة من النساء ، وهم يريدون مهاجمة الدين الإسلامى فى حقيقة الأمر.

تستحق هؤلاء الشهيدات وأطفالهن أن نبنى لهن “مزارا شريفاً ” يذَكِّر أجيال المسلمين بهن وبتاريخ الجهاد .عسى أن بزورهن البعض ويترحم عليهن . أو أن يصلى عند قبورهن من زاروا وصلوا فى مقابر يهود الهولوكوست الكاذبة ، ولعل هؤلاء يعودون إلى دينهم وأمَّتَهُم من جديد} .

–  سيظل هذا الموقع قرب قريه بنشواى الأفغانيه شاهداً على أحد تطبيقات “العدالة المطلقة” التى أقامتها أمريكا على أرض أفغانستان.

وقديماً قالها حكيم عربى: [ ردوا الحجر من حيث جاء، فإن الشر لايدفعه إلا الشر ] ـ

فالشهداء لايموتون كما يموت الناس . بل تظل دماؤهم فى القلوب مشتعلة مثل الجمر  ــ والعرب للثأر ــ

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world