جلال الدين حقانى .. العالم الفقية .. والمجاهد المجدد 29

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

مجلة الصمود الإسلامية |  السنة الخامسة عشرة – العدد 180 |  جمادى الآخرة 1442 ھ – يناير 2021 م . 

31-01-2021

حقاني: العالم الفقيه والمجاهد المجدّد (29)

وفشل الانقلاب المنتظر!!

 

– حقاني يقول لإذاعة غربية: إنها ليست حرباً قومية بل هي حرب إسلام وكفر.

– كانت جلال آباد أسوأ موطن “لتجارة الجهاد” التي مارسها عدد من العرب الذين سبحوا بمهارة فوق برك الدماء العربية.

– قبل الانقلاب “المنتظر” بفترة وجيزة كان قد قُتِل خمسة من العرب اغتيالاً في جلال آباد، ثم طُلِب من زملائهم القصاص لقتلاهم ففعلوا، فبدأت الدورة الشيطانية بطلب الثأر.

– العجزعن حسم أي موقف عسكري حَوْلَ المدن المحاصرة ليس عجزاً واقعياً بل هو عجز مصطنع تُسْأل عنه القيادات الأفغانية قبل غيرها.

– كان حسم معركة خوست عسكرياً يعني سقوط النظام بالقوة، ويعني فشل الخطة الأمريكية السوفيتية لعلمنة أفغانستان.

– حكمتيار يطلب من حقاني وقف العمليات الهجومية على خوست لأن المدينة سوف تستسلم لرئيس الأركان المنقلب شاه نواز.

– حكمتيار يعرض على حقاني اقتسام المدينة سويا بعد استسلامها، وحقاني يرفض.

– حقاني يحذر حكمتيار بأنه لن يقبل بأي مشاركة للشيوعيين في حكم خوست، وأنه سيعامل من يتحالف معهم على أنه واحد منهم.

– المجاهد “الشهيد” سيد جمال الدين، كان لديه القدرة على أن يصيب بصواريخه الثقيلة أي هدف في خوست بدون الاستعانة بخرائط أو معدات توجيه.

– المئات قدموا من ميرانشاه بالسيارات لنقل الغنائم، وتكدسوا أمام مركز خليل فلم نستطع مقابلة حقاني.

تحميل مجلة الصمود عدد 180 : اضغط هنا

 

في يوم الثلاثاء 6 مارس 90، وقع وفشل الانقلاب المنتظر في كابل. ولا أعلم انقلاباً قبل ذلك كان الجميع يتحدث عنه، وعن التداعيات المتوقعة للأحداث المترتبة عليه، وكأنه في الحقيقة كان مَخْرَجاً للأزمة.

أزمة وقع فيها الحل الدولي القاضي بتكوين حكومة مشتركة مزدوجة الولاء للكتلتين الدوليتين معاً. كان نجيب الله في كابل مرحباً بالفكرة التي تضمن له البقاء والاستمرار، وأحزاب بشاور “الجهادية” مرحبة بالفكرة (سراً) لكونها ستحقق أملاً طال انتظاره وهو لعب دور عمالة سياسية من فوق كراسي الحكم في عاصمة بلادهم، وليس مجرد عمالة لاجئين سياسيين واقعين تحت الإذلال حكومة من الدرجة العاشرة هي نفسها تحت الإذلال الأمريكي.

وكانت المشكلة هي صعوبة قبول نجيب الله على المستوى الشعبي سواء من المهاجرين أو المجاهدين، فالرجل كأي رئيس لجهاز جاسوسية في العالم الثالث، ثم تحول إلى رئيس دولة، حَوَّل الدولة كلها إلى كابوس من الجاسوسية، فالذي لايعمل جاسوساً سوف يتعرض للتجسس عليه. والأكثرية تفضل أن تبيت ظالمة ولا تبيت مظلومة، والمجازر العسكرية زادت وتيرتها هي الأخرى وليس القمع البوليسي فقط.

ويبدو أن اللقاءات المتتالية بين جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي وريجان رئيس أمريكا أعطت جورباتشوف ترضيات ضئيلة في مقابل انحسار بلاده المريع في المجال الدولي، بعد انسحابها من أفغانستان. ومن أهم تلك الترضيات هي عدم إراقة ماء الوجه السوفيتي في أفغانستان نفسها، والحفاظ علي الرموز الشيوعية هناك ضمن أي تسوية قادمة.

وقد حصل جورباتشوف على ترضية مماثلة في اليمن، حيث طبقت نفس القاعدة هناك، وتم تزاوج غير شرعي بين يمن الشمال “القبلي” ويمن الجنوب ” الشيوعي” واستمرّ عدة سنوات إلى أن أفشله الشباب المسلم في اليمن عام 1994 وقضى على الشيوعية هناك وأبعدها عن السلطة السياسية في البلاد.

الأفغان استمروا في القتال حتى أفشل المجاهدون مشروع المشاركة في الحكم مع الشيوعيين. كانت أحد وظائف الانقلاب المنتظر ـ وكنتيجة لاقتسام السلطة ـ هو تمييع الأساس العقائدي للصراع في أفغانستان وكونه صراع إسلام مع كفر، هكذا بكل وضوح وبلا أدنى شبهة. كان ذلك منذ الأيام الأولى لحمل السلاح ضد حكومة حزب خلق الشيوعي. واستمر ذلك واشتد مع التدخل العسكري للسوفييت. وكانت الولايات المتحدة كعادة الغرب دائماً تخشى أن تضع الشعوب الإسلامية خاصة، علاقة الصراع بينها وبين الغرب في ذلك الإطار الواضح الصريح الذي هو في صالح الطرف الإسلامي وحده لأنه يستنفر فيه أسمى طاقات الدفاع عن الذات. وترغب أن تضع الصراع في صورة صراع حضاري أو اقتصادي أو ثقافي ولكن ليس عقائديا.

ولأجل تمييع الطابع العقائدي للمسلمين عامة، والذي تأثر بالطرح العقائدي للصراع في أفغانستان، كان لابد من التخلص من المجاهدين العرب الذين هم التجسيد العملي لطابع المواجهة العقائدية بين أمة الإسلام وأمم الكفر.

لذا بدأ برنامج أمريكي غاية في القسوة والهمجية والمكر في سبيل التخلص من هؤلاء المتطوعين العرب.

وقد رأينا مجهوداتهم عام 89 والتي كان أبرزها ترتيب مجزرة جلال آباد ثم اغتيال عبد الله عزام، رمز هذا التواجد ومُنَظِّره الديني. ذكرنا أن مجزرة جلال آباد التي بدأت عام89 قد استمرت تحرق الشباب العربي حتى نهاية الحرب عام 92. كان هناك تشجيع سعودي خفي بتوجيه الشباب نحو تلك المحرقة وتسهيل وصولهم إليها. وكان عملاء وجواسيس السعودية في المضافات المنتشرة في بشاور يرتبون “رحلات الموت” من بشاور إلى جلال آباد وتمول “معسكرات الجزارة”. وميليشيات عربية حقيرة من عملاء السعودية يقودون الشباب الجدد عديمو الخبرة إلى أقصر الطرق نحو القتل الذين أسموه شهادة رغم أنه مجرد جريمه قتل عَمْد مكتملة الأركان.

عدد من الشباب الانتهازي في جلال آباد تحولوا إلى أمراء، وصار لهم سيارات وأسلحة وذخائر، ومصادر تمويل، وسفراء يطوفون بالسعودية والخليج لجمع تبرعات من المحبين والمشجعين، وسفريات للحج والعمرة. ومثل كبار العملاء المحترمين، يستقبلهم عملاء السلطة وكبار موظفيها حتى صار لهؤلاء التافهين كينونة أدارت رؤوسهم فتمسكوا بها حتى الثمالة.

كانت جلال آباد أسوأ موطن “لتجارة الجهاد” التي مارسها عدد من العرب الذين سبحوا بمهارة فوق برك الدماء العربية.

ومنذ عام 90 بدأت حوادث ـ كانت قليلة إلا أنها تكررت ـ وهي حوادث اغتيال العرب داخل أفغانستان. وبعضها كانت جرائم مركبة، بمعنى أن مدبري الحادث الحقيقيون يلقون القبض على بعض المنفذين، ثم يطالبون من العرب القصاص لقتلاهم، وهذا يسعد العرب بالطبع.

ولكنهم لا يدركون خبث العملية، إذ أنهم بتنفيذ القصاص قد أصبحوا مطلوبين قبلياً للثأر. والقبلية لا تنظر إلى أن العملية كانت قصاص بل ترى أن عربياً قد قتل أحد أبناءها. فتوسعت دائرة قتل العرب، ورفضهم شعبياً وبعنف من جانب القبائل الموتورة.

وقد اضطر بعض العرب البارزين إلىمغادرة الساحة الأفغانية عندما اكتشفوا أنهم تورطوا بطيب خاطر في ثأر قبلي لايمكن تسويته، بينما كان يظن أنه ينفذ حداً شرعياً في قاتل أوشيوعي مرتد.. إلخ.

مؤامرات دبرها بعض الخبثاء العاملين في مخطط طرد العرب أو تصفيتهم. قبل الانقلاب “المنتظر” بفترة وجيزة كان قد قُتِل خمسة من العرب إغتيالاً في جلال آباد، ثم طلب من زملائهم القصاص لقتلاهم ففعلوا فبدأت الدورة الشيطانيه بطلب الثأر.

إذن فضرب المرتكز العقائدي للجهاد في أفغانستان كان ـ في نظري ـ الهدف الأساسي لذلك الإنقلاب المنتظر. ولكن من يجرؤ على عبور تلك الفجوة المخيفة التي تفصل ماهوعقائدي وأساسي وبين ماهو مخالف للدين والعقيدة ومصالح الشعب؟

مثل ذلك الدور، الذي وصفه الحقيقي هو الخيانة، تقوم به عادة زعامات صنعتها قوى خارجية وأكسبتها نجومية مزورة وأضفت عليها هالات من الجسارة والعبقرية، بحيث تجتذب قلوب شعبها.

فإذا حدث ذلك فإنها تقفز فوق الفجوة المخيفة، وتنتقل من البطولة المزيفة إلى الخيانة الحقيقية، وبحيث يبدو ذلك إنجازاً وبطولة جديدة من جانب معظم الغوغاء. أمّا من يعترض على سحر البطولة المزيفة فيبقى معزولاً بحيث يسهل القضاء عليه من جانب “بطل الحرب والسلام” الذي صنعته دعاية الأعداء كي يقوم بالقفزة البهلوانية الخطرة.

هكذا فعل أتاتورك في تركيا، البطل المزور في ميادين الحرب الاستعراضية ضد الإنجليز، فسجد له الشعب التركي كبطل حرب مستحيلة، فقفز أتاتورك وأدي دوره الأساسي، فضرب الإسلام في مهد الخلافة العثمانية، وأعلن علمانية أشد كفراً من صليبية أوروبا.

وهكذ فعل السادات ـ بطل حرب أكتوبر ـ الذي كان في الحقيقة خائنها الأول. فبعد إضفاء هلات البطولة المزورة قفز هو الآخر وأدى حركته الخطيرة والأخيرة، وعبر بمصر والعرب من خانة العداء لإسرائيل، إلى خانة الانبطاح بجدارة تحت أحذية إسرائيل وأمريكا.

أما أفغانستان، فكان أتاتورك والسادات معاً هو البطل الشاب “الأصولي المتطرف” إلى آخر هالات الزيف التي حرص الغرب على لصقها بالنجم الشاب، وبيعه للشعب الأفغاني ومسلمي العالم على أنه بطل أفغانستان الذي لايباري في حدته وجديته.

قام البهلوان الأفغاني بقفزته الأساسية ولكنها جاءت في فراغ وفشل الإنقلاب ولكن اللاعب العنيد والمسلم الأصولي كرر لعبته عدة مرات بعد ذلك، ولكنه لسوء حظه ظل يفشل في كل مرة حتى طُرِد من كابل هو ومن شابهه من لاعبين فاشلين مثل رباني وسياف من قادة “الجهاد الافغاني” الذين طبل لهم “الإعلام الإسلامي” الإخواني، مندوب أمريكا في العمل الحركي الإسلامي. وفي النهاية تحالفوا جميعاً بعد أن طردهم طلاب العلوم الشرعية في أفغانستان (جنود الإمارة الإسلامية)، فتحالف هؤلاء القاده المجاهدون مع روسيا!!

ولم يجدوا غضاضة في العمل مع عبد الرشيد دوستم أبشع زعيم ميليشيات شيوعية في تاريخ البلاد!! فما هي حقيقه هؤلاء الزعماء؟ وكيف وصلوا إلى الزعامة؟؟. وما صلة الإخوان المسلمين بكل ذلك القيح السياسي ؟؟

نعود مره أخرى إلى تلك النقطة الهامة وهي تفريغ الصراع في أفغانستان من طابعة العقائدي، وإيجاد مزالق (جاهلية) يستمر تحت غطائها ذلك الصراع.

فقد ظهرت منذ عام 89 دعاوى عرقية، والصدامات على أساس عرقي، وكان حادث فرخار أول حادث اشتهر من ذلك النوع، وإن كان مسعود في شمال البلاد قد بذل كل طاقته، متعاوناً مع السوفييت ونظام كابل في إجراء تطهير عرقي للشمال.

وخطوته الأولى كانت تصفية قوة البشتون هناك. وبدأ بالقادة الكبار أصحاب الشوكة. وأعترف أنني لم أنتبه إلى تلك الحقيقه إلا متأخراً جداً، وبعد فتح كابول حين دخلها مسعود متحالفاً مع دوستم، وبدأ القتال بينه وبين حكمتيار في معسكرين متمايزين واحد للطاجيك المتحالفين مع الأوزبك(مسعود ودوستم)، والآخر للبشتون(حكمتيار).

وقد نفخ الإعلام الغربي في تلك الجمرات كثيراً حتىاشتعلت وتأججت ولم يكن الإعلام وحده في الساحة، فقد كانت باقي أجهزة الغرب الإستخبارية تدفع الأفغان في نفس المسار.

 

حقاني: إنها حرب إسلام وكفر :

وقد سُئل حقاني في نهايه 89 من قبل إذاعة غربية هذا السؤال: (بعد إحكام حصاركم على مدينه خوست فهل تلجأون إلى حل القضية معهم سلمياً علىاعتبار أنهم بشتون مثلكم؟).

فأجاب حقاني بإسهاب موضحاً أنها ليست حرب قومية بل حرب إسلام وكفر. وفتح الغرب مسارب أخرى للقتال في أفغانستان، لطمس سمتها العقائدية الأساسية.

واحد من تلك المسارب هو الحرب المذهبية، وقد بدأها أيضاً حكمتيار،ممثلاً لسياسة باكستان، في مقابلة جميل الرحمن زعيم كونار السلفي (ممثلا لسياسة السعودية). بدا ذلك بوضوح عام 90 ثم تدخلت الأحزاب جميعها في الحرب خلف حكمتيار مشكلين تحالفاً “حنفياً” في مقابلة وهابية جميل الرحمن، ودارت مجازر في كونار.

كان من أهدافها أن تشمل العرب في أفغانستان علىاعتبار أنهم جميعاً مع الوهابية. ولكن الاستجابة خارج كونار كانت ضعفية وفشلت باكستان والسعودية في جعلها حرب شاملة تطال المتطوعين العرب. وقد بذلت السعودية غاية جهدها في توسيع نطاق المعركة وإقحام العرب فيها. فأرسلت عدداً من جواسيسها إلى أفغانستان، وافتعلوا صدامات مذهبية مع المجاهدين وأعلنوها حراباً على “شركيات” الأفغان “وقبورية” المجاهدين، وعبثوا ببعض القبور ونزعوا تمائم من على صدور المجاهدين وأطفال الأفغان بكل الغلظة المعروفة عنهم، حتى أن أحدهم أخرج سكيناً ووضعها على رقبة طفل لقطع حبل التميمة المربوطة حول عنقه.

لولا أن بعض زملائه منعوه حتى لا يحدث قتال مع الأفغان وهم يرون”عربي” يضع السكين على رقبة أحد الأطفال كي ينزع آيات من القرآن من حول عنقه.

الحرب المذهبية في كونار عندما لم تنجح في الامتداد إلى باقي الولايات لتطال العرب المجاهدين هناك كان لابد من إدخال العرب وتوريطهم مباشرة في حرب كونار.

وقد تم ذلك عندما أقنعت جماعة حكمتيار وعناصر من الإستخبارت السعودية أقنعت شاباً عربياً متحمساً بأن يتولى قتل جميل الرحمن الذي صوروه له عقبة كأداء ضد توحيد المجاهدين وإيقاف الحرب بينهم.

تولي ذلك الشاب قتل جميل الرحمن. وقتله فى الحال حراس القتيل، فاختفى معه سر الجريمة.

ولكن مخابرات باكستان والسعودية تولوا إكمال العمل فحذروا جميع القادة الميدانين المشهورين في أفغانستان، والذين يعمل في جبهاتهم متطوعون عرب، بأن هناك “شبكة إرهابية”بين هؤلاء العرب تهدف إلى قتل القادة الأفغان المشهورين. تركت تلك الوشاية أثارها وساد نوع من الحذر والتوجس لكنه لم يصل إلى درجة القطيعة أو القتال، على عكس ما تمنت باكستان والسعودية.

نعود مرة أخرى إلى “الإنقلاب المنتظر”، وهذا ما كتبته عنه في وقتها في مقال تحت عنوان: (شاه نواز: هل كسر الحاجز النفسي). وقد نشر في مجلة أفغانستان (العدد 19/20).

 

شاه نواز: هل كسر الحاجز النفسي؟

في غياب التطور العسكري للمجاهدين الأفغان منذ نكسة جلال آباد في العام الماضي،صارت أشد الأحداث تفاهة على المستوى الداخلي تمثل تغييرا مثيراً يشغل مساحة اهتمام أكبر بكثير من حجمه الحقيقي. وهكذا كانت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها وزير الدفاع الأفغاني شاه نواز تاناي، في مارس 1990.

ورغم فشل الانقلاب إلا أنه غني بدلالات التي ترسم صورة واضحة لتوازن القوى لأطراف الصراع: المجاهدون من ناحية وحكومة نجيب في كابل من ناحية أخرى.

 

الانقلاب المنتظر:

فالانقلاب كان يفتقد أهم عناصر العمل الانقلابي وهو المباغتة. فمنذ ما يقرب من عام وهناك أكثر من زعيم من زعماء المجاهدين يبشر بإنقلاب قادم من داخل الجيش يحمل في طياته بدايات الحل للمشكلة الأفغانية. وتم رسم سيناريو لذلك الحل بأن تتشكل حكومة انتقالية يشارك فيها الانقلابيون مع قاده المجاهدين “حول كابل” وتشرف تلك الحكومة علىانتخابات يختار فيها ممثلين، يقررون بدورهم شكل النظام القادم في أفغانستان.

والحل المطروح، على ما يحتويه من غموض وخطورة، ليس هو الغريب بقدر غرابة التلويح العلني بعمل من المفروض أن يتم في الخفاء، ألا وهو الانقلاب العسكري المنشود. فقد أعلن البعض، زيادة في التأكيد، عن وجود ارتباطات قوية مع ضباط الجيش يرتبون لانقلاب قادم في كابل.

ولما كان نجيب الله ليس استثناء من رجال الحكم في كل مكان، فما كان له أن ينظر بتساهل إزاء تلك التصريحات. ورجل في مثل خبرته في إدارة أجهزة التجسس السرية لم يكن منتظراً منه بأي شكل أن ينظر لتلك التصريحات بروح رياضية.

وقام بما يجب على من كان في مثل موضعه أن يقوم به، فأجرى عمليات”غربلة” و”تمشيط” للقوات المسلحة خاصة المستويات القيادية، وأولى عناية خاصة لوزير دفاعه “شاه نواز” وباقي الطاقم (الخلقي) الذي مازال يتمتع بنفوذ كبير داخل الجيش في دولة (برشمية).

فتم اعتقال وزير الدفاع واستبعاده، كما ألقي القبض على عشرات من كبار الضباط. وحسب بعض المصادر فإن وساطة سوفيتية كانت وراء عودة وزير الدفاع إلى منصبه حرصاً على “وحده الصف” و”توحيد الجهود” و”لقاء الأشقاء”.. إلخ

كان ذلك في ديسمبر العام الماضي وهو في حد ذاته كفيل بإلقاء بعض الشكوك على أن السوفييت كانوا على تعاطف مع نواز وجماعته، بل ربما أرادوا إعطائهم فرصة لإزاحة نجيب الذي أصبح، بشكل شخصي، عقبة أمام تمرير التسوية، خاصة وأن موضوع المشاركة في حكم “موسع” يضم القوى العاملة فوق الساحة الأفغانية أو الأطراف الإقليمية في منطقة النزاع، بل والأطراف الدولية الشغوفة بالتورط في المنطقة.

إن نجيب بالنسبة للسوفييت الآن، على مايبدو،يتمتع بمركز استثنائي كالذي تمتع به سالف الذكر “تشاوشيسكو” في رومانيا، حيث أغمض السوفييت أعينهم عنه وهو يقف أمام بنادق فرقة الإعدام، لكي يفتح موته الباب لرومانيا لتلحق بالعهد الجديد الذي دشنه جورباتشوف للإمبراطورية الروسية وتوابعها.

إن بقاء نجيب على رأس الحكم في كابل يمنع أفغانستان من اللحاق “بالبروسترويكا” الروسية تحت مظلة حكومة موسعة ترضي جميع الأطراف وتجعل كل فريق يحصل على جزء من الكعكة الأفغانية التي ستبقى طبقاً لذلك الحل فوق المائدة السوفييتية.

ولكن ذلك يناقض ما يدعيه وزير الدفاع الانقلابي “نواز” من أن السوفييت هم العقبة التي صادفته وأن طائراتهم المنطلقة من داخل الأراضي السوفيتية هي التي دمرت مقر قيادته وطائراته المقاتلة في مطار “بجرام” قرب كابل، وهو إدعاء يصعب إثبات صحته. ولكن الأحداث التي شهدتها كابل في ذلك الوقت تبرهن علي أن العملية الانقلابية لم تكن مُحْكَمَة، وأن إخمادها من جانب نجيب وأعوانه كان سهلا نسبياً رغم الخسائر الكبيرة التي صاحبت المحاولة.

وكون الانقلاب منتظراً منذ ما يقرب من عام، وتم الإعلام عنه وعن الاتصالات بين قادة من المجاهدين وضباط الجيش بهذا الخصوص. كل ذلك يجعل استعدادات نجيب وأعوانه في قمتها ويوقظ لديهم كل حواسهم التجسسية، وإمكانات جهازهم الخاص بأمن الدولة “واد”. “نواز” نفسه كوزير دفاع كانت تحت المجهر طول الوقت ويمكن التكهن أيضاً بأن كل المتصلين به كانوا كذلك. وليس هناك أيسر من إحباط انقلاب منتظر من وزير دفاع مشتبه فيه إلى جانب كونه خصم سياسي لرئيس الدولة.

تحميل مجلة الصمود عدد 180 : اضغط هنا

 

إيجابيات الانقلاب:

لقد أعطت المحاولة الانقلابية الفاشلة بعض المردود لصالح المجاهدين. مثل إظهار التفكك الحاصل في جبهة التحالف الشيوعي الهش في كابل، وإبراز الصراع “الخلقي/ البرشمي” كعامل مدمر مازال يعمل منذ سنوات طويلة حتى قبل التدخل الروسي في أفغانستان.

كما أن المحاولة المذكورة أضعفت المركز السياسي لنجيب الذي يحاول احتواء جميع أطراف المجتمع الأفغاني تحت عباءته. وأظهرت عجزه حتى عن احتواء زملائه الشيوعييون، فكيف بباقي الأطراف الأخرى؟

كما أبرزت المحاولة ضرورة تغيير نجيب تحت كل الظروف وأيا كان الحل القادم. ويمكن القول بأن المحاولة الانقلابية وأن كانت قد فشلت في الإطاحة بنجيب، إلا أنها قضت على مستقبله السياسي. وبالنسبة للمؤسسة العسكرية، التي هي الركيزة الرئيسية لنظام نجيب، فقد تأثرت سلبا بالمحاولة الإنقلابية التي سبقتها عمليات “تطهير” داخل المناصب القيادية في الجيش.

لحقتها عمليات “أشد تطهيراً” بعد فشل المحاولة. كل ذلك سيضعف قوة الجيش تنظيمياً إلى جانب الانهيار المعنوي في صفوف القيادات الصغرى بين الضباط، ناهيك عن الجنود الذين تجاوزت روحهم المعنوية حد الإنهيار.

 

سلبيات الإنقلاب:

أما النتائج السلبية للمحاولة الانقلابية فلها عدة جوانب:

الجانب الأول: أنها أظهرت بشكل سريع ومباشر تفكك الجبهة السياسية للأحزاب في بشاور.

وكالعادة لم يكن هناك موقف موحد،أو حتى منسق، بين تلك الأحزاب تجاه المحاولة الانقلابية والقائمين عليها.

فبينما اندفع طرف إلى درجة بعيدة في تأييد المحاولة إلى درجة تقترب من التحالف السياسي مع “شاه نواز” وطاقمه “الخَلْقِي” في إطار برنامج مشترك لإسقاط النظام في كابل وتشكيل ملامح نظام بديل يتم الوصول إليه بمجهود مشترك.

وقد دافع نواز عن ذلك التحالف مع الجماعة التياحتضنته من المجاهدين بأنه تحالف تكتيكي بينما أنكرت الجماعة المذكورة وجود أي تحالف. وذلك في حد ذاته تكتيك قديم حول المسميات الخاصة بحقائق ثابتة.

والتحالف التكتيكي لا تتغير طبيعته إذا أطلقنا عليه مسميات أكثر لطفاً مثل “تعاون مؤقت” أو”إستفادة من الظروف” إلخ.

والتحالفات، مؤقته كانت أو دائمة، لا مأخذ عليها في حد ذاتها لكونها ضرورة سياسية لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن المعيار في الأخذ بها أو رفضها هو مدى الفائدة المرجوة منها. والفائدة المعنوية قد تعطي أولوية عن الفائدة المادية،خاصة في صراع عقائدي كذلك الدائر على أرض افغانستان. وعلى ذلك فالتحالف بين حزب جهادي في أفغانستان وبين مجموعة شيوعية منشقة عن حكم كابل يسبب إضعافاً في منطلقات العمل الجهادي، ويحوله من صراع قائم على أساس العقيدة إلى صراع سياسي بحت هدفه السلطة وبأي وسيلة كانت.

والفارق كبير في الحالتين، وقد مرت قضايا إسلامية في هذا القرن بذلك المنزلق الخطر. وكانت نتيجة التحالفات السياسية “التكتيكية” هي تحول إستراتيجي في منطلق الصراع نفسه، وتحويله من مجال العقائد إلى مجال المنافع السياسية الوقتية.

يعتقد بعض المحللين أن من النتائج الجوهرية للمحاولة الانقلابية الفاشلة لشاه نواز،هي بوادر تحول جذري في المنطلق العقائدي للقتال الدائر في أفغانستان،كي ينتقل من المجال الأيديولوجي الذي ظل دائراً في فلكه لأكثر من عقد من الزمان، ليدخل مجال الصراع السياسي القائم على أسس نفعية.

لقد اتخذت خطوات متوازية في هذا المجال، واحدة من جانب شاه نواز وأخرى من جانب مضيفه الجرئ. في تحول جذري بهذا الشكل، وتفادياً لقوة الرأي العام،الذي مازال في إجماله يتبع المنطلق العقائدي الإسلامي في الصراع ضد الشيوعية داخل أفغانستان.

فإن التحول يبدأه طرف أكثر جرأة ليحطم ” الحاجز النفسي” بينما يلجأ الزملاء إلى المعارضة اللفظية العنيفة، وبعد أن يكتمل انهيار الحاجز النفسي لدى الجمهور الأفغاني، تكتمل مسيرة “المصالحة الوطنيه” ويتم الهجران الجماعي للمنطلق الأيديولوجي الذي كان مناسباً في مرحلة القتال كنوع من التعبئه المعنوية للمحاربين، والذي لابد من هجرانه في مرحلة التسوية السياسية المبنية على واقع الحقائق الباردة للوضع الإقليمي والدولي، الذي تتحكم فيه مصالح قوى أعظم كانت تُسَعِّر القتال طوال سنوات تحت ستار أيديولوجي وأعينها على تسوية سياسية في نهاية المطاف تراعي المصالح وليس العقائد.

 

تنازلات عقائدية:

“شاه نواز” قدم تنازلات عقائدية أعمق وأسرع، وإن كان لم يخرج كثيراً عن الإطار الذي رسمه عدوة اللدود في كابل “نجيب الله” فكلاهما أعلن تخليه عن الشيوعية وأكد بأنه “مسلم أصيل” كما أكد كلاهما بأن حزبه بحاجة إلى عملية “ترميم” ليصبح أكثر قبولاً من جانب الشعب الأفغاني. وبينما يردد نجيب تلك الأقاويل، منذ أشهر طويلة ومن تحت حراب البنادق في كابل، فإن “شاه نواز” وجد الفرصة لكي يردد نفس الأقوال من خنادق المجاهدين وهو يحمل هالات “البطوله الوطنية” في مكافحة نظام يرفضه الشعب.

لاشك أن كهوف لوجار،حيث قالوا أن نواز متواجد فيها مع جماعة حكمتيار، أكسبت دعاوى نواز مصداقيه أكثر من أقوال نجيب التي تكذبها حملاته العسكرية ضد الشعب الأفغاني. وتلك خدعة إعلامية، بقصد أو بدون قصد، قدمها مجاهدون أكثر جرأة لتكسير الحاجز النفسي الذي بَنَتْهُ الدعاوى الأيدولوجية السابقة. وتمهيداً لا شك فيه لكي يقبل الشعب الأفغاني فكرة “توبة” الشيوعيين الأفغان ومنحهم صكوك الغفران التي تغسل الدماء التي تخضبت بها أيديهم لأكثر من عقد من الزمان.

إن الصورة التي ساهمت تجربة شاه نواز في تأكيدها لدى الرأي العام الأفغاني والدولي هي أن الحرب في أفغانستان إنما هي حرب أهلية بين أفغاني مسلم وأفغاني مسلم، وإن اختلفت درجة الجودة هنا أو هناك.

 

 

وماذا بعد؟

بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة كيف ستسير الأمور داخل أفغانستان؟

سنكتفي برصد بعض المظاهر دون الدخول في مجازفة التنبؤ بالغيب. فممّا لاشك فيه أن مرحلة جديدة في مسار القضية الأفغانية تتمخض عنها الأحداث الجارية.

تنبئ الظواهر أن القوى العظمى تمسك بأكثر خيوط اللعبة، وذلك لا يعني حتمية أن تسير الأمور على هوى تلك القوى بشكل كامل، فأي طرف مهما كان حجمه صغيراً يمكنه إحراز مفاجآت في الوضع تؤدي بدورها إلى شيء من التعديلات.

والخوف من الركود العسكري الذي تعيشه المقاومة الأفغانية قد يؤدي إلى إفلات كثير من الأوراق من بين يديها لكي تطير إلى أيدي أحد اللاعبين الكبار. وليس سراً أن أوراقاً هامة طارت من يد الأحزاب الأفغانية إلى يد اللاعب الأمريكي. وذلك إهدار لاشك فيه لحقوق الشعب الأفغاني الذي عانى وضحى بأرواح مئات الألوف من زهرة شباب أولاده.

والعجز عن حسم أي موقف عسكري حول المدن المحاصرة ليس عجزاً واقعياً بل هوعجز مصطنع تُسْأل عنه القيادات الأفغانية قبل غيرها.

كذلك الشرخ الحادث في الموقف المبدئي العقائدي الذي لف موقف المنظمات في حاجة إلى إعاده تأكيد بواسطة برامج عمل وليس بمجرد بيانات مصاغة بلغة (عربية) بليغة وفصيحة، فتلك السلعة التي كانت رائجة في سنوات ماضية، في بوار تدريجي.

فالشعب الأفغاني هو الذي يحتاج هذا التأكيد قبل أي طرف عربي فيما وراء البحار. فالدماء الأفغانية هي التي أريقت، والديار الأفغانية هي التي خُرِّبَت، والشعب الأفغاني هو الأكثر حاجة لأن يعرف وجهة المسير، وأن يعرف بوضوح أكثر، وبطريقة عملية أين الإسلام من كل ذلك الذي حدث في الماضي وما يحدث حالياً وما سيحدث مستقبلا على أرض أفغانستان.

تحميل مجلة الصمود عدد 180 : اضغط هنا

 

خوست… زحف النهابين :

أول تأثير سلبي على المجاهدين من ظهور شاه نواز المتحالف مع جلب الدين حكمتيار، كان في خوست.

كان الجميع يتوقعون أنه بعد سقوط تورغار في يد المجاهدين فإن المدينة لن تبقى طويلاً، ربما أسابيع وتصبح هي الأخرى في أيدي المجاهدين، وبمعنى أدق بين يدي حقاني. وتلك بلا شك كارثة.. كارثة على أحزاب بشاور الذين ارتبطوا منذ وقت طويل بالخارجوينتظرون أن يحملهم ذلك الخارج إلى كراسي الحكم في كابل بأي صيغة كانت.

كان حسم معركة خوست عسكرياً يعني سقوط النظام بالقوة، يعني فشل الخطة الأمريكيةالسوفيتية لعلمنة أفغانستان.

في ظني أن فتح تورغار عجل بولادة الانقلاب المنتظر الذي كان متعسر الولادة، بل كانخطيراً على القائمين عليه بسبب أنه فقد عنصر المفاجأة الحيوية لكل انقلاب.

والذي يثير الشك في أن أحداث خوست كانت محركاً أساسياً في التعجيل بالانقلاب، الذي تأخر كثيراً، هو أن أول تحرك جدي وسريع للثنائي الحليف (حكمتيار/ نواز) كان إلى خوست. في البداية أعلنت دوائر حكمتيار أنه تحرك مع حليفه إلى جاجي ثم إلى لوجار. ولكن الحقيقة أنهما جاءا إلى معسكر “جهاد وال” التابع لحكمتيار والمجاور لمعسكر جاور التابع لحقاني. ومن “جهاد وال” بدأت الثنائي الثوري في إتلاف العمل العسكري في خوست. لقد طلب حكمتيار من حقاني إيقاف العمليات الهجومية الوشيكة والتي كانت على وشك البدء بها بدعوى أن المدينة سوف تستسلم لشاه نواز الذي له أتباع كثيرون وأصدقاء في حامية خوست وأنه يتصل بهم لأجل التسليم بدون قتال.

عندما شاع نبأ المفاوضات واحتمال استسلام المدينة عمّت الفوضى وعم التراخي، فالمقاتلون في معظمهم يفضلون الغنائم الباردة عن الحرب الساخنة ومآسيها وذلك طبيعي. وانتشر الخبر على الجانب الآخر من الحدود، فاستنفرت القبائل ومعسكرات المهاجرين، وتدفق الناس إلى مراكز قياده حقاني في مركز خليل حتى ضاقت بهم الشعاب والوديان.

والطريف أن الجميع يطالب بالمشاركة في الفتح!! وجميعهم مسلحون بالبنادق الآلية وكان مشهداً غريباً، ومأساويا بقدر ماهو هزلي. وقد انتهى بهم ذلك الجشع على الغنائم الباردة إلى مصيبة مغلظة، فلم أستطع كبح نفسي عن الشماتة بهم.

ويحاول حكمتيار رشوة حقاني فيعرض عليه اقتسام المدينة سويا بعد استسلامها، ولكن حقاني ينتبه للفخ. فإلى جانب لا أخلاقية العمل فإنه أيضاً سوف يتسبب في مذبحة رهيبة بين المجاهدين، فهناك من وقفوا في المعركة لأكثر من عشر سنوات، وهناك مجاهدي المنطقة على نطاق الوادي الفسيح، ثم هناك الهمج والسارقين الذين حضروا بأسلحتهم لأخذ حصتهم من الغنائم، لأنهم ساعدوا المجاهدين يوماً ما. بل أنهم ادعوا أنهم مجاهدون فعلاً طوال الوقت، رغم وجوههم الكالحة التي لم ينعم أحد برؤيتها في الجبهات قبل ذلك.

ثم اشترط حقاني وحذر حكمتيار بأنه لن يقبل أي مشاركة للشيوعيين في حكم خوست أو في أي عمل آخر، وأنه سيعامل من يتحالف مع الشيوعيين نفس معاملته للشيوعيين أنفسهم، وأن الذي يستسلم منهم ليس له إلا الأمان على نفسه وماله وعائلته، وليس أكثر من ذلك.

وفي النهاية فشل مشروع (حكمتيار/ نواز) في خوست، كما فشل قبل ذلك في كابل. ولم تتوقف مسيره الفشل لحكمتيار حتى كتابة هذه السطور. أما شاه نواز فيقال أنه يعمل الآن في خدمة الاستخبارات الباكستانية.

 

الثلاثاء 6 مارس 90:

كنا في جبل الترصد إلى جانب عبد العزيز وهو منهمك في أعماله اللاسلكية عندما جاء إلى ذلك المركز مجاهد شاب يدعى “سيد جمال الدين”، وهو من إحدى القرى في غرب خوست. وكنت قد تعرفت عليه حديثاً وهو يعمل على قاذف صواريخ صقر رباعي المواسير. وكان الغريب عند سيد جمال الدين هو قدرته على الرماية على أي هدف داخل خوست، بدقة متناهية، وبدون استخدام أي معدات توجيه.

كنت أعجب مما يفعل فكان يضحك ويقول: إن خوست كلها مرسومة في خريطة داخل رأسي. كان ذلك أمراً مشهوداً به، ولا أنسى قذيفته الشهيرة التي أصاب بها، من أول صاروخ، غرفة اجتماع كبار ضباط خوست في مقر قيادة الفرقه 25 (حيث أسكن حالياً على بعد خطوات منها لذا فمازلت أرى أثار تلك القذيفة العجيبة التي أخرقت سقف الغرفة تماماً)، ولكن الاجتماعات كانت تعقد في غرفة تحتية واسعة ذات تحصينات وأسقف أسمنتية، لذا لم تتأثر قاعة الاجتماعات العسكرية ولكن العديد قتلو وجرحوا من جراء ذلك الصاروخ.

سيد جمال جاءنا بعد الغروب ليخبرنا عن نبأ وقوع محاولة انقلاب عسكري في كابل بقيادة وزير الدفاع شاه نواز تناي وأن القتال مازال دائراً في مطار بجرام وأماكن أخرى. كانت علائم الفشل واضحة منذ البداية فالذي يحرك للإنقلاب هو عدد من الطائرات، ولا أثر في الأنباء لجنود مشاة تحركوا للسيطرة على العاصمة. أما المعارك المستمرة فليست من علائم النجاح في الانقلابات بل غالباً تكون من علائم الفشل، فالمفروض في الإنقلاب السرعة وليس الاستنزاف البطيء.

 

الأربعاء 7 مارس 90:

أنباء متداولة بين المجاهدين أن حكومة خوست تتفاوض سراً مع حقاني من أجل التسليم. في الواقع أن شاه نواز قد هرب من كابل أمس مع أسرته في طائرة هليوكبتر إلى باكستان، ومنها مباشرة إلى خوست!!، وليس إلى الأماكن الأخرى التي وردت في الأنباء مثل لوجر أو جاجي، وهذا ما يؤكد وجود صلة قوية بين فرار شاه نواز وبين معركة خوست، ووصول المدينة إلى حافة السقوط.

راديو كابل مازال يذيع بيانات ضد (وزير الدفاع الخائن) الذي أسموه (شاه نواز جلب الدين)، ولكن جلب الدين حكمتيار صرح منذ الأمس أن لاعلاقة له بالانقلاب ولكنه أصدر أوامره بالاستفادة منه!

نزلنا لرؤيه حقاني في مركز خليل ولكن ذلك كان صعباً للغاية فهناك عشرات السيارات ومئات البشر قدموا من ميرانشاه وأماكن أخرى لرؤية حقاني، لقد بدأت الذئاب تشم رائحه الدم. كان حقاني في اجتماع موسع وبرفقته مولوي نظام الدين والدكتور نصرت الله، كان الإرهاق ظاهراً عليه، فلم أستطع الحديث معه لأن المئات يتدافعون في الخارج للحديث معه حول (افتراس خوست)!

تحميل مجلة الصمود عدد 180 : اضغط هنا

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world