آرون بوشنل أمسك بالحقيقة فأحرقته

آرون بوشنل أمسك بالحقيقة فأحرقته

جاء في وكالات  الأنباء أن آرون بوشنل الجندي الأمريكي أحرق نفسه تنديداً بمجازر غزة فأضرم النار في نفسه أمام مقر السفارة الإسرائيلية في واشنطن.  و قال بيان للقوات الجوية الأمريكية أن بوشنل كان متخصصاً في عمليات الدفاع الألكتروني والدعم الاستخباراتي .

وعمل في قسم التكنولوجيا المعلومات وعمليات التطوير. وذكرت صحيفة عسكرية بأنه كان أحد أبرز جنود القوات الجوية. تكاثرت التعليقات علي الحادث.

فلم يسبق له مثيل خاصة في السلاح الجو الأمريكي ويبدو أن آرون كان علي صلة بإدارة عمليات طائرات الدرونز في الحروب الخارجية للولايات المتحدة التي تمتد من غزة إلي أوكرانيا إلي أفغانستان إلي إيران والصين ومنطقة الخليج الفارسي واليمن ولبنان والصومال ومصر. ضمن مساحة واسعة تهدد أمن أكثر من نصف سكان الكوكب .

تذهب التفسيرات يميناً ويساراً ولكن بوشنل نفسه قدم الإجابة القاطعة في حديث له مع صديق عندم أخبره بوشنل أنه بدأ البحث في تاريخ الولايات المتحدة وأراد اتخاذ موقف ضد جمع أعمال العنف التي تقرها الدولة .

الحالة التي عانى منها بوشنل وأدت إلي إنتحاره يعاني منها علي الأغلب معظم الشباب الأمريكي ولكنهم لن ينتحروا بل سيشنون حرباً يدمرون فيها بلدهم بأنفسهم فقد أصبحوا يشكون في ذلك البلد وتاريخه وقيمة ومسيرته كلها.. من أين وإلى أين ولماذا ؟

تلك اليقظة جاءت بفضل صمود وجهاد شعب غزة الذي يعاني من حرب إبادة تشنها عليه إسرائيل والولايات المتحدة بتأييد دولي علني أو خفي وتآمر عربي كامل .

كل ذلك أصبح واضحاً بفضل التكنولوجيا الحديثة التي يتمتع بها الإعلام الدولي والتغطية المتواصلة لحرب غزة، وصمود ذلك الشعب أمام أقسي ظروف الحياة وصمود شبابة أمام أشد الحروب دموية وبطشا علي مر العصور.

ومن هنا جاء التساؤل الذي دفع باشنل للانتحار. فلماذا كل هذا الحماس الأمريكي للمشاركة الكاملة للحرب عي شعب غزة الصغير المحاصر الذى لا يمثل أى تهديد أو تحد للولايات المتحدة .

غير أنه يطالب باستعادة حقوقه في الأرض التي طرد منها بينما تريد إسرائيل اقتلاع جميع الفلسطينيين وطردهم إلي دول أخري فما دخل أمريكا بكل هذا؟ وأين هي القيم الأمريكية التي تباهت بها عندما دخلت الحرب العالمية الثانية ضد النازية والفاشية في أوروبا. ثم خاضت حربا باردة ضد الاتحاد السوفيتى استمرت لأكثر من نصف قرن بدعوى أنه نظام شمولي غير ديمقراطي. وفي الحربين الثانية والباردة أنفقت مئات المليارات من الدولارات وخاضت عشرات الحروب ضد عشرات الشعوب وهي تدعي حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وكان الشعب الأمريكي يصدقها وهي تخيفه طول الوقت بالوحش السوفيتي المستبد والدموي، وكان يصدقها في ذلك وكان أبشع الأمثلة في تلك المرحلة هي حرب فيتنام التي رفض الكثير من الشباب الأمريكي المشاركة في أداء الخدمة العسكرية احتجاجا على تلك الحرب. ليس لأنهم يرفضونها من حيث المبدأ ، فهي ضد العدو الشيوعي غير الديموقراطي، ولكنهم كانوا يخشون الموت حيث كانت الخسائر البشرية عالية بين جنود الجيش الأمريكي .

رغم أنهم قتلوا ثلاثة مليون فيتنامي، مدني معظمهم ممن فقراء الفلاحيين. ثم جاءت حرب أمريكا وحلف الناتو علي أفغانستان ذلك الشعب المنعزل والفقير الذي خرج لتوه من حرب استمرت لعشر سنوات ضد الاحتلال السوفيتي. وادعت أمريكا أنه ساندته بالمال والسلاح وسمحت للحكام العرب أن يتركوا الشباب للذهاب إلي أفغانستان للجهاد ضد الشيوعية الملحدة .

ثم إنقلبت الآية في 2001 عندما أرسلت أمريكا جيشها وجيوش حلف الناتو إلي أفغانستان لعقاب الشعب الأفغاني علي جريمة لم يرتكبها .

حيث قام بعض العرب بالهجوم علي برجي التجارة فى منهاتن  بطائرات ركاب مدنية فتسببوا في مقتل أقل من ثلاثة آلآف أمريكي .

ولكن بعد عشرين عاما من الحرب ظهر أن الأمريكيين قتلوا أكثر من مليوني أفغاني في حرب كلفت الولايات المتحدة أكثر من ترليوني دولار. وكان الشعب الأمريكي أجمالاً موافقا علي تلك الحرب ويؤيدها علي اعتبار أنها ثأر للكرامة الأمريكية التي أهينت في 11 سبتمبر والقتلي الأمريكيين الذين سقطوا في برجي التجارة حتي أن الشعب الأمريكي أيد القوانين التي صدرت بعد أحداث سبتمبر بدعوي مكافحة الإرهاب. ولكن فهم الشعب مؤخرا أن تلك القوانين كانت ضده لتكبيل حريته وإطلاق يد أجهزة القمع في التنكيل بالأقليات من المسلمين والزنوج والملونين. فكانت تعتقلهم بلا حساب وتقتلهم كلما أتيحت الفرصة .

تشكك الشعب الأمريكي وقتها أن 11 سبتمبر كانت إشارة البدء لسحب هامش الحريات التي كان يتمتع بها. وبدأ يراجع تصرفات الحكومة الأمريكية وينظر اليها نظرة الشك ولم يعد يأخذ تبريرات حروبها الدائمة مأخذ الجد .

وبدأ الشك يزيد في حرب أوكرانيا التي لم يفهم لها العالم سبباً معقولاً. وكذلك الشعب الأمريكي لم يتقبلها بسهولة كما فعل مع حروب فيتنام وأفغانستان .

لأن المصالح الأمريكية بعيدة عن ذلك المجال ببعد الأراضي الأمريكية فلم تعد روسيا هي ذلك الوحش المخيف الذي كانوا يتصورون عليه الإتحاد السوفيتي .

فقد كانت روسيا تظهر كدولة عادية تحاول التصالح مع العالم في علاقات عادية لا تخلو من المنافسة بالطبع، وتلك من سمات الحضارة الحديثة من التنافس والصداقة الظاهرة مع ضربات تحت الحزام من وقت إلي أخر لإثاره بعض الحماس والبهجة في الموقف الدولي بما ينشط صناعة السلاح وتطوير التكنولوجيا وتوسيع الأسواق.

ثم جاءت حرب غزة التي كانت مستعصية علي فهم جميع شعوب العالم فهي حرب وحشية وغير مبررة من حيث العنف وتطرف مطالب المعتدين الإسرائيليين .

والأكثر غرابه هو الحماس الأمريكي الذي فاق الحماس الإسرائيلي لتلك الحرب ومشاركتها في العدوان المباشر وإسناد إسرائيل بالسلاح والذخائر والدعم السياسي وقتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال في غزة الذين لا حول لهم ولاقوة ولاطعام، ولا ماء أو دواء.

ومع ذلك تمضي أمريكا قدماً في بتلك الحرب حتي تحقق  إسرائيل الانتصار الكامل حسب مفهوم رئيس وزرائها نتنياهو .

كان ضمن تفسيرات ذلك الموقف أن أمريكا تتنكر لمبادئها ولا تعترف في حقيقة الأمر لا بدمقراطية ولا بحقوق الإنسان .

( هل تخشى من تكرار تجربة غزة فى أمريكا نفسها على يد السكان الأصليين ـ الهنود احمري )

السؤال هنا لماذا؟ كانت تلك الحروب؟ التي امتدت طول القرن العشرين وحتي هذه اللحظة؟ وأي مصالح كانت تخدم ؟!

فلم تكن تلك الحروب من أجل مبادئ أو حقوق إنسان فقد أظهرت حرب غزة أنه لغو فارغ . فلماذا هذه الحروب ولخدمة من كانت ؟

هذا هو السؤال الحرج الذى بسبه إنتحر بوشنل وقد أجاب بنفسه علي هذا السؤال ولم يترك لاحد فرصة أن يستنتج أو يخمن فقد أجاب عليه عندما ذهب أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن وأحرق نفسه وهو يهتف “الحرية لفلسطين “.

فتلك هي مبادئ الشعب الأمريكي التي تتوافق مع مبادئ باقي شعوب العالم .

أنها مبادئ الحرية للشعوب المستضعفة التي يضطهدها الجبارون الذين يمتصون دماء البشرية كلها، سواء في فلسطين أو في الولايات المتحدة أو في أعماق أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية .

أنهم القوة التي تحتل فلسطين لتقيم لها معبدا في القدس يكون مركزا لحكم العالم في أمبراطورية عالمية حسب أساطير التلمود .

ولأجل ذلك أختطفوا ثروات العالم  ومعها سيادة الشعوب والدول بما فيها الولايات المتحدة نفسها. فعصابات الماسونية تسعى لأن تدير البلد الذي تتواجد فيه. حيث مراكز الحضارة والدين.

حتى السعودية بلاد الحرمين الشريفين تديرها العصابات الماسونية المحلية والبنوك الصهيونية الكبرى. وحولت المعالم الدينية للمسلمين إلى مواضيع للسياحة وحفلات الترفيه”.

وكذلك هو الحال في باقي بلاد العرب ومعظم بلاد العالم.

هنا أدرك بوشنل الحقيقة فأحرق نفسه، أو أن الحقيقة أحرقته .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world