الإمارة الإسلامية: نظام أكثر إنسانية.. واقتصاد بلا فساد

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

مجلة الصمود الإسلامية | السنة الثامنة عشر – العدد (209 – 210) | ذوالقعدة – ذوالحجة  1444 هـ / يونيو – يوليو  2023 م .        

05-07-2023

 

الإمارة الإسلامية:

نظام أكثر إنسانية.. واقتصاد بلا فساد

 – خلال مفاوضات الدوحة لَوَّح الوفد الأمريكي بالحرب الأهلية، وأنها سوف تحرق البلد وتمنع قيام أي نظام لا تحرسه القوات الأمريكية.

– أهم قرار في تاريخ أفغانستان، هو الذي أصدره أمير المؤمنين (مولوي هبة الله) بالعفو العام عن جميع من شاركوا في الحرب إلى جانب الاحتلال طوال العشرين عامًا.

– أرامل جنود الجيش الذين قُتُلوا في الحرب تدفع لهم الإمارة الإسلامية بشكل منتظم حتى الآن معاشات قتلاهم.

– المعادن النادرة مثل اللثيوم والبلديوم تعتبر ورقة فوق استراتيجية للاقتصاد والسياسة العليا للإمارة.

– سعر العملة المحلية (الأفغاني) ظل ثابتًا وقويًا في مقابل الدولار. ومع هذا يتخوف البعض من “مؤامرة دولارية” على العملة الأفغانية.

– موضع الأفيون من الاقتصاد الجديد. وموقف الإمارة من زراعته.

– ظاهرة “الهيبز” الأفغان : “بولي سوخته” ظاهرة “حضارية” للاستعمار الأمريكي.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 209 – 210 : اضغط هنا

 

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

 

يتميز نظام الإمارة الإسلامية في أفغانستان بأنه النظام الأكثر إنسانية الذي شاهدته البلاد على مرّ تاريخها.

وذلك على عكس ما كان يرجوه الاحتلال وجهز له قبل رحيله بسنوات، من أجل إغراق البلاد في حرب أهلية وحمامات دم.

بل كان منذ اللحظة الأولى لحربه على أفغانستان يجهز لحرب قادمة بين الأفغان أنفسهم تؤدي إلى تقسيم البلد، وسيطرة الشركات العالمية على ثرواتها، وأن تبقى القوات الأمريكية إلى الأبد في أفغانستان بذريعة: فرض السلم وحماية الأقليات وحقوق البشر وتمكين المرأة، إلى آخر تلك الأكاذيب التي يحاولون خداع العالم بها.

وخلال مفاوضات الدوحة قبل الانسحاب الأمريكي، لَوَّح الوفد الأمريكي المفاوض بالحرب الأهلية، وأنها سوف تحرق البلد وتمنع قيام أي نظام لا تحرسه القوات الأمريكية. وحرص الأمريكيون في حربهم ضد أفغانستان، ومنذ اللحظة الأولى، على تنمية مشاعر الكراهية بين القوميات المختلفة تمهيداً لزرع فكرة الانفصال والحرب الأهلية.

– لأجل هذا كان أهم قرار في تاريخ أفغانستان، هو ذلك القرار الذي أصدره أمير المؤمنين (مولوي هبة الله) بالعفو العام عن جميع من شاركوا في الحرب إلى جانب الاحتلال طوال العشرين عامًا. وهو القرار الذي قَوَّض المجهود الأمريكي وأفشل مسعى الاحتلال في إشعال حرب أهلية لا تنتهي.

لم يكن الأمر مجرد عفو فقط، بل إن الإمارة بسطت رعايتها على جميع المواطنين بلا تفرقة حتى الذين حاربوها في سنوات الاحتلال المظلمة.

– وقد ذكر مولوي عبد السلام حنفي نائب رئيس الوزراء أن أرامل جنود الجيش الذين قتلوا في الحرب تدفع لهم الإمارة الإسلامية بشكل منتظم حتى الآن معاشات قتلاهم. وهذا ما لا يتصور أحد حدوثه في مكان آخر غير الإمارة الإسلامية في أفغانستان.

وقال مولوي عبد السلام حنفي: إن موظفات الحكومة مازلن يعملن في وظائفهن. ويتسلمن كامل حقوقهن المالية. ويتمتعن برعاية الإمارة الإسلامية.

ولكن الإمارة منعت فقط العاملات في وكالات الأمم المتحدة والشركات الأجنبية من العمل في تلك الهيئات. ولم يشرح مولوي عبد السلام السبب في ذلك حفاظا على كرامة وسمعة تلك المجموعة النسوية. وذلك تماشياً مع الأخلاق الإسلامية والعادات القبلية الأصيلة.

ولكننا أشرنا في مقالات سابقة أن تلك المجموعة النسوية تعرضت إلى سوء استغلال من جانب منظمات استخبارية دولية، ومؤسسات تنصير كانت تديرها (رولا غني) زوجة الرئيس السابق.

تلك المجموعة من النساء العاملات في الأمم المتحدة والتي أثارت أمريكا والغرب تلك الضجة عليهن لا يزيد عددهن عن 500 امرأة فقط بما فيهن عاملات النظافة وإعداد الطعام. ومن أجلهن هدّدت المنظمة الدولية والعالم الحر بقطع المعونات عن أفغانستان ومحاصرة الإمارة الإسلامية سياسيًا واقتصاديًا وقطع المعونات الإنسانية عن المحتاجين. وذلك أمر تعالجه الإمارة الإسلامية ضمن برامج اقتصادية وتعليمية. حيث تبذل جهدها لبناء اقتصادها وإعادة بناء النظام التعليمي، وترميم الصدمات الاجتماعية والثقافية التي حدثت نتيجة الاحتلال.

وتهدف الإمارة إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي وبناء اقتصاد قوي بعيد عن أخطبوط الفساد الذي كان يكبل اقتصاد أفغانستان وإدارتها من جميع النواحي أثناء فترة الاحتلال. ومازالت مكافحة الفساد مستمرة. ومن المحتمل أن يطال الفساد بعض أشخاص العاملين، ولكنه لم يعد نظامًا للعمل في أي مؤسسة حكومية.

– كما ذكرنا فإن الإمارة الإسلامية في سعيها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع الاستراتيجية فإنها تتطلع إلى أن تَكُون جهة تمنح المعونات للمسلمين في خارج أفغانستان. وتدرك أن لديها الإمكانيات الطبيعية لتكون أحد الدول الغنية على مستوى المنطقة والعالم.

فلدى الإمارة أيدي عاملة وافره وقوية، وأراضي متسعة، وموارد مائية لم يتم استغلالها بعد بشكل صحيح. أما بالنسبة للمعادن وثروات المناجم فإن نعم الله على أفغانستان وفيرة جدا وقليلة المثال. وتحرص الإمارة على أن تستغل تلك الخامات بشكل اقتصادي يبني حاضر البلد ومستقبل الأجيال القادمة أيضًا.

وقد وقفت الإمارة بحزم أمام سقوط هذه الثروات في أيدي جشعة لديها السلطة أو القوة أو الإسناد الخارجي. كما وقفت بقوة أمام النزعات الأنانية التي يتبناها البعض لسرقة الثروات تحت اسم حقوق قبيلة أو منطقة بعينها. فجميع ثروات أفغانستان هي ملك لجميع الشعب الأفغاني وأجياله الحالية والقادمة.

 

تنوع الثروات في أفغانستان

رغم العزيمة الهائلة والطموح الكبير فإن أفغانستان مازالت في البداية المبكرة جدا لنهضتها الاقتصادية.

ولديها موارد كافية من الطاقة والأيدي العاملة. ولكن تنقصها الخبرات الفنية في مجالات عديدة. لذلك تسابق الزمن في سد تلك الثغرات عبر النظام التعليمي والتدريب المهني والفني والتعاون مع الدول الصديقة.

والتطور الزراعي في أفغانستان متقدم بدرجة ما عن التطور الصناعي بسبب توفر مصادر الماء (رغم الجفاف الحالي)، والأرض والخبرة.

ويعتبر توافر التمويل عاملا جوهريا من أجل تحقيق النهوض الاقتصادي. وتعتمد أفغانستان إلى حد كبير على مرور البضائع إلى الدول المجاورة. وهو ما يسمى ـ تجارة الترانزيت ـ والتي تشكل ركيزة هامة لاقتصاد أفغانستان، بل وأهمية لمركزها (الجيوسياسي) في آسيا و العالم. لأجل هذا تسعى أمريكا ومعها منظومة أعداء أفغانستان، للعبث بالأمن الداخلي بهدف عرقلة تجارة الترانزيت.

– ونتيجة القضاء علي السرقات والرشاوي وأشكال الفساد في نظام ضرائب نقل البضائع عبر الحدود، حققت الإمارة الإسلامية دخلاً كبيرا من بعض المعابر التي تربطها مع دول الجوار ودول من آسيا الوسطي.

– وتعتبر الخامات الإستراتيجية مثل النفط والغاز واليورانيوم والحديد والنحاس والفحم إلي آخره ورقة كبري في يد الإمارة من أجل توفير التمويل والبناء الاقتصادي.

أما المعادن النادرة مثل اللثيوم والبلديوم فتعتبر ورقة فوق استراتيجية للاقتصاد والسياسة العليا للإمارة.

وليس سراً أن أفغانستان ترفض التعامل مع تلك المواد، سواء الاستراتيجية أو ما فوق الإستراتيجية، تعاملا تجاريًا بحتًا، حيث تعتبرها جزء من القوة الجيوسياسية لأفغانستان. فهي ليست مجرد مواد خام، بل هي اقتصاد وسياسة واستراتيجية وحاضر ومستقبل في آنٍ واحد. وهي ذات قيمة في العلاقات الدولية سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا.

لهذا تتحرك الإمارة في ذلك المجال بأقصى درجات الحرص والعناية.

 

نتائج سريعة:

المردود الاقتصادي كان سريعًا من حيث التأثير على الوضع المعيشي للمواطنين. فقد انخفضت الأسعار داخل أفغانستان وصارت هي الأرخص من بين الدول المحيطة بها. كما أنّ سعر عملتها المحلية (الأفغاني) ظل ثابتًا وقويًا في مقابل الدولار الأمريكي.

ومع هذا يتخوّف بعض الاقتصاديين في أفغانستان من مؤامرة دولارية على العملة الأفغانية. ويطالبون بالتحسب من آثارها المحتملة. فاليهود يتقنون تخريب العملة كوسيلة لضرب النّظام الحاكم، برفع أسعار السلع وإثارة الفتن الداخلية (غالبًا تشمل النساء، أو يكون النساء في طليعتها، مطالبات بحقوقهن على الطريقة الغربية).

– يقول هؤلاء المتشككون في خبايا حروب العملة، أن العملة الأفغانية ستظل معرضة للخطر طالما هي مرتبطة بالدولار. وأطلقوا مصطلح (فساد الدولار) على عملية فساد يقوم بها بعض الصرافين بشراء دولار رخيص من خارج البلاد تزودهم به جهات معادية. فيأخذ التجار منهم الدولار الرخيص فتتحسن العملة المحلية (الأفغاني). ولكن التجار يكونوا قادرين على سحب الدولار من السوق، أو رفع سعره بصورة مبالغ فيها، فتتعرض العملة المحلية للهبوط الحاد. تلك المخاوف لم تتحقق حتى الآن بسبب امتلاك الإمارة لدفاعات ضدها. ولكنها في حاجة إلى حل دائم.

– يقترح بعض الاقتصاديين أن يكون الحل هو ربط سعر العملة الأفغانية بأسعار الخامات الإستراتيجية الموجودة في أفغانستان. وبهذا تحتفظ الأمارة بعملتها قوية بعيداً عن تلاعب اليهود بالدولار.

تحميل مجلة الصمود عدد 209 – 210 : اضغط هنا

 

خطوط دفاع اقتصادية

تمتلك الإمارة الإسلامية خط دفاع جيد ضد تآمر الأعداء على اقتصادها خاصة في موضوع العملة أو الحصار الاقتصادي، أو الآثار السيئة الناتجة عن منع المعونات الخارجية. وهي المعونات التي كان النظام السابق قائم عليها ولا يستطيع العيش بدونها.

 

أهم تلك الإجراءات هي:

1 ـ تنوّع السلع التي تُصَدَّر للخارج خاصة السلع الزراعية وخامات المناجم.

2 ـ تنشيط تجارة الترانزيت التي تعبر أفغانستان. وتنظيف مسارها من الفساد وتأمينها من هجمات الدواعش والجيش السري الأمريكي.

3 ـ تشجيع الدورة الاقتصادية الحرة، القائمة على المبادرات الفردية للمزارعين والتجار والمستثمرين الأفغان.

وقد حققت تلك السياسة نجاحًا سريعًا غير متخيل، حتى أنّ التجار الأفغان اخترقوا أسواق عظمى لدول كثيفة السكان.

ونتيجة لجودة السلع الزراعية الأفغانية والمعاملة الجيدة للتجار والمزارعين الأفغان، تنافس المستوردون على السلع الأفغانية عارضين أسعارًا أفضل وشروطا أيسر وزمن أطول للتعامل.

وقد تميّزت السلع الأفغانية بجودتها العالية وسعرها المعقول. والأهمّ من ذلك هو نظافة التعامل والالتزام بالشروط المتفق عليها، تلك السلع منوعة إلى درجة كبيرة جدًا، فمنها الفاكهة والخضروات خاصة الزيتون والرمان. وهناك المكسرات الأفغانية مثل الجوز واللوز والصنوبر التي اشتهرت بجودة عالية.

كما أنها تباع طازجة أو على شكل معلبات. وتوافرت في مجموعة من الأسواق الهامة، بحيث لا يوجد مستهلك واحد يمتلك قدرة احتكارية لأي محصول أفغاني. والجدير بالذكر أن أكثر تلك المعاملات تدور بالعملات المحلية للدول، بعيدًا عن الدولار. وهذا جعل المتعاملين آمنين من تغول الدولار الأمريكي. وأيضًا خارج العربدة الأمريكية بموضوع “العقوبات” الاقتصادية.

– يمكن قول أشياء قريبة من ذلك عن السلع المنجمية التي تستخدم فيها العملات المحلية وأسلوب المقايضة مع الدول المجاورة التي تتعامل مع الإمارة.

 

موضع الأفيون من الاقتصاد الجديد:

كانت عائدات الأفيون هي الحافز المادي الأكبر للولايات المتحدة كي تشنّ حربها على أفغانستان. فجذبت خلفها دول حلف الناتو وآخرين، حتى شمل التحالف ما يقارب خمسين دولة.

وادّعت أمريكا أنها جاءت للانتقام من حادث 11سبتمبر، وهو ادعاء نفاه قائد حلف الناتو الذي قال: إن ذلك ليس الهدف الحقيقي من الحملة العسكرية، ولكن الإسلام في أفغانستان كان هو المستهدف، لأنّ أمريكا ترى أن مهمّتها وضع تصور للإسلام يناسب الغرب ولا يطابق شرائع الإسلام نفسه.

أسفر الاحتلال الأمريكي عن تضاعف كمية الأفيون في أفغانستان (من 185 طن في عام 2001 ، وصولا إلى ما يناهز 4000 طن في بعض سنوات الاحتلال). واجتهدت أمريكا في تحويله إلى مسحوق الهيروين في قواعدها الجوية، وتصديره إلى أنحاء العالم. حتى قفز إنتاجهم للهروين في أفغانستان ـ حسب بعض التقديرات ـ إلى أكثر من 40 ضعفا خلال فترة الاحتلال.

– وحاولت أمريكا شراء المزارعين بمضاعفة أسعار الأفيون الخام، الذي قفز من دولارين للكيلوجرام ليتخطى حاجز العشرين دولارًا في أعقاب الاحتلال مباشرة. ولكن المزارعين الأفغان، كما باقي الشعب، زادت عزيمتهم على مطاردة الاحتلال. فالشعب الأفغاني ينافي طبيعته وجود الاحتلال أو انتهاك شرائع الإسلام على أرض بلاده.

– ظن الاحتلال الأمريكي/الأوربي بأنهم سيشترون الشعب الأفغاني بأموال الأفيون، بمضاعفة أرباح المزارعين. ولكن الشعب تصرف على عكس ما تَوَقَّع المحتلون. وجعلهم يدفعون أثمانًا غالية من دمائهم في مقابل الأفيون. إلى أن أرغمهم على الفرار من أفغانستان تاركين كل شيء وراء ظهورهم.

ولكنّ الأمريكان خلال سنوات الاحتلال تمكّنوا من بناء مخزون استراتيجي ضخم من الهيروين، لأيام كانوا يتوقعونها لا محالة، حين يطردهم الأفغان، ويصبح حصولهم على الأفيون صعب المنال ومرتفع التكاليف. وهذا ما يجري حاليًا.

– عادت الولايات المتحدة وأتباعها إلى استخدام ورقة الأفيون كدعاية في الحرب النفسية ضدّ الإمارة الإسلامية، كما كانوا يفعلون قبل حربهم عليها عام 2001 وكلما كانت الإمارة تخفض من إنتاج الأفيون كانوا يرفعون وتيرة الحرب النفسية عليها باستخدام دعاية الأفيون. حتى إذا منعت الإمارة زراعته تمامًا شنّوا عليها الحرب، لأنهم لا يستطيعون تَحَمُّل فقدان مئات المليارات من دخل الهيروين سنويًا.

يتكرر ذلك الآن.. حيث انخفض بشدة إنتاج الأفيون في أفغانستان. فأخذت أمريكا تكرر نفس السناريو، حتى بات البعض يتوقع عدوانًا أمريكيًا عسكريًا على أفغانستان، تشارك فيه جويًا ولوجستيًا. أما على الأرض فهناك الدواعش والجيش السري الأمريكي وبعض عصابات المرتزقة والمغامرين.

 

موقف الإمارة من زراعة الأفيون:

تحول الكثير من المزارعين عن زراعة الأفيون إلى زراعة محاصيل بديلة، خاصة القمح والقطن والفواكه والخضروات. وهي محصولات ذات نوعية جيدة ومطلوبة للسوق الداخلي وأسواق المنطقة.

كما أن الإمارة رَكَّزَت جهدها في إصلاح الطرق، فأصبح هناك شبكة من الطرق المعقولة التي تكفي لنقل المحصولات إلى المدن، حيث يتم توزيعها في الداخل أو تصديرها إلى الخارج. والعائد يعتبر مجزيًا في كلا الحالتين. فالمزارع الأفغاني، على عكس ما يتصور كثيرون، كان ضحية الأفيون وليس مستفيداً منه. ورغم أنه وفر له عائدًا ماليًا لا يوفره أي محصول آخر، الا أنه توَرَّط في ديون، أوقعه فيها المرابين وتجار المخدرات الشرهين والشرسين. ونتج عن ذلك خسائر مالية وآثار اجتماعية خطيرة على الريف الأفغاني.

وما أن رحل الاحتلال واشتدت قبضة الإمارة في إدارة الأمور الداخلية وفرض الأمن، حتى توقف الكثير من المزارعين عن زراعة الأفيون شاعرين بالتحرر من الأفيون الذي دمر حياة عائلاتهم بسبب الديون الربوية. ومن المعلوم أن الشعب الأفغاني لا يُقْبِل على تدخين الأفيون أو الهيروين، سوى قلة نادرة وقعت تحت تأثير الاحتلال، فتم طردهم من القبائل أو التخلص منهم داخلها.

– موقف الإمارة الإسلامية كان محايداً بالنسبة للمزارعين. فلم تأمرهم بشيء أو تنهاهم عن شيء. بل تركت لهم القرار، ليتخذوه بِحرّيَّة. واكتفت الإمارة بضبط الأمن والقانون وإصلاح الطرقات ونظام الري ومنع التعامل بالربا بين الناس. ولم تتدخل حتى بالنسبة للمزارعين الذين احتفظوا بجزء من أراضيهم لزراعة الأفيون كالمعتاد. ولكنها منعت دخول تجار أجانب للتعامل مع المزارعين.

– فوصلت شكاوي دولية من أن منع زراعة الأفيون قد تؤدي إلى نتائج وخيمة تعرفها أفغانستان. وهذه الشكوى فيها تهديد على شكل نصيحة.

ولكن الإمارة تركت الأمر للمزارعين، واكتفت بالقول أنها ستتعامل بشكل قانوني مع طلبات شركات الدواء الخارجية حسب ما تسمح به إمكانات الزراعة في أفغانستان، ورغبات المزارعين في زراعة أو عدم زراعة الأفيون. بدون أي إجبار من سلطات الإمارة.

فالمزارعون أدرى بما يصلح شأنهم وما يصلح حال مجتمعهم وبيئتهم وإمارتهم الإسلامية. ويدرك الجميع أن قوة الشعب وسعادته هي ضمان قوة واستقرار الإمارة.

 

عن إنسانية الإمارة

من النتائج الفرعية الملازمة لزراعة المخدرات هو انتشار الفقر والتسول. وهو ما تعالجه الإمارة حاليًا بتجميع الأطفال والنساء من الشوارع، ووضعهم في دور للضيافة إلى حين علاجهم وتعليمهم بعض الحرف لاكتساب الرزق.

وقد تمّ علاج عدة آلاف من المدمنين في مصحات خاصة، و أعيدوا الي الحياة الطبيعية بعد تدريبهم على أعمال يدوية، أو أعيدوا إلى كفالة أهاليهم و قبائلهم مرة أخرى. وهناك آلاف من المدمنين يتم علاجهم بالتدريج.

 

ظاهرة “الهيبز” الأفغان:

“بولي سوخته ” ظاهرة “حضارية” للاستعمار الأمريكي:

تحت جسر” بولي سوخته”ــ ومعناه الجسر المحترق ــ كانت توجد مستعمرة ثابته لمدمني المخدرات أقامها الاستعمار الأمريكي تحت أحد الجسور الهامة فوق نهر كابل. مستعمرة تشبه مستعمرات شباب “الهيبز” في أمريكاــ وهم مجموعات تحيا على المخدرات والموسيقى والحرية الجنسية. ويسكنون الخرائب والحدائق العامة ــ وظهرت موجة “الهيبز” في أمريكا في سبعينات القرن الماضي.

– تحت جسر “بولي سوخته” كلن يعيش طوال العام ولمدة عقدين من الزمن، مئات من المدمنين الشباب والشابات والأطفال والمواليد حديثي الولادة، بلا أي ضوابط. وكان الاحتلال يمدّهم بالمخدّرات بشكل ملتوي. وكانوا يموتون ويرمون جثث بعضهم البعض على ضفاف ذلك النهر شبه الجاف، والذي تجري فيه كمّية ضئيلة من المياه السوداء النتنة، إلى أن تأتي البلدية في يوم ما لتجمع الجثث. ولا تعتبر الشرطة نفسها مسئولة عن شيء.. فكل ما يجري أمامها في “بولي سوخته” هو في نطاق المسموح به والمرضي عنه أمريكيا.

شمل ذلك التواجد شبه الآدمي، مظاهر حيوانية لا يربطها أي شيء بالإنسانية. فكانت أبشع مظاهر الاحتلال وتجلياته الثقافية المخزية. ولا عجب أن كبار مسؤولي الاحتلال والنظام الحاكم والأمم المتحدة كانوا يشاهدون تلك المهزلة الكارثية في كل يوم أثناء عبور سياراتهم فوق الجسر، بدون أن يفكروا في إزالتها أو علاج أسبابها، بل على العكس بذلوا كل جهد ممكن لدعم تلك الظاهرة المشئومة، وإمداد سكان الجسر بالطعام والمخدرات بشتى صورها. فجعلتهم مجرد حيوانات تجارب، ولعبة “حضارية” أمريكية. واستعراض لنفاق الأمم المتحدة التي تقتل من تشاء، ثم تتباكى على من لم تتمكن من قتلهم.

تخلصت الإمارة من تلك الظاهرة. وحولت “بولي سوخته” إلى مظهر سياحي جميل في كابل، يتوافد إليه الناس من أرجاء أفغانستان. وأصبح الجسر المحترق دليل على قدرة الإمارة على التغيير بالإسلام صوب الأفضل.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 209 – 210 : اضغط هنا

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world