جلال الدين حقانى .. العالم الفقية .. والمجاهد المجدد 41

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

مجلة الصمود الإسلامية | السنة السابعة عشرة – العدد 193 | رجب 1443 ھ – فبراير 2022 م  .        

09-02-2022

 

حقاني: العالم الفقيه والمجاهد المجدد (41)

– استشهد من جماعة أبو الحارث حوالي 13 مجاهدًا في تلك المعارك، أغلبهم من الشباب الجدد، وهو عدد كبير نسبيا إذا قورن بخسائر الجماعة في معارك أخرى.

– جهة مجهولة -وفي حادث غامض أثناء المعارك- تمكنت من اغتيال ثلاثة من مجاهدي الجماعة الإسلامية المصرية في جرديز. ولم يتكشف شيء من أسرار العملية.

– كان المطلوب أن تكون الفتنة المذهبية طبقًا لمعادلة (كل الأفغان ضد كل العرب). وانطلقت الفتنة من جماعة حكمتيار “حزب إسلامي”.

– اقترحت على أسامة بن لادن ومساعداه أبوحفص وأبوعبيدة أن يقيموا مركزا للاتصالات بين جرديز ولوجر لتنسيق العمل وشؤون الإمداد. ولكن ذلك لم يحدث وعملت كل جبهة منفردة وبدون أدنى تنسيق أو تبادل معلومات.

– وضع التبرعات أصبح بائسًا جدًا بعد فتنة كونار، وقنوت علماء السعودية في الحرم على القادة الأفغان، وإصدار الفتاوى ضدهم.

– أمرًا باكستانيًا إلى هيئات الإغاثة الدولية بعدم عبور الحدود إلى أفغانستان. والجميع وافقوا ماعدا الفرنسيين الذين عارضوا علنا.

– مولوي حقاني تكلم عن الضغوط الباكستانية عليه حتى يوافق على زيارة برهان الدين رباني إلى موسكو، وبرنامج التسوية إجمالا.

– حقاني يقول: سنقاتل ونشكل مجالس الشورى وحكومتنا في داخل أفغانستان، وكل ما يتقرر خارج أفغانستان لن ينفذ على أرضها، وأن قادة الخارج (من المنظمات) لن يفيدكم الاتفاق معهم، وأن الأفغان لا يفرض عليهم شيء من الخارج.

– معلومات وصلت حقاني تفيد بتواجد مجموعات إرهابية عربية أرسلتها دول منها ليبيا والعراق، مهمتها اغتيال الزعماء الأفغان.

بقلم: مصطفى حامد (أبوالوليد المصري)

 

تحميل مجلة الصمود عدد 193 : اضغط هنا

 

الشهداء العرب في فتح جرديز:

كانت جماعة أبو الحارث هي الجماعة العربية الأساسية في جرديز، ومشاركة الجماعة هناك كانت امتدادًا لمشاركتها في معارك فتح خوست. التحق بالجماعة بعض أفراد من جماعات أخرى ولكن بصفة شخصية. استشهد من جماعة أبو الحارث حوالي 13 مجاهدا في تلك المعارك، أغلبهم من الشباب الجدد. وهو عدد كبير نسبيًا إذا قورن بخسائر الجماعة في معارك أخرى.

 من ضمن شهداء جماعة أبو الحارث الأردني، كان الجزائريون ثلاثة: ابن الجراح ـ عبد القهار ـ تُبَّع. ومجاهد جزائري رابع من مكتب الخدمات الذي أسّسه الشهيد عبد الله عزام. وهو الشاب أبو بنان (عبد الناصر خضر ـ 29 عام ـ من مدينة سطيف بالجزائر). ومجاهد صومالي، ومجاهد إيراني، ومجاهد خليجي هو سالم الراشدي. وعدد من مجاهدي الأردن؛ منهم الصَدِيق “أبو أحمد”، وكان عضوا فاعلا في مشروع “المطار90” في مجال الاتّصال اللاسلكي، الذي كان بحق عصب العملية كلها. وقد أصيب بقذيفة هاون غرناي أثناء اقتحام الخط الأوّل للعدوّ.

جهة مجهولة -وفي حادث غامض أثناء المعارك- تمكنت من اغتيال ثلاثة من مجاهدي الجماعة الإسلامية المصرية في جرديز. ولم يتكشف شيء من أسرار العملية.

 

فتنة مذهبية في كونار:

نعود مرة أخرى إلى الفتنة المذهبية في “كونار”، وأظن الذين هندسوا الفتنة كان في ذهنهم أن تكون كمينا لعرب أفغانستان، وأن يتورطوا فيها بشكل جماعي.

ولكن ردة فعل عرب أفغانستان كان مفاجأة لمهندسي الفتنة؛ فإنهم -وإن تعاطفوا مع إخوانهم سلفيي “كونار”- إلا أنهم لم يحملوا السلاح إلى جانبهم، أو أن يتحول الأفغان “المجاهدون” في كل الجبهات إلى ذبح من عندهم من “إخوة عرب” انتصارًا لإخوانهم أحناف كونار الذين يتعرضون للعدوان “الوهابي”.

لم يحدث هذا ولا ذاك، وظلت فتنة كونار أفغانية صرفة، وانكشفت عورات مشعلي النيران؛ وهم في الظاهر المعلن أحزاب بشاور، وكان المطلوب أن تكون الفتنة طبقا لمعادلة (كل الأفغان ضد كل العرب).

بدأت الفتنة المذهبية من جماعة حكمتيار “حزب إسلامي”، وكان يعيش ضمن دوائرهم شاب مصري هو “عبدالله الرومي” يعمل صحفيا في مجلة الجهاد التي يصدرها مكتب الخدمات في بشاور. كان الشاب شديد العاطفة والحماس ومستعد لفعل أي شيء لخدمة الإسلام.

أقنعته دوائر حكمتيار أن دولة الإسلام على وشك أن تقام على أرض أفغانستان على يد حزب إسلامي لولا هذا “جميل الرحمن” الذي أشعل الفتنة في “كونار” التي تحررت بتضحيات الحزب ثم جاء هو كي يطرده منها، بينما ليس لجميل الرحمن أي مجاهد قرب كابول أو خارج كونار نفسها فهو لن يقيم دولة الإسلام في أفغانستان، وهو غير قادر، كأقلية، أن يقيمها حتى في لوجر. كانت تلك الدعايات لا يكررها الحزب فقط، بل تقولها الماكينات الدعائية لكل منظمات بشاور “الجهادية!!” المعتدل منها والمتطرف “بالتقييم الأمريكي طبعا”.

هذا -على الأقل- ما حدث. فذهب الشاب إلى كونر بصفته الصحفية لمقابلة جميل الرحمن. وهناك وعند آذان الفجر والشيخ يتوضأ للصلاة قتله الرومي بمسدس كان يخبئه في ثيابه. انتهت بذلك مهمته ووقف ساكنا حتى جاء الحارس وبدلا من أن يلقي القبض عليه أطلق عليه النار وقتله على الفور. ولم يكن ذلك مفهومًا ولا مبررًا، فلم يكن الرومي مسلحا ولا كان ينوي المقاومة أو حتى الهرب كان ساكنا تماما.

كان ذلك دافعًا للشك بأن الحارس نفسه كان جزءا من جريمة الاغتيال، كونه قطع كل الخيوط التي تربط الرومي بباقي أطراف الجريمة.

في مثل تلك الأحداث لا يظهر الجاني أبدا لأنه معروف تماما ويحظى بمكانة نافذة للغاية. هكذا كان اغتيال ضياء الحق ثم عبدالله عزام ثم جميل الرحمن ثم.. إلى ما لا نهاية.

في بشاور دعاني إلى مكتب جميل الرحمن أصدقاء من طاقم مجلة “المجاهد” التي تصدرها الجماعة وكنت قد كتبت لهم عدة مقالات عام 1989. دعوني لحضور اجتماع موسع للاستماع إلى شهود حضروا الحادث أو كانوا قريبين منه جدا. حضرت واستمعت وكتبت معظم ما دار في الجلسة، وأثار ذلك حفيظة وشكوك العديد من السعوديين الذين حضروا الجلسة، وكنت الوحيد الذي يكتب وقتها.

في اليوم التالي دعوني أيضا لاجتماع حول مشاكل اختيار زعيم للجماعة حتى يخلف جميل الرحمن. وكان واضحاً في الجلسة أن ذلك شأنا سعوديا حكوميا بحتا وليس شأنا سلفيا ولا أفغانيا…

لكن المؤسف أن الأوراق التي سجلت فيها الجلسات، وكانت كل جلسة تستغرق عدة ساعات، قد فقدتها جميعها بعد ذلك بأشهر، وكانت تصلح لإعداد رواية بوليسية سياسية من الطراز الأول لو أنها كانت في يد كاتب محترف.

 

فلنأخذ مقتطفات من أوراقي التي سجلتها حول الأوضاع في ولاية “لوجر”- شمال غرب جرديز وجنوب كابل ــ في ديسمبرعام1991 :

(أجمع كومندانات لوجر على أن محافظاتهم قد تم تسليمها بخيانة واضحة وذلك في أعقاب فتح خوست. حزب إسلامي (حكمتيار) سحب معظم قواته النظامية (لشكر إيثار) حتى لا تنفرد كقوة لها قرار بعيدًا عن الحزب وخفض تعداد القوة وأبعد المعارضين.

وأثناء عيد الفطر (منتصف إبريل91) كان معظم القادة خارج لوجر. و”لشكرإيثار” إما في كونر لقتال جميل الرحمن أو مبعد مشتت ومستنزف القوى.

هاجمت القوات الحكومية وسيطرت تمامًا على مضيق “تنجي” والطريق الفرعي في صحراء “بابوس”، وأقامت طوقًا دفاعيًا لمنع تسلّل المجاهدين إلى تلك المواضع بحيث صار الطريق في مأمن).

 

– الإثنين 2 ديسمبر 91 :

تقابلنا في الثامنة مساءً مع أبوعبدالرحمن الكندي وأبوتراب المصري وتكلمنا طويلًا عن الوضع في لوجر. وكانوا عاتبين على عدم الاهتمام بها وتنشيطها قبل بدء عمليات جرديز. فهمنا الوضع هناك بشكل أفضل وقالا بأنه في الغد سيجتمع قادة لوجر في مكتب الكندي في “هيئة الإغاثة الإنسانية “. واتفقنا على موعد اللقاء في اليوم التالي، على أن أتصل بالشيخ جلال الدين، الذي كان في مدينة راولبندي منذ يوم السبت الماضي.

 

– الثلاثاء 3 ديسمبر91 :

حقاني وصل إلى ميرنشاه. سألحق به لتحديد موعد للقاء قيادات لوجر وأبوعبدالرحمن، الذين سيحضرون إليه هناك.

شرح لي أبوعبدالرحمن فكرتهم عن العمل ومتطلباته التي بدت متواضعة للغاية (500 شخص لكل برنامج لوجر) طلبوا أن يساهم الشيخ بعدد 300 مجاهد بكامل تجهيزاتهم. ناقشت أبوعبدالرحمن في تواضع العدد فقال بأنه زائد.

اقترحنا أن يكون العمل كلّه مترابطًا من جرديز إلى مضيق طيره إلى “محمد أغا” في لوجر، مع تواجد اتّصال لاسلكي مباشر بين قيادة لوجر وقيادة جرديز.

(سنرى لاحقًا كم كان هذا الاقتراح خطيرًا على بساطته، ولو أنه طبق لتغير موقف أفغانستان كلها. وهذا العمل كان في مقدور العرب أن ينفذوه بسهولة. واقترحت في تلك الأيام على أسامة بن لادن ومساعداه أبوحفص وأبوعبيدة أن يقيموا مركزًا للاتصالات بين جرديز ولوجر تحت إشرافهم لتنسيق العمل وشئون الإمداد، ولكن ذلك لم يحدث وعملت كل جبهة منفردة وبدون أدنى تنسيق أو تبادل معلومات، وكان الوضع العسكري مشرف على نهايته، بينما الوضع السياسي الجديد تشكله القوى المعادية لنا.

وكان في مقدور الجبهتين جرديز ولوجر لو أن بينهما مجرد تبادل معلومات أن ينتهي الوضع العسكري والسياسي لصالح المجاهدين بشكل كامل ونهائي، ولكن كم كان مستوانا تافها!!).

اقتراح آخر بحشد قوة العرب خلف المشروع، وذلك بالاتفاق مع قادة الاتجهات العاملة (القاعدة ـ الجماعة الإسلامية المصرية ـ جماعات المغاربة) وأخذ موافقة مبدئية منهم.

لكن ظهر اقتراح أقوى وافقنا عليه؛ بأن نحصل على موافقة نهائية على مشروع متكامل يتم وضعه بعد الانتهاء من استطلاع مضيق طيرة ومناطق لوجر (كنت مكلفا بهذه الفقرة).

 

تحميل مجلة الصمود عدد 193 : اضغط هنا

 

تجفيف التبرعات :

وضع التبرعات أصبح بائسًا جدًّا بعد فتنة كونار، وقنوت علماء السعودية في الحرم على القادة الأفغان، وإصدار الفتاوى ضدهم…

قال أبوعبدالرحمن الكندي: إن أمرًا رسميًا باكستانيا صدر إلى هيئات الإغاثة الدولية بعدم عبور الحدود إلى أفغانستان ـ وأن الجميع وافقوا ماعدا الفرنسيين الذين عارضوا علنا وقالوا: سندخل إذا كانت هناك حالة إنسانية واحدة تستدعي مساعدتنا، (كان أحمد شاه مسعود هو المعني بذلك، فقد كان يحظى بعناية فرنسية خاصة).

قال أيضًا أبوعبدالرحمن أن عبور النفط عبر الحدود إلى داخل أفغانستان أصبح محظورًا ـ وأنه يهرب الآن بالبرميل والبرميلين. (يرتبط ذلك بمعركة جرديز ـ لأن للدبابات دور محوري في عملية اقتحام دفاعات المدينة من أي اتجاه، خاصة وأن للعدو حشود هائلة من الجنود والدبابات، فإذا لم يتوافر الوقود لدبابات المجاهدين على قلتها، فلن يكون الاقتحام ممكنا).

في المناقشات مع أبوعبد الرحمن وجماعة لوجر ظهر تفاؤل عام بإمكان نجاح البرنامج وفتح جرديز الذي سيضع المجاهدين في منطقة “محمد آغا”، أي على أعتاب محافظة كابول، وهذا سيجعل ولاية غزني منتهية تمامًا، ويهيئ المناخ في جلال آباد ويخلق حالة انهيار عام تلغي كل برامج التسوية.

(حدث هذا الانهيار العام بالفعل، ولكن برامج التسوية الدولية نجحت رغمًا عن أنوفنا؛ بسبب تقاعس العرب وتشرذمهم وعدم أهليتهم لمجابهة تلك المواقف الجسيمة، وأيضًا بسبب خيانات الأحزاب “الجهادية!!” الأفغانية والفساد الرهيب الذي اجتاح معظم كومندانات الداخل الأفغاني).

في جلسات مطوّلة مع حقاني في ميرانشاه يومي السبت والأحد (السابع والثامن من ديسمبر 1991) تناول حقاني العديد من النقاط الهامة التي شكلت مسار الأحداث الهامة فيما بعد.

 

سأورد نص ما كتبته في مفكرتي وقتها ثم أعلق عليه بعد ذلك.

خلال مقابلتي مع الشيخ حقاني يومي السبت والأحد، تكلم عن الضغوط الشديدة عليه حتى يوافق على زيارة برهان الدين رباني إلى موسكو، وبرنامج التسوية إجمالا، ولكنه أعرب عن رفضه القاطع لكل ذلك. وقال لمن يضغطون عليه: سنقاتل ونشكل مجالس الشورى وحكومتنا في داخل أفغانستان، وكل ما يتقرر خارج أفغانستان لن ينفذ على أرضها، وأن قادة الخارج (من المنظمات) لن يفيدكم الاتفاق معهم، وأن الأفغان لا يفرض عليهم شيء من الخارج.

قال حقاني: إنه في زيارته الأخيرة إلى راولبندي التقى مع الجنرال ” أسد دوراني” مدير المخابرات الباكستانية (ISI) وواجهه بهذا الكلام، ولم يرد عليه الجنرال بشيء.

الجنرال في لقائه مع الزعماء “الأصوليين” في بشاور عرض عليهم بنود التسوية الأمريكية فامتعضوا منها، ولكنه غضب وثار في وجوهم قائلا: “أنتم ترفضون كل شيء!! فما هو البديل لديكم ؟؟”. ولم يكن عندهم أي إجابة.

 

وأنا “أي حقاني” أقول أن الإجابة لدينا وهي:

ـ اجتماع مجلس شورى القادة الميدانيين خلال شهر.

ـ تكوين مجلس شورى موسع يمثل كل أفغانستان يضم إلى جانب القادة العسكريين والعلماء والمتعاطفين مع الجهاد من المهاجرين في باكستان وغيرها.

ـ مجلس الشورى الموسع هو الذي ينتخب حكومة البلاد.

 

ثم تناول حقاني في حديثه معي الوضع الحالي في مدينة جرديز فقال :

ـ في الشتاء سنحافظ على ماكسبناه في الصيف، ونحن نتوسع قليلا قليلا.

ـ معنويات الحكومة ضعيفة جدًا ـ ولكن أسلحتها كثيرة جدًا. والطعام قليل نسبيًا. ويشتكي كثير من الجنود من عدم وصول الطعام الذي يصل بالهليوكبتر ويوزع بالواسطة على المحاسيب وأعضاء الحزب.

ـ لم تنجح القوات الحكومية في انتزاع أي نقطة من أيدينا رغم أن طريق الإمدادات من كابول مفتوح.

– ثم قال حقاني: إنه يعتقد أنأ     أنأألالالا    أنااااأن جرديز لن تصمد إلى الصيف القادم ورحب بمشاركة العرب في برنامج الطريق (قطع الاتصال الأرضي بين جرديز وكابول).

– ثم قال حقاني: إن هناك معلومات وصلته (لم يكشف عن مصدرها) تفيد بتواجد مجموعات إرهابية عربية أرسلتها دول عربية منها ليبيا والعراق، مهمتها اغتيال الزعماء الأفغان (!!!).

– وفي الأخير قال: إنه ينوي إرسال وفد إلى لوجر للتفاوض مع الكومندانات هناك بشأن عمليات عسكرية مشتركة.

 

ما جاء في أحاديث حقاني المطولة يحتاج إلى تعليقات مطولة لخطورة تأثيرها على ما تتابع من أحداث في أفغانستان:

– معارضة القادة الأصوليين لما عرض عليهم من أفكار التسوية كان مرجعه إلى تكتيكات تساومية لرفع نصيبهم المالي أولا ثم السياسي ثانيًا. وقد أسفرت تكتيكاتهم تلك إلى فوز سياف ومجددي بمبلغ مئة وخمسين مليون دولار دفعه لهما مدير الاستخبارات السعودي تركي الفيصل، كأتعاب لقاء جهودهما (الإسلامية المباركة) في تشكيل حكومة وفقا للشرائط الأمريكية!!.

وتلك كانت صفقة واحدة من صفقات خاض غمارها المتطرفون والمعتدلون، وخسرت قضية الإسلام في تلك البلاد، حتى ظهرت الإمارة الإسلامية. (راجع القصة في كتاب صليب في سماء قندهار).

مجلس شورى القادة الميدانيين؛ مبادرة طرحها ونفذها حقاني بمعاونة عدد من العلماء المجاهدين، والقادة الميدانيين المخلصين. وكانت مشروعًا لحل إسلامي حقيقي في أفغانستان ولكن المشروع فشل في تحقيق أهدافه، وإن كان حقق بعض الإنجازات التي لم تكن جوهرية. السبب في الفشل هو أن التنفيذ جاء متأخرًا، وأن القادة الميدانين في أغلبهم كان قد ضربتهم موجة الفساد والقدرة على المتاجرة بكل شيء، والفوز من أي فكرة جديدة تطرح، بغنائم يستخلصونها بمهارة فائقة اكتسبوها خلال سنوات من “التجارة الجهادية”.

(من أجل ذلك كانت معاملة الإمارة الإسلامية “94ـ 2001م ” معاملة خشنة جدا مع الكومندنات، وسحبوا الأسلحة والسيارات من أيديهم، إضافة إلى أي مقتنيات مشكوك في كونها من أموال الجهاد. فهرب كثير منهم إلى باكستان، وعاد الكثيرين مجندين للقتال تحت الراية الأمريكية ).

– (مجلس شورى موسع يمثل البلد كلها هو الذي يختار الحكومة). مازال ذلك أملا بعيد المنال لم يستطع المسلمون تحقيقه. والديمقرطية التي فرضتها أمريكا على أفغانستان، أحضرت لها الرئيس كرازي وأدخلته أفغانستان على ظهر طائرات القوات الخاصة. ثم حصلت له على شرعية دولية في مؤتمر بون. وتوالت التركيبة الديموقراطية على هذا المنوال. وفي العراق ما حدث كان أدهى وأمر، والقتل اليومي مازال متصلا منذ سنوات…

والأمم المتحدة انحدر دورها وأصبحت أداة أمريكية لقمع الشعوب والتدخل في شؤونها وعقابها وشن الحروب عليها وحصارها… بل إن المنظمة الدولية قدمت دعما لوجستيا وسياسيا للمعارضة المسلحة، وعملت في تهريب الأسلحة إليها وإخفاء المطلوبين والمطاردين أمنيا من جماعة الشمال داخل كابول.

وتغاضت المنظمة عن تدخل دولي وإقليمي مكثف في القتال الداخلي ضد الإمارة الإسلامية ولصالح الشماليين، كما تغاضت عن مجازر جماعية بشعة تعرض لها رجال الإمارة والبشتون في مزار شريف عام 1997، وفي فترة الحرب الأمريكية وما تلاها.

وحتى عندما شكلت أمريكا حكومة المجاهدين بعد انهيار النظام عام 1992 كان أول ما فعلته الأمم المتحدة هو التخلي عن برامج إعادة إعمار أفغانستان وتركها لمصيرها تحت وطأة الفوضى الضاربة والتدخلات الإقليمية من كل صنف.

– ولم تحصل أفغانستان على تعويضات حرب من الروس، بل أرغم القادة الأفغان على تبرئة الروس من كل التبعات والتعويضات تحت دعوى (أن الشهامة الأفغانية تأبى ذلك) على حد قول برهان الدين رباني أثناء زيارته “التاريخية” لموسكو، والذي كان حقاني معارضا لها كما جاء في مقدمة حديثه. وقد لاقى وفد رباني إلى موسكو معاملة مهينة للغاية. ولكنه عاد ليقول إنها كانت انتصارًا ـ متشبها في ذلك بالزعماء العرب وانتصاراتهم في خيارهم الاستراتيجي للسلام مع إسرائيل.

– تقييم حقاني للوضع العسكري في جرديز يستحق الالتفات وقد أكدت صحته الأحداث التالية ـ سواء من ناحية المعنويات المنهارة للجيش أو ضعف إمدادات الطعام أو كثرة الأسلحة، بل تكدسها الرهيب ـ في يد القوات الحكومية.

أثبتت الأحداث أن نظام كابول دفع بكل احتياطية الاستراتيجي من القوات والمعدات إلى جرديز لمواجهة الخطر الداهم القادم في خوست بكل العنفوان والثقة بالنفس.

فكانت الغنائم من المعدات والذخائر التي حازها المجاهدون بعد استسلام جرديز فوق تخيلهم بمراحل. وسوف نرى الطريقة التي سقطت بها محافظة “لوجر” في يد أحمد خضر “أبوعبدالرحمن الكندي” وعدة عشرات من المجاهدين، وبدون قتال تقريبا. فوراء جرديز لم تكن هناك أي قوات سوى تلك التي تحقظ أمنيات العاصمة كابول. كان النظام ساقطا فعليا ولديه نقطة واحدة فقط في كل البلاد يدافع عنها هي جرديز، والباقي مهيأ لصفقة دولية. لو أن هناك قيادة جهادية -لا نقول تشمل أفغانستان كلها- بل تشمل ولو محافظتين منها فقط هما باكتيا ولوجر؛ لكان تاريخ أفغانستان والعالم قد تغير

لكن الذي تنبه إلى حقيقة السقوط الفعلي للنظام وأنه أصبح كيانا أجوفا تماما، كانت أسوأ عناصر أفغانستان. أحدهما يقود أسوأ ميليشيا شيوعية في تاريخها وهو عبد الرشيد دوستم (عمل رئيسا لهـيئة أركان الجيش الأفغاني تحت الاحتلال الأمريكي!!) والآخر كان أكثر القيادات الميدانية شهرة وانتهازية وهو أحمد شاه مسعود. تحالف الإثنان واستوليا على مزار شريف ومنها بالطائرات إلى كابول كي تبدأ أفغانستان مرحلة انحدار جديدة.

وينبغي هنا ملاحظة أن الاتحاد السوفييتي قد انتهى رسميا في 25 ديسمبر من ذلك العام 1991. وأن دول الاتحاد بدأت تستقل عنه منذ الانسحاب السوفييتي من أفغانستان عام 1989. وحصل الجميع على حريتهم بمساندة أمريكية أوروبية، ولكن الجميع تكاتفوا على الشعب الأفغاني الذي حرر العالم من الشيوعية، وحرمانه من حريته، بل وتدميره بالمعنى المادي والحرفي للكلمة..

ولم يفز أي شعب إسلامي كان تحت الاحتلال السوفييتي أو نظام شيوعي بحريته سواء في أفغانستان أوالشيشان والبوسنة ودول آسيا الوسطى الإسلامية وحتى اليمن الجنوبي.

كان ذلك تطبيقا لسياسة محاربة الإسلام التي تبنتها أمريكا وحلف شمال الأطلنطي مباشرة بعد إتمام الانسحاب السوفييتي من أفغانستان.

الأزمة الغذائية التي تعاني منها قوات جرديز في الشتاء كان يعاني منها الشعب في روسيا نفسها. وأجواء الانهيارفي كابل، كانت موسكو تعاني ما هو أكبر منها. ولكن هناك مجهود دولي مكثف لإنقاذ موسكو من الانهيار الشامل، إذ يكفي وقتها انهيارا كبيرا واحدا.. وقد تم الإعلان عن تدفق مليارات خليجية من أموال البترودولار لإنقاذ موسكو وتشجيعها على المضي قدما في تفكيك إمبراطوريتها ونظامها المنافس، بل وجميع طموحاتها الاستراتيجية، لصالح القطب الأوحد الأمريكي ونظامه الدولي الجديد.

– أما المعلومات عن إرسال مجموعات إرهابية عربية لاغتيال الزعماء الأفغان. فمصدر الإشاعة معروف، فهم إما الباكستانين أو السعوديين.

والأرجح هو الاحتمال الأول حيث أن حقاني قد عاد للتو من لقاء مع الجنرال “دراني” مدير الاستخبارات..والهدف من الإشاعة معروف، وهو ضرب إسفين في العلاقة بين المجاهدين العرب والمجاهدين الأفغان ـ خاصة بعد حادث اغتيال الزعيم السلفي جميل الرحمن.

وحيث أن العرب لم تجتذبهم فتنة كونر بل تجنبوها ـ شأن أكثر المجاهدين الأفغان البعيدين نسبيا عن تأثير أحزاب بشاور “الجهادية!!”، وحيث أن الفتنة لم تنتقل إلى جبهات أخرى في أفغانستان بين كل من هو “حنفي أفغاني” ضد كل من هو “وهابي عربي”؛ فإن أضعف الإيمان هو بذر الشكوك في الصفوف، فيصبح كل مجاهد عربي هو إرهابي محتمل، وكل قائد في الداخل يستبعد مَن عنده من عرب خشية الاغتيال.

ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. فتحول العمل ضد العرب المجاهدين في أفغانستان إلى وسائل جديدة، إلى أن بدأت حملة المطاردات والاعتقالات ضدهم في باكستان عام 1993، حتى تم اقتلاعهم من أفغانستان وقتلهم وسجنهم ومطاردتهم في صحاري العالم وذلك في حرب عام 2001م (حسب نبؤة بوش الأب).

 

تحميل مجلة الصمود عدد 193 : اضغط هنا

 

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world