33 استراتيجية  للحرب -3- (استراتيجية الموازنة)

سلسلة مقالات 33 استراتيجية  للحرب -3- (استراتيجية الموازنة)

بسم الله الرحمن الرحيم

في خضم الاضطراب لا تفقد حضورك الذهني

3- استراتيجية الموازنة

عندما يحمى الوطيس يفقد بعض القادة اتزانهم؛ تحت تزاحم الأحداث:

نكسات غير متوقعة .. شكوك حلفائك وانتقاداتهم .. هجمات الإعلام ..

لسعات المرجفين والمثبطين .. اهتزاز الصفوف .. شك الجنود .. التحول للرد

العاطفي ( بخوف .. بإحباط .. بيأس …الخ ) خطير جدا ..

قاوم هذه اللحظة ودعها تمر وانتصر عليها .. قاوم الثقل العاطفي ..

دع الإخرين يفقدون صوابهم .. حضور ذهنك يحررك من تأثيرهم

ويبقيك على المسار الصحيح ..

تمهيد:

عند إعداد الخطة .. يصاب بعض القادة .. بحالة من التردد والقلق .. السبب في ذلك: الخوف من ارتكاب خطأ .. وما سوف يلحق بهم بسببه .. أمثال هؤلاء الذين يضعون أسمائهم نصب أعينهم .. سيتيهون في دوائر لا نهاية لها .. يفقدون قدرتهم على اتخاذ القرار .. فهم يرون المشاكل في كل مكان .. والهزيمة في أصغر انتكاسة .. يتراجعون ليس انطلاقا من الصبر .. بل من الخوف .. غالبا ما تكون لحظات التردد هذه سبب دمارهم ..

بعض القادة على النقيض من ذلك تماما .. يشتركون مع سابقيهم في وضع أسماءهم نصب أعينهم .. لكنهم لا يبالون بالإعداد المحكم .. يكتفون بالعمل وفق ما يطلبه المتابعون .. وأحيانا الممولون .. وأكثر من ذلك من يأتمرون بأوامر حلفائهم لتحقيق مصالح ترجع بكامل الفائدة للحليف .. وإن بدت أنها في صالحهم .. أمثال هؤلاء باعوا القضية: لحظوظ أنفسهم .. للمتابعين .. للممولين .. للحليف .. وقد لا تطرف أعينهم مما تسببوا فيه من كوارث .. وهم أبعد عن التردد من سابقيهم ..

القيادة الحقيقة التي لا تعاني من اضطراب في المواقف الصعبة .. ولا تقامر بإمكاناتها وأفرادها وفق حسابات خاصة .. هي القيادة الربانية .. التي تضع الله نصب أعينهم وفي ضمائرهم .. هذه القيادة التي تأخذ بالأسباب في عالم الأسباب .. وترتقي بإيمانيات جنودها وتربطهم بعالم الغيب .. هذه القيادة التي ترفع أيديها تضرعا لله في أحلك المواقف .. وتضع جباهها شكرا لله في مواطن الشكر .. هذه القيادة التي تربت على نكران الذات .. ونسبة النصر إلى من بيده النصر .. يصعب أن تراهم في موقف تردد أو تبجح .. فهم ثابتون كالجبال لأن أمرهم كله لله ..

إحسان التوكل على الله .. التصميم .. ثبات العزم .. التركيز على الخطة .. الحضور العقلي .. اتزان العاطفة .. الحذر في موضعه ( عند التحضير للمعركة .. ودراسة العدو بعمق ومعرفة مكامن القوة ونقاط الضعف وتوقع نواياه .. ومعرفتنا للثغرات التي في خطتنا والتي قد ينفذ منها العدو ووضع خطط مرنة للتغلب على الثغرات …الخ )  .. الأخطاء واردة لكن يمكن تصحيحها برباطة الجأش .. وقوة العزم .. ونفاذ البصيرة .. وهذا يتأتى بحسن الاستعانة بالله ..

 

انتبه:

تؤثر الحواس على العقل بشكل أكثر حيوية مما تفعل الأفكار .. حتى ذاك الذي خطط للعملية العسكرية ويراها الآن وهي تنفذ يمكن أن يفقد ثقته برجاحة أحكامه .. لدى الحرب طريقة تقنع بها الحلبة بمشهدية مختلطة بالأطياف المرعبة .. ما أن تتم إماطة هذا القناع .. وتنجلي الرؤية في الأفق .. فإن تطورات الأحداث ستؤكد له صحة قناعاته السابقة .. هذه واحدة من الهوات الكبرى بين التخطيط والتنفيذ .. كارل فون كلاوزفيتز – فن الحرب ..

عند التخطيط تكمن المهارة في معرفة ما تريده بالضبط .. لا يجب أن تكون هناك مناطق معتمة بين التخطيط والتنفيذ .. الثغرات وحتى الانتكاسات يجب أن تكون متوقعة وتم وضع بدائل لعلاجها .. وحتى المفاجئة منها يجب أن تكون مستعداً للتجاوب معها .. الشلل الفكري هو طريق لا تسير فيه .. واستفسارات وتشككات المحيطين بك تملك لها إجابات .. والحذر المبالغ فيه والمغالاة في التفاصيل متاهة لن تخرج منها .. وقديما قيل: إذا كانت مهمة ربان السفية هي الحفاظ عليها فليبقها بالميناء .. ولكن مهمته أن يبحر بها ويجتاز المخاطر ليصل للساحل سالماً ..

ترك المخاوف تتراكم هو تأهيل للهزيمة .. عناصر كثيرة تمنحنا الشجاعة والثبات أهمها اليقين بما عند الله .. قدرتك على استعادة روح المبادرة لا تأتي بسعة الاطلاع هذه المهارة لا تأتي إلا عبر الممارسة والتجارب .. بجملة واحدة أعاد رسول الله صلَّ الله عليه وسلم الأمور إلى نصابها بعد مؤته .. قال الناس يا فرار فررتم في سبيل الله .. وقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله ..

الصراع النفسي بعيداً عن أدوات القتل .. بين قائدين يحدقان في بعضيهما من بعيد .. يستدعي قدراً من المهارة لترى الخصم على حقيقته .. انزع عنه ألقابه الإعلامية .. واجه الشخص لا الدعاية .. حصن جنودك ضد الكثير من هذه الأوهام .. ولا تهمل أو تتهاون أو تسيئ تقدير خصمك .. أنت تتعامل مع سيف ذي حدين: الواقع والدعاية .. وضع الأمور في نصابها يكسر الهالة النفسية والدعاية الإعلامية ..

لكي تستجيب مع الأحداث بصورة أسرع وتحفز في داخلك ذلك الإحساس الحدسي .. ورد الفعل الناضج .. يجب عليك أن تكون عالما:

بالأرض التي تصارع عليها .. وبميدان القتال الذي تخطو فيه .. والاحساس بروح الرجال والأشياء والنفاذ إلى أعماقها بدلا من الاكتفاء بالنظر إليها من الخارج .. علمك بما تحت يديك وما يمكن أن تحققه فعلا على الأرض .. دراسة العدو وقدراته تجعلك تتبع التكتيك المناسب أو تبتدع الحيل الناجحة .. القدرة على شحن المعنويات وربطها برب السماء ..  يقينك بالرسالة التي تحملها وحرصك على التضحية من أجلها وإنكارك لذاتك وعلمك بأن الله هو الذي يختار من يفتح على يديه .. يحصنك من أوهام الزعامة وما تصيب مرضاها من شلل عقلي يحد من حدسها الصحيح ومرونتها على رد الفعل الناضج ..

بقلم  : عابر سبيل

المصدر:

مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world