ثورة شعب و ثوار ( مجاهدون ) مخترقون 2

ثورة  شعب و ثوار ( مجاهدون ) مخترقون

(2)

 

حينما ننتقد الجماعات أو التنظيمات الجهادية (الراديكالية) فهذا لا يعني أننا نقف مع أعدائها ممن يرفع لواء الحرابة لهذا الدين أو يتآمر على قضايا الأمة الإسلامية ،!

وإنما نقوم بذلك لأنها كانت ومازالت للأسف الشديد معول هدم  يفتت عضد الأمة، ويساهم بشكل أو بآخر في الوقوف ضد تطلعاتها وطموحها، ولأنها  فاعل حقيقي في اختراق ثورات الشعوب وعامل في حرف مسارها وإجهاضها، وذلك بسبب خدمتها لأجندات خارجية لاترقب في شعب أو بلد إلا ولا ذمة،  ولأنها قدمت مدخلا مناسبا لاحتلال الشعوب وإذلالها، فالشعب الذي يثور على طاغية أو ظالم له توجهات ليبرالية علمانية أو شيوعية ماركسية، لا يقبل ولايرضى بمثله ذا مرجعية إسلامية،!

فالظلم أي كان مقترفه يسمى ظلما، وكذلك الفسادوالاستبداد والدكتاتورية…إلخ

الثورات قامت قصد التحرر وتحقيق الكرامة لا الرزوح تحت الذل والمهانة أو لتصبح مرتعا لمنظمات التجسس والعمالة الدولية.

حينما ننظر لما سبق من حراك وثورات شعبية في الدول الإسلامية ونحاول قدر الإمكان رصد أزماتها ومشاكلها سنجد معظمها من خلال أيادي خارجية تسللت عبر شعارات براقة وادعاءات كاذبة تدفع الناس للاتجاه الخطأ لتقتات على أشلائهم ودمار بلادهم ، ولن تفلح هذه الثورات حتى تقطع كل يد خارجية تحاول العبث بأهدافها أو حرف مسارها مهما رفعت من شعارات وقدمت من إدعاءات ، الثورة السورية تسللت إليها مجموعات تشكل تنظيمات حملت شعار النصرة والمؤازة فما لبثت حتى انقلبت ثورة مضادة تقذف بحلم الشعب أدراج الرياح،!

ليتحول من جهاد مقدس إلى فتنة لاتبقي ولاتذر، طبيعة المجتمع السوري الكرم وحسن الضيافة فلا يمر غريب أوعابر  سبيل إلا فتحوا له بيوتهم وأطعموه من قوتهم فرحين بصنيعهم أيا كان حسبه أو نسبه، شعب عاطفي طيب القلب سهل العريكة ، مكونات الثورة كلها من رحم المجتمع السوري .. أساتذة .. معلمين .. دكاترة .. مهندسين .. عساكر .. ألوية .. ضباط .. طلبة .. عمال .. الفقراء والأغنياء .. شكلوا مجموعات ثورية بأسماء مختلفة في مناطق متعددة هدفها إسقاط الظلم وإقامة العدل، ومن الطبيعي في هكذا حال أن تحل الفوضى ويصعب ضبط الحدود المتعدد مع دول الجوار، ” الأردن ولبنان والعراق وتركيا ” تنظيم الدولة في العراق فرع لتنظيم القاعدة أرسل الى الأراضي السورية مجموعة بجنسيات متنوعة رافعة خرقة مكتوب عليها “جبهة النصرة” معلنة دعمها للثورة والشعب المظلوم ومبطنة نية الغدر به والالتفاف على قضيته،!

أميرها العام  هو إبراهيم بن عواد المتواجد في العراق (أبو بكر البغدادي) ونائبه أو وكيله في سوريا أسامة العبسي السوري (ابو محمد الجولاني) نشر الجولاني مجموعته التي تحوي ضباطا سابقين في جيش البعث العراقي  في مختلف المناطق المحررة مستغلين ترحيب المجتمع السوري وانفتاحه ، وكان وراء الأكمة ماوراءها ، استقر الجولاني في الشمال مشكلا نواة المركزية ليذهب رفيقه إياد الطوباسي (أبوجليبيب الأردني صهر ابومصعب الزرقاوي) للجنوب فيستقر في درعا وريفها ليستقر أبو أيمن العراقي  في ريف اللاذقية وأبو علي الأنباري في حلب وريفها وغيرهم من القيادات القادمة من العراق وغيره ، وهكذا انتشر هذا التنظيم في مختلف المناطق ليبدأ بعمليات جريئة ضد النظام  لم يألفها الثوار البسطاء مما جعل لهذا التنظيم شعبية بين الناس،!

ليصعب فيما بعد اتهامه أو الشك في مصداقيته،!

وهذا  تكتيك واضح في هذه التنظيمات،!

ثم بدأ التنظيم يستقطب ويجند في صفوفه الشباب الأجانب (المهاجرين القادمين لأداء الفريضة التي أفتى بوجوبها علماء المؤتمر سابق الذكر ) والجيل الناشئ داخل الثورة، بعد مرور أقل من سنة واحدة أصبح التنظيم الدخيل على الثورة السورية يوازي أكبر فصائل المقاومة وأصبح يسيطر على موارد اقتصادية مهمة مثل حقول النفط و مصافي المحروقات وصوامع الحبوب وغيرها مما خسره النظام أمام الثوار ، عند تضخم هذا التنظيم و بلوغه ذروة القوة العسكرية والاقتصادية، وقع الخلاف على النفوذ بين قواده أبو بكر البغدادي ومن هم على رأيه في إعلان مشروع الثورة المضادة “المبيتة” من جهة ومن جهة أخرى أبو محمد الجولاني وأتباعه ممن يرون إعلان ذاك المبيت سابق لأوانه، والحقيقة أن كلاهما يمثل ثورة مضادة غير أن الأخير يمارسها بأسلوب أنعم وأقل حدة، ويتمظهر بصورة شبه “معتدلة” لمن يراها من بعيد ،!

انقسم الطرفان وباتت القوى الكبرى مع المشروع الأول المسمى “داعش” الذي ظهر للجميع على حقيقته وذهب اللبس عمن كان متحفظا عن إتهامه بالغدر والعمالةوالخيانة، الطرف الثاني بقي على اسمه الأول لكن في نسخة جديدة انتقلت من تبعيتها لتنظيم الدولة في العراق إلى تنظيم القاعدة “الذي يتزعمه د.الظواهري” الأصل الذي أنجب الأول أي “تنظيم الدولة” ، وبهذا الانتقال وما ترتب عليه من خصومة بلغت حد التكفير والاغتيالات والاقتتال بين الطرفان راح ضحيته الآلاف من الشباب، حصلت قطيعة بين جماعة الدولة والقاعدة بفرعها الجديد جبهة النصرة، لتدخل الثورة في مرحلة خطيرة  تحولت إلى حرب عشواء عمياء في مواجهة دامية بين ثورة الشعب والثورة المضادة العنيفة داعش.. في هذه المرحلة الحساسة أعاد الجولاني هيكلية تنظيمه النسخة الثانية بتبعيته للقاعدة ،وبدأ بتقوية جبهته مستغلا اسم القاعدة في استقطاب الداعمين والأتباع والمجندين من المهاجرين (عرب وعجم) وأبناء المجتمع السوري .!

بينما أغلب القوى الثورية تستنزف أمام الدواعش ليستغل النظام الفرصة لاسترجاع العديد من المناطق التي خسرها، ليصل الجولاني بتنظيمه “جبهة النصرة” لمرحلة التكافئ في وقت وجيز بنفس البرنامج والنموذج الأول حينما كان تابعا للبغدادي .!

ليبدأ بعدها بتصفية المنافسين والقضاء عليهم سواء من هم داخل تنظيمه أو خارجه واحدا تلو الآخر، نشر الغلو والفكر المنحرف وتدريسه للمنتسبين والمجندين ( دورات شرعية )، تخوين وتسفيه الفصائل المنافسة في الساحة، قتال الفصائل الضعيفة واحدة تلو الأخرى  بحجج واهية وأخذ أسلحتها وذخائرها ( أولها جبهة ثوار سوريا و آخرها لحد الآن حركة نور الدين الزنكي التي  كانت جزء من هيئة الجولاني  قبيل قضائها على حركة أحرار الشام )، اختطاف رهائن لها قيمة اجتماعية ومفاداتها بالأموال ، أخذ الدعم اللوجستي من أموال ومواد إغاثية وسلاح من جهات مشبوهة ومعادية (غرفة الموك الأمريكية ودول خليجية ) ، مع تحريمه على غيرهم وتكفيرهم لمن فعل ذلك، منع المشاركين من أخذ حصصهم في الغنائم ضد النظام (قصد استمرار حاجتهم للتنظيم وعدم الإستغناء عنه) ، السيطرة على المعابر التجارية وفرض الضرائب على الناس  ، عقد صفقات بعضها سرية تضم مبالغ خيالية (مشبوهة)  ، إبعاد وتهميش المخالفين أو تصفيتهم حسيا أو معنويا إما بالقتل أو السجن أو النفي خارج المحرر، اعتماد العمالة المزدوجة مع التحالف الدولي على رأسه أمريكا، وتطويرها لتصبح الجزء الرئيسي من الجهاز الأمني للجولاني وجماعته ،!

الوقوع في العديد من التناقضات الفكرية والعملية، خداع العناصر والأتباع وعدم توضيح مسار الجماعة وأهدافها، بهذا الشكل استطاعت جبهة النصرة أن تفرض نفسها وتثبت وجودها، وبعد انتهاء العمل بتنظيم القاعدة في سوريا وأصبح عائقا أمام الجولاني وزمرته في إكمال مشروعه “القضاء على روح الثورة “والتخلص من  المنافسين، عزم على خلع حذاء القاعدة المهتري، الذي لم يعد يجدي نفعا غير حرقه في معارك ليست ذات قيمة لستراتيجية يذهب وقودها كل من  ليس مؤهلا ليتواجد في المرحلة القادمة.!

قبيل هذه المرحلة أصدر أحد أقطاب القاعدة في جبهة النصرة صرخة أسماها “أنا النذير العريان” وهو أبو فراس السوري المتحدث الرسمي باسم الجولاني قال في مضمونها مامعناه أن الجولاني وزمرته كلما ركبوا قاربا خرقوه ليركبوا غيره،! واصفا ذلك بالاستغلال والخيانة…الخ ،!

لن تفيد تغير الأسماء شيئا ( جبهة النصرة أو فتح الشام أو تحرير الشام ) مالم تتغير المضامين تغيير جذري حقيقي وليس مصلحي إنتهازي،  تارة تعادي داعش وأخرى تدعمها ومرة تعلن التحالف مع الأتراك وأخرى تظهر عكس ذلك، ومثله مع النظام والاكراد PKK ،!

فالإزدواجية لاتبني مشروعا ولا صرحا وإنما تبني ركاما هشا سرعان ماينقض على صاحبه فيهلكه .!

هذا يدل على أن الجولاني وزمرته عصابات متمرسة على الخداع والكذب و المراوغة و براغماتيين، ليس لديهم مبادئ مجرمين في صورة مجاهدين ومفسدين في صورة مصلحين ،استطاعوا اختراق الثورة وتلويثها وحرف مسارها،  بل واستطاعوا خداع المهاجرين وتوريطهم (إلا فئة قليلة من العرب والعجم  قصدوا مساعدة ونصرة الثورة بإستلالية تامة ) في المساهمة ضدها ،  ولاشك أن الثورة سيأتي يوم تحاسب وتحاكم كل من تورط وكان له دور في أذيتها ، وللأسف هم كثيرون ولغوا في الدم الحرام والقتال العصبي الفصائلي المقيت ، فتغيير الأسماء والخرق لا يعني تغير الحقائق أو سقوط المظالم أبدا، مادام المجرم والمذنب هو هو ، ومادامت الأفكار المختلة والمنحرفة هي هي ،!

فلا حل لهؤلاء المتورطين غير النأي بأنفسهم وأعراضهم والخروج من تلك البراثن العفنة المكتضة برجال الاستخبارات الصهيوأمريكية الملتحية، والتي مافتأت تنهش في ثورة الشعب ومازالت…!

وتقديم الاعتذار للمجتمع السوري وتركه يصفي حساباته  مع من تآمر عليه أو خانه وغدر به …

 

 

بقلم/ زكرياء العزوزي

المصدر:

مافا السياسي (ادب المطاريد)

www.mafa.world