التاريخ لايفيد (5) ..من مجازر العرب والنوبيين على يد المماليك والأيوبيين

التاريخ لايفيد (5) 

(صفحات من كتاب مصطفى حامد “التاريخ لايفيد” – قيد الإعداد)

 

من مجازر العرب والنوبيين على يد المماليك والأيوبيين

أولاـ  نهر  دما ء في النوبة

 

[ المصدر /كتاب السلوك المقريزي ــ الجزء الثاني ]

في (سنة 682هـ )  أرسل السلطان المنصور قلاوون الحملات علي بلاد النوبة والعرب في صعيد مصر.  ( 206ص-ج2 )

وفي أول جمادي الأول:

وردت كتب الأمير علم الدين سنجر المسوري الخياط من دمقلة ، بفتحها والاستيلاء عليها وأسر ملوكها وأخذ تيجانهم ونسائهم، وكان الكتاب علي يد ركن الدين منكورس الفاقاني، فخلع عليه وكتب معه الجواب بإقامة الأمير عز الدين أيدمر والي قوص بدمقلة، ومعه من رسم لهم من المماليك والجند والرجال وان يحضر الأمير علم الدين ببقية العسكر. وجهز من قلعة الجبل سعد ابن أخت داود، ليكون مع الأمير أيدمر لخبرته بالبلاد وأهلها فسار وقد أعطي سيفا محلي، فأقام بقوص.

 

وفي التاسع عشر من رجب:

وصل الأمير علم الدين سنجر المسروري ووصل معه ملوك النوبة ونسائهم وتيجانهم وعدة أسري كثيرة فكان يوما مشهودا. وفرق السلطان الأسري علي الأمراء وغيرهم ، فتهاداهم الناس ، وبيعوا بالثمن اليسير لكثرتهم ( الناس هنا تعني الناس الأكابر وليس العامة  “الأراذل” ).

تبقى فى بلاد النوبة العسكر المخلف بدمقلة مع عز الدين أيدمر .

سكان النوبة هم سكان مصر الأصليين وكانوا علي الديانة المسيحية ويسكنون أقصي صعيد مصر من أسوان إلي حدود السودان الحالية.

ولكن لصلتهم الحسنة مع الدولة الفاطمية في مصر استضعفهم الحكام لفقر النوبة وسكانها واستهدفوهم وكانوا يأسرونهم ويبعونهم كعبيد فجعلوهم بضاعة وسلعة تباع في أسواق القاهرة تعويضا عن قلة الخراج القادم من بلادهم. رغم أنهم مستأمنون ويدفعون الجزية مقابل حماية الدولة.

صلاح الدين الأيوبي فكر أن ينتقل للمعيشة في بلاد النوبة ليكون أبعد ما يمكن عن السلطان نور الدين زنكي سيده القديم الذى كان يطالبه بإعادة مصر إلي حكم آل زنكي.

والكشف عن  ما أخذه من قصور الخلفاء الفاطميين في مصر. ومن ضرائب علي الناس ولكنه أمتنع وقرر إهداء مصر إلي الخليفة العباسي المستضيء بالله في مقابل أن يعترف به الخليفة سلطانا شرعيا علي مصر، فزاد ذلك من غيظ نور الدين زنكي وظل يعمل لإزاحة صلاح الدين بالقوة حتي آخر يوم من حياة نور الدين.

وقد كان أحد مستشاري صلاح الدين نصحه بالاستيلاء علي اليمن لتكون مُلكا خالصا له لا ينازعه فيها آل زنكي .

صلاح الدين استطلع أراضي النوبة ولكن طبيعتها لم توافق مزاجه. فقرر الاستيلاء علي اليمن وقد فعل ذلك وولي عليها أحد إخوتة .

غزو الأيوبيين والمماليك للنوبة لم يكن شرعياً كما أن اضطهاد الأيوبين لهم تعسفاً بلا سبب سوى أنهم محسوبون على الدولة الفاطمية مثلهم مثل العرب في مصر وسكان القاهرة من الطبقة السفلي (العبيد والناس اللي تحت).

وسوف نرى أن هؤلاء اللي تحت كان لهم الدور الكبير في الدفاع عن مصر فى  مواجهة جيوش الفرنجة الفرنسيين في معارك دمياط والمنصورة. وذلك بشهادة المقريزى المؤرخ المتحفظ.

وخلع الأمير علم الدين (الذي غزي النوبة ) وأعطي وظيفة مهمندار (مدير دار الضيافة للسلطان) عوضا عن الأمير سيف الدين الجاكي، الذي استقر في ولاية الاسكندرية عوضا عن حسام الدين أبن شمس الدين باخل ، بحكم عزلة والقبض عليه ومصادرته.

كان الانتقال من قمة السلطة والثروة إلي قاع السجون ومصادرة الأموال شيئا عاديا في تلك الدول فلا يأمن أحد حتي إذا وصل الي قمة السلم الوظيفي أن يجد نفسه بعد قليل في أسفل سرداب سجن قلعة الجبل او موسَّطا (مقطوع نصفين) ومعلق على باب زويلة.

وفي النوبة رجع ملكها (سمامون) بعد خروج العسكر إلي دمقلة وحارب من بها وهزمهم وفر منه الملك وجرتس (الموالي للسلطة في القاهرة) والمعسكر المجرد (احتياط غير محترف)،  وساروا إلي القاهرة ، فغضب السلطان وأمر بتجهيز العسكر لغزو النوبة مرة أخري (ص 206) .

ومعهم متملك النوبة وجريس. ساروا في ثامن شوال، وصحبتهم 500 مركب ما بين حراريق ومراكب كبار وصغار تحمل الزاد والسلاح والأثقال.

(هذا الجيش المملوكي كان يمكنه فتح القسطنطينية لو أراد وليس قري صغيرة في صعيد مصر. حتى في حرب دمياط ضد الفرنجة لم يتوفر مثل هذا الأسطول الضخم. فكان الأسطول المصري مئة سفينة فقط) .

فلما وصلوا ثغر أسوان مات متملك النوبة ، فدفن بأسوان ، فطالع الأمير عز الدين الأفرم السلطان بموتة، فجهز اليه من أولاد أخت الملك دواد (من آل أيوب) رجلا كان بالقاهرة ليملِّكة ” بلاد النوبة” .

فأدرك العسكر علي خيل البريد بأسوان. وسار معهم وقد انقسموا نصفين في أحدهما الأمير عز الدين الأفرم وقبجاق في نصف العسكر من الترك والعرب في البر الغربي، وسار الأمير أيدمر والي قوص والأمير بكتمر بالبقية علي البر الشرقي، وتقدمهم جريش نائب ملك النوبة ومعه أولاد الكنز ليؤمن أهل البلاد ويجهز الإقامات، فكان العسكر إذا قدم إلي بلد خرج اليه المشايخ والأعيان وقبلوا الأرض وأخذوا الأمان وعادوا، وذلك جزائر ميكائيل، وهي جريس وأما ما عدا ذلك من البلاد التي لم يكن لجريس عليها ولاية من جزائر ميكائيل إلي دمقلة فإن أهلها جلوا عنها طاعة لمتملك النوبة فنهبها العسكر وقتلوا من وجدوه بها، ورعوا الزروع (تركوا الخيل تأكل المزروعات) وخربوا السواقي إلي أن وصلوا مدينة دمقلة، فوجدوا الملك قد أخلاها حتي لم يبق بها سوي شيخ واحد عجوز (ص 213).

فأخبرا أن الملك نزل بجزيرة في بحر النيل بعدها عن دمقلة خمسة عشر يوما. فتتبعه والي قوص، ولم يقدر مركب علي سلوك النيل هناك لتوعر النيل بالأحجار “الجنادل”.

وقال في ذلك الأديب ناصر الدين بن النقيب وكان ممن جُرِّد إليها (ص 213- ج 2).

يوم  دمقلة ويوم عبيدها “!!”  من كل ناحية وكل مكان

من كل “نوبي!!” يقول لأخته  نوحي فقد سكوا قفا السودان”!!”

 

متابعة الحرب على سكان النوبة

وفي جماد الآخر (689هـ)  وصل والي قوص بمن معه إلي تجاه الجزيرة التي بها سمامون ملك النوبة، و بها عدة من مراكب النوبة، فبعثوا إليه في الدخول في الطاعة وأمنوه فلم يقبل: فأقام العسكر تجاهه ثلاث أيام، فخاف من مجئ الحراريق والمراكب إليه فانهزم إلي جهة الأبواب، وفارقة الأسقف والقسوس، ومعهم الصليب الفضة الذي كان يحمل علي رأس الملك وتاج الملك وسألوا الأمان فأمنهم والي قوص وخلع علي أكابرهم وعادوا إلي مدينة دمقلة وهم جمع كبير.

( تعليق : تصرف ذكي من والى قوص الذى أراد التفرغ لقتال عرب الصعيد باعتبار ان النوبه قد حسم أمرها ولا داعى لفتح باب الحرب فيها من جديد).

فعند وصولهم عبر الأمير عز الدين الأفرم وقبجاق إلي البر الشرقي وأقام العسكر مكانه. وأجتمع الأمراء بدمقلة، وليس العسكر آله الحرب وطلبوا من الجانبين، وزينت الحراريق في البحر ولعب الزراقون بالنفلط ومد الأمراء السماط في كنيسة أسوس ــ أكبر كنائس دمقلة ــ وأكلوا، ثم ملكوا الرجل الذي بعثه السلطان قلاوون وألبسوه التاج، وحلفوا وسائر الأكابر، وقرروا البقط المستقر أولا (الضريبة السنوية الثابتة أو الخراج).

وعينوا طائفة من العسكر إلي أسوان بعدما غاب عنها ستة أشهر، وساروا إلي القاهرة في آخر جمادي الأول بغنائم كثيرة. وأما سمامون فإنه عاد بعد رجوع العسكر إلي دمقلة مختفيا، وصار يطريق باب كل واحد من السواكرة ويستدعيه، فإذا خرج ورآه قبَّل له الأرض وحلف له، فما طلع الفجر حتي ركب معه سائر عسكره وزحف سمامون بعسكره علي دار الملك وأخرج بيبرس العزي ومن معه إلي قوص وقبض علي الذي تملك موضعه وعراه من ثيابة، والبسه جلد الثور بعد ما قدّه سيوراً ولفها عليه ثم أقامة مع خشبة وتركه حتي مات، وقتل جريس أيضا وكتب سمامون إلي السلطان يسأله العفو، وأنه يقوم بالبقط ” الجزية”  وزيادة وبعث رقيقا وغيره، تقدمه “هدية”  فقُبِل منه، وأقره السلطان بعد ذلك بالنوبة (ص 216  ــ ج2 )

 

التعليقات وهى كثيرة للغاية . ولكن نأجلها إلى التاريخ لايفيد آخر .. وكل عام وأنتم بخير .. ورمضان كريم.

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world