زفرة قلم (1 الي 4)

زفرة قلم

 

1:

مع بداية فكرة الدخول التركي إلى المناطق المحررة واختلاف الناس حول ذلك بين مؤيد ومعارض؛ حينها كانت لا تزال بعض الجماعات الجهادية في أوجها “جندالاقصى” “حراس الدين” والهيئة طبعا التي كانت لا تزال تحتفظ بطابعها الجهادي الاسلاموي؛ ولدت فكرة نحتها شابين امضيا في سوريا قرابة 4 سنوات؛ تهدف إلى النظر بعين بعيدة المدى إلى التحولات التي يمكن أن تطال الواقع وتنعكس بذلك على مصير المهاجرين هناك خاصة العنصر المغربي الذي ننتمي اليه؛ اعتقد ان مسارنا تميز بطابعين مهمين:

الإصرار على الفكرة والعمل عليها بما يمكن، وعدم التدخل في ما يتعلق بشؤون الآخرين؛ بدا الأمر غريبا حينها عندما تم الإعلان عن تلك الرؤية وبدأت النظرات ترمقنا بتوجس؛ قائلة من انتم؟ وكيف طرحتم هذا الأمر الغريب في بيئة تحكمها الأدبيات الجهادية التي ترتكز على مبدأ المفاصلة مع الحكومات العربية ومنها المغرب طبعا، كنا نرى وقتها ان التحولات قادمة وأن الدول هي من سيدير الشان وليس لتلك المجموعات الا الرضوخ فكان السؤال حول ما ينتظرنا كمغاربة في ظل هذا المعطى الجديد؟ ولا ننسى ان معظم الشباب ترافقه أسرته وأبنائه؛ كان الخيار الوحيد لدينا هو ان نخاطب المملكة ونرى ماذا يمكن أن تقول حول هذا الأمر، بطبيعة الحال كان الحلقة تضيق علينا شيئا فشيئا بسبب لوبيات كثيرة وبعض المتحمسين ممن لم يسبق لهم خوض تجارب سابقة، ترى في ما نحن بصدده شيئا مرفوضا مع العلم انه يخدمهم ولا يضرهم في شيء، كان هذا السلوك مدعاة للاستغراب حول من يمكن أن يكون وراء هؤلاء؛ تابعنا المشوار  وبدأ يتوافد علينا بعض الأشخاص ممن اشتهر بين الشباب انهم “سياسيين” -ومهتمين بما يمكن أن يقع من معضلات وأسئلة حول التطورات التي عاصروها هناك –  في اجتماع مغلق ارادوا به أن يأخذوا الفكرة ويطبقونها وفق لا أدري ولكن بالتأكيد ليس ما كنا نحن نريد بعد أن يحددوا شخصا من طرفهم تسند إليه مسؤولية الأمر برمته ونبقى نحن تحته؛ طبعا لم نقبل ما قدموه من وجهات نظر  وانفض الجمع ولم نتقابل معهم بعدها، لا شك أنه جرت مياه كثيرة تحت الجسر كل يصفنا بما يرى: وكثر اللغط حول الموضوع؛ اذكر انه في أحد الأيام زارنا أحد الشخصيات(مغربي) الشرعية على خلفية ما انتشر حولنا من فكرة فتح حوار (مغربي مغربي) مع البلاد، وكان الجميع ينتظر بدء اللقاء الذي اقل ما يمكن ان يقال عنه انه جمع خليطا غير متجانس من ذوي الأفكار والتوجهات والطباع، -بدى لنا هؤلاء اشبه ما يكون بالمحققيقين اكثر منهم اناس يبحثون عن حلول بحيث من عاش السجن سيدرك ما اقصد علما انني لست ممن عاش تجربة شبيهة – قمنا بطرح الفكرة في ذلك الجمع وشرح حيثياتها والبدائل عنها ومدى موافقتها للشرع كل ذلك سار بشكل منطقي في نظرنا ونظر بعض العقلاء وآخرين ربما لم يستطيعوا إبداء موافقتهم خشية التصنيف..

 

2:

كنت حينها اشتغل في المفصل السياسي والاعلامي للهيئة مع ابو عائشة الذي تناهى الى سمعه فكرة ما أقدمنا عليه من طرح موضوع فتح الحوار، فراسلني أن هذا الأمر لن تجنو منه شيئا وأننا لا نقبل ان يتخذ شخص معنا خطوة كهذه دون الرجوع إلينا؛ طبعا الرجوع يعني ان تقبل ما سيقولون دون اعتراض مما يعني إلغاء الفكرة برمتها والسير معهم كما هو حال المغاربة الذين بقوا معهم ..

بدأت اعيش جوا من الاستقلالية بعد ما تركت جماعة “هتش” عقب ما دار بيننا، انتهى بتشبت كلينا برأيه، قمنا  حينها نركز على الكتابة والنشر حول ما يمكن أن يعكس ما نريد، تنوعت المواضيع التي تناولنها: فكرة قانون الارهاب؛ الثورات وطبيعتها؛ الفكر السلفي؛ الثورة السورية ومالاتها…؛ طبعا كان ينقصنا وقتها منصة إعلامية نعتمد عليها في إيصال ما نريد على أوسع نطاق والى شرائح اجتماعية أكبر، كنا تريد تجاوز تلك الدائرة الضيقة التي كنا ننتمي إليها..

تبين لنا اننا لم نعد نخدم تلك القضية التي خرجنا لأجلها لقد اختلطت الاوراق وكان من الصعوبة بمكان أن تميز القرار الذي يضمن حفاظك على نفسك وعلى عائلتك وتبعات ما طالنا من إدراج في قانون الإرهاب بعد ما صادق البرلمان على تجريم السفر إلى بؤر التوتر، بدأ شعورنا يتزايد حول حجم المأزق الذي يحيط بنا، فالسوريون(الجماعة) بعيدون ولا يتفهمون كل هذا لسان حالهم : “جئتم لتموتوا فلتموتوا” لا أنسى اننا حاولنا ان نخاطب أغلب الوجوه الإعلامية والدعوية التي كانت وقتها ولكن دون جدوى، قابلونا ببرودة ولا مبالاة لنعود ادراجنا حيث يسير القطيع!

قمنا بمراسلة أحد الوجوه الجهادية التي لم نكن نعرفها قبل ذلك(مصطفى حامد)، تحدثنا معه عن طبيعة ما نحن بصدده والسياقات التي دفعتنا بهذا المسار تفهمنا الرجل وعرفنا لاحقا أنه يدير أحد المواقع الإلكترونية التي تهتم بالحركات الجهادية وتجاربها و تسعى لتصحيح ذلك  الفكر واخطائه، لا ننسى ما قدمه لنا فقد كان المنبر الذي يقوم بنشر المحتوى الذي نعمل عليه؛ قدم إلينا العديد من التوجيهات التي استفدنا منها؛ لا شك أنه كان ينقصنا الكثير شان البدايات تحوفها الأخطاء والعثرات لتكون بعد ذلك دروسا نتعلم منها ونتطور من خلالها..

 

3:

هدأت وتيرة الامور نوعا ما بعدما تناهى إلى الجميع ف الداخل طبيعة ما نشتغل عليه،  وأنه شيء نابع من قناعة شخصية ولا علاقة له بجهات خارجية دفعتنا اليه، انه استجابة واقعية لجملة من الظروف كنا ننظر إليها وهي تتشكل شيئا فشيئا؛ لقد قرأنا بكل تأكيد  وتحدثتا مع شهود عيان قدموا من هناك اجتمعنا معهم في مناسبات متكررة ما حدث للجيل الجهادي السابق في أفغانستان باعتباره المصدر الذي تفرعت عنه بقية الجماعات، عن الظروف التي مرت عليهم وما تعرضوا له من قلب ظهر المجن لهم، عن بيعهم في سوق النخاسة للامريكان من قبل الناس هناك ، عن المطاردات التي عاشوها عن كل ذلك… عن معاهدة “دايتون” في البوسنة، كنا نضع هذه الخلفية بمثابة دليل حي في منطلقاتنا..

بقي الحال على ما هو عليه بدأنا نلاحظ بعض الأشخاص الذين نعلم رفضهم لما نعمل عليه يقتربون نحونا بلغة ذات طبيعة ودية، كانوا بين الحين والآخر يوجهون أسئلتهم بشكل غير مباشر لمعرفة خلفياتنا وما قد يوجد خلف الكواليس ودوافع بروز هذا الطرح الغريب عن تلك البيئة، ومن أشخاص عرف عنهم نوع من الفهم والتطبيق للأفكار الجهادية قولا وعملا.

كنا نعمل في المفاصل الشرعية ونشارك في المجال العسكري ان كان رباطا في الثخوم او سيرا في المعارك، وبلا شك لم نكن نعلم اننا سننتهي إلى ذلك الطرح ولكن الله اذا اراد شيئا هيأ له أسبابه؛ اعتقد ان الشرارة بدأت من خلال أحد الحوارات العابرة على ناصية أحد الشوارع المعروفة لدى الشباب الذي عاش التجربة هناك(شارع الكنيسة)، كان وجهة المغاربة بعد خروج جيش النظام من إدلب بحثا عن جو المدينة بعد سنوات قضوها في الأرياف والجبال؛ منطقة تجمع المسيحيين تعكس نوع من الاناقة والديكور يختلف عن طبيعة الأسلوب الذي عليه التجمعات المسلمة؛  سرعان ما تسابق الشباب لحجز تلك البيوت التي فر أصحابها منها خوفا من الوافدين الجدد والقصف الذي سيطال المنطقة بعد ذلك؛ حينها كنت أسبح داخل التيار الجهادي بحيث لم اتمكن من الوصول إلى السطح لأرى كيف تبدو الامور خارج المحيط الذي انا بداخله؛ كانت الكلمة التي علقت بذهني عقب ذلك الحوار على حافة رصيف تستفزني” لابد ان تسمع قول المخالف وتطلع على مايقول” اقصد المخالف للتيار الجهادي؛ بدأت بعدها بتوسيع دائرة الإطلاع والبحث فاكتشفت جوانب من النقد موجهة للمسار الذي كنت عليه كنت أقف على منطلقات ذلك النقد فبدأت تهتز لدي تلك اليقينيات والعقلية الديماغوجية إزاء الايديولوجية التي تأسست معالمها في اوربا كما ذكرت عن نفسي سابقا فيما كتبت حول سياق البناء الأيديولوجي.

 

4:

لم نكن نرغب في الارتباط مع تلك المجموعات كما ذكرت بعد ما استنتجنا عبث ذلك، لقد أردنا ان يكون الحل والعقد من طرف المعنيين بالأمر، ذلك الاستقلال في القرار والحزم في اتخاذ ما يعود على القضية بالمصلحة، كنا نرى المحارق تبتلع الشباب بلا مسؤولية كانت القيادة توكل الى الهواة في أغلب المجالات، تخبط إينما تولي وجهك في المجال العسكري أخطاء بالجملة لكن الفاتورة باهظة؛ ضياع شباب في عمر الزهور، ولا محاكم تحاسب ذوي التقصير، في مجال الدعوة ونشر ما يدعم الخط العام للثورة” تطبيق الشريعة وعدالتها” تسرع وتشدد وتدخل في خصوصيات الناس، من جهة اللباس المجتمع السوري بشكل عام متعود على نوع من الثياب في غالبه محترم دون تغطية الوجه، لكن المتحمسين ممن أوكلت إليهم بعض المجموعات الامر، تجدهم يعترضون سبيل المارة لأجل زجرهم عن كشف وجوههم، وايضا الزامهم بإغلاق محلاتهم اذا سمعوا الأذان…طبعا خلق هذا نوع من الاحتقان داخل النفوس -خصوصا والهزائم كانت عنوان تلك المرحلة – والنفور من كل ما يمت بمظاهر التدين لدى مجتمع حديث عهد بواقع أفرزته مدرسة البعث لأربعة عقود، ناهيك عن طبيعة الوضع( الفقر والبطالة والسرقة وانعدام الأمن..) في ظل حرب طاحنة لا تبقي ولاتذر…

استحضر في هذا السياق واقعة “معمل الغزل” يقع على حافة ادلب من الجهة الغربية حولته هتش حينها إلى مقر تجمع المقاتلين، كان الصراع في أوجه مع جماعة الدولة،  فقد سقطت الرقة وريف حماة استسلمت عناصرهم بكاملها لفصائل المعارضة، كانت ادلب تعج بخلاياهم التي ارعبت المنطقة بسلسلة من الاغتيالات عن طريق زرع العبوات في المسالك والطرقات، أعلنت “هتش” الاستنفار لجنودها ضد أحرار الشام التي كانت تريد انتزاع ادلب منها،  ومن جهة أخرى أفراد الدولة، كنت هناك في شارع  الكنيسة فجأة توقفت سيارة بيكأب كانت تقل عنصرين مغربيين يعملون لدى هتش في المفصل العسكري  واذا بهم يطوفون حول المغاربة الذين صدف تواجدهم هناك بدعوى تهديد الأحرار باجتياح المدينة وتقديم الوعود لهم بالحصول على الغنائم دون عناء لسهولة المهمة، طبعا في تلك الفترة ابتعد أغلب المغاربة عن جو الانتظام داخل المجموعات لما عاينوه من انحرافات تخالف قناعاتهم، ولكن استطاع المحرض ان يجمع حوله بضعة منهم، انطلق بهم إلى حيث تتجمع المقاتلة ” معمل الغزل”  للاستعداد للمعركة، بعدما أخذوا أحد المقرات هناك، زارهم أحد الأشخاص قادما على دراجته النارية متجاوزا حارس البوابة لا أدري كيف! كان ذا متوشحا لثاما يخفي به وجهه ويسأل من يلتقي به من السوريين ف الداخل عن مكان تواجد المغاربة _ربما بسبب دخول أفراد منهم مع هتش في قتال الدولة_، بعد ما استدل على مكانهم توجه قاصدا غرفتهم التي كانت تضم زهاء عشرة أشخاص، واذا به يدخل عليهم ملقيا التحية، بدى الامر غريبا لدى الشباب واحدث في نفوسهم توجسا منه، لكنه لم يمهلهم واذا به يرتدي حزاما ناسفا عازما على تفجيره بينهم، لاحظ أحدهم شرارة تنقدح، ثوان وقد كان أمر الله مفعولا، قتل أغلب المتواجدين هناك ونجا بأعجوبة اثنان منهم تبين لاحقا ان جماعة الدولة هي من قامت بذلك ثارا لما قامت به هتش.. رحم الله ابو عبد لقيوم لقد كان اخر عهدي به قبل مقتله عندما كنت منشغلا بتغيير محل إقامتي فهو من ساعدني في نقل أغراض البيت وتحميلها في السيارة حتى اتفاجا في اليوم التالي والطارق يطرق الباب والهاتف بيده قائلا هل تدري من قتل؟ فتح الصور واذا بالوجوه التي رأيتها أمس ملطخة بالدماء والشظايا، حز في نفسي ما حدث خصوصا ومعظم أولئك من أبعد الناس عن الانسياق وراء تلك الهبات، فهم الذين ما خرجوا الا لقتال قوات النظام السوري بعد الظلم الذي شاهدوه واذا بهم يتورطون تحت الدعاية واستغلال فاقتهم وحاجتهم لما يمكن أن يصيبوه من بعض الفتات لقتال الفصائل حتى يبقى الجولاني في سدة الحكم.

لم يكن الهدف تجميع الشباب حولنا وإنشاء شيئ أشبه بالجماعة، بل محاولة تغيير رؤية المغاربة إزاء تطورات الوضع، أستطيع توصيف الامر بخلق صراع نفسي بين القديم والجديد، الجديد الذي سيتسبب في قلب موازين المعادلة، فأغلب من قفز إلى السطح منهم(اللوبي المسيطر) سيدق أجراس الإنذار ويعارض هذا الفكر الذي يركز على أطروحة إيجاد حل لما هو قادم وهو من أبعد الناس عن طرح حل او السعي في الوصول اليه، الدخول في قتال الفصائل وقد تورط فيه من عارضنا، العمل من أجل الأتراك دون مكتسبات، المغاربة هم من يرابط ف التركمان وتركيا مستفيدة من ذلك بل كل مغربي يرابط او يقاتل هناك فهو خادم المشروع التركي ومع ذلك لم يتم توظيف الأمر لاقتناص فرصة تأمين المغاربة في حال خروجهم من سوريا، عدم وجود مشاريع اقتصادية والعمل على توفيرها لسد حاجة المعوزين والمرضى دون شرط…إعداد برنامج متكامل يتم تقديمه إلى البلاد يتضمن: توثيق الأطفال الذين ولدوا في سوريا، تسهيل عبورهم إلى المغرب، انشاء صندوق مالي خاص بنفقات كل ذلك…لا يمكن أن يبقى المغاربة  هناك ف التطورات تشير إلى أن المقايضة السياسية تعني ضرورة اخراجهم، حينها ستزداد الأمور تعقيدا..

 

بقلم:  أديب أنور

المصدر :

مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world