حرب الأشباح في أفغانستان

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

مجلة الصمود الإسلامية | السنة التاسعة عشرة – العدد 217 | رجب 1445 هـ – يناير 2024 .

23-01-2024

 

حرب الأشباح في أفغانستان

– ثبتت قناعة الأمريكيين بأنّ هزيمة المجاهدين المسلمين لا يمكن أن تتم بالمواجهة العسكرية المباشرة وأن عليها الاعتماد على شيئين أساسيين:

الأول هو: تطوير التكنولوجيا العسكرية

الثاني هو: العمليات الإرهابية والمرتزقة الدوليين

– حتى اخترعوا نوعا متكاملا من الحروب يتماشى خصيصا مع ذلك السلاح” الدرونز”. وهي (حرب الأشباح) التي لا يظهر فيها الجندي ولا السلاح بل تظهر النتائج فقط على شكل دماء ونيران وجثث. ولا يشاهد الجاني ولا يشاهد السلاح.

– ومن أساليب مقاومة حروب الأشباح هو توجيه ضربات إلى منابع الخطر الإرهابي والمجموعات الإرهابية حيث تقيم وتستقر، وإلى المطارات التي تنطلق منها الطائرات بدون طيار.

– المعروف تماما أن مركز الدواعش الرئيسي يقع في إحدى دول الجوار وتشرف عليه أمريكا بشكل شبه رسمي وتدرب فيه عناصر من الرجال والنساء. فيتكون من ذلك أكاديمية دولية لتخريج الدواعش ليشاركوا في “حروب الأشباح” مع المخابرات اليهودية.

تحظى أفغانستان بأهمية خاصة في السياسة العالمية بعد أن تمكنت من إسقاط النظام الدولي السابق (ثنائي القطب).

وبعد أن أعلنت الولايات المتحدة أنها الفائز الأوحد في تلك الحرب وأصبحت هي القطب المتفرد في العالم والمتحكم في مصير البشرية وجميع المنظمات الدولية والسياسية والمالية والتحالفات العسكرية وأنّ عليها تغيير الواقع الجيوسياسي في العالم بما يتناسب مع مصالحها.

وبدأت على الفور محاولة السيطرة على أفغانستان نفسها ووضعها تحت الوصاية السياسية والعسكرية وحظر أي نظام إسلامي يقيمه المجاهدون لتطبيق الشريعة.

وظل ذلك وإلى الآن هو هدف السياسة الأمريكية في أفغانستان. واتبعت استراتيجيات عسكرية وسياسية تبدلت عدة مرات خلال عشرين سنة من الاحتلال والمقاومة الضارية التي خاضتها حركة طالبان تحت راية الإمارة الإسلامية.

 

الحراك الفكري خلال الحرب

خلال سنوات الحرب تأكدت بعض النقاط والمفاهيم لدى المعتدين الأمريكيين، وفي المقابل تأكدت بعض النقاط والمفاهيم لدى الإمارة الإسلامية.

على الجانب الأمريكي ثبتت قناعة الأمريكيين بأن هزيمة المجاهدين المسلمين لا يمكن أن تتم بالمواجهة العسكرية المباشرة وأن عليها الاعتماد على شيئين أساسيين:

الأول هو: تطوير التكنولوجيا العسكرية أو تلك التي تخدم العمل العسكري بشكل مباشر أو غير مباشر حتى تحقق تفوقاً وقوة عسكرية لا يمكن للمجاهدين مواجهتها في الميدان أو حتى فهمها وإدراك تأثيراتها إلا بعد أن تكون دمرت قواهم بالفعل.

وأهم تلك التطورات كان تطوير الطائرات بدون طيار، حتى وصلوا به في نهاية الحرب إلى مستويات لا يمكن حتى لبعض الدول الكبرى أن تتخيلها.

ولكن ذلك لم يفلح في قهر المجاهدين الأفغان أو إضعاف عزيمة رجال الإمارة الذين نجحوا في الاستيلاء على عدد من تلك الطائرات.

ثم طوروا أساليب عملهم ودخلوا في مجالات التكنولوجيا الحديثة ومنها الطائرات بدون طيار، وإن كان على مستوى أبسط بكثير.

ونرى أنّ الأمريكيين الآن ازدادوا تمسكاً بذلك السلاح وجعلوه السلاح الأول في حروبهم المعلنة وغير المعلنة حول العالم ضد الشعوب والحكومات التي تناوئهم، أو تعادي حليفتهم إسرائيل.

 

حرب الأشباح

حتى اخترعوا نوعًا متكاملا من الحروب يتماشى خصيصا مع ذلك السلاح” الدرونز”. وهي (حرب الأشباح) التي لا يظهر فيها الجندي ولا السلاح بل تظهر النتائج فقط على شكل دماء ونيران وجثث. ولا يشاهد الجاني ولا يشاهد السلاح، واختاروا ذخائر لا يتبقى منها أثر بعد التفجير ليكون الغموض كاملا.  فتكثر التخمينات وتتضارب الأقوال ويتدخل الإعلام الخبيث لتصعيد تلك الفوضى وتشويش الأذهان فتضيع الحقيقة وربما تحدث فتن واتهامات متبادلة.

 

– والثاني هو: العمليات الإرهابية والمرتزقة الدوليين

في إطار الحروب السرية على نطاق واسع كما فعلوا في أفغانستان، وفي الأخير كما ظهر في حرب غزة وفي حرب أوكرانيا قبلها؛ تم الدمج بين المرتزقة الدوليين والإرهابيين المحليين فقاتلوا تحت قيادة واحدة كقوة مشتركة. وهناك شواهد على أنهم يفعلون نفس الشيء في غزة الآن وفي أجزاء من مصر و دول عربية أخرى.

المجموعات الإرهابية نفسها قد تعمل في حرب الأشباح الأكثر تعقيداً التي تشمل على دعم من طائرات الدرونز ودعم من أجهزة استخبارات دولية محترفة وإمكانيات فضائية وبحرية حسب متطلبات العمل.

مع العلم أنّ أمريكا غالبا ما تعمل داخل إطار من التحالفات على أوسع نطاق ممكن مع دول أخرى. وتعتبر ذلك من أسباب قوتها السياسية والعسكرية. وحتى في الحرب السرية تخوضها ضمن تحالفات. وهذا ما يحدث في غزة وأفغانستان وإيران.

في أفغانستان يعمل الدواعش ضد الإمارة الإسلامية في إطار الحرب السرية التي تشنها أمريكا وإسرائيل ضمن تحالف يضم عدة دول أوربية وإقليمية ودول إسلامية.

غزة أيضا تواجه نفس الظروف ولكن في حرب علنية تحاول إسرائيل أن تحولها إلى حرب سرية. لهذا تعلن عن دخول مرحلة جديدة من حرب غزة تقلل فيها من وتيرة العمليات البرية لتعتمد أكثر على أسلوب الحرب السرية أو ما تسميه الضربات الإنتقائية لقتل أو أسر قادة حماس وباقي المجاهدين.

وهي في حاجة لإدارة مدنية جديدة في غزة يشرف عليها عملاء لإسرائيل ويسهلون لها تجنيد الجواسيس وتجميع المعلومات من أجل عمليات الاغتيال والتخريب حتى يتم لها القضاء على جميع العناصر الجهادية في فلسطين.

– ملاحظة: من الملاحظات في هذا السباق ذلك التماثل في تطوير استراتيجيات الحرب التي تشنها أمريكا وإسرائيل في أي مكان في العالم، مع تلك الخطط التي تتبعها في أفغانستان.

حيث أن تلك التطورات إما أن تكون قد طورتها أمريكا في أفغانستان أولاً، ثم نقلتها إلى ميادين حرب أخرى حول العالم مثل أوكرانيا وغزة وإيران ولبنان. أو أنها طورت بعضها هناك ثم تبادر إلى نقلها في حربها على أفغانستان.

– الآن أعلن رئيس وزراء إسرائيل عن دخول حربه ضد حماس إلى المرحلة الثالثة بالعمليات الإرهابية الانتقائية واغتيال قادة المجاهدين وتدمير مقارهم ومراكز قياداتهم. وتخفيف العمليات العسكرية الواسعة بالقوات البرية وذلك متماثل تماماً مع ما حدث في أفغانستان.

ويلزم الاستفادة من تجارب الآخرين. ونقصد بالآخرين تلك الدول والجهات التي تواجه حروبا مشابهة مثل ما نواجه في أفغانستان.

ومن أساليب مقاومة حروب الأشباح هو توجيه ضربات إلى منابع الخطر الإرهابي والمجموعات الإرهابية حيث تقيم وتستقر، وإلى المطارات التي تنطلق منها الطائرات بدون طيار.

وبالتالي:

1 ــ يجب تطوير مجموعات أمنية وعسكرية خاصة لمكافحة ذلك النوع من الحروب الذي أسماه البعض “حرب الأشباح”.

تلك المجموعات تشمل قوة مكونة من وزارات الدفاع والداخلية والمخابرات والبحث الفني والمهندسين.

2 ــ يجب ضرب مراكز إيواء مجموعات الأشباح أو إيقاع عقوبات مؤلمة. حيث أفادت مصادر أمنية في أفغانستان أنهم قد نجحوا في تحديد مراكز إيواء عصابات داعش في المنطقة. بشكل أكثر وضوحاً فإن داعش التي فجرت باص الركاب في كابل وذبحت أحد عناصر طالبان في كونر.

المعروف تماما أن مركز الدواعش الرئيسي يقع في إحدى دول الجوار وتشرف عليه أمريكا بشكل شبه رسمي وتدرب فيه عناصر من الرجال والنساء.

وهناك مراكز لتلقين الفكر الداعشي للمرتزقة الجدد فيجتمع التدريب العسكري الأمريكي مع تعاليم المشايخ الداعشيين الذين تؤهلهم المخابرات الإسرائيلية والمدارس الجديدة للفكر الصهيوني المدعوم من المجموعات الماسونية في العالمين العربي والإسلامي. فيتكون من ذلك أكاديمية دولية لتخريج الدواعش ليشاركوا في “حروب الأشباح” مع المخابرات اليهودية.

– تكلمنا عن الاستنتاجات التي ثبتت لدى الجانب الأمريكي بعد حرب العشرين عاما في أفغانستان.

 

أفكار الإمارة الإسلامية

أما تلك الاستنتاجات التي ترسخت عند الإمارة الإسلامية فمعظمها معلن عنه وليس سرياً ومكتوماً كما عند الجانب الأمريكي.

فالإمارة الإسلامية والشعب كله تأكدوا أن لا حياة للمسلمين بدون شريعتهم الإسلامية التي يجب أن تحكم جميع مناحي الحياة.

– إن تطبيق الشريعة يعني إلى جانب تطبيق الحدود الشرعية تطبق العدالة بين الناس جميعاً.

وتلك أهم واجبات النظام الإسلامي، كما أن الحاكم مسؤول عن رعيَّته وإحسان قيادتها (إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان) والإحسان إلى الرعية يعني الحفاظ على حياة الناس وأمنهم من كافة الأخطار وضمان سلامة الأجيال التالية للمسلمين والحفاظ على دينهم وصحتهم الجسمية والعقلية وتجهيزهم لتطوير أوطانهم في المستقبل وحمايتها والنهوض بها ورعاية حقوق كل من له حق في الإسلام ومنها حقوق الجيران وحسن التعامل معهم بالعدل والإنصاف وإيفاء العهود وحب الخير للجميع.

–  إن الدفاع عن الوطن المسلم يعتمد على قوة الإسلام بين الشعب وإقامة فرائضه وأحكامه وأن يشعر كل مواطن أنه هو مالك هذا البلد و المسؤول عنه. والحفاظ على الأفكار الإسلامية والعادات الصحيحة المتأصلة في المجتمع، وذلك من أسباب قوة المجتمع الأفغاني والذي جعل قهره مستحيلاً  فانتصر على أعدائه في كل حرب.

لأجل هذا يسعى أعداء الإسلام لمسخ العقلية الأفغانية وتلويث الأفكار الإسلامية في أفغانستان بأفكار شيطانية من الغرب بواسطة وسائل الإعلام الحديثة من تلفزيون والإنترنت.

وتلك ثغرة خطيرة تهدد أفغانستان وجميع المجتمعات المسلمة.

 

مجاهدي أفريقيا وتجربة طالبان

– من الدروس الأخرى هو ما تعلمته الحركات الجهادية من تجربة أفغانستان في مقاومة الاحتلال سواء من النواحي التنظيمية أو التخطيط الإستراتيجي للحرب وحتى في مخاطر العمل التفاوضي أثناء القتال وقبل إعلان انتصار المجاهدين.

– أما الرؤية الإستراتيجية في الحرب فخير من استفاد منها هم المجاهدون في الصومال الذين طبقوا بنجاح إستراتيجية طالبان في الحرب. وطريقتهم في العمل داخل العاصمة سعيا نحو إعلان نظامهم الإسلامي، ويقولون أنهم استفادوا كثيراً من تلك التجربة ويسيرون على خطاها.

 

أفغانستان: “درونز” وصواريخ محلية الصنع

ومن ناحية تسليحية، لا تكاد تخلو الآن أي حركة جهادية من الاهتمام بسلاح الطائرات بدون طيار، سواء في الاستخدام أو التصنيع.

ودخول حركة طالبان إلى مجال تصنيع الصواريخ  كان موحيا للغاية خاصة سلسلة صواريخ عمر الضخمة (200 كجم وزن الرأس المتفجر). في الواقع كان هناك ارتباط عاطفي يربط هؤلاء الرجال مع صواريخهم، رغم أننا تناولنا قصة اختراعها بشيء من المزاح معهم، حيث كنا نمازح إخواننا المخترعين والمطورين لها بأنها لا تحب أن تطير كثيرا، بل تقفز من فوق الأسوار فقط ثم تعرف الواجب المترتب عليها من كثرة ما سمعته من المخترعين حولها فأصبحت صواريخ ذكية تعرف ما عليها فعله. إلا أنها أثبتت فعالية تكتيكية كبيرة في أفغانستان وقد سجلنا ذلك في مناسبات سابقة.

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world