مؤتمر سمرقند والتدخل المرفوض

اخر تحديث : 19/04/2023

 

مؤتمر سمرقند والتدخل المرفوض

 – مؤتمر على هذا المنوال قد يتحول إلى صيغة رباعية للهيمنة علي أفغانستان وفرض وصاية خارجية عليها .

– المؤتمر كان حديثاً داخلياً بين الدول الأربعة، وتبادُلاً للمجاملات الجيوسياسية علي حساب أفغانستان، باعتبارها الضيف غير المدعو إلي مائدة ترسم مصيره .

– المؤتمر حضرته باكستان، وهي جار سوء . فقد حرَّكَت حدودها إلي داخل أفغانستان وأقامت أسلاك شائكة إلي خطوط جديدة غير الخطوط الدولية .

– هاجمت القوات المسلحة الباكستانية الحدود الأفغانية، بهدف الاستيلاء علي الحدود الفاصلة بين أفغانستان والصين عند “ممر واخان”.

– أين التفاصيل ؟؟. إن الحقيقة تسكن في التفاصيل. ولكن بيان مؤتمر جيران أفغانستان في سمرقند جعل من غموضه ملاذا لأفاعي التآمر السامة.

– للخروج من التعميم المضلل نعلق على ما جاء في بيان سمرقند عن داعش ، القاعدة ، الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية ، طالبان باكستان ، وجيش تحرير بلوشستان ، جيش العدل .

– حركة “طالبان باكستان” هي حركة أفغانية، لأن مناطق القبائل التي نشأت فيها هي في الأصل مناطق أفغانية مغتصبة ، ترفض باكستان إعادتها إلي أصحابها الشرعيين.

– مؤتمر سمرقند العدواني، لفت الأنظار إلي أن الخيارات السياسية لدي الإمارة الإسلامية قد أصبحت محدودة لدرجة قد تغري القوي الدولية الجديدة بالعدوان عليها.

– ينبغي وضع اقتراحات لتوسيع العلاقات الدولية لدي الإمارة. وذلك يستدعي بحثاً متعمقاً، نظرا لطبيعته الشائكة وتعقيده الشديد، خاصة في ظروف أفغانستان التي مازالت محاصرة دوليا وإقليميا منذ أن غادرها الجيش السوفيتي عام 1989 .

– من الممكن وضع الأسماء التالية علي قائمة البحث عن إقامة علاقات أوسع تتيح مجالات اقتصادية وسياسية أفضل من الوضع الحالي، الذي قد يتحول إلي نوع من الهيمنة الرباعية علي أفغانستان والتي مثَّلَها مؤتمر سمرقند .

– مطلوب شخصية جهادية قوية ومقنعة لتولي ملف العلاقات الخارجية فلنقل أنه ( الملا برادر ). بشرط أن يتخلى عن القلم الذي وقع  به اتفاق الدوحة مع الولايات المتحدة. وعليه الاحتفاظ بالجاروف في يده عند حضور المؤتمرات ، فهو جاروف الأمر الواقع والقرار الحاسم.. وهكذا تؤخذ الدنيا غِلابا .

 

بقلم  : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

 

آنَ للإمارة الإسلامية أن تنهي موقف الاستضعاف الذي توضع فيه قسراً خلال المؤتمرات الخارجية . ولا يتأتى ذلك الا بإدراك أوراق القوة والتأثير التي تمتلكها الإمارة الإسلامية، وأيضا استخدامها لرجال أكفاء في المناصب الهامة، فَهُمْ يصنعون فرقا كبيراً بفعل مزاياهم في الإيمان والإدراك والشجاعة.

فالمسئول هو الذي يصنع قوة المنصب، وليس العكس. وتعاني التشكيلة الإدارية المؤقتة في الإمارة الإسلامية من عدة أوجه قصور تدركها الإمارة وتؤجل الإصلاح إلي توقيت مناسب، نظرا لتشابك المسارات مع بعضها، بحيث لابد من الانتظار حتي يأتي الوقت المناسب لحل مجموعة منها دفعة واحدة .

من تلك المشكلات ، عدم وجود وزير خارجية مناسب للإمارة، وعدم وجود جهاز إعلامي في الأساس. أي أن الإمارة تسير الآن بلا وزارة خارجية وبلا إعلام . ولا يمكن وصف ذلك بأنه وضع طبيعي أو جيد، أو يخدم الإمارة.

–   في دولة أوزبكستان،عقد في 13 إبريل 2023، بمدينة “سمرقند”، مؤتمر رباعي ضم وزراء خارجية روسيا وثلاث دول أخرى مجاورة لأفغانستان، هي: الصين، إيران ، باكستان . كشف المؤتمر مدي الضرر الناشئ من عدم وجود وزير خارجية مناسب للإمارة . والأسوأ من ذلك هو عدم وجود سياسة خارجية واضحة وقوية تناسب موقعها الجغرافي وثرواتها الهائلة، وبالتالي قدرتها على التأثر في أوضاع منطقتها والعالم.  ويدرك الآن الشعب الأفغاني والمتابعون في الخارج من أصدقاء الإمارة ومحبيها أن الإمارة في حاجة إلي وزير خارجية مثل (ملا برادر) ذا رؤية واضحة ومواقف حازمة. ونتصور ضرورة حضوره الي مؤتمر سمرقند وأمثاله وهو يحمل معه “الجاروف” التاريخي الشهير، الذي حوَّلَ به مجري مياه نهر جيحون إلي أفغانستان، وهو يقول: ( لقد مضت مائة عام وأفغانستان محرومة من حقها من المياه ).

ولو قضينا ألف عام أخري لم نكن لنحصل علي نقطة مياه واحدة، لولا حزم الملا برادر، و قدرة جاروفه علي تحويل مسار الجغرافيا والحصول علي الحقوق التاريخية من المياه وغير المياه .

– لم يكن ضروريا أن يذهب وزير الخارجية إلي مؤتمر(سمرقند) لأنه لم يشارك في الجلسات، فلماذا ذهب إلي هناك ؟! .

وهل جلس في قاعة المؤتمر أم أمضى وقته منتظراً علي باب القاعة سائلاً عن الأخبار في الداخل ؟؟.

لقد قام الوزير بعد المؤتمر بمشاورات عملية قيّمَة وذلك شيء يحسب له، ولكنه كان شاهداً هامشياً للغاية علي بيان ختامي صدر عن المؤتمر، واُعْلِن في العالم، ولم يعلق الوزير عليه بما يستحق. وذلك يحسب عليه كتقصير في أداء واجبات وظيفته.

لأن أقل ما يقال عن قرارات المؤتمر أنها مجحفة بحق أفغانستان، وعدائية بشكل غير مقبول. وإن أعترف المؤتمر ببعض الحقوق لأفغانستان، ولكن بعد تفريغها من محتوياتها لتصبح نوعاً من العبث اللفظي.

عقد المؤتمر الرباعي المسمى (مؤتمر وزراء خارجية الدول المحيطة بأفغانستان) للمرة الرابعة، ويعتزمون مواصلة الاجتماعات ربما علي نفس الوتيرة المؤذية لأفغانستان، والتي قد تصبح مؤذية للإقليم كله إذا ما أُجبرت أفغانستان على مواجهة أخطاء تلك المؤتمرات، التي في حقيقتها لا تبتغي حل مشاكل أفغانستان بل أنها على هذا المنوال قد تتحول إلى صيغة رباعية للهيمنة علي أفغانستان وفرض وصاية خارجية عليها .

– مؤتمر سمرقند بعقليته الاستكباريَّة، وأنفاس الوصاية الاستعمارية المنبعثة من ثنايا بيانه المتغطرس. هذا المؤتمر هو مشروع لتشكيل هيئة وصاية دولية على أفغانستان، تبدا بشكل إقليمي في البداية . ولكن القوى الدولية العظمى موجودة بذاتها في  الجلسات ، وبعقليتها في البيانات الختامية.

–  الهدف النهائي هو فرض وصاية خارجية علي أفغانستان، والتدخل في أمورها بما يعزز ضعفها والسيطرة عليها، وليس حل مشكلاتها . وذلك باستثناء القليل، خاصة موقف الصين الذي كان معقولاً علي وجه الإجمال وتجنب الانحياز الفج ضد الإمارة الإسلامية بالشكل الذي فعلته باقي الأطراف خاصة روسيا التي لوَّحَت بالعصا كثيراً وهي تقدم جَزَرَة يابسة.

 

– من الملاحظات علي المؤتمر:ـ

1 ـ أن المؤتمر كان حديثاً داخلياً بين الدول الأربعة، وتبادلاً للمجاملات الجيوسياسية علي حساب أفغانستان، باعتبارها اليتيم غير المدعو إلي مائدة تتقاسم ثروته وترسم مصيره.

2 ـ أن المؤتمر حَضَرَته باكستان، وهي جار لأفغانستان ولكنه جار سوء . فقد حَرَّكَت حدودها إلي داخل أفغانستان وأقامت أسلاك شائكة علي خطوط جديدة غير الخطوط الدولية التي تم الاتفاق عليها عام 1893 ضمن اتفاقية “ديورند” لترسيم الحدود.

كما هاجمت القوات المسلحة الباكستانية بشكل مباشر/ أو برفقة مرتزقة / الحدود الأفغانية، بهدف الاستيلاء علي الحدود الفاصلة بين أفغانستان والصين عند “ممر واخان”.

– باكستان رضيت بأن تكون مخلباً لأمريكا وإسرائيل في حربهما ضد أفغانستان، و تهديد للصين بأن تحَوِّل محافظة بدخشان الأفغانية إلي دويلة داعشية محاربة للصين ومدعومة من المعسكر الغربي (في تكرار هزلي لتجربة أوكرانيا ضد روسيا).

السؤال هنا : لماذا حضرت باكستان إلي مثل ذلك المؤتمر ؟! ومن أحضرها؟ ومن سمح لها؟ ، وما تأثير ذلك على المؤتمر  ودوره الدولي؟؟.

وأي نتائج ممكن أن نتوقعها من مؤتمر تحضره باكستان لبحث المشاكل الداخلية لأفغانستان ؟.

وهل باكستان حضرت بالأصالة عن نفسها أم نيابة عن المعسكر الغربي برئاسة أمريكا وإسرائيل والناتو ؟!

   تفسير حضور باكستان هو أنها مندوب عن الولايات المتحدة في المؤتمر ، وبالتالي تتغير طبيعة المؤتمر إلي مؤتمر ثنائي بين نظام الدولي السابق برئاسة الولايات المتحدة وبين نظام الدولي الجديد برئاسة الصين وروسيا. وأن هدف مؤتمر سمرقند هو الاتفاق علي تقسيم مواقع النفوذ في بأفغانستان، بحيث لا تقع مشاكل ساخنة بين المعسكرين، وتتأذي مصالحهما في أفغانستان والمنطقة . وأن الحل المثالي هو كالعادة أن يدفع الأضعف الفاتورة كاملة لصالح الأقوياء جميعا .

أي أن تكون أفغانستان هي ضحية للمعسكرين معا ، وليس معسكر واحد. وذلك هو جوهر فلسفة مؤتمر سمرقند.

– اختيار الأعضاء المشاركين في ذلك المؤتمر فيه الكثير من التمويه والخداع. ولكي يكون مؤتمرا حقيقياً يمثل الواقع الفعلي، كان يجب أن تحضره ثلاث دول فقط هي الصين وروسيا والولايات المتحدة . ونظرا للظروف الخاصة التي تمر بها الولايات المتحدة، واقتراب تلك الدولة من مصيرها المحتوم خلال مدي قصير، فقد اختارت أن تنوب عنها باكستان في حضور المؤتمر. حيث أن باكستان هي أداة أمريكية في الحرب علي أفغانستان منذ العدوان الأمريكي عام 2001 بل ومنذ التصدي للعدوان السوفيتي علي أفغانستان في ديسمبر 1979 .

–  وكنوع من التواطؤ الدولي المتفق عليه بين كتلتي النظام القديم ،والحديث القادم إلي العالم، كان ذلك الإجماع الصارم والحاسم علي اتهام أفغانستان بدعم الإرهاب .

فأورد البيان أسماء المنظمات التي صنفها “إرهابية”. وقال بلا حياء أنها  تعمل من داخل أفغانستان. بل و اخترع البيان خطراً يُشْهِرَه في وجه الإمارة الإسلامية، التي لا يعترف بها الا كأمر واقع غير مرغوب فيه.(فالعالم أصبح قرية صغيرة جدا ،لا تتسع حتى لبيت إسلامي واحد . ولا تقبل بالإسلام دينا. بل تراه تهديدا وليس إنقاذا للبشرية).

– يدعو بيان سمرقند المنحاز وغير المنطقي إلى (ضرورة تبني المسئولين الأفغان إجراءات فاعلة في سياق صيانة سلامة وأمن الحقوق المشروعة للمؤسسات والمواطنين الأجانب داخل أفغانستان ) .

لقد فتحت تلك الفقرة أبواب مخاطر لا حد لها على مستقبل أفغانستان. بل وفتحت الباب لتدخل دولي لضمان حقوق مشروعة (لم يحددها ) لمؤسسات ومواطنين أجانب (لم يحدد هوية نشاطهم). فكل مزاياهم التى تمنحهم الحقوق هي أنهم “أجانب”. فأي نوع من الأجانب هؤلاء؟ وما هو نشاطهم؟ وهل هم من شعب الله المختار؟ أم أن هناك شعوبا أخري لها حقوق؟.

 والمؤسسات المذكورة هل هي اقتصادية؟ أم استخبارية؟ أم تبشيرية؟ أم إرهابية داعشية؟ . أين التفاصيل ؟؟ إن الحقيقة تسكن في التفاصيل. ولكن بيان مؤتمر جيران أفغانستان يجعل من غموضه ملاذا لأفاعي التآمر السامة.

أن تلك الفقرة (مع فقرات أخرى) تمثل قنبلة كبري محشورة في طيات بيان سمرقند، ولن يظهر مدي مخاطرها إلا في المستقبل.

وفي نفس الوقت يبدي البيان العدواني تشككه في جدية مقاومة الإمارة الإسلامية لتنظيم داعش ، ذلك التنظيم التي تُعْتَبَر باكستان أحد أضلعه الأساسية وتحركه ضد أفغانستان. وكذلك أوزبكستان التي يقام المؤتمر فوق أراضيها. فهي التي تستقبل الدواعش من تركيا وترسلهم إلي شمال أفغانستان. وكل نشاط الدواعش في حربهم علي أفغانستان ، يجري تحت أشراف مباشر من الولايات المتحدة، وتمويل مشيخات النفط العربي.

ومع ذلك لا يخجل واضعوا بيان سمرقند الختامي من التشديد علي (ضرورة إحترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي أفغانستان). هذا الطلب موجه إلي من؟؟. إلى أفغانستان أم إلي أوزبكستان وباكستان والولايات المتحدة؟؟. ثم يدعو البيان في نفس الفقرة تقريبا إلي “دعم مبدأ قيادة وسيادة أفغانية” لتقرير المصير السياسي ومسار التنمية في هذا البلد .

 

إستخدام تهمة الإرهاب لإرهاب شعب أفغانستان

رغم ضلوع الولايات المتحدة في أحداث 11سبتمبر. فقد استخدمتها للتنكيل بشعب أفغانستان، الذي لم يكن له علاقة بها من قريب أو بعيد. فاحتلت بلاده وحاربته لمدة عشرين عاماً.

يَتَّبِع وزراء خارجية الدول الأربعة نفس الأسلوب الأمريكي للعدوان علي شعب أفغانستان، لتحقيق أهداف تبدو مكتومة ولم يعربوا عنها صراحة حتي الآن .

ولكن من الواضح أنه عدوان علي الطريقة الأمريكية من ناحية الغاية والهدف، وربما يختلف عنه في الأسلوب.

– يقول التقرير:[ إن وزراء الخارجية الأربعة قد أعربوا عن قلقهم العميق إزاء الوضع الأمني المتعلق بالإرهاب في أفغانستان ، واعتبروا أن مجاميع إرهابية تشمل داعش والقاعدة والحركة الإسلامية في تركستان الشرقية وطالبان باكستان وجيش تحرير بلوشستان وجيش العدل ، وغيرها من الجماعات الموضوعة في أفغانستان تشكل تهديداً جاداً ضد الأمن الإقليمي والدولي] .

– تلك الصيغة العدوانية في بيان صادر عن مؤتمر عدواني غير صديق، تَعَمَّدْ ليس فقط إلى الكذب وتشويه الحقائق، وإطلاق الدخان لمنع الرؤية الصحيحة. بل أنه يجهز في تلك الفقرة لعدوان يحظى بتأييد وموافقة دولية مثل تلك التي حظي بها العدوان الأمريكي علي أفغانستان في عام 2001 في أحداث 11سبتمبر المصطنعة.

– وللخروج من سُحُبْ التعميم المضلل نعلق على ما جاء عن: داعش ، القاعدة ، الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية ، طالبان باكستان ، وجيش تحرير بلوشستان ، جيش العدل .

1ـ داعش : يتكلمون عن داعش وكأنها جزء من الإمارة الإسلامية، وليست هي القوة الأرضية التي تستخدمها الولايات المتحدة لضرب الشعب الأفغاني .

وتاريخ داعش في العمل العسكري ضد الإمارة الإسلامية بدأ بظهور داعش في العراق. وبدأ بفتنة انقسام وحرب أهلية داخلية بهدف تحويل الجهاد وحركة طالبان إلي قتال مذهبي علي الطراز العراقي. ولكن تصدي لهم أمير المؤمنين “الملا محمد منصور” ، وأحبط فتنتهم الأولى . ولكن أمريكا مع حلفائها في باكستان واوزبكستان وتركيا و مشيخات الخليج، واصلوا الدعم الشامل لتلك الحركة، للعمل ضد نظام الإمارة الإسلامية، وإعادة الاحتلال الأمريكي، وإغراق أفغانستان في حروب مذهبية وعرقية تفسح المجال لتواجد الولايات المتحدة وإسرائيل، كما حدث في بلاد عربية .

2ـ القاعدة : ويعتبرها الأفغان مسئولة عن اشعال الحرب في أفغانستان مع الولايات المتحدة /باتفاق أو عن جهالة/ ولا يمكن أن تحظى القاعدة بأي موافقة شعبية في أفغانستان نتيجة لتلك الحرب، رغم أن عدة عشرات أو مئات من الأفغان انضموا إلي القاعدة في فترات معينة. ولكن الإشارة إلى وجود القاعدة في أفغانستان خلال فترة الحرب / لا يعني أن المشار إليهم  أعضاء في القاعدة بل هم جيل من العرب الأفغان الذين نشأوا من أسر مختلطة من أباء عرب وأمهات أفغان . وهؤلاء لا شأن لهم بتنظيم القاعدة. نتيجة قلَّة عددهم وعزلتهم الثقافية عن الأفغان والعرب معاً ..كما أن  هناك القليل من العرب الطاعنين في السن من بقايا الحرب السوفيتية وهم يعتزلون الأنشطة العامة، ولا دخل لهم بالسياسة.

3ـ الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية : وهؤلاء مجموعة من المهاجرين المدنيين الذين قضوا فترات من التشرد والمعاملة السيئة في باكستان، حتي فروا منها إلي الإمارة الإسلامية في أفغانستان التي تساعدهم علي أسس إنسانية وإسلامية .

وكانوا موجودين في أفغانستان ، أثناء فترة الحرب مع الأمريكيين. والأمم المتحدة تعرف أماكن إقامتهم في مخيمات اللاجئين البائسة، والتي تفتقر إلي كل شيء. وكان الأمريكان يعرفون أماكن مخيماتهم أثناء فترة الحرب وبعدها. وحتي الآن لم تحرك أي جهة ساكناً لمساعدة هؤلاء المهاجرين المدنيين الأبرياء. بل استخدموهم كورقة سياسية. واتهموهم بأنهم جزء من الحركة الإسلامية المسلحة . وفي الواقع أنهم ليسوا كذلك .

 فالقطاع التركستاني المسلح، ضئيل الحجم وانكمش كثيرا عما كان عليه في بداية نشأته. ولكن أمريكا ومحورها الدولي/ كما المحور الدولي الجديد/ كَشَّرَ عن أنيابه في مؤتمر سمرقند ليظهر نواياه العدوانية المشابهة لأي نظام دولي سابق خلال القرون الخمسة الماضية .

لقد احتفظوا جميعاً بورقة تركستان لاستخدامها ضد الإمارة الإسلامية ومحاسبتها علي جريمة لا شأن لها بها، والادعاء بأن هؤلاء المهاجرون الأبرياء هم جزء من حركة إرهابية ، انقرضت وبالكاد يوجد من يمثلها .

أنهم يريدون تحويل هؤلاء المهاجرين إلي سيف مسلط علي العلاقة بين الصين والإمارة الإسلامية، ويكون ضارا في الأساس بالإمارة الإسلامية، بتهمة اخترعها الغرب وضخمها إلي حد الجنون، وهي تهمة الإرهاب الدولي، الذي ليس له وجود إلا داخل الدول الغربية. مع بعض ردود الأفعال الطبيعية تقوم بها الشعوب والمجتمعات بشكل طبيعي وشرعي للدفاع عن النفس .

4 ـ طالبان باكستان : نشأت تلك الحركة بالتزامن مع نجاح طالبان أفغانستان في إقامة دولة إسلامية. وهم يتشاركون معهم نفس المذهب الحنفي، ونفس القرابة القبلية. بل أن حركة طالبان باكستان هى حركة أفغانية، لأن مناطق القبائل التي نشأوا فيها هي في الأصل مناطق أفغانية مغتصبة ترفض باكستان إعادتها إلي أصحابها الشرعيين في أفغانستان .

تلك الأراضي كان من المفترض أن تعاد إلي أفغانستان بعد مرور مائة عام من توقيع اتفاق ترسيم خط “ديوراند” بين أفغانستان والهند البريطانية .

– في توقيت واحد تقريبا أقامت بريطانيا العظمى الاستعمارية كل من إسرائيل وباكستان لغرض واحد. وهو التنكيل بالمسلمين. فبينما نجحت إسرائيل في إقامة دولة لليهود، فشلت باكستان من إقامة دولة للمسلمين ، وهو مبرر إنشائها كما أعلنه المؤسسون البريطانيون والمسلمون.

مساحة الأراضي الأفغانية المغتصبة، تعادل ما بين ثلاثين إلي أربعين في المائة من مساحة باكستان الحالية. من بينها أراضي مطلة علي المحيط الهندي وبحر العرب.

ورغم ذلك العدوان الواضح، لم يخجل مؤتمر السوء في سمرقند من أن(يشدد علي ضرورة احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي أفغانستان) فمَنْ المعني بتلك العبارة؟؟ وما هي الأمور المترتبة عليها ؟؟.

أم أن حقوق أفغانستان تُذْكَر في عبارات إنشائية فارغة، بينما الافتراء علي أفغانستان يصاغ بطريقة عسكرية تُحَرِّض علي العدوان؟ .

أن طالبان باكستان ومن أجل حل مشكلاتهم يجب إعادتهم إلي أراضيهم ووطنهم الأم في أفغانستان. ومن المعلوم أن التطرف الوهابي الذي تسلل إليهم في فترة من الفترات كان بتحريض الحكومة الباكستانية نفسها، لعزلهم عن القبائل، وعزلهم عن الإمارة الإسلامية في أفغانستان .

5ـ بنفس أساليب الصياغة الإمبريالية في بيان سمرقند، جاء حديثهم عن (جيش تحرير بلوشستان ، وجيش العدل ، وغيرها من الجماعات المتموضعة في أفغانستان وتشكل تهديداً جادا ضد الأمن الإقليمي والدولي) .

تلك الأكذوبة يطلقون عليها توصيف “التهديد الحاد للأمن الإقليمي والدولي” ، أما ضياع مساحات شاسعة من أراضي أفغانستان لصالح باكستان، المندوب الأمريكي في المنطقة، فلا يعتبر شيئاً يستحق الذكر في أي بيان سابق أو لاحق. تلك هي النظم الدولية الجائرة التي تسحق الإنسان منذ قرون . وما زال الجهلاء يطالبون بأنظمة دولية جديدة، لتواصل سحقهم إلى الأبد.

أن وجود دولة كبري تقيم نظاما دولياً، معناه استبداد تلك الدولة بالدول الصغرى .. الأقرب فالأبعد.

– اختصاراً نقول أن الشعب البلوشي قد تقسمت قبائله بفعل الاحتلال البريطاني. فتوزعوا بين ثلاث دول هي : باكستان ، وأفغانستان ، وإيران. تلك القبائل سمحت لها الظروف الجغرافية والسياسية بالتمتع بقدر من الحرية/ غير الشرعية/ بعبور الجبال والوديان . فأنشأوا نوعا من الوحدة الواقعية، غير المرغوب فيها إقليمياً أو دولياً .

– من الصعب تمييز أي شخص في مناطق القبائل البلوشية ، والاستدلال على هويتة الوطنية بمجرد النظر. لأن ذلك يستدعي تحريات أمنية وأوراق ثبوتية وتعاون أمني بين الدول الثلاث. ونظرا للعلاقات المتوترة بشكل تقليدي بين تلك الدول ، فإنها تتهم علي الدوام جيرانها بإيواء مجموعات بلوشية مسلحة تعمل ضد النظام الوطني . وذلك صحيح في أحوال كثيرة ولكن من الصعب جدا إثباته بشكل قاطع ،الا في حالات قليلة.

 ولكن حين يتعلق الأمر بالتشنيع على الإمارة الإسلامية، أو اتهامها بالإرهاب، فمن السهل إلقاء التهم جزافاً ،ولو من خلال مؤتمرات من المفترض أن تكون محترمة، مثل مؤتمر سمرقند المعادي لشعب أفغانستان .

 

توسيع قاعدة العلاقات الدولية لدي الإمارة الإسلامية

أثبت مؤتمر سمرقند العدواني، ولفت الأنظار إلي أن الخيارات السياسية لدي الإمارة الإسلامية قد أصبحت محدودة لدرجة قد تغري القوي الدولية الجديدة بالعدوان علي أفغانستان، كما فعلت أثناء النظم الدولية السابقة. مثل النظام الدولي البريطاني في القرن التاسع عشر. ثم العدوان السوفيتي المنبثق من نظام دولي ثنائي القطبية في القرن العشرين . ومع بداية القرن الحادي والعشرين داهم أفغانستان العدوان الأمريكي ، معلناً بداية نظام دولي أحادي القطبية تَفَرَّدَت فيه الولايات المتحدة بحق فرض العقوبات وشن الحروب.

وأخيرا في شهر ابريل 2023 داهمت أفغانستان النزعة الامبريالية لمؤتمر سمرقند ، الذي أظهر حماسا نحو الهيمنة، حتى قبل أن يتمتع نظامه الدولي القادم بميزة التواجد الفعلي فوق الساحة الدولية .

–  أضحت تلك مسألة هامة جداً علي قائمة اهتمامات الإمارة الإسلامية فيما بعد مؤتمر دول الجوار التي تعددت جلساتها التي لا تبشر بخير، إلى أن وصلت إلى مؤتمر سمرقند .

– ينبغي وضع اقتراحات لتوسيع العلاقات الدولية لدي الإمارة وذلك يستدعي بحثاً متعمقاً، نظرا لطبيعته الشائكة وتعقيده الشديد، خاصة في ظروف أفغانستان التي مازالت محاصرة دوليا وإقليميا منذ أن غادرها الجيش السوفيتي عام 1989 .

– من الممكن وضع الأسماء التالية علي قائمة البحث عن إقامة علاقات أوسع تتيح مجالات اقتصادية وسياسية أفضل من الوضع الحالي، الذي قد يتحول إلي نوع من الهيمنة الرباعية علي أفغانستان والتي مثَّلَها مؤتمر سمرقند الأخير .

– من الممكن بحث إقامة علاقات مع دول مثل جنوب أفريقيا والبرازيل (من مجموعة بريكس ).

– ودولتي فنزويلا وكوبا من الدول المستقلة في أمريكا الوسطي والواقعة تحت حصار وعدوان أمريكي دائم .

– ودولتان إسلاميتان مثل اندونيسيا وماليزيا وهما من الدول الهامة اقتصادياً وسياسياً .

– واليابان في منطقة شرق آسيا وهي دولة عظمي تمتلك قدرات اقتصادية هائلة ولكنها مكبلة سياسياً بالنفوذ الأمريكي .

– كوريا الشمالية وهي دولة ذات قدرات تسليحية وتكنولوجية لا يستهان بها. وهي معادية للمعسكر الغربي . ولها وضع شبه مستقل داخل دول المعسكر الشرقي السابق .

– والهند لا يمكن استبعادها ، لا إقليميا ولا دوليا ولا أفغانيا . ولكن ملف العلاقات معها يحتاج إلى دراسة أشد تعمقا.

ولا ننسى أن الهند الحالية هي الوريث الشرعى ” للهند البريطانية”. كما أن روسيا هي وريث الإتحاد السوفيتي . وبالتالي تتحمل الهند التبعات القانونية والسياسية والإقتصادية (مثل التعويضات عن الاحتلال الجائر). وذلك يعني أن الهند/ إضافة إلى باكستان/ مسئولة عن تبعات الإخلال باتفاقية ترسيم الحدود مع أفغانستان لعام 1893. فالملف مع الهند/ إذا تم فتحه/ فسيكون: استراتيجيا، سياسيا ، اقتصاديا ، و… حدوديا. ليس الحدود التقليدية القديمة فقط بل يمكن بحث فتح “ممرواخان” جليدي مع الهند مشابه لواخان الصيني.

 

فتكنولوجيا القرن الحادي والعشرين تسمح بما هو فوق الخيال.

– وفي الأخير مطلوب شخصية جهادية قوية ومقنعة لتولي ملف العلاقات الخارجية. فلنقل أنه ( الملا برادر ) بشرط أن يتخلى عند حضوره المؤتمرات الاقليمية والدولية عن القلم الذي وقَّعَ  به اتفاق الدوحة مع الولايات المتحدة. فذلك القلم لم يأت بخير. وعليه الاحتفاظ بالجاروف في يده عند حضور تلك المؤتمرات. فهو جاروف الأمر الواقع والقرار الحاسم.. وهكذا تؤخذ الدنيا غِلابا .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world