حججٌ واهية لاستمرار الحرب في أفغانستان

حججٌ واهية لاستمرار الحرب في أفغانستان

قامت وسائل الإعلام الغربية بحملة دعائية سلطت خلالها الضوء بشكل كبير على تواجد ونشاطات داعش وتنظيم القاعدة في أفغانستان، وذلك بالتزامن مع بدء الدورة السادسة من المفاوضات بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية . ويمكن لنا أن نشير في هذا الخصوص إلى ما يلي :

1- أبوبكر البغدادي الذي كان مختفيا خلال السنوات الخمس الماضية ، ثم في 29 أبريل ظهر فجأة في شريط مصور ، في ثياب جديدة وفي مكان غامض ، وذلك قبل يوم واحد من بدء الجولة السادسة من المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة في قطر.

2- في 11 مايو، أثناء الجولة السادسة من المفاوضات، أصدرت المجلة الأمريكية ( لانج وار جورنال ) شريطا مصورا منسوبا إلى تنظيم القاعدة مع تقرير مفصل صادر عن موقع مؤسسة السحاب الإعلامية على شبكة الإنترنت ، وهو موقع تنظيم القاعدة، حيث جرى فيه الحديث عن موضوع التحالف بين القاعدة وحركة طالبان.

3- في نفس اليوم، أي في 11 مايو، أعلن حيات الله حيات والي قندهار، عن إلقاء القبض على 20 شخصا، بمن فيهم شخص قالوا أن اسمه “عبد السلام” ، وأنه مسؤول عن جلب العناصر لصالح تنظيم داعش في قندهار. وأنه كان مكلفا بنقل المقاتلين وتجهيزهم لهذا التنظيم من قندهار إلى ولاية كنر.

4- في 14 مايو، قام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في منشور له بتصنيف فرع خراسان لتنظيم داعش في قائمة العقوبات الاقتصادية للأمم المتحدة.

5- استمرارا لهذه المعركة الدعائية حول تنظيمي القاعدة وداعش، وسائل الإعلام الغربية إستنادا إلى تقارير لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA) أشارت إلى أن الدكتور أيمن الظواهري بايع الملا هبة الله آخوند زاده زعيم حركة طالبان، وأن الدكتور أيمن مع عدد من مقاتليه ينشطون في المناطق الحدودية من باكستان وأفغانستان على طول خط “دوراند” الحدودي. وكانت وسائل إعلام غربية قد نشرت نفس الخبر سنة 2016م بعد مقتل الملا أختر محمد منصور.

6- في 21 مايو، تحدث القائد الأعلى للقوات الإمريكية، اللواء ميلر لوسائل الإعلام عن مشاهدة عناصر تنظيم القاعدة في أفغانستان، لكنه لم يوضح عن مكان تواجدهم في البلاد.

7- في 22 من مايو، حذّر الجنرال ميلر مرة أخرى عن حضور داعش في أفغانستان، وقال: إن هذه المنظمة خطيرة جدا، ولها حضور في أفغانستان. ذكرت الوسائل الإعلامية نقلا عن الأمريكيين أن عدد قوات داعش في أفغانستان قد يبلغ 5000 مقاتل.

8- في 23 مايو، نشر معهد الدراسات الاستراتيجية بأفغانستان في اجتماع له ، آراء الدكتور مايكل روبين Michael Rubin المحلل في معهد إميركان انتربرايز American Enterprise. الذي شارك فى الاجتماع عبر اسكايب ، وصف مهمة خليل زاد بالفاشلة على الإطلاق. وقال: إن حركة طالبان مجموعة لا يمكن الوثوق بها بشأن قطع علاقاتها مع تنظيمات العنف. وأنهم قد فشلوا مرارا في الحفاظ على التزاماتهم السياسية.

في هذه الظروف الحساسة من المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، وظهور البغدادي بوجه مختلف، وفي مكان غامض، وإصدار فيديو على موقع مؤسسة السحاب، وإعلان الأمم المتحدة بتصنيف فرع خراسان لتنظيم داعش ضمن قائمتها، وخبر بيعة الدكتور أيمن الظواهري مع ملا هبة الله، واعتقال المدعو عبد السلام ، وتصريحات الجنرال ملير عن حضور تنظيمي القاعدة وداعش في أفغانستان، وتصريحات الأمريكيين الذين لا يعجبهم إحلال السلام في أفغانستان والانسحاب منها، كل ذلك شطر من سيناريو، بالرغم من أن لكل منهما أسباب منفصلة، لكنها في المجموع قد تحمل لنا الرسائل التالية :

أوّلا: حركة طالبان بالرغم من الضغوط العسكرية القاسية من جانب الولايات المتحدة الإمريكية، إلّا أنها تشارك في المفاوضات مع ممثليها من موقع الكفء المتماثل ، كما تدعي السيطرة على جزء كبير من أفغانستان، وأنهم ليسوا صادقين في ادعائهم بعدم الارتباط مع التنظيمات الإرهابية.

ثانيا: أن تنظيم داعش آخذ بالقوة في أفغانستان، وذلك قد يؤجل انسحاب القوات الأمريكية لظروف ومشكلات عديدة في المنطقة، ولا ينبغي على دول المنطقة أن تثق بوعود طالبان.

 

الظهور المفاجىء للبغدادي :

في الوقت الذي يُصِرّ الأمريكيون في الظاهر على أن داعش خطر يهدد مصالح الولايات المتحدة الإمريكية ، ويؤكدون أن لها حضور قوي في أفغانستان ، يُعَدّ ظهور زعيم داعش فى ثياب جديدة ، مبررا قويا لإثبات دعاوي الأمريكيين.

فظهوره المثير للتساؤل ، بلحية محناة كما هو شائع بين شيوخ القبائل في منطقة ديوراند الحدودية، وافتراش الأرض كما هو رائج في أفغانستان والمناطق القبائلية في أفغانستان وباكستان، يوهم المشاهد بأن الفيديو المذكور تم تسجيله في موضع يستخدم أهله هذه الوسائد للإفتراش على الأرض.

في المناطق القبائلية يستخدمون السرير للجلوس عليه في دور الضيافة ويسمونه “كت”، لكن في أفغانستان يستخدم ” الدوشك” للإفتراش.
من الصعب الإجابة حقا على السؤال: أين البغدادي؟. لكن تم إعداد البيئة التي سجل فيها الفيديو بأسلوب يسوق الناظر إلى استنتاج أنه موجود في أفغانستان من غير أدنى حاجة إلى توضيح أو تعليق، وهذا القدر يكفي لإثبات مزاعم الإمريكيين.

 

 

فيديو مؤسسة السحاب :

بالتزامن مع بدء الجولة السادسة من المفاوضات بين الولايات المتحدة الإمريكية وحركة طالبان، نشر موقع السحاب التابع لتنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت مقطع فيديو ، لقي انتشارا واسعا في الإعلام الغربي.

كان الفيديو يختلف تماما عن الفيديوهات السابقة لـمؤسسة السحاب، حيث يصور الفيديو مشاهد من هجوم عسكري لطالبان في مقاطعة بكتيا، ذلك الهجوم أوقع خسائر في صفوف القوات الحكومية، وغنم المقاتلون السلاح والمعدات. هذا الفيديو نشرته حركة طالبان في 5 آبريل سنة 2016 م.

في هذا الفيديو المنشور من جانب موقع السحاب، والبعض من الفيديوهات الأخرى التي نشرتها طالبان عن عملياتها، يتم التعليق فيه باللغة الأوردية بعد أن أزيلت تعليقات مراسل طالبان بالبشتو. كما يتبين بكل وضوح من هذا الفيديو أن الذين قاموا بإعداده شخصان باكستانيان وهما محمد فاروقي، وعبد الحنان المجاهد. وتم في الفيديو أيضا دمج مشاهد من بيعة حركة طالبان مع الملا هبة الله بعد مقتل الملا اختر محمد منصور.

هذا الفيديو يختلف عن كافة الفيديوهات التي نشرتها مؤسسة السحاب الإعلامية. فجميع مشاهد هذا الفيديو عبارة عن عملية مونتاج غير منسق لمقاطع نشرتها طالبان سابقا.

النقطة الهامة أن جميع المقاطع التي نشرتها مؤسسة السحاب بالمناسبات المختلفة كذكرى الهجوم الأمريكي على أفغانستان، أو وفاة زعيم لحركة طالبان، كان في بدايتها كلمات لزعماء تنظيم القاعدة حول تلك المناسبات، لكن في الفيديو المذكور لا يرى شيء من هذا القبيل.
على عكس المقاطع السابقة التي نشرتها وكالة السحاب ، والتي تحتوي على رسائل قوية ، وكان يتم تصويرها في الغالب من جانب فريق التصوير الخاص لمؤسسة السحاب ، ولكن هذا الفيديو عبارة عن مونتاج غير مرتب لمقاطع نشرتها حركة طالبان سابقا، والآن يتم إعادة نشرها بدون مناسبة.

النشريات السابقة الصادرة عن وكالة السحاب كانت باللغة العربية، حيث تمت ترجمة مقاطع من لغة البشتو أو اللغات الأخرى إلى اللغة العربية ، لكن الحديث في المقطع المذكور يجري باللغة الأوردية.

والنقطة المهمة الأخرى أن منشورات السحاب كانت تنشر أوّلا على مواقع الجهاديين، ثم يتم إرسال نسخة منها إلى اللجنة الثقافية لمنشورات طالبان، لكن الفيديو المذكور لم يرسل إلى طالبان ، بل قبل أن ينشر في أي مواقع جهادية ، نشر في موقع إمريكي في البداية، ثم نشرته مجلة (لانج وار جورنال)، التي إدعت أن سبب النشر هو الإشارة إلى التحالف بين القاعدة وحركة طالبان.

في عملية المفاوضات الحالية بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان ، تعتبر قضية ارتباط القاعدة والجماعات الإرهابية مع طالبان قضية مثيرة للجدل ، لذلك في ظروف حساسة مثل هذا، يضرّ بمفاوضات الصلح بث فيديو مثل هذا بلا ضرورة وبلا مناسبة . لكن السؤال الذي يبقى: هو لماذا نشرت مؤسسة السحاب هذا الفيديو؟

أولا: من الممكن أن يستولي الأمريكيون على رسائل مؤسسة السحاب كسائر الوثائق الهامة لتنظيم القاعدة أثناء هجوم الأمريكيين على بيت أسامة بن لادن في إيبت آباد، ثم الآن يستخدمونها وفق أهدافهم وتحقيقا لغاياتهم.

ثانيا: تعرضت مؤسسة السحاب في مناطق قبائلية من باكستان لهجوم من قبل طائرة “درون” سنة 2013 م ، وقتل في ذلك الهجوم “عمر طالب” المسؤول والخبير فى هذه المؤسسة ، و اسمه الأصلي عادل القميشي ، وقتل معه عدد من زملائه الموثوقين . ومن المحتمل أن يسيطر بعد ذلك على مؤسسة السحاب أشخاص غير موثوقين ولا يملكون خبرة “عمر طالب” ، ولا مهنيتة ولا جدارته . ولا يستبعد أن يحدث اختراق لهذه المؤسسة من جانب العناصر المخابراتية.

 

خلاصة الكلام :

إن المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة فرصة مناسبة لإنهاء الحرب في أفغانستان، لكن لسوء الحظ ، ومن خلال النظر في الأوضاع، ولا سيما في ظروف حساسة مثل هذه ، يتبين أنه لا يوجد صوت موحد في الولايات المتحدة للوصول إلى السلام في أفغانستان. فهناك جهات تسعى إلى أن تستمرّ الحرب في أفغانستان بدلا من أن تقوم بالمساعدة على الصلح.

وتمس الحاجة إلى أن يبذل المتفاوضان جهودهما من أجل تسهيل عملية السلام بدلا من خلق مناخ من عدم الثقة قد يؤثر سلبا على عملية السلام. إن السنوات الثمانية عشرة الماضية كافية لأخذ الدروس، ويجب إنهاء هذه التجربة الفاشلة وهي الوصول إلى الهدف عن طريق الحرب. وفي ظل هذه التجربة يجب تخطيط استراتجية مؤثرة ومعقولة لمستقبل أفغانستان، استراتيجية تسوق أفغانستان نحو الصلح والتفاهم وقبول الآخر بدل الحرب والدمار.

 

للإيضاح :

مؤسسة السحاب، بدأت نشاطها باسم مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي سنة 2000م. كوكالة إعلامية رسمية لتنظيم القاعدة ، وفي بداية الأمر كان خالد الشيخ ( مختار) الذي هو الآن في معتقل جوانتانامو يتولى إدارة هذه المؤسسة.

بدأت السحاب عملها الإعلامي بنشر فيديو رقم واحد عن عملية هجوم تنظيم القاعدة على سفينة ” يو اس اس كول” الأمريكية في خليج عدن سنة 2000 م . في ذلك الهجوم قتل 17 شخصا من طاقم السفينة.

قامت مؤسسة السحاب بعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان بنشر خطب أسامة بن لادن، والدكتور أيمن الظواهري، ومصطفى أبو يزيد،
عزام الأمريكي adam yahiye Gadahn كان مديرا لمؤسسة السحاب . وقتل عام 2015 في وزيرستان خلال هجوم من قبل طائرة “درون” . وكان أثناء إمارة طالبان يتولى إدارة مجلة إنجليزية بإسم الإمارة الإسلامية.

سنة 2013م قتل طالب عمر “عادل القميشي” الذي كان مواطنا سعوديا، والذي ظهر كمراسل في مقابلاته مع قادة القاعدة ، في المناطق القبائلية إثر تعرضه وزملائه لهجوم من قبل طائرة “درون” حيث قتلوا جميعا.

بعد ذلك ضعفت مؤسسة السحاب، واستولى عليها غير العرب ولا سيما الباكستانيون، ولا تتوفر فى منشوراتها الكيفية المطلوبة . وهناك أدلة وشواهد على أنها مخترقة من قبل الأجانب، وربما هذا الفيديو مثال على ذلك ، حيث قامت مجلة لانج وارجورنال بنشره.

 

 

بقلم/ عبدالرحيم ثاقب

المصدر:

مافا السياسي (ادب المطاريد)

www.mafa.world