السلفية الجهادية: جدلية النقاء الأيديولوجي والبرغماتية
في مقال عن الدول الجهادية البدائية ، يشير برينجار ليا إلى أنه على الرغم من أهمية مفهوم الدولة في الأيديولوجية الجهادية ، يميل بناة الدولة الجهادية إلى تجنب اتخاذ تدابير من شأنها أن تساعد دولهم الناشئة على البقاء على المدى الطويل. ونادرًا ما اعتدوا في السلوك والخطاب بمجرد وصولهم إلى السلطة ، لكنهم يميلون إلى الاستمرار في السلوك غير المنتظم والعدائي الذي يؤدي إلى تدمير الدولة من قبل الأعداء المحليين أو التدخلات الخارجية. يقترح ليا أن هذا الاتجاه مدفوع جزئيًا بالتنافس مع متمردين إسلاميين آخرين ، مما يجعل من الصعب السعي إلى حل وسط دون ا٢ستبعاد الفئات الرئيسية ، وجزئيًا من خلال التنافس مع الجبهات الجهادية الأخرى على المقاتلين الأجانب والمساعدة الخارجية. عندما يسيطر تمرد أو تمرد على السيطرة ويبدأ في إنشاء بعض مظاهر الإدارة في مناطق داخل الأراضي الوطنية تحت حكمه الفعال ، فإنه يتحول أيضًا إلى دولة بدائية.هذه الدول البدائية في زمن الحرب ، والتي تُعرف أحيانًا باسم الدول المتمردة، قد يحول في النهاية هيكل الدولة كليًا ، أو يرسم حدود المساحات السياسية المستقلة الخاصة بهم. على الرغم من أنها ليست ظاهرة جديدة ، إلا أن التشكيل الحديث لدول بدائية في الأراضي التي يسيطر عليها كيان متشدد من غير الدول قد شاع من قبل ماو تسي تونغ خلال الحرب الأهلية الصينية ، و حركات التحرر الوطني في جميع أنحاء العالم تبنت فلسفاته العسكرية، انتقل من هذه المقدمة إلى التجارب الجهادية في العصر الحديث بشقيها البرغماتي والايديولوجي أقوم بتحليل الاختلافات في استراتيجيات الحكم الجهادي من خلال النظر في خمس ممارسات نموذجية للدول الجهادية البدائية. 4هذه الممارسات هي 1) إعلان الدولة الإسلامية ، 2) تحطيم المعتقدات التقليدية ، 3) تطبيق الشريعة الإسلامية ، 4) عدم التعاون مع الجماعات المتمردة غير الجهادية ، 5) العداء تجاه العالم الخارجي.
اتسم المسار الجهادي بعد جملة من التحولات بطابعين تحكموا في شكله على مستوى السلوك والخطاب والممارسة جاء هذا التمايز بعد أن كانت الحركة الجهادية كثلة ذات بعد موحد، بدأت الفجوة تظهر بعد تأسيس إمارة أزواد في شمال مالي وتشديد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي على اتباع منهجية مختلفة في إدارة الشمال وخطابها وسلوكها على أرض الواقع حسب توصيات أميرها ,”درودكال” للجهاديين في مالي ما يحيل على برغماتية لم تكن مألوفة لدى السلفية الجهادية في تاريخها للسعي نحو تحقيق نظرياتها وأهدافها، تميل تشكيلات الدول الجهادية في جميع أنحاء العالم على ما يبدو إلى “التضحية ببناء الدولة على مذبح النقاء الأيديولوجي”.
في تحليل استراتيجيات الحوكمة لقيادة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وقادة الإمارة ، أستخدم مصطلحي “البراغماتية” و “النقاوة”. “البراغماتية” على أنها رغبة الفاعل الجهادي في تقديم تنازلات أيديولوجية ، الأمر الذي يستلزم في هذا السياق تأجيل بعض الأعمال الإيديولوجية التي قد تثير العداء تجاه الجماعة ، سواء كانت من رعايا مدنيين أو جماعات متنافسة أو من دول مجاورة وحلفائها الغربيين. . يتم تعريف “التطهير” على أنها نقيض البراغماتية ، وبالتالي تُفهم على أنها عدم الرغبة في تأجيل مثل هذه الإجراءات.
كنت في صفوف جبهة النصرة حينها عندما اعطاني احدهم ورقات بعنوان :”توجيهات عامة بخصوص المشروع الإسلامي الجهادي بأزواد” صاغها أمير القاعدة “عبد الملك درودكال” أدركت خلالها أن الجيل الجهادي السابق بدأ يرسم ملامح مشروع جهادي جديد لم يكن سوى جزءٍ من عملية تحولات حرجة، تمت داخل التنظيم منذ اندلاع شرارة الربيع العربي عام 2011، ودفعت التنظيم إلى السعي لإعادة طرح نفسه في ثوب أقل تشددًا، يركز بصورة أكبر على كسب دعم الشعوب (أو ما يسميه بالحاضنة الشعبية)، وتقليل الصراعات مع المجتمعات والقوى الوطنية المحلية، داخل مناطق نشاط «القاعدة»، بالإضافة للتراجع عن نبرة الهيمنة والرغبة في السيطرة، التي كانت جزءًا أساسيًّا من تجارب جهادية سابقة كتجربة «القاعدة في بلاد الرافدين» التي تحولت لـ «دولة العراق الإسلامية»، ثم انفصلت تمامًا عن التنظيم وأسست خلافة مكانية باسم «تنظيم الدولة الإسلامية» والمعروف إعلاميًّا بـ «داعش».
هنا شرح سريع:
القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
من شبه المؤكد أن أشهر الجماعات العاملة في شمال مالي هي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ، بقيادة عبد المالك دروكل (أبو مصعب عبد الودود). أعيد تسميتها في عام 2007 بعد اندماجها رسميًا مع القاعدة ، وكانت تُعرف سابقًا باسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) ، والتي تم إنشاؤها في عام 1998 كرفض للسلوك الوحشي والموقف التكفيري للجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية ( GIA بالفرنسية). كانت الجماعة الإسلامية المسلحة أول جماعة جهادية جزائرية ترسل مقاتلين (بما في ذلك مختار بلمختار) إلى منطقة الساحل ، على الرغم من أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال كانت أول من زرعت نفسها بالفعل في المنطقة وفي شمال مالي على وجه الخصوص. هناك جند مقاتلين ، وأقام معسكرات تدريب ، وأقام علاقات عميقة مع بعض المجتمعات المحلية ، وانخرط بعمق في شبكات التهريب المحلية والإقليمية ، واختطفوا أجانب مقابل فدية (جرت أول عملية من هذا النوع في جنوب الجزائر عام 2003). كما انخرطت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في أنشطة عسكرية ، لا سيما هجوم 2005 على قاعدة عسكرية موريتانية في ليمغيتي. من بين العديد من الشباب الموريتانيين الذين انضموا إلى التنظيم بعد حملات القمع التي شنتها الشرطة في عامي 2004 و 2005 ، كان يونس الموريتاني ، الذي ساعد في تسهيل اندماج الجماعة السلفية للدعوة والقتال مع القاعدة في عام 2006 وكان قائدًا عملياتيًا رئيسيًا في تنظيم القاعدة في باكستان حتى اعتقاله. في كويتا في عام 2011.
بعد اندفاع نشاط القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المميت في شمال الجزائر في عامي 2007 و 2008 ، اكتسبت السلطات الجزائرية اليد العليا وتمكنت تدريجياً من تقييد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في مناطق معزولة وجبلية شرق الجزائر العاصمة. لكن كتائب القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي توسعت في منطقة الساحل ، حيث بدأ بلمختار وعبد الحميد أبو زيد (أحد كبار قادة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) سلسلة من عمليات الخطف الجريئة التي أدت إلى دفع فدية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات (أكثر ، حسب إلى بعض المصادر) – يقال إن الأموال عززها الدخل من تهريب السجائر والضرائب من تجارة المخدرات المتنامية في المنطقة. كما واصلت الجماعات الجنوبية للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ، التي كان يُعتقد قبل عام 2012 أن عدد مقاتليها عدة مئات من المقاتلين ، عملياتها في جميع أنحاء المنطقة ، مما أسفر عن مقتل السياح وشن هجمات (بما في ذلك التفجيرات ضد الجيوش الإقليمية والأجنبية والمنشآت الحكومية.
يتمتع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي منذ سنوات بعلاقات جيدة مع بعض السكان المحليين ، بعد أن عزز جذوره في شمال مالي من خلال علاقات الزواج والأعمال. أعلنت المجموعة مؤخرًا عن إنشاء كتيبة جديدة يقودها الطوارق ، كجزء من إعادة ترتيب أكبر للأفراد والقيادة. يقال إن الكتيبة تقود القتال تحت قيادة أبو زيد حول بلدة ديابالي ضد القوات المالية والفرنسية.
تواجه جميع المشاريع الجهادية معضلة كبرى سواء التزمت بالنقاء الأيديولوجي(داعش) ضمان تدمير الدولة من قبل القوات الأجنبية كما حدث في الرقة والموصل أو الانتفاضات الشعبية ونوع من المعارضة المسلحة كما حدث في أرياف إدلب وحلب وحماة مع وحدات من الجيش الحر وجبهة النصرة، أو البرغماتي(هيئة تحرير الشام) مع عدم تقديم أي ضمانات بعدم حدوث تدخل عسكري تظهر أن السياسات الجهادية هي في الأساس طريق مسدود، وبالحكم على تاريخ العقود الأخيرة للدول الجهادية البدائية ومن منظور قصير المدى يبدو هذا هو الحال. بخلاف أصحاب المنظور البعيد المدى الذي يميل إليه الاستراتيجيون الجهاديون توقع الزعيم الحالي للقاعدة ، أيمن الظواهري ، أن القتال الجهادي سيتطلب تضحيات كبيرة يمكن أن تستمر لأجيال عديدة. بن لادن بالمثل تصوّر حرب استنزاف طويلة الأمد ضد الولايات المتحدة ، والتي ستكون “جافة” من خلال تدخلاتها العسكرية ضد الجهاديين في أفغانستان والعراق. كما ذكرت رسالة بن لادن السابقة إلى دروكدال ، فإن النصر النهائي لن يتحقق إلا عندما تنضب قوة الغرب إلى الحد الذي لم يعد بإمكانه التدخل بشكل حاسم في شؤون المسلمين. يحيى أبو الحمام ، الذي تولى مقاليد القيادة الصحراوية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في 2013 ، عبر عن نفس التوجه في التفكير فيما يتعلق بالتدخل الفرنسي في مالي ، قائلاً: “في [هذه] حرب العصابات ، سيسود الصبر والصمود. . هذه حرب استنزاف ستستمر لفترة طويلة “.وفقًا لوجهة النظر هذه ، لا يتم تحديد قيمة كل تكرار لإمارة جهادية بما إذا كانت ستستمر أم لا ، ولكن بما إذا كانت تساهم في هذه الاستراتيجية الشاملة طويلة المدى أم لا.
بقلم : أديب أنور
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )
