جلال الدين حقانى .. العالم الفقية .. والمجاهد المجدد 44

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

مجلة الصمود الإسلامية | السنة السابعة عشرة – العدد 196 | شوال 1443 ھ – مايو  2022 م  .         

21-05-2022

 

حقاني..العالم الفقيه والمجاهد المجدد (الحلقة 44)

حوار مسلح على أبواب العاصمة: من سيحكم كابل؟

 

– حقاني رفض طلب مسعود أن يحرك قواته بعد وضعها تحت قيادة ضابط شيوعي.

– معركة بالدبابات بين إبراهيم شقيق حقاني وبين “جبار” قائد مليشيات قندهار.

– حقاني كان غاضبًا أن يتّسع تعريف المجاهد حتى يشمل دوستم زعيم الميليشيات التي ظلت تقاتل المجاهدين حتى الرمق الأخير.

– حقاني: القوة في أفغانستان هي في أيدي العلماء والقادة الميدانيين، وهم حراس على أي حكومة حتى تطبق شرع الله.

تحميل مجلة الصمود عدد 196: اضغط هنا

 

انتقل الحديث مع حقاني إلى كابل والأزمة بين مسعود وحكمتيار. فقال: إنه سوف يحرّك الدبابات والمجاهدين غدًا صوب كابل وأنه تحدّث مع مسعود لاسلكيا حول هذا الأمر، فطلب منه مسعود أن يحرّك تلك القوات بعد وضعها تحت إمرة ضابط شيوعي من جرديز على علاقة بمسعود.

قال حقاني: إنّه رفض الطلب وقال إنّ ذلك سيعطي شرعية لمطالب حكمتيار بالقتال، حيث أن الشيوعيون هم المسيطرون. وهذا سيضرّ بالوضع الحالي، حيث الجميع مستعدّون لشورى مهمّتها تعيين نظام الحكم في أفغانستان.

 عن باكستان قال حقاني: بعد النّجاحات الأخيرة بدأت باكستان في تغيير سياستها تجاهنا. فغيّروا مدير المخابرات العسكرية في إسلام آباد ” أسد دوراني”، وكنت قد رفضت مقابلته بعد عودتي من دول الخليج نظرًا لانشغالي في الأحداث. ثم مدير المخابرات العسكرية في بشاور “جنجوعه”، وكان قد أرسل لي في بشاور من يقول إنّه حدّد لي موعدًا في مكتبه، فقلت لهم بل هو عليه أن يأتي إلى مكتبي بعد تحديد موعد.

ثم أعادوا الجنرال إمام الذي قال لي: (إن عندي قمح لكم كان مرسلا كمساعدات لكابل).. فرفضت الجلوس معه.

 من الأحداث الحزينة ليوم استسلام جرديز كان استشهاد “رحيم جول” الابن الثاني للمجاهد “زير باتشاه” ابن عم حقاني الذي استشهد في جاور في معركة 1986 في تهدم مغارة بالقصف الجوي. ثم لحقه بعد قليل ابنه البكر إسماعيل الذي جاء للبحث عنه. واليوم لحق به ابنه الأصغر رحيم جول الذي كان يقود سيارة تحمل قيادات من منطقة سيد كرم، كانوا يحضرون جلسة شورى مع حقاني لتنظيم عملية دخول جرديز بتعاون جميع قيادات الميدانية التي حولها. وكان معهم القرارات النهائية للمؤتمر، لكن انفجر لغم تحت السيارة فقتل معظم الركاب ومعهم السائق رحيم جول.

في عام 1981 كنت قد قابلت الأب والطفلان إسماعيل ورحيم جول. وكانا كشبلين صغيرين يتشاكسان طول الوقت وكانا يعملان مع الوالد في حراسة مخزن ذخيرة المجاهدين، وكان عبارة عن خيمة واحدة تحت سفح الجبل بها عدة صناديق ذخيرة، وعدة قذائف للمدفع 122 مليمتر.

 

مهرجان للجنون

هذه هي الليلة الثانية من الجنون.. إطلاق النار في الهواء ليلا تجاوز كل حد معقول، أو متصور.

قد يكون مقبولا ـ وبصعوبة ـ أن يطلق الناس نيران الأسلحة الخفيفة تعبيرا عن السرور، ولو أنني أعتبره تعبيرًا متخلفًا وغير مبرّر ـ وقد يطلقون نيران رشاشات متوسطة أو حتى ثقيلة ـ وهذا حدث أيضًا، وهو أسوأ من سابقه.

ولكن أن يطلقوا قذائف الدبّابات على الجبال تعبيرًا عن بهجتهم، فهذا شيء من السفاهة، ولكنه سيكون معقولًا إذا قارنّاه بما جاء بعده، وهو إطلاق صواريخ “أوريجان” و “لونا”، وكلها صواريخ ثقيلة متوسطة المدى وأيضًا انشطارية، أي أنها تطلق قنابل عنقودية، فكانت ترسم فوق الجبال ما يشبه الألعاب النارية في المهرجانات، إنها تثير بهجة الجمهور المتهيج هذه الليلة، وكانت قبل وقت قصير فقط تثير الرعب في المعارك.

 

الخسائر في جرديز

كما ذكر لي حقاني وقتها، فهذه هي خسائره في عمليات جرديز منذ المحاولة الأولى لاقتحامها في أكتوبر1991، إلى حين استسلامها في إبريل 1992:

ـ 130 شهيد.

ـ 400 جريح.

ـ 5 دبابات.

ـ 30 سيارة مدمرة واستشهاد 10 سائقين.

يلاحظ أن عدد الشهداء قريب جدا من مثيله في معركة جاور 1986، ومعركة فتح خوست في 1991. أما خسائر الدبابات والسيارات فهي عالية بالفعل. لقد وقعت اشتباكات عديدة بالدبابات في خطوط التماس بين المجاهدين من جهة والجيش والميليشيات الشيوعية من جهة أخرى. الميليشيات من قندهار بقيادة قائدهم الجسور “جبار” الذي كان يقود الدبابات في عمليات اختراق والتفاف ضد المجاهدين، كان عظيم الشجاعة والتهوّر، فدارت بينه وبين المجاهدين مبارزات بالدبابات. وهي مبارزات بمعنى الكلمة، تعتمد على الشجاعة الفردية والاستهتار بالموت. كانت الساحة الواقعة بين الخطوط الأولى مسرحًا لمعظم تلك المبارزات الحامية.

تبدأ المبارزة بالسباب الشديد والحرب النفسية وتنتهي بدبابات محطمة وقتلى.

في أحد المبارزات وجه جبار سبابًا مقذعًا لحقاني وقال إنه قادم بالدبّابات كي يأخذه أسيرًا ويربطه بحبل ويسحله على الأرض خلف دبابته.

ثم هاجم جبار بمجموعة من الدبابات محاولا الالتفاف حول الجناح الأيمن للمجاهدين. تصدى له بالدبابات أيضًا إبراهيم شقيق حقاني ودارت معركة شرسة بين الطرفين.

أسفرت المعركة عن تحطم عدد من دبابات جبار وعاد إبراهيم وهو يسحل على الأرض جثة مربوطة بحبل خلف دبابته، لقد كانت جثة جبار نفسه!

 

الجمعة 24 إبريل 1992:

ذهبت صباحًا مع أبو الحارث وأبو كنعان لمقابلة حقاني للاستعلام منه عن موعد الرحيل إلى كابول، وأيضا كي نطلب منه وضع راجمات الصواريخ BM-41 أو صواريخ أوريجان تحت تصرفنا. قال لنا حقاني إنه سيذهب إلى لوجر للبحث عن مواضع لتمركز قواته هناك، ودعانا للذهاب معه إلى هناك. وعن الصوريخ قال إنها إن تكن معنا ونديرها، أفضل من أن تكون مع الضباط الشيوعيين السابقين.

بدأت الأمم المتحدة تتحدث عن حكومة مجاهدين “موسعة”. أي تشمل عبد الرشيد دوستم وأمثاله، وقالت المنظمة إن مسعود وافق على ذلك.

حقاني كان غاضبًا أن يتّسع تعريف المجاهد حتى يشمل دوستم زعيم الميليشيات التي ظلت تقاتل المجاهدين حتى الرمق الأخير. وقال حقاني إن مقياس الإسلام واحد، لا يتسع ولا يضيق. فالشخص إما مؤمن وإما كافر، وحقيقة الإسلام واحدة لا تتسع ولا تضيق، وحقيقة الإيمان واحدة ومازاد عليها فهو من التقوى.

عاينا بعد ذلك راجمات الصواريخ BM41 التي غنمتها جماعة حقاني. ثم عاينا أيضا معسكر تدريب للجيش.. كان به ساحة واسعة مزودة بأدوات رياضية وحبال تسلق وحواجز ومسارات للجري، وتنتشر في الساحة الأعشاب البرية الطويلة. أي أن الجماعة كانوا مشغولين في الحرب فأوقفوا التدريب، على الأقل في هذا المكان.

أماكن المبيت عبارة عن صالة واسعة جدا، وعلى جانبيها أسِرَّة حديدية من طابقين. قريب من القاعة هناك ماكينات ضخمة لغسل الملابس. معظم المحتويات تم نهبها والباقي ينتظر دوره. تمنيت أن يكون لنا مثل ذلك المعسكر المجهز بدلا عن معسكراتنا البدائية المبنية بالطين.

شبابنا القادمون من خوست كانوا مبهورين من عملية استسلام المدينة، والإمكانات العسكرية الضخمة التي فيها، والتي فاقت تصورات الجميع.

كانوا متشوّقين لرؤية مضيق طيرة الذي كانوا يتجهزون لاقتحامه. فنظمنا لهم رحلات إلى هناك على دفعات. تحركنا في سيارة منفصلة مع الدفعة الأولى، على أن نكمل رحلتنا إلى مدينة “بولي علم” حيث يجري حقاني مشاورات لنقل قواته إلى لوجر، على الحود مع كابول.

توقفنا عند المضيق بناء على طلب الشباب، والتقطنا صورًا جماعية بالفيديو والكاميرا العادية. كانوا في قمة السعادة والانفعال، فقد كانوا يتهيأون ماديا ونفسيا لخوض معركة فاصلة “ننتصر أو نموت”، كنا نتوقع أن نفقد الكثيرين منا، ولكن العدوّ انهار قبل ذلك وكفى الله المؤمنين القتال. كنت مذهولا أن نقف في هذه الحالة المرحة نلتقط الصور التذكارية على هذا المكان تحديدا، الذي لم أتصوّر إمكان الوقوف عليه إلا وسط نيران ودماء.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 196: اضغط هنا

 

أمريكا و تشكل الحكومة!

في لوجر، شرح لنا حقاني موقف الطرفين حكمتيار ومسعود، فقال: إن مسعود لايستطيع بناء دولة شمالية بدون الجنوب، ولا يستطيع الاعتماد على الميليشيات ضد المجاهدين.

وأن أطماع حكمتيار غير واقعية. فالإسراع بالاستيلاء على المباني الحكومية في كابول لن تضمن له حكم أفغانستان. فالعاصمة كابول محصورة ضمن عشرة كيلومترات طولا وأقل منها عرضا. والقوة في أفغانستان هي في أيدي العلماء والقادة الميدانيين، وهم حراس على أي حكومة حتى تطبق شرع الله.

أضاف حقاني: كنت أنوي أن أسأل حكمتيار، إذا كنت تنوي الاستيلاء على كابول، فكم مدينة خلفك؟ (يعني على كم مدينة يسيطرعليها حكمتيار).

 

كتبت في مفكرتي تعليقا على تلك الملاحظة:

كانت تلك إشارة بليغة شعرت بها مثل طلقة المدفع. فالحكم في أفغانستان ليس مثل أي دولة أخرى على الأرض. وفاتح كابول لابد أن تسانده سلسلة سابقة من الفتوحات. وحكمتيار يكاد سجله العسكري لا يحتوي إلا على سلسلة اشتباكات داخلية طوال 13 عاما من الجهاد. وفي النهاية يريد أن يجلس منفردا على كرسي السلطة بدون أن تكون خلفه مدينة واحدة فتحها أو استسلمت له”.

تكلمت مع حقاني عن حكومة بيشاور برئاسة مجددي وقلت له أنها حكومة “بطرس غالي”. وأخبرته عن ما أذاعته طهران من وجود لجنة في إسلام آباد تضم إيران وباكستان والسعودية وأمريكا والأمم المتحدة لوضع حل للقضية الأفغانية. وأن حكومة مجددي هي ثمرة أعمال تلك اللجنة.

قال حقاني: لم يحدث اجتماع إلا بين قادة المنظمات. وأن قادة المنظمات المعتدلة “الغربيين” لم يحضروا، وأسفر الاجتماع عن هذا الاقتراح ـ أي حكومة مجددي ـ وأنهم استعجلوا هذا التشكيل بعد تحذير مسعود لهم بأن كابول في يده، وأنهم إن لم يطرحوا حلاً خلال يومين فسوف يضع الأمر في يد القادة الميدانيين لتقرير حل بمعزل عن بيشاور.

 لاستكمال هذا الجانب أقول إن هناك بعض الأجزاء الهامة من صورة ماحدث كانت خافية عن حقاني المنغمس في شؤون جرديز أثناء تلك المناورات السياسية في بيشاور.

أولا: إنّ ماقاله راديو طهران كان صحيحًا. وهو ذلك العمل المشترك ضمن لجنة تضم باكستان وإيران والسعودية وباكستان وأمريكا والأمم المتحدة، لتمرير الحل الدولي لمشكلة أفغانستان والذي قررته الولايات المتحدة. وكل طرف كان يتحرك من جهته مستخدما أوراقه الأفغانية. وتشير الشواهد إلى أن عمل تلك المجموعة ظل مستمرا إلى أن تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان وعينت كرزاي رئيسا لأفغانستان وأمرت العالم بتأييد حكومته، أي حكومتها في أفغانستان.

 

تحميل مجلة الصمود عدد 196: اضغط هنا

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world