جلال الدين حقانى .. العالم الفقية .. والمجاهد المجدد 46

0

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

مجلة الصمود الإسلامية | السنة السابعة عشر – العدد (198) | ذوالحجة 1443 هـ – يوليو 2022 م  .         

28-07-2022

 

حقاني..العالم الفقيه والمجاهد المجدد (الحلقة 46)

آراء متضاربة وقتال فى العاصمة

الساعات الحرجة فى تحديد هوية النظام

– حقانى واصفا ماحدث فى كابل:  إسْتسْلَمَت معظم كابول بالإختيار لأحمد شاه مسعود ، فدخل المدينة وإستولى على الأماكن الهامة بما فيها البنك المركزى ووزارة الخارجية ودار الأمان ، والفرق العسكرية ومقار الميليشيات .

– وحكمتيار رتب مؤامرة مع وزارة الداخلية للإستيلاء على كابول لصالح “البشتون” قبل أن يستولى عليها “الفرسوان” !!.

– حقانى وقيادات لوجر إتفقوا على البقاء على الحياد وتحذير حكمتيار ومسعود بأنهم سوف يتدخلون ضد من يبدأ القتال ويفتح حمام الدم بين المسلمين .

– مولوى نظام الدين: لن نُدخِل الغربيين إلى بلادنا ولن نبادلهم فتح السفارات / سنقيم مجلسا للمشاورة والمناصحة مع الدول الإسلامية./ لا نستطيع إقامة حكومة فليس لدينا أموال للموظفين.

– نصحت حقانى بمنع مجددى وأفراد حكومته من دخول كابول. وقلت له : من المفروض الآن إلقاء القبض على مجددى وقادة الأحزاب كلهم .فضحك حقانى قائلاً : أنت تريدنا أن نقتلهم!!.

بقلم : مصطفي حامد (ابوالوليد المصري)

 

تحميل مجلة الصمود عدد 198: اضغط هنا

 

الأحد 26 إبريل 1992 :

فى الثامنة والنصف صباحاً جلسنا مع حقانى فى غرفته فى مركز الدبابات. قال حقانى يصف ما حدث فى كابول :

إستسلمت معظم كابول بالإختيار لأحمد شاه مسعود ، فدخل المدينة وإستولى على الأماكن الهامة بما فيها البنك المركزى ووزارة الخارجية ودار الأمان ، والفرق العسكرية ومقار الميليشيات .

ـ أما عن حكمتيار فإنه كان قد رتب مؤامرة مع وزارة الداخلية (علمنا فيما بعد أنها كانت مع الجنرال رفيع وزير الداخلية الذى جاءه فى طائرة هيلوكتبر وقابله فى لوجر ورتبا معا برنامجا مشتركا للإستيلاء على كابول لصالح “البشتون” قبل أن يستولى عليها “الفرسوان” !! .

 ( هكذا كان يفكر شيوعيو كابول وهكذا كان يفكر الأصولى الأكبر فى تنظيمات بشاور الجهادية “حكمتيار” والقائد الميدانى الأشهر مسعود .كانت المؤامرة تقضى بتسريب حكمتيار لأعداد كبيرة من رجاله إلى كابول بدون سلاح ، وهناك تزودهم وزارة الداخلية بأسلحة خفيفة وأعلام الحزب لتعليقها فوق المقار الرسمية والعسكرية والإعلان عن إستسلام كابول لحزب الإسلامى حكمتيار)

وقد تم ذلك بالفعل ولكن لم يكن عسيرا على أحمد شاه مسعود التخلص بسرعة من هؤلاء المهرجين .

وعندما أذاع الحزب عن سقوط المواقع الحيوية فى العاصمة بين يديه كان قد تم بالفعل طرده من كل مكان . فأخذ الحزب يذيع بيانات كاذبة عن تقدمات وهمية لقواته فى كابول وأخذت أجهزة اللاسلكى توجه أوامر حكمتيار لقواته فى كابول بالتقدم الوهمى من مكان إلى آخر ، فى حين لم يكن له قوات على الأرض فى تلك الأماكن حسب ما أفاد القادة الميدانيون حول كابول .

فى إجتماع حقانى مع قيادات لوجر إتفقوا على البقاء على الحياد مع تحذير الطرفين حكمتيار ومسعود بأن القادة الميدانيين سوف يتدخلون ضد من يبدأ القتال ويفتح حمام الدم بين المسلمين يجعلهم ألعوبة فى يد الدول الخارجية .

 

الإثنين 27 إبريل 1992 :

راديو طهران تكلم صباحا عن قتال لمدة ساعتين فى القصر الجمهورى بين قوات مسعود وقوات حكمتيار إنتهت بإنتصار الأول . وصوت أمريكا سعيد بهزيمة الزعيم الأصولى مقابل الزعيم ” المعتدل “.

– بين جماعتنا من العرب دارت تعليقات أنقل بعضها من مذكرتى لذلك اليوم:

 كنا نتكلم عن أن “دوستم” هو الذى أمر الطيران بقصف جماعة حكمتيار حتى يقطع خيوط مسعود مع باقى المجاهدين فيقع أسيرا فى أيدى تحالف يتسيده “دوستم” الذى يسيطر على المليشيات، والأقرب إلى القوات الشيوعية المتحالفة معهم.

كلا الشخصين مسعود وحكمتيار طموح حتى الموت للحكم . كلاهما صعد نجمه بطريق إنتهازى مختلف. مسعود مقاتل بدأ بالصعود من أول السلم بمجهود ومثابرة وتحالفات ، بداية من فرنسا وصولا إلى الروس ثم دوستم والجيش، وأحيانا نظام كابول .

أما حكمتيار فتحالف مع باكستان ووضع نفسه فى خدمة إستخباراتها (isi ) ، ثم تحالف مع الجنرالات شاه نواز تاناى وأسلم وطنجار وضباط وزارة الداخلية فى كابول وعلى رأسهم الجنرال “رفيع” . لكن مسعود وصل بسرعة نتيجة لذكاء نظام كابول فى إختيار الطرف الذى يستسلم له . فقد أختاروا التسليم لمسعود و”الفرسوان ” لعلمهم أن البشتون وهم أغلبية السكان لم يقبلوا بحكم الفرسوان لهم ، وستنشب لذلك الحرب بين المسلمين على أساس عرقى، بشتون/ فرسوان .

أما حكمتيار فإن طابعة المغامر يدفعه إلى التركيز على الضربة الخاطفة فى الوقت الحرج ، حتى يخطف من الآخرين ناتج عملهم وجهادهم . وهكذا سحب قواته من معظم المناطق وركزها حول كابول حتى يخطفها قبل مسعود والآخرين ، ونسى أن أفغانستان الأن لا يمكن أن يحكمها أى إنقلاب أو أن تُأخَذ خطفا ، لأن الجميع قوى جدا ومتأهب ، والعاصمة لا تحكم سوى نفسها .. وبصعوبة .

يبدو أن مسعود قد أحكم قبضته على العاصمة إلى حد كبير . وبهذا تكون آمال حكمتيار قد تبخرت تقريبا ، خاصة إذا تكرس الوضع القائم اليوم فى كابول .

ـ حكتيار يزداد عزلة برفضه حكومة بشاور وإصراره الهستيرى والفاشى على رفع “الرايات الخضراء” على كل كابول .

ـ برهان الدين ربانى أصدر اليوم بيانا بأن مسعود أحكم قبضته على كابول وأن أى تحرك معاكس سوف يجابه بالقوة .

ـ أمس أعلنت جماعة حكمتيار سيطرتها على مدينة جرديز(!!) وأشاعوا أنهم إعتقلوا عبد الرشيد دوستم. إنها سلسلة أخرى من الأكاذيب التى تبثها جماعات حكمتيار .

 

الثلاثاء 28 إبريل  1992:

تحركنا صباحا من جرديز متوجهين إلى “لوجر” فى رحلة أصبحت روتينا يوميا . الهدف هو متابعة الأحداث المتلاحقة فى كابول . ومواقف الأطراف المختلفة منها ، خاصة حقانى ومن حوله من قيادات فى لوجر .

هناك منطقة زراعية تعقد فيها جلسات الشورى ، إلى جوارها مبان حكومية تستخدم كإستراحات للوفود. قابلنا هناك الجنرال صافى الذى قدم لنا موجزا لآخر التطورات  فقال :

بعد نصف ساعة من الحديث اللاسلكى بين مسعود وحقانى، قال مسعود :

ـ أوافق على وقف إطلاق النار ولكن حكمتيار يحشد قواته فهل إذا خرق الهدنة تقفون إلى جانبى ؟ .

فأجابه حقانى: نحن لا نقف مع أحد قبل أن تجلس مع حكمتيار وتوقعان إتفاقا مكتوبا نشهد عليه جميعا ، ومن خرج عنه سيقف كل العلماء والقادة ضده .

قال مسعود: سأتصل مع الأستاذ ربانى وأتشاور معه وأحدد معكم موعداً ومكانا للمقابلة ولكن لا أستطيع الاتصال به حاليا .

( تعليق : كان واضحا أن مسعود يماطل . فهو لا يشاور أحد فى قرارته الحيوية ، لا ربانى رئيس التنظيم الذى يتبعه شكليا ، ولا حتى مجلس الشورى ، الذى كعادة مجالس الشورى “الإسلامية” يفعل ما يقرره الزعيم مع إبداء ملاحظات تجميلية ).

حكمتيار موجود فى لوجر على مقربة من مكان شورى القادة الميدانيين وقد أعلن لهم رفضه لحكومة مجددى ، ولصلاحيات مسعود فى كابول ، ولكنه يوافق على وقف إطلاق النار .

( تعليق : وافق فقط على ما فيه مصلحته بصفته المهزوم فى معارك كابول )

القادة الميدانيون قرب كابول يقولون أن ضحايا القتال فى كابول يفوق الحصر والمهاجرون جيوش جرارة .

مجددى فى بيان إذاعى يعلن إعطاء الأمان لحكمتيار عند وصوله كابول .

(تعليق : لم يكن لمجددى أى قدرة على إصدار أى أمر. ومازال هو شخصيا فى بيشاور بينما كابول يسيطر عليها مسعود ودوستم وقوات للجيش ).

وصل حقانى وكنا فى إنتظاره ، فبادرنا معاتبا أيانا فى مرح على ذهابنا بالأمس إلى منطقة ” محمد أغا” حيث قصفتنا الطائرات . وقال ضاحكا : إذا قتلتم فى ذلك اليوم فلستم بشهداء . لماذا ذهبتم ؟. إذا كثرتم سواد أحدهم فإنكم منهم .

بعد تناول طعام الغداء، توجه حقانى إلى جهاز اللاسلكى لمواصلة إتصالاته ومعظمها مع مسعود فى كابول ، وبعضها مع قيادات بشاور.

 ذهبنا نستطلع آراء مولوى نظام الدين  فيما يجرى من أحداث ، وهو الذى يجهر دوما بوجهات نظر لا يجرؤ غيره على قولها علنا . معبرا عن بعض آرائه تلك قال مولوى نظام الدين :

ـ مسعود وحكمتيار كشفا عن معدنهم الحقيقى الذى كنا نعلمه سابقا ولكن الحقيقة الآن واضحة للناس جميعا.

ــ الزعماء السبعة “قادة الأحزاب ” مرفوضون ولن نضعهم فى مناصب. فهم خانوا الأمانة فى المال والسلاح والإتصال مع الدول الأجنبية ، وسوف نلغى الأحزاب لأنها مدخل للأجانب وسبب لإنقسام المسلمين.

ـ سوف نحل النزاع القائم فى كابول بالطرق الإسلامية، وعلى كل طرف أن يستبعد الشيوعيين من صفوفه .

ـ إشتباكات كابول بين مسعود وحكمتيار كانت لأجل الكرسى والجاه وليس لأجل الإسلام .

ـ تلك الإشتباكات أظهرت للجميع الضعف العسكرى لحكمتيار على عكس ما كان يدعى

ـ لن ندخل الغربيين إلى بلادنا ولن نبادلهم فتح السفارات .

ـ سنقيم مجلسا للمشاورة والمناصحة مع الدول الإسلامية.

ـ لست الآن واليا على خوست، بل لدينا مجلس شورى ولا نستطيع إقامة حكومة ، فليس لدينا أموال للموظفين ، ومن يعمل معنا حاليا يكون متبرعاً لفترة محدودة ، وهذا يعرقل عملنا .

ـ سنعمل على إلغاء الأحزاب فى الولايات الجنوبية الخمس أولا .

قبل الظهر وصل مجددى إلى “بولى شرخى” شرق كابول. وكان الجنرال أعظمى فى أستقباله. يرافق مجددى قافلة هائلة من السيارات حركتها باكستان معه وتضم حرسه الخاص، ويتراوح عددهم بين مئة إلى مئتين شخص ، ثم هناك مئات السيارات تحمل آلاف الأشخاص بإهتمامات متنوعة ، منهم المخبرين الباكستانين ومنهم صحفيين ، وأتباع جماعات إسلامية، خاصة الجماعة الإسلامية التى إعتبرت نفسها من المنتصرين فى تلك الحرب. وكان هناك القليل من العرب المتحمسين جاءوا بدافع الفضول .

– كنت قد نصحت حقانى بأن يتكاتف القادة الميدانيون فى منع مجددى وأفراد حكومته من دخول كابول. وقلت له أنه من المفروض الآن إلقاء القبض على مجددى وقادة الأحزاب كلهم .

فضحك حقانى : أنت تريدنا أن نقتلهم!! .

فقلت بحنق: أقل شيئ أن تضعوهم فى السجن. وإلا فإن أفغانستان وأنتم ستدفعون الثمن غاليا .

ضحك حقانى ولم يعلق .

إختطف أحدهم مسدس زميلنا صالح إلهامى فى أحد دكاكين كلنجار . أثرنا ضجة لإستعادته. و المساعى مستمرة .

 

تحميل مجلة الصمود عدد 198: اضغط هنا

 

الأربعاء 29 إبريل 1992 :

صبغة الله مجددى الرئيس الجديد لدولة أفغانستان التى عادت (إسلامية!!) يعلن فى إذاعة كابول العفو الشامل عن أركان الحكم الشيوعى السابق (!!) ويدعو الضباط والموظفين العودة لممارسة أعمالهم كالمعتاد . كما وجه الشكر إلى أمريكا والسعودية وباكستان وصدر الدين آغا خان (!!) ـ زعيم الطائفة الإسماعيلية ـ وبطرس غالى السكرتير العام للأمم المتحدة لمساعدتهم “للجهاد!!” الأفغانى .

(تعليق : قد نفهم مغزى تقديم مجددى شكره لأمريكا والسعودية وباكستان ولكن لماذا تقديم الشكر لصدر الدين أغاخان؟؟ ، أوبطرس غالى؟؟ . أليس فى ذلك إسرافا فى تقديم التشكرات ؟؟) .

 باكستان تعلن إعترافها بالحكومة الجديدة ـ وإيران ترسل معونات غذائية إلى مزار شريف. ( لماذا ليس إلى كابول؟؟)

جلست مع مجموعتنا العربية نتبادل الأحاديث الغاضبة حول مجددى وحكومته . تحدثنا عن ضرورة الجهاد ضد ذلك الأحمق الذى تولى الحكم. وفضح نفسه من بيانه الأول ، لم يكن عندى شك أن القتال سوف ينشب لفتح كابول مرة أخرى.

( بالفعل فتحها طالبان فى اكتوبر 1996 حتى أغلقها الأمريكان مرة أخرى فى حرب2001)

 

قابلنا حقانى بعد أن أجرى إتصالاته على المخابرة. فقال تعليقا على ما يجرى:

لقد أقام مجددى حكما مشتركا مع الشيوعيين فى كابول. وقد وافق حكمتيار على ما يجرى بلا قيد أوشرط . وأعلن ذلك ممثله فى كابول ورئيس اللجنة السياسية للحزب الإسلامى فى بيشاور .

لقد سألتهم فى الحزب الإسلامى : لماذا قاتلتم فى كابول وقتلتم الآلاف هناك ؟، لقد صَعَّدْنا الموقف مع مسعود من أجل إستبعاد الميليشيات والشيوعيين، فقال مسعود لنا (إن تلك هى مطالب حكمتيار)، فرددنا عليه أنها مطالب الشرع ومطالب الجميع هنا. وبعد ذلك توافقون أنتم فجأة بلا قيد أو شرط أو مشورة معنا .

أما سياف فهو موافق على ما يحدث وأعلن ذلك بلا مواربة .

منصب رئيس الوزراء تم إعطائه لحزب إسلامى حكمتيار الذى إختار من بين مساعديه “الاستاذ فريد ” كى يتولى المنصب .

–  راديو لندن سأل قادة من الحزب الإسلامى عن العلاقة التى ستكون بين الأستاذ فريد كرئيس للوزراء فى الحزب الإسلامى ، وبين احمد شاه مسعود الرجل الأقوى فى كابول وهو من الجمعية الإسلامية ، والقتال كان دائرا بينهم حتى وقت قريب . فكان الرد : إن الرجلان هما من قومية الطاجيك وسوف لن يختلفا (!!) .

( تعليق : نلاحظ الآن الأحزاب الجهادية وقادتها الكبار يسارعون فى التحالف مع الشيوعيين ، وتصنيف الناس حسب عرقياتهم ـ وكل ذلك كان من أشد المحرمات التى كانوا يجرمونها فى سنوات الجهاد) .

–   فى بداية اللقاء سألت حقانى: متى تبدؤون الجهاد؟؟ فقد توافرت شرائطه، فحكومة مجددى منافقة ويجب قتالها.

لكنه لم يتحمس للكلام فى الموضوع وسحبنى من يدى بعيدا عن المجلس. كانت معنوياته منخفضة كأكثر ما رأيت. قال لى بأن مجلس الشورى الجديد فى كابول والمكون من خمسين شخصا، هو واحد منهم ولكنه لم يذهب. ولكنه قد يذهب إلى كابول لمقابلة مسعود. ثم غادرنى متوجها إلى جهاز المخابرة لمحادثة قطب الدين هلال، من حزب إسلامى حكمتيار.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 198: اضغط هنا

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world

 

مجلة الصمود الإسلامية عدد 198

 



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا