حرب “الدرونز” لتشكيل واقع أفغاني جديد

حرب “الدرونز” ، لتشكيل واقع أفغاني جديد

 – قبلت أمريكا بالانسحاب الأرضي من أفغانستان، إعتماداً على انتقال طاقتها التدميرية الضاربة إلى الفضاء / بطائرات الدرونز.

– فى الحرب بطائرات الدرونز ، لم تعد قاعدة (بجرام) ضرورية ، إذ حلت محلها قاعدة (العديد) في قطر. ولم تعد السفارة الأمريكية قادرة على إدارة أفغانستان.

– حركة طالبان التي طردت (الإحتلال الأرضي) الأمريكي هي التي تتصدى لحرب الدرونز و(الإحتلال الجوي) الجديد.

– يعتقد الأمريكان أن حرب الدرونز، قادرة على إحداث تغيير سياسي بأن تغتال أشخاصاً غير مرغوب فيهم، سواء كانوا في مواقع المسئولية السياسية والعسكرية، أو مواقع التأثير الاجتماعي.

– تنظيمات الدواعش والجيش السري، سوف تأخذ مسار الضعف التدريجي، بعد معارك ضارية، بعضها على الأرض وأكثرها في دهاليز العمل السرى الاستخباري، الذى تتنامى فيه قدرات حركة طالبان، وكانت قد أحرزت فيه تقدماً رائعاً خلال الفترة الأخيرة من (الإحتلال الأرضي) الأمريكي .

-قد يتبلور التعاون بين الدول التي تهددها حرب الدرونز. فتقيم مؤسسات للتعاون التقني والعلمي والتصنيعي .

 

بقلم  : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

 

التطور الكبير في الأسلحة ، يؤدى إلى تطور في طبيعة الحرب نفسها. فقد تتحول إلى حرب استئصال يقوم بها الطرف الذى يملك أسرار السلاح الجديد، ضد الطرف الآخر المتخلف عنه بخطوات .

وهكذا أزيلت حضارات وأبيدت شعوب و احتُلَت أوطان، بسبب اختراع أسلحة لا يمتلكها الطرف الأضعف. كان ذلك صحيحاً منذ اختراع السيوف البرونزية والعجلات الحربية وصولاً إلى المدافع الرشاشة، وأخيرا طائرات الدرونز والأسلحة النووية التكتيكية .

في أفغانستان طورت أمريكا سلاح طائرات الدرونز (بدون طيار) المزودة بذخائر غير تقليدية وصواريخ ذكية عالية الدقة.

 والآن : انتقلت أمريكا بحرب الاحتلال والسيطرة على أفغانستان من الأرض إلى الجو. فتركت الأرض لعملائها من المرتزقة الدوليين والدينيين. واعتمدت على أنهم القوة التي سوف تستولى على السلطة بعد أن تكون طائرات الدرونز قد حَسِمَت الحرب من الجو.

لهذا قبلت أمريكا بالانسحاب الأرضي من أفغانستان، إعتماداً على إنتقال طاقتها التدميرية الضاربة إلى الفضاء / بطائرات الدرونز/ فلم تضمن اتفاقية الدوحة انسحاباً ، بل كانت تعبيراً عن تحول فى طبيعة الحرب لا أكثر.

 وبالتالي تغير ما يصاحب تلك حرب من إستراتيجيات وتكتيكات. وحتى المناخ السياسي الذى تدور فيه الحرب قد تغير تماماً، سواء على مستوى الداخلي في أفغانستان، أو الإقليمي في الدول المحيطة بها، أو المستوى الدولي .

وتغيرت أدوار الحلفاء، وأدوار العملاء، عما كان موجوداً في وقت الحرب على الأرض، والتي كانت آخر تجديدات أمريكا فيها هي الحرب بالمرتزقة، وبتحالفات عسكرية ضخمة (حوالى خمسين دولة متحالفة       ضد أفغانستان).

– الآن .. في الحرب الأمريكية الحالية على أفغانستان: حتى القوات الأرضية الحليفة لم تعد ضرورية.

 وتم الإقتصار على مجموعتين أساسيتين في أفغانستان تحاربان لصالح الاحتلال الأمريكي، وهما الدواعش (كمرتزقة أشباه دينيين) مضافاً إليهم مجموعات الجيش السرى الذى جهزتهم أمريكا خلال فترة “احتلالها الأرضي” لأفغانستان. ومعظمهم عناصر محلية، وبعضهم خبراء من أمريكا وإسرائيل، يديرون المرتزقة والدواعش من فوق الأرض الأفغانية و الباكستانية.

الحرب الجوية الجديدة بطائرات الدرونز ،لا تستلزم وجود قيادة عسكرية أمريكية رفيعة المستوى على أرض أفغانستان. فلم تعد قاعدة (بجرام) ضرورية لإدارة عمليات الطيران، إذ حلت محلها قاعدة (العديد) في قطر. ولم تعد السفارة الأمريكية قادرة على إدارة أفغانستان، بينما حركة طالبان التي طردت (الإحتلال الأرضي) الأمريكي هي التي تتصدى لحرب الدرونز و(الإحتلال الجوي) الجديد.

– يعتقد الأمريكان أن حرب الدرونز، قادرة على إحداث تغيير سياسي على الأرض. بواسطة الإغتيالات، ومراقبة ما يجرى من تفاصيل العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بواسطة طائرات الدرونز. وبالتالي يمكنها أن تغتال أشخاصاً غير مرغوب فيهم سواء كانوا في مواقع المسئولية السياسية والعسكرية ، أو مواقع التأثير الاجتماعي والثقافي، أو العمل الإقتصادي. أى أن تصبح حرب الدرونز الأمريكية نوعاً من (الإحتلال الجوى).

– ويمكن لأمريكا مراقبة منافذ الدولة، والمواقع الأساسية فيها، وتردد الأجانب عليها. كل ذلك عن طريق الجو (الدرونز)، وأيضا عن طريق المطارات، ووضعها تحت السيطرة ، بواسطة شركات فنية أو أمنية تعمل في تشغيل المطارات وشبكة الرادار في الدولة . تلك المراقبة الإستخبارية تقوم بها أمريكا وإسرائيل من باطن الشركات الخليجية والتركية والباكستانية العاملة في أفغانستان.

 

أهداف حرب الدرونز الأمريكية في أفغانستان

الهدف الأساسي من تلك الحرب هو إحداث تغييرات جيوسياسية في أفغانستان .. أهم ملامحها ما يلى :

1- إعادة أفغانستان إلى صندوق النفوذ الأمريكي المُحْكَم .

و تولية حكومة عميلة تابعة بالكامل لأمريكا، كما كانت الحكومات التي أعقبت الإحتلال الأمريكي عام (2001).

2- طرد الصين من أفغانستان، ومنع مرور طريق الحرير، وإحكام إغلاق الحدود بين الصين وأفغانستان عند ممر(واخان)، ويناء بؤرة ساخنة للصين، ومخاطر أمنية يستغل فيها الدواعش أقلية الأيغور المسلمة، القريبة من ممر(واخان) .

3- حصار التواجد الإيراني في أفغانستان وإغلاق الحدود الإيرانية الأفغانية، وتحويلها إلى منطقة توتر عسكري تستكمل حصار إيران.

4- جعل أفغانستان منطقة محرمة على التواجد الروسي تمهيداً لمطاردة ذلك التواجد في جمهوريات آسيا الوسطى، وإحكام الحصار على روسيا والصين من جهة الجمهوريات الإسلامية، واستخدام تلك المنطقة الشاسعة وإمكانياتها في أعمال عدائية تستهدف تفكيك الدولتين الكبيرتين روسيا والصين .

 

نتائج معاكسة

من الطبيعي أن تسفر تلك الإستراتيجية عن نتائج مخالفة لأهدافها ومعرقلة لمسيراتها ، على سيل المثال :

أولا : الجانب الأرضي في تلك الإستراتيجية هو أضعف نقاطها، (أي المرتزقة والدواعش). فأمريكا خير من يعرف أن حركة طالبان لا يمكن مواجهتها في حرب أرضية داخل أفغانستان. وأن تنشيط الدواعش وخلايا الجيش السري يؤدى إلى المزيد من انكشاف خيوط تلك التنظيمات. فى حرب أمنية أكثر منها أرضية تقليدية .

التعاون الشعبي مع حركة طالبان والإمارة الإسلامية جعل كفة الإمارة هي الأعلى في تلك الحرب التي ستؤدى بالضرورة إلى عمليات تتبُع وتطهير واقتلاع. خاصة و أن الكثير من تلك العناصر قد استفادوا من قرار العفو العام الذى أصدرته الأمارة بحق من تعاونوا مع نظام كابل العميل وقوات الاحتلال.

وكما تاب البعض عن انحرافه القديم، واصل آخرون العمل ضمن التنظيمات السرية التي دربتها ونظمتها أمريكا وإسرائيل خلال سنوات الإحتلال .

تنظيمات الدواعش والجيش السري، سوف تأخذ مسار الضعف التدريجي، بعد معارك ضارية بعضها على الأرض وأكثرها في دهاليز العمل السرى الاستخباري، الذى تتنامى فيه قدرات حركة طالبان، وكانت قد أحرزت فيه تقدماً رائعاً خلال الفترة الأخيرة من الإحتلال الأرضي الأمريكي .

ضعف قوات الجيش السري والدواعش يؤدى بالضرورة إلى ضعف المجموعات الأرضية التي تنقل المعلومات إلى الدرونز.

ثانيا: تلك الحرب الجوية سوف تجبر الدول المتضررة من حرب الدرونز، على التعاون متعدد الأوجه، لمجابهة ذلك الخطر الذى يقترب من كونة تهديداً وجودياً، ليس للأنظمة فقط بل للشعوب أيضا. فالدرونز لم تعد منصات لإطلاق الصواريخ الذكية فقط، بعد أن أصبحت تلك الصواريخ هي قنابل/ نووية وبيولوجية وجرثومية وكيماوية/  تستخدم على النطاق التكتيكي ، وتسير على حافة الحرب الشاملة بأسلحة الدمار الشامل .

لن يكون مستغرباً أن يتبلور التعاون بين الدول التي تهددها حرب الدرونز بصواريخ أسلحة الدمار الشامل، إلى تعاون بين تلك الدول على المستوى المؤسسي. فتنشأ مؤسسات للتعاون التقني والعلمي والتصنيعي بين الدول التي وضعتها أمريكا على حافة الدمار الشامل، بتطويرها المنفلت لوسائل الحرب، ونقلها ساحات الحرب إلى الجو والفضاء ، ومن البارود والديناميت إلى النووي والجرثومي . وهربوا من مواجهة أعدائهم على الأرض، واختبأوا مثل الجرزان داخل حفر محصنة خلف جدر فولاذية. وأصبحوا يديرون حروبهم من أماكن على بعد آلاف الكيلومترات من ساحات المعارك، وتدمير الأمم الأخرى بأسلحة فضائية، بدون أن يتعرضوا لأدنى قدر من المخاطر.

من الطبيعي أن يخلق الخطر المشترك للإبادة تعاوناً ميدانياً مشتركاً. هو الآخر سيكون غير تقليدي كما هي حرب الدرونز الأمريكية .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world