أفغانستان فى مركز النظام الدولى القادم

0

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

نقلا عن مجلة الصمود الإسلامية / السنة الثالثة عشرة – العدد (152) | صفر 1440 هـ / أكتوبر 2018 م.      

16/10/2018

أفغانستان فى مركز النظام الدولى القادم

 

– لم تعد أفغانستان منطقة عازلة ، بل أصبحت حلقة وصل أساسية بين أقاليم آسيا .

– الإستعمار الأمريكى يحتضر ، وهو آخر السلالات المتوحشة للإستعمار الأوروبى .

– شعوب آسيا تدرك الآن أهمية جهاد شعب أفغانستان لحماية شعوب القارة من العدوان الأمريكى والإرهاب الداعشى ، ومن حقه أن يحصل على دعمهم السياسى والتسليحى .

– التعاون مع شعب أفغانستان فى وقت الضيق الحالى ، سوف يحدد مدى تعاونه مع أصدقائه فى عصر السلام القادم .

– ستنتشر هداية الإسلام أينما سار طريق الحرير ، وسارت طرق القطارات  عبر أفغانستان إلى برارى آسيا وموانئ العالم .

– ليس السؤال هو متى ينسحب الجيش الأمريكى من أفغانستان ، بل السؤال هو كم من جنوده يمكنهم النجاة من أفغانستان ؟؟.

 

بقلم  : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

تحميل مجلة الصمود عدد 152 : اضغط هنا

 

 

ليس هناك أى شك فى أن “النظام الدولى” أحادى القطبية قد إنهار . وأن نظاما آخر قيد التشكيل وسط مقاومة أمريكية عنيفة ومتهورة .

تلك المقاومة الحمقاء تعجل بتشكيل النظام الدولى القادم ، وكل الدول المتماسكة تبحث لنفسها عن مكان بداخله . والدول المسحوقة فاقدة الإرادة تتمسك بالسيد الأمريكى ، ومستعدة للذهاب معه إلى الجحيم ، وتدفع له الإتاوات وتنفذ كافة مطالبه عسى أن يقبل تعلقها الذليل به .

من إستوعبوا الحكمة الكامنة فى التاريخ كانوا يقولون أن أمريكا إرتكبت أكبر خطأ فى تاريخها بغزوها لأفغانستان بينما عبرة سقوط الإتحاد السوفيتى مازالت ماثلة للعيان . وكانوا يقولون أن أفغانستان صارت محصنة ضد أى غزو خارجى بعد ما حدث للسوفييت . ومن قبله ما حدث لبريطانيا التى كانت عظمى وإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، ولكن بعد ثلاث حملات عسكرية لإخضاع أفغانستان تحولت إلى دولة من الدرجة الثانية ، ثم إلى مجرد “ذيل حضارى” للإمبراطورية الأمريكية التى سيطرت على النظام الدولى فى مقابل كتلة شيوعية منافسة . فكان نظاما ثنائي الأقطاب إستمر حتى هزيمة السوفييت فى أفغانستان وسقوط إمبراطوريتهم ، وأعلان أمريكا عن نفسها كمنتصر أوحد فى حرب أفغانستان ، وتعلن نهاية الحرب الباردة وأنها سيد العالم الأوحد بلا منازع وإلى مالا نهاية .

ثم رفعت راية “العولمة” التى هى “أمركة” العالم إقتصاديا وثقافيا ، تحت سطوة أمريكا العسكرية ، وأحادية سيطرتها على كل بنى البشر فى كل أنحاء الأرض .

بلغ الغرور الأمريكى حدا تجاهلت فيه السُنَّة التاريخية الثابتة ، والتى تقول أن أفغانستان هى مقبرة الأمبراطوريات الظالمة التى تخترع للبشر نظاما للإستعباد ” تسميه ” النظام دولى”.

لم يكن غير الأحمق جورج بوش الصغير هو من يمكن أن تبلغ به الجهالة إلى حد الإقدام على غزو أفغانستان . لتبدأ عملية تركيع أمريكا على يد مجاهدى الشعب الأفغانى .

كان واضحا للرئيس أوباما أن بلاده لن تفوز فى حرب أفغانستان ، ولكنه لم يمتلك القدرة على مواجهة مجموعات الضغط التى تريد إستمرار الحرب حتى ولو كانت حربا عقيمة عسكرياً طالما إنها تحقق أرباحاً طائلة فى جوانب أخرى مثل الأفيون والنفط ونهب الثروات المنجمية ، إضافة إلى ترويج منتجات صناعة السلاح والصناعات الأمنية وشركات المرتزقة (المتعاقدون)، وفوق الجميع البنوك الكبرى العاملة فى عوائد النشاطات آنفة الذكر خاصة المخدرات .

–  حتى اللحظة الراهنة لم تخرج القوات الأمريكية من أفغانستان ، وإن كانت قد إنخفضت إلى جزء من عشرة أجزاء من حجمها الأصلى . أى أنها الأن 15 ألفا بدلا من 150 ألف جندى قبل عام 2015 . ولكن لا تتوافر إحصاءات رسمية عن قوات(بلاك ووتر) وأشقائهم من الدواعش من “فرق الموت” الوهابية التابعة للجيش الأمريكى . وهناك قوات مستخزية أخرى ، هم (أولاد الحرام) الذين يمولون الناتو ويقاتلون معه حيثما حل فى بلاد المسلمين ، بدون أن يعترف الحلف بأنهم أبناء شرعيون له .

–  ومع هذا فإن ترامب (المجنون ، المختل نفسيا ، المنحرف إخلاقيا ) قد يحصل على فرصة فريدة لتخليص بلاده من حفرة النار الأفغانية التى سقطت فيها. ومن المتوقع أن الفترة ما بعد إنتخابات التجديد النصفى فى شهر نوفمبر القادم سوف تشهد مفاجآت أمريكية غير متوقعة ، أيا ما كانت نتائج الإنتخابات .

ــ (النظام الدولى) الأمريكى أحادى القطبية قد أنتهى منذ سنوات وبهذا تكون أفغانستان أوفت بعهدها ، وقضت على مكانة دولة عظمى، و(نظام دولى) حاول إذلال العالم ، ولم ينتبه إلى خطواته التى أسكرها الغرور فسقط فى جهنم الأفغانية .

ــ العالم الآن بلا نظام دولى . وهناك نظام فى طور التكوين ، وللمفارقة فإن تخبط السياسة الأمريكية تدفع نحو بلورته بسرعة . وكتلته الصلبة سوف تكون الصين وروسيا ، وحولهما إيران ودول أخرى تمتد من الهند إلى جنوب أفريقيا والبرازيل .

تنبهت أمريكا بعد فوات الأوان إلى الخطأ الذى وقعت فيه بمعاداة روسيا والصين معا ــ فحاولت إجتذاب الهند بعيدا عنهما ــ فخصها ترامب بعبارة مجاملة فى خطابه الفكاهى فى الدورة 43 للجمعية العامة للأمم المتحدة ، الذى أضحك قادة العالم على ما وصلت إليه الولايات المتحدة ، التى قضت على أنظمة العالم وقوانينه ، بينما يقف رئيسها يتباهى بجهله ومغالطاته المضحكة .

– أفغانستان التى حطمت خلال قرن ونصف ، ثلاث أنظمة إستعمارية كانت تدير العالم ، لم تستفد فى أى مرة من أنجازات دفعت ثمنها غاليا من الدماء والأموال . يعود ذلك إلى ضعف القيادة السياسية للبلد ، وقدرة القوى الإستعمارية على إشعال الفتن الداخلية ، والتدخل فى أمور الدولة إلى درجة تعيين الحكام ومساندة طرف على أطراف أخرى منافسة .

آخر الفرص التى ضاعت كانت إنتصار الشعب الأفغانى على الغزو السوفيتى الذى كلف دماء وأرواح مليونى شهيد وإضعاف ذلك من المعاقين والجرحى .

ولكن عدم وجود قيادة سياسية للجهاد ، أتاح فرصة للدول الخارجية كى ترسم المسار السياسى لأفغانستان ، فأوقعتها فى حرب أهلية طاحنة منعتها من جنى ثمار إنتصارها الكبير .

الجهاد الحالى ضد الإحتلال الأمريكى ، يدور فى مناخ إقليمى ودولى تأثر كثيرا بالفشل الأمريكى فى إخضاع أحد أفقر الشعوب إقتصاديا ، وأغناها معنويا ودينيا، مما أدى إلى ظهور أقطاب كبرى حول أفغانستان تزحف بثبات نحو قيادة العالم ، فى مواجهة معارضة وعرقلات أمريكية كثيرة وقوية . ولكنها مسألة وقت ليس إلا ، حتى يبزغ نظام أسيوى يقود العالم ، ستكون أفغانستان فى مركزه ، ولديها المؤهلات لذلك  ، وهى :

 

أولا ـ إنقلاب فى الدور “الجيوسياسى” لأفغانستان :

فى القرن التاسع عشر كان ينظر ـ دوليا ـ إلى أفغانستان على أنها ” دولة عازلة” تفصل بين كتلتين من أعظم كتل العالم ، تزحفان فى إتجاهين متعاكسين . الروس يزحفون لتوسيع إمبراطوريهم القارية من الشمال إلى الجنوب ، وغاية زحفهم كانت مياه المحيطات الدافئة أى إنتزاع الهند من التاج البريطانى . وإمبراطورية بريطانية “بحرية” لا تغيب عنها الشمس زاحفة فى الإتجاه المعاكس من الجنوب نحو الشمال ، لتبتلع المساحات الشاسعة فى آسيا الوسطى وجبال القوقاز وما خلفها من بلاد .

ولأن الصدام بينهما سيكون كارثيا للإمبراطوريتين ، فإتفقتاعلى تحييد أفغانستان وجعلها منطقة عازلة تمنع التماس المباشر بينهما وما قد ينتج عنه من حروب .

– الآن إختفت تلك المعادلة الدولية . فروسيا الإمبراطورية لم تعد موجودة ، وبريطانيا العظمى إختفت عظمتها . والإمبراطورية السوفيتية إختفت كلها ، والولايات المتحدة فشلت فى فرض نظام دولى جديد لأن الأفغان حطموا أحلامها ، حتى صار رئيسها أضحوكة العالم فى الأمم المتحدة . ودول آسيا تبحث عن تواصل إقتصادى يرفع من مستوى الشعوب وليست فى حاجة إلى مساحات عازلة ، بل تحتاج إلى أفغانستان كحلقة إتصال جغرافى بين إتجاهات آسيا الأربعة . وتلك ميزة جغرافية تكسب أفغانستان قوة سياسية فى الإقليم ودورا حيويا فى نهضة إقتصادية عالمية القائمة على حرية وكثافة تنقل البضائع والأفراد بين أرجاء آسيا ، خاصة كتلها الكبرى : الصين ـ روسيا ـ الهند ـ إيران .

إيران والهند بمباركة روسية ، بدأتا بالفعل خطوات لإنجاز تلك الرؤية عبر مرتكزين هامين الأول ميناء تشبهار على بحر العرب ، والثانى خط سكة حديد لربط الميناء بآسيا الوسطى وروسيا . لذا يمكن أن نطلق عليه مشروع (الميناء والقطار) .

ومشروع الصين العظيم الذى أسمته (الحزام والطريق) وهى مشروع صينى ذو عمق عالمى يربط مناطق كثيرة من العالم القديم مع الصين ، كمركز إقتصادى وأكبر قوة تصديرية فى العالم . والمشروع يستلهم فكرة طريق الحرير التاريخى الذى كان يربط أوروبا بالصين التى يمكن أن تتطور مستقبلا إلى قطب قائد للسياسة العالمية . وإذا إتجه ذلك العملاق صوب حضارة عسكرية على النمط الغربى الذى مارستة الدول الإستعمارية فى أوروبا وأمريكا فسوف يدخل العالم فى نفق أسود . ولكن التمنيات تقول أن ذلك لن يحدث على أمل أن التراضى الإقتصادى وتقاسم الأرباح الهائلة بشئ من العدالة لن يجعل “عسكرة” النظام الدولى القادم أمراً مفيداً للإقتصاد أو للسياسة .

– لأفغانستان دور فى كلا المشروعين ، الصينى (الحزام والطريق ) ، أو فى مشروع (الميناء والقطار) أى مشروع ميناء تشبهار وخط القطارات المنطلق منه. ويؤكد المشروعان على أن الدور الجيوسياسى لأفغانستان ما بعد التحرير هو كونها حلقة وصل جامعة لكل آسيا . ومَعْبَراً لعدد من أهم دولها للخروج إلى البحار الواسعة من خلال ميناء تشبهار .

 من ضمن أهداف أمريكا فى أفغانستان هو إستخدامها كقاعدة لتخريب النظام الأسيوى الدولى، والعمل منها ضد أهم ركائزه ، وهم الصين وروسيا والهند وإيران ، بإستخدام ورقة “الإرهاب الداعشى” الملحق بالجيش الأمريكى وحلف “الناتو” .

إدراك أقطاب آسيا للأهداف الأمريكية بكل وضوح ، جعل الميدان السياسى مفتوحاً أمام تقدم حاسم للإمارة الإسلامية لتثبيت جذورها فى النظام الأسيوى القادم ، وإقتحام الميدان الأسيوى منذ الآن بتمهيد الطرق مع تجمعاته المتعددة ، وإيضاح موقفها من أوضاع العالم الحالية ، والخطر الذى تمثله الولايات المتحدة وحلف الناتوعلى أمن وإستقرار العالم وشعوب آسيا . وأن إمارة أفغانستان الإسلامية بعد التحرير، تعى دورها فى حفظ السلام والأمن فى آسيا وتخليصها من سرطان الإحتلال الأمريكى وإرهابه الداعشى ، لإتاحة الفرص أمام أوسع نطاق ممكن من تحسين أوضاع المنطقة وتنمية ثرواتها فى ظلال من العدالة والسلام .

تحميل مجلة الصمود عدد 152 : اضغط هنا

 

الإمارة الإسلامية تتصدى لأمريكا وداعش :

يتابع العالم ـ والقوى الأسيوية تحديدا ـ المعركة الضارية بين حركة طالبان ـ القوة الضاربة للإمارة الإسلامية ـ وبين جيش الإحتلال الأمريكى ، وما يتبعه من حلفاء وذيول وحشرات متسلقة . ومن أهم مكونات الإحتلال تأتى داعش (كتيبة المرتزقة الوهابيين) الملحقة بجيوش أمريكا والناتو .

لقد فشلت داعش فى تحقيق أى من مهامها فى أفغانستان . ولم تنجح فيما فشل فيه سادتها الأمريكيين ، رغم ما بذلته من تخريب وقتل لإشاعة الفتن المذهبية والعرقية ، وإرهاب مُنَسَّقْ مع أجهزة الدولة فى كابول ، وإنخراط فى صراعات حزبية وأمنية ، وحروب بين ميليشيات النافذين فى النظام . فلم يقتنع أحد فى الشعب الأفغانى بأن إجرام داعش له أى صلة بجهاد حركة طالبان . وحتى دول الجوار لم يساورها أى شك فى ذلك ، سواء الجيران فى الصين أو إيران أو روسيا والهند . فالمسلمون فى القارة الآسيوية هم منارة هدى وحضارة ومُثُل دينية عليا ، وليسوا مع الإرهاب أو التخريب ، ولن يكونوا (ورقة ) فى يد أمريكا أو إسرائيل والناتو لتخريب أمن شعوب آسيا وعرقلة نهضة تلك القارة العريقة. فالمسلمون كانوا دوما ضمير آسيا ومنارة الهداية المشرقة فى أرجائها. والأجواء القادمة فى آسيا والعالم ستجعل الإسلام يشق طريقه بالهداية والدعوة . وعلى خطوط التبادل التجارى التى ستغطى آسيا والعالم سينتشر الإسلام مع حركة الناس والتجار وطلاب العلم ، كما كان الحال فى الأزمان الخالية قبل الهجمة الإستعمارية على دول آسيا المسالمة . ستسير هداية الإسلام أينما سار طريق الحرير، وسارت خطوط القطارات عبر أفغانستان إلى برارى وموانئ آسيا والعالم .

أما الغزاة المعتدين فمصيرهم معروف ، ومن المفروض أن أحدا لن يفكر يوما فى تعكير صفو أمن الشعب الأفغانى ، أو شعوب آسيا الحرة المتشوقة إلى هداية الإسلام الذى سيعرض عليها فى أجواء من السلم والثقة .

 

 

تحديات المستقبل والعلاقات مع دول الجوار :

–   تطوير علاقات الإمارة الإسلامية مع أقطاب آسيا (الصين ـ روسيا ـ إيران ـ الهند ) له هدفان رئيسيان :

الأول : إعاة بناء أفغانستان .

الثانى : مواجهة الموجة الجديدة من الحروب الأمريكية ، وفى طليعتها الإرهاب الداعشى ، والمخدرات .

وكلا الهدفين مرتبط بالآخر إرتباطا وثيقا لدرجة يمكن إعتبارهما هدفا واحدا . وكلاهما فى حاجة إلى ترابط إقليمى بين أفغانستان ومحيطها الأسيوى العملاق . فمواجهة خطر الإرهاب الداعشى ، ومشتقاته يحتاج إلى بناء جيش قوى ركيزته القوات الجهادية الحالية بعد تحديثها وتسليحها جيدا ، وإعادة تدريبها على مزيد من المهام المستجدة فى الحروب الحديثة . ويحتاج إلى نظام معلوماتى قادر على التصدى للحرب الإستخبارية المساندة للإرهاب الداعشى ، وقادر على الإسهام فى تعاون إقليمى لرصد الشبكات المسلحة وشبكات تهريب المخدرات التى تديرها أمريكا حاليا فى أفغانستان وباقى دول المنطقة لإغرقها فى مستنقع المشاكل الأمنية بدلا من التركيز على مشاريع التنمية الإقتصادية والإجتماعية ، ومشاريع الإتصال بين دول آسيا .

هذا الإنفتاح الهائل أمام أفغانستان برا وبحرا سيصنع القيمة الجيوسياسية الجديدة لهذا البلد. وليس هذا بالخبر السار للمحتل الأمريكى ومشاريعه المنهارة فى أفغانستان الذى طمع فى أن يجعلها (إسرائيل جديدة فى المنطقة ) حسب قول عضو فى الكونجرس الأمريكى قبل العدوان الأمريكى على أفغانستان ، أى بجعل ذلك البلد قاعدة للتخريب والحروب ونهب الثروات ونشر الفتن بأنواعها .

–  أما مكافحة المخدرات فهى عمل لا يمكن إنجازه بدون تعاون إقليمى يقديم حلا جذريا للمشكلة . فأمريكا هى المتسبب الأول فى مشكلة المخدرات كما فى مشكلة الإرهاب الوهابى . لذا فإن الحقيقة التى يدركها العالم ودول الجوار الأفغانى هى أن خروج الإحتلال الأمريكى من أفغانستان هو شرط ضرورى لحل مشكلتى الإرهاب الوهابى والمخدرات ، خاصة تصنيع الهيروين وتوزيعه دوليا ، والذى تقوم به قوات الإحتلال من قواعدها الجوية . ومن المعروف دوليا أن أمريكا بعد إحتلالها لأفغانستان رفعت إنتاج الأفيون إلى أكثر من خمسين ضعفا مما كان عليه فى عام دخولها الإجرامى إلى هذا البلد .

–  ويمكن تقديم إقتراح لتنفيذه بشكل جماعى من دول المنطقة ، وهو مشروع لصناعة دوائية عملاقة تستخدم محصول الأفيون الأفغانى فى إنتاج الأدوية المحتوية على المسكنات بحيث تكفى إحتياجات دول الأقليم ـ وهى دول تحتوى على أكثر من ثلث سكان العالم . فتساهم أفغانستان بأرض لإقامة المشروع ، وبمحصول الأفيون اللازم . ودول الإقليم تساهم فى التمويل وتقديم الآلات والخبرات الفنية . ويعد ذلك يحظر زراعة أى مساحات إضافية من نبات الخشخاش إلا لتلبية طلبات مصانع دوائية معترف بها فى مناطق أخرى من العالم .

–  أما الإرهاب الوهابى فهو وافد مصطنع حقنه الإحتلال الأمريكى للإضرار بالجهاد وضرب قاعدتة الشعبية والفقهية ، وإستبداله بالفتن الطائفية والعرقية .

والتوجد الداعشى هو جزء من الحضور العسكرى لإمريكا وحلف الناتو . وهو يمثل تهديدا لأفغانستان (لأنه يريد إتخاذها مركزا دائما ومتوسطا بين الدول المستهدفة ). فهو خطر على باقى الدول خاصة إيران وروسيا والصين ، وهذا يفرض نوعاً من التعاون لإنهاء تواجد ذلك الخطر ماديا .

وبزوال الإحتلال يزول ذلك المرض الخبيث . وأى مجموعات يرسلها الإحتلال سيكون القضاء عليها سهلا نتيجة لإفتقارها إلى البيئة الإجتماعية التى تقبل بذلك الفكر المريض .

 

 ويظل الخطر الأمريكى مستمرا :

زوال الإحتلال لا يعنى أن الولايات المتحدة ستتوقف عن العمل ضد النظام الجديد ، وضد الترتيبات الجديدة فى الإقليم ، لأنها ترى فى ذلك نهاية لدورها فى العالم .

والمرجح أن أفغانستان وإمارتها الإسلامية سوف تتصدر قائمة التخريب الأمريكى ، كضيف دائم على قائمة “محور الشر” أو “الدول المارقة” أو “الدول الراعية للإرهاب” ، التى هى قوائم بأسماء المعارضين لسياسات الهيمنة الأمريكية .

     وجود قواعد أمريكية فى دول الجوار يشكل خطرا على إستقرار أفغانستان . لهذا يجب التعاون جماعيا لجعلها منطقة خالية من التواجد العسكرى لأمريكا وحلف الناتو وملحقاتهم الداعشية ، ومقاومة أى تحالفات أمنية أو عسكرية تقيمها أمريكا مع دول المنطقة .

     ومن باب أولى فإن أى إتفاقات عقدتها الحكومات التى أقامها المحتل فى كابول يجب إعتبارها لاغية وفى مقدمتها الإتفاقات العسكرية والأمنية ـ أو أى”تعاون” يضع التعليم أو التشريع تحت وصايته وبمرجعيات غير إسلامية .

    أما أى إتفاقات إقتصادية مع أطراف أخرى تمت فى عهد الإحتلال ، خاصة المشاريع ذات الأهمية الإستراتيجية ، مثل مشاريع الطاقة والثروات المنجمية ، فيعاد النظر فيها وأخذ قرارات بشأنها بما يتناسب مع الطبيعة الإسلامية للنظام ، ووفقا لرؤيتة لدور أفغانستان فى الإقليم والعالم .

     ويقع على أفغانستان الإسلامية مسئولية التأسيس لتعليم دينى يتماشى مع تراثها الفقهى الذى هو من نفس النسيج الفقهى لمسلمى آسيا ، وأن تخصص له موارد مالية كافية أو وقفا إسلاميا قد يكون جزء محددا من دخل الدولة . فالتراث الدينى لتلك المنطقة لم يعرف التطرف الدموى الوهابى ، الذى زرعه فى جزيرة العرب الحكم البريطانى للهند .

 

غطرسة الغريق :

” سأوى إلى جبل يعصمنى من الماء ” ، كلمة لإبن نبى الله نوح ، الذى كفر برسالة ربه فكابر وهو يغرق زاعما أنه سيجد جبلا يأوى إليه ليعصمه من الغرق . ولكن قضاء الله إذا جاء فإن جبال الدنيا كلها لا تعصم منه كافرا واحدا .

القائد العسكرى الأمريكى الجديد فى أفغانستان أتخذ نفس الموقف ، عندما قال فى مطلع تسلمه لسلطاته المشئومة ، أن بلاده لن تخرج من أفغانستان . تلك الغطرسة لن تعصم بلاده من الغرق فى الطوفان الجهادى ، وسيغرق جيشه كما غرق الجيش البريطانى ومن بعده السوفيتى. ويفهم المسلمون أن ذلك إستدراج من الله لتلك الدولة التى طغت على عباده فى الأرض وقالت لهم (أنا ربكم الأعلى ) . وموعدها مع الإنتقام الإلهى الشامل هو موعد لا يخلفه ، وتلك سنتة فى أمم قد خلت فذاقت عذاب الدنيا قبل الآخرة .

 

حشرجة موت الإمبراطورية :

هذا هو تفسير الهياج الأمريكى على كل الجبهات ، فهى دولة لا تمتلك غير الحرب والحصار والتهديد ، ضد الجميع . ولم تترك لنفسها صديق حول العالم إلا “براميل النفط” ، وإسرائيل . ورئيسهم ترامب أضحك العالم على غبائه ورعونته ، وهذا لم يحدث قط لأى طاغية من قبل .

التوتر والحروب يزيد قوة حلفاء ترامب من اليمين المتطرف العنصرى وهم جمهوره الإنتخابى . ويزيد من أرباح مجموعات الضغط ، المكونة من صناعات السلاح والنفط وصهاينة (إيباك) والبنوك اليهودية . وهم قوة التمويل وتصنيع سياسات الدولة الأمريكية فى الداخل والخارج .

حلفاء ترامب الإنتخابيون ، والماليون ، يناسبهم تماما سياسات حافة الهاوية والمغامرات الصاخبة والتهديد والحصار والقصف . خاصة إذا كان ذلك ضد المسلمين أولا .. ثم ضد روسيا والصين وكوريا الشمالية وفنزويلا .. إلخ .

–  ترامب رأس نظام الإمبراطورية المنهارة ، فرض عقوبات إقتصادية على نصف العالم ، ويهدد بالحرب على روسيا والصين . فيهدد روسيا بحصار بحرى كامل ، فردت فورا بأن ذلك غير ممكن بغير الحرب (!!) . فهددتها أمريكا مرة أخرى بضرب الصواريخ المجنحة الروسية قصيرة المدى ومتوسطة المدى ، داخل الأراضى الروسية نفسها !!.

 نفس الشئ مع إيران حين يهددها ترامب بحصار بحرى يمنعها من تصدير النفط ، فكان ردها مماثلا للرد الروسى ، وأنها ستغلق مضيق هرمز فى وجه الجميع ، وهو تعبير عن خوض الحرب الشاملة .

شعوب آسيا تدرك الآن أهمية جهاد شعب أفغانستان لحماية شعوب القارة من العدوان الأمريكى والإرهاب الداعشى . وأن من حقه الحصول منهم على دعم سياسى وتسليحى . فالتعاون مع شعب أفغانستان فى وقت الضيق الحالى سوف يحدد مدى تجاوبه مع أصدقائه فى عصر السلام القادم .

أما الصين فإن ترامب يَسُوق قطيع حلفائه لإستفزاز الصين عسكريا فى بحر الصين ، شرقه وجنوبه ، فى محاولة لسلب الصين حقوقها التاريخية فى ذلك البحر ، والذى فقدت سيادتها عليه نتيجة لحربى الأفيون الأولى والثانية . وإلى الآن ترفض أمريكا إعادة تلك الحقوق لأصحابها التاريخيين . تماما كما ترفض الأعتراف بأن هناك شعبا عربيا يمتلك فلسطين ، أو أن هناك عربا فى المنطقة العربية ، أو أن فى الخليج شعب عربى وليس كما يقول ترامب مزرعة ماشية للحليب والذبح . أو أن شعب اليمن له حق فى الحياه .. مجرد الحياة .

–  النظام الأمريكى نظام يحتضر وهو آخر السلالات المتوحشة للغرب الإستعمارى. وغطرسة الغريق ، أو حشرجته المتخبطة ، ليست سوى دلائل على زواله القريب. ورصاصة الرحمة سينالها من مجاهدى أفغانستان .

والسؤال ليس هو متى ينسحب الجيش الأمريكى ، بل هو كم من جنوده الذين يمكنهم النجاة من أفغانستان؟؟ .

 

تحميل مجلة الصمود عدد 152 : اضغط هنا

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

16/10/2018

www.mafa.world

 

 



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا