ذات يوم (18)..ليلة سقوط كابل 2 ..أسير كابل الأهم ، ومذبحة الحالمين.

ذات يوم (18)

ليلة سقوط كابل .. (2) .
أسير كابل الأهم ، ومذبحة الحالمين.

 

إستيقظ سيف عمر عبد الرحمن من نومه فى ضحى يوم 13 نوفمبر 2001 وهو اليوم الأول لسقوط كابل التى إنسحب منها طالبان ليلا.

– كان مرهقاً منتفخ العينين بعد أن قضى معظم الليل أمام جهاز الكمبيوتر ينهي بعض أعمال الجماعة الإسلامية التى يرأسها والدة العالم السجين فى أمريكا.

وقد رفض “سيف” المغادرة بالأمس، حيث لم يأخذ على محمل الجد تقديرات تقول بأن الوضع خطيرعلى خطوط الدفاع شمال العاصمة. كان وحيداً في البيت الذى غادره بالأمس شقيقه الأكبر (أسد) وعدد من أفراد تنظيم الجماعة الإسلامية ، ومعهم السيدة الفاضلة والدة الشهيد خالد الإسلامبولى وإبنها محمد، وأخرون، كانوا يملؤون أرجاء البيت، الواقع

بالقرب من مدخل “وزير أكبر خان” أهم أحياء العاصمة.

غادر الجميع العاصمة تاركين “سيف” وحيداً طوال الليل. وكانت ليلته الأخيرة مع الحرية في كابل.

كان يستبعد سقوط العاصمة،جازماً بأن ما يحدث على خطوط التماس هو أزمة سوف تمر بسلام، وأن تحالف الشمال سوف يخسر وينتصر طالبان كالعادة .

– إستيقظ من نومه عند الضحى وخرج لشراء رغيف خبز ساخن من المخبز القريب ليتناول إفطاره اليومي كالمعتاد . إرتدى قلنسوته ، ووضع قدميه داخل حذاء منزلى بسيط ، وأسرع إلى المخبز. عبر الشارع ووقف أمام طاولة البائع. وماكاد يفعل حتى إنقّض عليه عدد من مسلحي الشمال الأشداء وتعاونوا جميعاً على طحنه وعجنه مثل رغيف الخبز، إلى طفحت الدماء من جميع جسده وصار وجهه مثل خريطة مدينة كابل. ثم جرُّوه إلي شاحنة مُلئت بالأسرى والمشتبه فيهم.

جلس “سيف” بالقرب من حافة صندوق الشاحنه المزدحمة .

– { في الوقت ذاته  كان أبو المقداد ـ الفارس العربى الأخيرـ يشق طريقه عبر العاصمة بكامل هيئته المهيبة وتجهيزاته العسكرية، تحت أنف دوريات الشماليين المسلحة} ــ

كان سيف عمر عبد الرحمن ينظر خارج صندوق الشاحنة إلى مصور تلفزيون أمريكي.الذى سجل بتلك اللقطة جانباً من مأساة المتطوعين العرب، فى تلك الحرب التى بدأت تحت أنقاض 11/ 9 .

– إنتشرت صورة “سيف” على الفور في تلفزيونات العالم، وشاهدها إخوانه الذين كانوا قد غادروا كابل خشية سقوطها .

تحركوا بسرعه وكأن صاعقة أصابتهم لأن سيف من الشخصيات المشهورة كونه إبن الدكتور عمر عبد الرحمن ، كما أنه صاحب مواقف شهيرة بين العرب في صداماته مع جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهو الوحيد الذي كان يأمرهم وينهاهم بإستخدام يديه وقدميه وينال منهم ما تيسر من ردات الفعل المشابهة .

– كانت الجماعة الإسلامية المصرية على صلة قوية بالزعيم الأفغاني الأصولي عبد الرسول سياف/ زعيم الإخوان /  منذ أول إتصال لهم مع قضية أفغانستان ووصولهم إلى بشاور، حيث أقاموا في قرية “بابي” التابعة لسياف. وإستمرت العلاقة وثيقة وحميمة على الدوام ، رغم كون سياف عدوا لدودا لحركة طالبان ،ومعاونا فعالا للإحتلال الأمريكى وحكومة كابل التى عينها.

– إتصلت الجماعة الإسلامية مع سياف في كابل وأخبروه عن إعتقال “سيف” ورجوه أن يسعى للإفراج عنه.

سياف كان يرى لعلاقته بتلك الجماعه قيمة إسترتيجية، فعمل بنشاط للبحث عن سيف عمر عبد الرحمن حتى جده بحوزة جماعة أحمد شاه مسعود، الرجل الأقوى في كابل، والمشرف على أمور الدفاع والأمن والقائد الفعلى لتحالف الشمال.

دفع سياف الفدية اللازمة للخاطفين ، وتم الإفراج عن الأسير المختطف، وإخارجه الي باكستان حيث إستلمته الجماعة الإسلامية، ليبدأ من هناك نشاطاً بارزا في منطقة القبائل، في خدمة العرب، وتسهيل خروجهم من باكستان أو ورودهم إليها. ونجح في تهريب عدد كبير من العرب الي خارج باكستان وإعادتهم الي بلادهم أو إيصالهم الى بلدان اخرى، وقد قتل سيف عمر عبد الرحمن في وزيرستان ، ربما بسبب مجهوداته تلك .

– في اليوم الأول لسقوط كابل، لقي بعض العرب فى كابل مصرعهم على يد تحالف الشمال. وكذلك  قتل بوحشية عدد من البكستانيين والأفغان ومتطوعين مسلمين من بلاد مختلفة . كان أي أجنبي موجود في كابل يقتل إذا رفض الإنصياع الفوري لأوامرالمسلحين الشماليين.

– وجِدَت العديد من الجثث لعرب وغير عرب ملقاة في الشوارع وسط برك من الدماء، وتحوم حولها الكلاب الضالة في انتظار فرصة مناسبة لإلتهام الفرائس.

– وفي أحد شوارع كابل الكبيرة قتل عدد من المسلمين الأجانب. وسجلت الفضائيات سبقاً إعلامياً فريدأً  يعتبر من اللقطات المميزة في القرن الحادي والعشرين. إذ جمع الشماليون الجثث في كومة واحدة وسط بركة من الدماء تخوض فيها عدد من النساء الجميلات وقد نثرن شعورهم الطويلة الناعمة وهن يتمايلن على أصوات عزف الطبول والمزامير ضمن فرقة محلية أحضروها لتلك الحفلات .

كانت النساء يتمايلن في دائرة حول الجثث والموسيقى تعزف وكاميرات محطات التلفزيون العالمية تصور وتنقل مباشرة   ذلك الفن الشعبى الراقي .

شعوب الغرب الحساس شاهدوا الحفل على الهواء ، ولم يتحدث منهم أحد عن حقوق الإنسان ، فم لا يرون هؤلاء القتلى من البشر.

ولم يحتج أحد في الغرب، ولم يتم تصنيف أحد إرهابيا ، سواء من المسلحين أو الزمارين أو الراقصات الفاتنات المتمكنات. فالجميع كانوا يمارسون حقاً مشروعاً في التعبير الثقافي والمشاعر الإنسانية الراقية. الإرهابيون كانوا هم أصحاب الجثث الملقاة على الأرض.

– فئة أخرى لم يبالى بها أحد حتى العرب أنفسهم، رغم أن معظمهم من العرب الذين وفدوا إلى أفغانستان في الأيام الأخيرة، بعاطفة إسلامية صادقة .

بعض العائلات كانت مكونة من زيجات مختلطة، و لديهم أطفال, دافعهم كان الحياة في مجتمع إسلامي سمعوا أنه قد أقيم في أفغانستان، فجاؤوا بدون أن يعرفوا أي أحد أو جماعة أو أي شئ في أفغانستان سوى أنها أقامت إمارة إسلامية .
لم يجدوا أي شئ يوفر لهم أبسط  سبل المعيشة .حاولت سلطات الإمارة مساعدتهم بكافة الوسائل القليلة المتاحة لديها، بتوفير بيوت السكن، وأي معونات من الأطعمة أو الأموال. ولكن لم يكن ذلك كافياً ولا مناسباً .

– بعض هؤلاء العرب الذين كانوا في كابل، وجلال أباد ، حاولوا العمل كعمال يومية، ووقفوا في الميادين العامة مع باقي العمال الأفغان، مزاحمين إياهم على لقمة العيش التى بالكاد يوجد منها أي شئ .

– أحد السيدات الفاضلات كتبت تقول أنها أثناء الهروب من المطاردات الباكستانية ومرافقتها لعدد من العائلات فى التسلل إلى إيران مع مهربين ، وجدت ضمن القافلة طفلان من الجزائر كانا دون سن البلوغ، وكان أبوهما في أفغانستان، ودفع أموالا للمهربين كي يأخذوا أولاده إلى ايران ،عسى أن يجدا طريقة من هناك للعودة إلى للجزائر. وأعطى كل طفل منهما مئة دولار . الى هذه الدرجه/ وأسوأ/ وصلت الأمور  بالمهاجرين العاطفيين.

روت السيده أم خالد الإسلامبولي لعدد من صديقاتها العرب بعد إنتهاء تلك الأحداث ، أنها كانت لفترة  تقيم في جلال أباد بعد فرارها من كابل. وكان لها جيران من العرب الغرباء الذين لا سند لهم إلا خالقهم ولا يعرفون أحداً ولاجماعات ولا شئ عن افغانستان أو في أفغانستان .

قالت أم خالد أن الشماليون داهموا أحد البيوت التى تعيش فيه أسرة من هولاء العرب، مكونة من زوج وزوجه وعدد من الأطفال . فقاوموا الإعتقال فقتلهم الشماليون جميعاً. ثم انتقلوا الي البيت المجاور وكان لأسرة عربية أيضاً . رب الأسرة شاهد ما كان يجري فذهب وجمع أسرته في أحد الغرف وأخد قنبلة يدوية ومتفجرات، ونسف نفسه مع العائلة، حتى لا يقعوا في يد الشماليين.

كان بيت أم خالد قريب من تلك البيوت وكان سيأتيها الدور ولكن معارف لها من الأفغان والعرب أنقذوها بصعوبة وخرجوا بها من جلال اباد وعبروا الحدود إلى بشاور فى باكستان . وظلت أم خالد تعاني من حالة حزن حادة كلما تذكرت أو تكلمت عن ذلك الموضوع .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world