مياه للحرب (3) .. خبراء استعادة الاحتلال

مياه للحرب .. (3)

خبراء استعادة الاحتلال :

من قناة السويس إلى سد كمال خان.

قبل فراره من أفغانستان بخمسة أشهر تقريباً ، أعلن الرئيس الهارب أشرف غني عن افتتاح سد “كمال خان” معلناً أنه سيعطي الماء لإيران في مقابل النفط . بما يعني أن عهد الماء المجاني قد انتهي . وقال أن ذلك (لا يتعارض مع مصالح دول الجوار) وأن ما سيتم فعله سيكون وفقاً لاتفاقية المياه بين إيران وأفغانستان. وقال أيضاً: ( إن مياه نهر هلمند كانت تتدفق من أفغانستان منذ قرون لكنها تدار الآن من قِبَل الأفغان ) .

ويبدوا أنه يقصد أن الأمور لن تسير وفق السنن الطبيعة منذ الآن ، بل وفقا لقوانين السياسة الأمريكية . فمبدأ الماء في مقابل النفط هو تَجَبُّر استعماري يليق بأمريكا فقط ، وليس منصوصا عليه في أي اتفاقية حول العالم.

أدلى أشرف غني بتصريحاته المليئة بالمعاني السابحة تحت السطح مثل الألغام البحرية التي تستخدم في الحروب .

وكما حدث مع الملك ظاهر شاه ، وبعد تلك (الغارة المائية)، غادر “غني” المسرح السياسي نهائيا، تاركاً النظام الذي يليه ليكون محكوما بالأزمة المائية الكبرى التي صنعها الاستعمار الأمريكي . فيتورط في علاقات عدائية مع أحد أهم جيران أفغانستان وهو إيران.

–  في موجة التصعيد الأخير حَوْل سد كمال خان، وطبول الحرب يدقها الاحتلال الأمريكي ومستشارة (خليل زاد). مضافا إليها ماكينة إعلامية هائلة و طابور خامس من العملاء والمأجورين، المنبثين حيث لا يتوقعهم أحد .

ونتيجة إحساس طاغ بالقوة الأمريكية المساندة لهم، فإنهم يقولون كل ما يخطر في بالهم من استفزازات وأكاذيب، ولو علي حساب الجغرافيا نفسها. كأن يقول بعض الفصحاء أن إيران كانت تتحكم في مياه  نهر هلمند لمدة أربعين عاماً . وهذا يماثل قول الحبشة أن مصر كانت تتحكم في ماء النيل الأزرق الذي ينبع من الحبشة .

فالطرف الموجود عند منابع النهر ويسيطر عليها هو الذي يتحكم في المياه، وليس الطرف الجالس خلف الحدود منتظراً وصولها إليه .

– قلنا أن سد “كمال خان” يشبه سد النهضة من حيث وجوده في نهاية الأراضي الزراعية للدولة التي بها السد، وليس في بدايتها كما تقتضي القوانين الطبيعية للري.

فوجود السد عند نهاية الأراضي الزراعية للدولة يعني نيتها فرض سيطرتها علي الدولة التالية لها ، واستخدام الماء كسلاح سياسي لفرض أرادتها علي الجيران، كما تفعل الحبشة مع مصر والسودان بواسطة سد النهضة.

 

من السويس إلي “كمال خان”

–  لا يذَكِّرُنا الكمين المائي في “كمال خان” بكارثة الكمين المائي في سد النهضة فقط ، ولكن يذكرنا بكمين آخر يزحف في داخل الجهاز الإداري للدولة حتي يُمْلي إرادته السياسية علي النظام الحاكم في أفغانستان (عام2023)، كما فعل الجهاز الإداري في مصر أثناء أزمة قناة السويس والعدوان العسكري الثلاثي علي مصر عام 1956 (عدوان بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) . حيث حاول الاستعمار وجيوش الغزو أن تستعمل أقطاب من الجهاز الإداري والسياسي السابق لثورة الجيش، من أجل إعادة الاحتلال البريطاني لمصر، من بوابة الخبراء وليس بوابة الجيوش.

في الحالتين، فإن الجهاز الإداري في أفغانستان ومصر ظهرت منهما بعض الأفاعي التي تطالب بعودة الاحتلال إلي البلاد مرة أخري، بذريعة أن الكوادر الفنية غير قادرة علي إدارة المشكلة التي انفجرت في وجه النظام نتيجة قرار سياسي . كان القرار هو تأميم قناة السويس في مصر. أو إغلاق مياه نهر هلمند عن إيران في حالة أفغانستان.

 

– سنذكر ما حدث في مصر أولا ثم ننتقل إلي مثيله الذي يحدث الآن في أفغانستان، بعد 67 عاماً :

أشاعت دول الغزو علي نطاق العالم أن مصر عاجزة عن إدارة قناة السويس وأن التجارة الدولية في خطر .

ومن داخل الجهاز الإداري المصري تقدم موظفون كبار وسياسيون من الأحزاب المنحلة ، تقدموا بطلب إلي الحكومة بأن تتنازل عن الحكم لصالح الاحتلال البريطاني الفرنسي، وأن تعيد الخبراء الأجانب الذين كانوا يديرون قناة السويس قبل تأميمها .

– وفي أفغانستان صرح /عبر الإعلام الخارجي/ شخصيات من الجهاز الإداري في الدولة وخبراء سابقون: ( أن مشكلة المياه تسببت في توتر العلاقات مع جيران أفغانستان خاصة إيران وباكستان وأن السبب يعود إلي انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وفي صحبتها عدد كبير من خبراء إدارة المياه والسدود) .

[ ملاحظة: لم تحدث أي مشكلة مائية مع باكستان حتى الآن ــ علي عكس ما يقوله الخبير ــ الذي يعلم أن باكستان لها مشاكل حدودية عويصة جدا مع أفغانستان. وهي مشاكل عنيفة تحت السطح ، لم يتكلم عنها أحد بمثل الضجيج المثار حول “كمال خان” . والسبب هو أن الأمريكي “خليل زاد” ــ زعيم الإسلاميين المتصهينين الجدد – لن يبارك أي عنتريات كلامية ضد باكستان. ولن يصف أصحابها بأنهم “رجال دولة”. كما يفعل مع أبطال فتنة القحط في “كمال خان”. ]

 

أحد كبار موظفي إدارة الري “سابقا” قال وبكل وضوح :

 (إن غياب خبراء المياه أثر سلبياً. فقد كانوا علي دراية كافية بوضع الأنهار والمياه . ولديهم الإجابات عن الأسئلة التي تقدمها إيران إلي أفغانستان من وقت إلي آخر) . (وطالب الحكومة الحالية بالتواصل مع الخبراء الهاربين والمنسحبين مع الاحتلال لأقناعهم بالعودة إلي البلاد ). إنه طلب شبه صريح بإعادة الاحتلال إلى أفغانستان مرة أخري، كي يدير مشكلة المياه التي تركها خلفه قبل خمسة أشهر من فراره من أفغانستان.

– الضجيج الإعلامي المصاحب للحرب الباردة(حرب القحط) حول سد “كمال خان” يعتمد علي جهل الجمهور بدوافع الأمريكان من بناء ذلك السد. كما يعتمد علي الجهل بالحقائق الجغرافية للمكان، والمخالفات الهندسية الجسيمة، والتخريب المتعمد وإهدار الثروة المائية . تلك المعلومات الأساسية يطمسها الإعلام الأمريكي عمداً، كما يطمسها مناصروه الإقليميون والمحليون .

في الحقيقة أن المشكلة في الأساس هي مشكلة سياسية ترتبط بالوضع الإستراتيجي لأفغانستان. وبالتالي هي مشكلة حلها يكمن عند المستوي السياسي الأعلى في قيادة البلدين. حيث أن أفغانستان لا تستفيد بأكثر من ثلث كميات المياه التي تعبر أراضيها .وتشارك دول الجوار في مياه عدة أنهار.

– حل المشكلة الحالية، والمشكلات الكثيرة المتوقعة مع الجيران في المستقبل،  يكمن في تحرك سياسي يدعمه عمل إقليمي مشترك في مجال الاقتصاد عموما ، والمياه بشكل خاص .

– لا يمكن أن نتوقع انفراج المشكلات عبر فوضى توتير العلاقات ونشر الكراهية بين القبائل الواحدة على جانبي الحدود. والتَنَمُّر والحرب الباردة، وفحيح أفاعي الجهاز الإداري من الفاسدين الذين خدموا الاحتلال عشرات السنين. لن يأتي أي حل من تلك الاتجاهات، بل ربما يتسرب منها الاحتلال مرة أخرى .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world