کلمات حول الجولة الأخيرة للمفاوضات

کلمات حول الجولة الأخيرة للمفاوضات…

أعلن المتحدث باسم الإمارة الإسلامية ذبيح الله مجاهد قبل ثلاثة أيام عن انتهاء الجولة الثامنة للمفاوضات التي أجريت بين وفد الإمارة الإسلامية وبين الفريق الأمريكي برئاسة المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان (زلماي خليلزاد) في العاصمة القطرية “الدوحة”، وأضاف بأن كلا الطرفين سيشاركون تفاصيل الجولة الأخيرة مع كبارهم وقيادتهم.

والحقيقة التي لا يمكن تغاضيها هي أن الشعب الأفغاني بسبب معاناته الكبيرة متلهف جداً لنتائج عملية المفاوضات الجارية، وفي الوقت حينه فقد جذبت المفاوضات أنظار العالم كله ويراقبون تطوراته عن كثب، وذلك لكونها مفاوضات لا مثيل لها في التاريخ المعاصر.

والعلة في مثاليتها كونها بين طرفين غير متكافئين، فالبون بينهما في الطاقة التكنولوجية والاقتصادية شاسع، فأحد الطرفين من ناحية العتاد في غاية القوة، والطرف الآخر في غاية الضعف.

والأمر الثاني أن الخلاف بين الطرفين ليس عسكرياً وسياسياً فحسب؛ بل هناك اختلافات ثقافية، وأخلاقية، وعقدية، وفكرية مما زادت القضية تعقيداً.

الأمر الثالث أن الطرف الأقوى (أمريكا) تبدوا منهزمة حتى الساعة؛ إذ لم تتمكن باستخدام القوة، والمال، والحنكة الدبلوماسية، والقوة التي لا منازع لها، من ابتزاز أو إغراء خصمها الضعيف (طالبان)، لكي تواصل معها المفاوضات بعد ذلك في ظل رغباتها ووفق شروطها.

هذه الأمور هي التي أبطأت من سير عملية المفاوضات وجعلتها تنتقل من جولة إلى أخرى مع تطورات أقل، أما تفاصيل ما تم عرضه ونقاشه في الجولات الماضية – خاصة الجولة الأخيرة – فسأعرض جملة من الحقائق عن المصادر المقربة من المفاوضات.

– سعت أمريكا في البداية بأن تلعب دور الطرف الثالث، وأن تحافظ على حيوية ونشاط من هم تحت حمايتهم في كابل، ثم تقارن بهم طالبان باعتبارهم الطرف الضعيف، لكن طالبان رفضت ذلك، وبدل أن تُخْضِع أمريكا طالبان وترغمها على موقفها، اضطرت أمريكا أن تتنازل لشرط طالبان وتستعد للدخول في المفاوضات باعتبارها الطرف الرئيسي في الحرب.

– بعدها طلبت أمريكا أن تشارك حكومة كابل في المفاوضات باعتبارها الطرف الثالث، لكن طالبان ردت هذا الطلب، وحتى بعد الوصول إلى اتفاق مع الأمريكيين فلن تفاوض طالبان حكومة كابل في المفاوضات الأفغانية باعتبارها جهة حكومية، وفي هذه النقطة أيضاً اضطرت أمريكا للتنازل عن موقفها، والموافقة على شرط طالبان.

– يقال بأن أمريكا كانت تخطط لإخراج القوات النظامية فقط، أما غيرهم من المتعاقدين فسيبقون في أفغانستان باعتبارهم مقاولين وطاقم حرس السفارة، لكن طالبان خالفت بقوة فكرة بقاء واحد منهم بأي صفة كان، وفي النهاية تم إدخال الطاقم الأجنبي بأسره في قائمة الخروج، ولن يستثنى من ذلك أي أجنبي محتل سوى الطاقم الرسمي للسفارات، وهذه من القضايا التي دارت حولها نقاشات طويلة أثناء المفاوضات.

– تقول المصادر بأن طالبان كانت تصر بأن تقدم أمريكا ضمانا مكتوباً تضمن فيه عدم تدخلها في الشؤون الأفغانية بعد خروجها، وأن عليها أن توافق على شروط تسد أي تدخل مغرض لها في المستقبل، فقبلت أمريكا هذا الطلب، وتم إدخال هذ البند أيضاً في بنود المعاهدة، وسيوقع على المعاهدة أمام شهود دوليين.

– ومن المثير أنه يقال بأن أمريكا خلال المفاوضات وافقت على أمور كثيرة أخرى لكنها تتجنب نشرها في وسائل الإعلام، كما كانت تصر أيضاً على عدم نشرها.

ويعتقد المحللون بأن هناك احتمالان في عدم نشرها، الأول: كي لا يثار مخالفي المفاوضات والسلام في أمريكا، والثاني: مخاوف الأمريكيين من انهيار معنويات إدارة كابل المحمية من قبل الأمريكيين والتسبب في سقوطها سريعا حال نشر هذه التفاصيل.

وسئل مصدر في طالبان عن علة التناقض في تصريحات المسؤولين الأمريكيين بعد جولات المفاوضات؟ على سبيل المثال: صرح مسؤول في البيت الأبيض عن خروج القوات العسكرية من أفغانستان سريعا، لكن البنتاجون والجنرالات المتواجدون في أفغانستان ردوا ذلك بشدة!، فأجاب: إن الأمريكيين وقت المفاوضات يقبلون بعض الأمور لكنهم في وسائل الإعلام يدلون بتصريحات متناقضة حتى لا تتشتت إدارة كابل وتتمزق مباشرة بعد خروج القوات الأمريكية.

وبعض المحللين يشيرون إلى وجود احتمال آخر، فنظراً إلى الخلفية التاريخية لأمريكا يحتمل أنها تضع فخاً لطالبان، فبصنيعهم هذا قد يتركون باب التخلف عن الشروط في بعض الأجزاء مفتوحاً، لكن الاحتمال الأقوى هو أن أمريكا عندما تخضع لابتلاع لقمة مرة من الشروط؛ ففي البداية تنشر في الإعلام خبراً بشكل عفوي، ثم بعد لحظات تنفي ذلك الخبر عن طريق أحد المسئولين، وتعيد هذا الصنيع مراراً، وعندما تتعود أذهان العامة مع الخبر فتقوم بتطبيقه عملياً، ولعل التصريحات الأخيرة التي نشرتها صحيفة (نيوزويك) التي تقول بأن القوات الأمريكية ستوقف العمليات الهجومية على طالبان تكون من هذا القبيل.

– وحسب تصريحات مسئول في طالبان، فإن الوفد الأمريكي منذ البداية كان يسعى إلى وقف إطلاق النار مع بداية عملية المفاوضات، لكن طالبان رفضت ذلك، وأخيراً اضطرت أمريكا أن تؤجل موضوع وقف إطلاق النار إلى الجلسات المفاوضة بين الأفغان.

ولعل العلة في إصرار أمريكا على وقف إطلاق النار وفي المقابل مخاوف طالبان من ذلك؛ هي أن أمريكا كانت تريد أن تنثلم الآلة الحربية لطالبان رغم تواجدها في أفغانستان، لكن طالبان أدركت حساسية الموضوع، لذلك ترفض باستمرار وفق إطلاق النار في ظل تواجد الأجانب، وقد أوضح المتحدث باسم الإمارة الإسلامية هذا الموضوع خلال تغريدة قال فيها: “وقف إطلاق النار قبل حل القضية أو الوصول إلى الهدف بمثابة ترك المقاومة”.

 

 

مرحلة توقيع الاتفاق:

كلا الطرفين كان يُخبر عن التطورات بعد كل جولة من المفاوضات، خاصة الطرف الأمريكي حيث كان يقول بثقة بأننا على وشك الوصول إلى موافقة نهائية مع طالبان، فلماذا تأخرت مرحلة التوقيع؟!

أجاب مصدر مقرب من المفاوضات لطالبان عن هذا السؤال: إن المفاوضات في الجولة الثامنة كانت جدية ومرهقة للغاية، حتى أن النقاش والحوار كان يستمر أحياناً إلى الساعة الثانية والثالثة منتصف الليل، كما أن المفاوضات كانت مستمرة حتى في أيام العطلة كيوم الجمعة، ويوم عرفة، وأيام العيد، لكن رغم ذلك لم تُحَل القضايا بالشكل النهائي كما كان متوقعا، ولازال الخلاف قائماً حول بعض النقاط والتي بحاجة إلى مزيد من النقاش والتفاوض، ومع أن المصدر لم يحدد النقاط الخلافية، لكنه أضاف بأن تلك القضايا ستحل في الجولة القادمة على الاحتمال الراجح، وبعد ذلك سيتم الإعلان عن المعاهدة والاتفاق في حضور الشهود الدوليين وستوقع بين الطرفين.

 

 

بقلم/ الاستاذ : نعمت میوند

المصدر:

مافا السياسي (ادب المطاريد)

www.mafa.world