بين العجز والطمع تتمزق أمريكا فى أفغانستان (3)

بين العجز والطمع تتمزق أمريكا فى أفغانستان

(3)

 

 1- التنافس الخليجى بين “عرب تابى” و”عرب بجرام” لدفع الشعب الأفغانى إلى الإستسلام أمام الإحتلال الأمريكى .. لماذا ؟؟.

2- “عرب التكفير” خطر قادم ، و أمريكا  تلغم مستقبل أفغانستان “بالجهاديين!!” العائدين من تركيا ، وكمية سلاح ضخمة سبقتهم إلى باكستان ، “هدية” من دولة عربية متسولة!!.

3- لا مكان لفوضى التنظيمات الجهادية فى أفغانستان المستقبل .

 4- سابقا ساهمت تنظيمات جهادية فى إسقاط حكم الإمارة الإسلامية ، ولن تكون لهم هناك فرصة ثانية .

بقلم  : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

 

فى إحدى جلسات التفاوض قال المفاوض الأمريكى لوفد حركة طالبان ، يملى عليهم إشتراطاته :

– إبحثوا عن إسم آخر غير”الإمارة الإسلامية ” ، فهو غير مقبول دوليا .

– نحن نعترف بحركة طالبان ولا نعترف بالإمارة الإسلامية .

– إذا إنسحبنا فأى ضمانات ستقدمونها لنا ؟ .

– ننسحب ولكن خلال مدة 6 سنوات .

بهذه الغطرسة جلس المفاوض الأمريكى ليملى إشتراطاته على المفاوض الأفغانى وكأنه الطرف المنتصر فى الحرب.

قصيدة المفاوض الأمريكى بدأت بالكفر ، وبه إنتهت .

خليل زاد رئيس الوفد الأمريكى يجلس مطمئنا بدعم فنى من وفد الخبراء، يبلغ عددهم 25 بما فيهم قائد القوات الأمريكية ومختصين فى كافة الفروع التى قد يحتاجها.

قال الأمريكى للوفد الأفغانى : لا نوافق على عودة الإمارة الإسلامية بهذا الإسم لأنه “غير مقبول دوليا”!!. كان واضحا أن الأمريكى غير مرتاح لصفة (الإسلامية)، وإلا فإنه يعترف بالعديد من الإمارات ، وعلى رأسها : “الإمارات”.. “العربية”.. “المتحدة” .

إنها إمارات كثيرة عربية وأيضا متحدة ، فلماذا يضيق صدر الأمريكى بإمارة واحدة إسلامية؟؟.

بل أنه يستخدم تلك الدويلة المتحدة فى مشاريع كونية عظمى تفوق مقدارها، بل ومقدار دول العرب أجمعين . ولولا مراعاة الدبلوماسية لقال المفاوض الأمريكى بكل صراحة : نحن لا نريد إسلاما فى أفغانستان ــ فتلك هى الترجمة الصحيحة لجميع سياساته فى أفغانستان بدءاً من الحرب وصولا إلى الإعلام مروراً بالتعليم والسياسات الإجتماعية والإقتصادية ــ جميعها سلسلة متكاملة مدروسة بعناية وينفذها الإحتلال بحزم طوال 18 عاما لإقتلاع الإسلام من نفوس الأفغان ، ومن أرض أفغانستان وحتى من هوائها .

 وإذا كان إسم(الإمارة الإسلامية) غير مقبول دوليا ، فهل إسم”الولايات المتحدة الأمريكية ” هو معشوق جماهير العالم؟؟ . أم أن غالبية شعوب الأرض تلعن ذلك الإسم صباح مساء ؟؟ .

 وتحت ذلك الإسم كم إرتُكِب ويُرتَكَب من جرائم وظلم؟؟، وخُلِقَت مآسى ومجاعات وإضطراب وفتن وحروب ؟؟ . حتى أن الحرب والسلاح هى تجاراته الرسمية الأولى . وصناعة الهيروين وترويجه حول العالم هى أهم المصادر السرية لثروته ونفوذه وتكبره فى العالم .

 

 

قانون الفوضى :

بقانون الفوضى ترسم الولايات المتحدة عالماً جديداً وفق مقاييسها الخاصة . بشعار (أمريكا أولا)، شعار النازية الأمريكية الجديدة ، ألغى ترامب الكثير من الإتفاقات الدولية التى شاركت فيها بلاده ، وتخطى قوانين المؤسسات الدولية التى صنعتها بلاده بعد الحرب العالمية الثانية مثل(الأمم المتحدة ـ ومجلس الأمن )، وضرب بقراراتهما عرض الحائط . ثم يصدر ترامب ـ بإسم الولايات المتحدة ـ قوانين جديدة وقرارات بالحرمان والتحريم والحصار الإقتصادى والجويع والحروب الأهلية ، ثم يعاقب أى دوله تشذ عن الإلتزام بقوانين الفاشية الأمريكية الجديدة .

  * وبتلك الروح نفسها ، يقول المفاوض الأمريكى لوفد حركة طالبان : نحن نعترف بحركة طالبان ولكننا لا نعترف بالإمارة الإسلامية . أى أنه يعترف بوفد الإمارة الإسلامية ولكنه لا يعترف بالإمارة التى أرسلته!! .

فماذا لو إعترف وفد الإمارة الإسلامية بالمفاوض (خليل زاد) ولم يعترف بالحكومة الأمريكية التى أرسلته ؟؟، كيف يستقيم ذلك الخبل الأمريكى؟؟ . ولكنها السياسة الدولية الجديدة لتلك الدولة الفاجرة ، بالإتساق مع مسار طويل من العربدة الإقتصادية والسياسية ، الذى من خلاله:

 * يعترف ترامب بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرئيل . ويعترف بالجولان كجزء من تلك الدولة المصنوعة على يد الإستعمار الغربى الذى حفر أساساتها على أرضنا فى فلسطين .

* فنزويلا، يعترف ترامب برئيس البرلمان رئيساً للبلاد ، ولا يعترف برئيسها المنتخب ،!!.

 * ويعترف بحكومة إيران ولا يعترف بالحرس الثورى الذى هو جزء من منظومتها الدفاعية، بل ويعتبره منظمة إرهابية .

* وفى لبنان يعترف بالدولة ، ولا يعترف بحزب الله الذى هو جزء من حكوماتها .

وعلى هذا المسار تسير أمريكا بالعالم نحو إستبداد إنفرادى ، بدون أن تتمتع بأى جدارة أخلاقية أو قانونية لممارسة ذلك الدور، سوى دعاويها الفارغة عن شئ وهمى لا وجود له يسمونه ديموقراطية ، وإشاعة إسمها حقوق الإنسان .

 

 

عقدة الضمانات :

يضع المفاوض الأمريكى مسألة “الضمانات” مثل العقدة فى المنشار . ضمانات يطلبها المعتدى ، الذى دمر البلد وقتل مئات الألوف وشرد الملايين ، ونهب الثروات وخرب الأخلاق والتماسك الإجتماعى ، ونشر الأمراض والأوبئة ، التى لم توجد قبل ظهوره فى البلد .

   *المعتدى يطالب الضحية بعدم الإعتداء عليه مستقبلاً وأن تقدم ضمانات لذلك . ضمنيا فإن ذلك يعنى إتهام الإمارة الإسلامية بالمشاركة فى حادث11 سبتمبر، على الأقل بإيواء “القاعدة” التى أتهمها بإرتكاب الحادث .

فلا إتهام القاعدة قام عليه دليل قاطع ، ولا ثبت أن الإمارة كانت تعلم شيئا عن ذلك الحادث إلا من خلال وسائل الإعلام .

ثم أن فوضى التنظيمات “الجهادية” العربية وغير العربية لم تكن من صناعة الإمارة ولا هى إستراحت لوجودها ، ولكنها تعاملت معها كأمر واقع، بإفتراض أن هؤلاء كانوا مجاهدين على أرض أفغانستان ضد السوفييت. وأن معظم تلك الفوضى كان المسئول عنها أنظمة حكم خاضعة للولايات المتحدة ، طاردت هؤلاء الشباب ، فاعتقلت وسجنت وعذبت بأبشع الصور تحت إشراف مسئولين أمنيين أمريكيين حضروا التحقيقات وحفلات التعذيب البشع .

 

 

 العلاقة مع  الأحزاب والمنظمات الجهادية فى المستقبل :

ربما بات واضحاً موقف الإمارة الإسلامية من مسألة الأحزاب السياسية والتنظيمات الجهادية. وما حدث فى أفغانستان منذ الغزو السوفيتى وحتى الغزو الأمريكى الممتد حتى الآن ، يوضح بلا أدنى شك سلبية الدور الذى تلعبه الأحزاب السياسية والتنظيمات مهما تسترت باسم الجهاد أو الإسلام . ونظرة على المشهد السياسى الحالى فى كابول تظهر ذلك بوضوح من خلال قادة الأحزاب الجهادية الذين يدعمون المحتل بكل طاقتهم، ومعهم أبرز قوادهم العسكريين والسياسيين ، الذين عمل بعضهم كقيادات فى أجهزة الأمن والإستخبارات .

 ناهيك عن التجارب المريرة للتنظيمات “الجهادية” فى جميع الأماكن التى نشطت فيها . ويعنينا هنا نشاطهم فى منطقة وزيرستان الحدودية فى باكستان ، وكيف ساهموا فى تسعير الفتن وتمزيق القبائل ، بل وتمزيق معظم التنظيمات التى فرت من أفغانستان بعد الإحتلال الأمريكى. وفى النهاية قدمت نشاطاتهم ستاراً لحرب مدمرة شنها الجيش الباكستانى على القبائل ، كما قدموا لأمريكا سابقا تبريرا ــ بل دعوة مفتوحة ــ لغزو أفغانستان.

   * مستقبلا لن تقيم لا أحزاب ولا تنظيمات جهادية من أى نوع فى الإمارة الإسلامية. ولن تكون هناك فوضى وفتن مذهبية وعرقية تحت مسمى الجهاد.

 وهذا لا يمنع وجود أفراد مهاجرين من المجاهدين يقيمون فى أفغانستان بصفتهم الفردية وليس الحزبية أو التنظيمية ، خاضعين لقوانين الإمارة . فسابقا ساهمت تنظيمات جهادية فى إسقاط حكم الإمارة الإسلامية ، ولن تكون لهم هناك فرصة ثانية .

فقوات الإمارة هى القوة المسلحة الوحيدة فى البلاد ، مدعومة بتشكيلات شعبية تدعمها، وفق خطة دفاعية شاملة عن أفغانستان .

 

 

تلغيم مستقبل أفغانستان بالجهاديين العرب :

 تتشارك الولايات المتحدة مع تركيا فى برنامج لترحيل الآلاف من بقايا الحرب السورية من العرب ومن مختلف الجنسيات الأخرى ، والذين ترفض بلادهم عودتهم إليها ، وآلاف من مساجين داعش فى العراق ، لشحنهم بوسائل مختلفة إلى أفغانستان، إما مباشرة أو عبر باكستان ، التى إستلمت بالفعل شحنة أسلحة ضخمة من دولة عربية متسولة ذات علاقات كاملة مع إسرائيل ، من أجل تسليح هؤلاء” الجهاديين”، الذين خبرتهم الكبرى هى إثارة الفتن الطائفية وتخريب المدن العامرة وإحراق الدول واستدعاء التدخل الإستعمارى إليها. ولديهم شهادات خبرة عريقة تمتد من أفغانستان ، وصولا إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن .

  * تتكبد أمريكا تلك المشقة ويتكبد معها الأتراك والعرب، من أجل تلغيم أفغانستان فى وجه حركة طالبان ، وإشغالها فى (حرب إسلامية) ضد تكفيريين ، لعرقلة مساعيها فى التحرير ، أو لتهديم ما يمكن أن تبنيه بعد تطهير بلادها من الإحتلال .

فيكرر “الجهاديون العرب” ما أتقنوا صناعته فى تهديم ما يبنيه المسلمون ، وإفشال أى تجربة ناجحة أو مرشحة للنجاح ممكن أن يخطوها أى شعب مسلم فى أى مكان .

 

 

مهلة 6 سنوات .. للإنسحاب أم لإنهاء الجهاد ؟؟

يعرض المفاوض الأمريكى مهلة 6 سنوات للإنسحاب من أفغانستان . الوسطاء الخليجيون إستعرضوا قدراتهم فى إقناع وفد طالبان بمعقولية ذلك الطلب. من الواضح تماما أن تلك المهلة الطويلة الهدف منها إنهاء قضية الجهاد ، ودفع الشعب والمجاهدين إلى البحث عن مخارج شخصية لمشاكلهم . وفى نفس الوقت تمضى المشاريع الإستراتيجية للإحتلال وفى مقدمتها مشروع خط أنابيب الغاز “تابى” عبر أفغانستان إلى باكستان . وتشارك عدة دول نفطية مع أمريكا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى ، فى ملكية الشركات المنفذة للمشروع . أى أنها صاحبة مصلحة مباشرة فى إنهاء جهاد شعب أفغانستان ، وبقاء القوات المحتلة فى ذلك البلد لحماية خط الأنابيب وإخماد جذوة الجهاد، الذى قد تنتقل نيرانه إلى ثياب أنظمة تخدم إسرائيل والولايات المتحدة .

رئيس وفد التفاوض للإمارة قدم لهم مهلة خمسة أشهر للإنسحاب . وبعد مشاورات كثيرة ووساطات وصل الرقم إلى تسعة أشهر لا غير .

وتوقفت جولة التفاوض الأخيرة التى إستمرت 16 يوما فى الدوحة، عند طلب من الوسطاء أن يستشير الوفد الأفغانى العلماء فى هذه النقطة(!!).

 وهنا لغم تفاوضى آخر متخفى داخل إطار دينى: فأى علماء يستشيرون؟. علماء قطر ؟ أم الإمارات ؟ أم السعودية ؟ أم باكستان ؟. ألم يجتمع هؤلاء ومعهم (علماء !!) من أفغانستان للإفتاء بحرمه مقاومة المحتل الأمريكى وضرورة إحلال السلم معه والتفاوض مع حكومته العميلة فى كابول؟؟. وإذا إستشار وفد طالبان علماء مجاهدين ، فكيف لهؤلاء العلماء أن يعلموا عواقب منح العدو فترة طويلة مثل هذه سوف تقود إلى نتيجة مؤكدة هى وقف الجهاد ضد الإحتلال . إن مهلة 6 سنوات هى مجرد إعادة صياغة لعبارة (وقف الجهاد ضد المحتل) . والسياسيون لابد أن يوضحوا ذلك للعلماء الذين تم إقحامهم فى مجال لم يحاطوا به علماً . والعالم الذى لا يعلم أبعاد تلك المهلة الطويلة فسوف يفتى بجوازها ، أما إذا إتضحت له خطورة ما هو مقدم عليه فسوف يفتى بالتحريم مادامت المدة المقترحة هى عمليا إقتراح لوقف الجهاد مع بقاء الإحتلال.

 ثم لماذا إستفتاء العلماء أصلا فى عملية فنية بحتة ، المفاوض هو أدرى الناس بأبعادها؟؟. هل يذهب المجاهد مثلا للإستفتاء على المدة اللازمة لحصار موقع معادى،أو التوقيت الشرعى لشن هجوم عليه ، أو نوع الأسلحة وعدد الرجال اللازمين ؟؟.إنها مسائل عسكرية متخصصة يفتى فيها القائد الجهادى مالك زمام هذا التخصص.

 

 

منافسة بين “عرب تابى” و “عرب بجرام” :

* أهل الغاز فى قطر ينتظرون وقف حرب أفغانستان حتى تدور عجلة أرباح شركاتهم العاملة فى مشروع (تابى) لمد خط الغاز عبر أفغانستان . والنفطيون فى أبوظبى يعملون على إنهاء الحرب بشرط أن تترسخ صناعات الهيروين و تبييض الأموال مع بقاء عجلة أرباح شركات المرتزقة تدور وهى تعمل فى حراسة ذلك الشلال المالى . الرغبة الخليجية واحدة فى تهدئة أفغانستان تحت ظلال الإحتلال الأمريكى . ولكن مصادر أرباحهم مختلفة . فالبعض يلهث وراء غاز آسيا الوسطى ومشروع “تابى“، والآخر يلهث وراء هيروين قاعدة “بجرام“.

مع العلم أن “عرب بجرام” أوراقهم رابحة على الدوام، سلما أوحربا، فبضائعهم لا تبور/ طالما بقى الأمريكان مصرين على كنوز الهيرويين/فهذا يعطيهم هامشا كافيا لتعكير صفو “عرب تابى” ولكن فى حدود لا تعكر صفو الأمريكيين أيضا ، الذين رغم كنوز الهيروين إلا أن لوبيات النفط فى أمريكا منزعجة جدا من التأخير فى تنفيذ مشروعهم فى أفغانستان.

* إن عرب تابى فى منافسة مع عرب بجرام . ولكنهم متحدون ضد جهاد شعب أفغانستان ، وتتفق مصالحهم مع بقاء الإحتلال الأمريكى فى أفغانستان، إما مباشرة أو بواسطة قواعد عسكرية على رأسها قاعدة بجرام العتيدة.

 ومرحبين فى ذات الوقت بزحف إسرائيل على بيت الله الحرام ، ومسجد رسوله الكريم فى المدينة المنورة .

ولأفغانستان رب يحميها بشعب يحب الله ورسوله .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world