معركة غزنى علامة فارقة فى مسيرة تحرير أفغانستان

(( عندما كتب الله العزة للإسلام ، إختار الأفغان حتي يكونوا مسلمين ))

معركة غزنى علامة فارقة فى مسيرة تحرير أفغانستان 

 

– عجز الأمريكيين كان مهينا على طريق كابل غزنى الدولى ، والكسر المتكرر لهجماتهم  المدعومة جوا يعطى مؤشرات خطيرة عن إمكاناتهم على الأرض .

و تأثير ذلك سيكون مدويا عند أى قتال أرضى ضد الجيش الأمريكى حول العالم ، أو ضد الجيش الإسرائيلى عند بدء تحرير فلسطين .  

– قطع جميع الطرق البرية الواصلة إلى غزنى ، وإستخدام الكمائن على الطريق الدولى ، مع هجمات فرعية لشل المراكز الحكومية القريبة من الطريق ، كان تطبيقا متقنا ومبدعا لفن إسقاط المدن .

– إقتحام المدن وسيلة فعالة لتحرير أسري المجاهدين . وفي غزني تم تحرير 400 أسير لطالبان.

– طالبان تركوا المدينة حرصا على حياة المدنيين من غارات الطيران الأمريكى الذى أزهق حياة العشرات من أهالى غزنى الأبرياء . وانتشروا على بعد ثلاثة كيلومترات من مركز المدينة. ولاية غزنى ثلاثة أرباعها محرر بالكامل وتحت حماية طالبان .

– خسر العدو 240 قتيلا ، 350 جريحا ، بالإضافة إلى مصرع 30 من القوات الخاصة المحلية وثلاث  طيارين أفغان مع طائرتهم المروحية .

– الغنائم من معركة غزنى فاقت المتوقع والمتصور ، وما هو موجود يكفى للعديد من العمليات الكبرى ضد المدن الهامة ، ولم يتوفر مثله لحركة طالبان حتى وهى فى الحكم .

– قدم مجاهدو طالبان كل عون ممكن للأهالى ، ومن الممتلكات الحكومية عوضوا خسائر السكان الناجمة عن قصف الطيران .

– علاقة طالبان بسكان غزنى كانت وما زالت مثالية ، بما فى ذلك الشيعة الذين لهم تواجد كبير فى المدينة والولاية كلها . وذلك تسبب بصدمة لحكومة كابل وإنكشاف فاضح لدعياتهم  بأن مجازر سوف ترتكب ضد الشيعة فى غزنى . ولكن ساد التفاهم والتعاون بين مجاهدى طالبان وجميع السكان ومن بينهم الشيعة . 

– عملية القفز من سفينة النظام الغارقة تتسارع فى أوساط الجيش والحكومة والتشكيلات المسلحة بما فيها الشرطة والميليشيات . ونفوذ طالبان داخل أجهزة الدولة المدنية والعسكرية ينافس نفوذ الحكومة وقوات الإحتلال ، ويتفوق عليهما فى الكثير من القطاعات .

– الولاء الشعبى لطالبان مكنهم من إسقاط إستراتيجية ترامب الأمنية فى أفغانستان ، فلا الإحتلال ولا النظام يسيطران على السكان فى المدن . وطالبان تشكل الهاجس المرعب الذى يلاحق المحتلين أينما كانوا .

–  وفى النتيجة :  الحكومة أختزل دورها فى مجرد إدارة نظام لوجيستي لخدمة سكان المدن الذين تحكمهم حركة طالبان ، وإطعام المدنيين وتوفير مستلزماتهم المعيشية ، بينما يفوز طالبان بالولاء والتواجد المستتر أو شبه العلنى داخل المدن ، مع التواجد العسكرى فى محيطها الخارجى ، إلى أن تحين لحظة التحرير الشامل .

– مدن أفغانستان أصبحت رهينة لدى طالبان ، ومعركة غزنى أمدتهم بالخبرة والقدرة والثقة والتأييد الشعبى ، وتأييد معظم الجنود والكثير من الرتب العسكرية المختلفة .

– فشلت الخطة الأمريكية فى إستخدام داعش للتصدى لطالبان أو تشويه صورتهم بضربات ضد الأهالى والشيعة . فتحولت داعش إلى جزء من منظومة الفساد فى الدولة ، فتتعامل مع الكبار فى السلطة لتنفيذ عمليات إجرامية عادية ، أو لتصفية حسابات شخصية ، أو للتغطية على عمليات فساد بواسطة تفجيرات وحرائق .

– تغريدة ترامب حول تسليم أفغانستان لشركات مؤسس “بلاك ووتر” ، تدل على بحث أمريكى عن غطاء مناسب للفرار من أفغانستان ، بعد إستفاذ جميع القوى المتاحة عسكريا ، وجميع الحيل الممكنة سياسيا ، وفشل الضغط الدينى وتجريم الجهاد الأفغانى بواسطة كتيبة “بغال الإفتاء” التابعة “لعجل بنى إسرائيل” فى السعودية .

 

بقلم  : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

 

كانت معركة غزنى علامة فارقة فى مسيرة تحرير أفغانستان ، كما أنها علامة فارقة فى مسيرة الأداء العسكرى لحركة طالبان ، تأتى على رأس مجموعة من الإبداعات التى جددت عددا من أساسيات حروب العصابات ، فى ظروف القتال ضد جيوش دول عظمى تمتلك أعلى مستويات التكنولوجيا . وحالة من الحصار الإقليمى حول الحركة مع تواطؤ دولى كامل .

وعلى العكس تماما ظهر تهافت الأداء العسكرى الأمريكى على حقيقته ، وفى وضح النهار وأمام العالم كله فى معركة كبرى جذبت الإنتباه وفتحت الأعين .

الجيش الأمريكى على الطريق الدولى يزحف تحت تغطية جوية من أنواع الطائرات الحديثة ، وفى مقدمته يزحف جنود جيش المستعمرة الأفغانية ، ثم درع آخر من المرتزقه الدوليون .

بعد محاولات متعددة على مدى خمسة أيام يفشل الجيش الأمريكى بقواته الخاصة وسلاح طيرانه ومرتزقته من عبور كمين للمجاهدين فى مقابل ولاية (ميدان وردك) . وبعد كل محاولة يسحب الأمريكيون جثث قتلاهم ويعودون إلى كابل فى خزى وذهول .

طالبان فى كمين (ميدان وردك) أرسلوا جزء من مجموعاتهم لضرب أقرب المراكزالعسكرية من الطريق ، حتى تلتزم الهدؤ ولا تتدخل فيما  لا يعنيها على الطريق الدولى .

الطائرات الأمريكية بكل أنواعها فشلت فى تحطيم الكمين أو حتى التقليل من حدته .

– ولتغطية أزمة (الجيش الأمريكى) أمام مجرد (كمين لحركة طالبان) ، إضافة إلى ما حل به من كارثة فى مدينة غزنى (150كم غرب كابل) وهى المدينة الاستراتيجية ، وأحد ثمان مدن ـ بما فيهم العاصمة ، تشكل رموز السلطة ، فى الإقتصاد والأهمية الاستراتيجية والتاريخية .

فى( 15/8 ) توجهت القوات الأمريكية الخاصة المحمولة جوا إلى أقصى الغرب فى ولاية فراه وهاجمت أربع قرى، واقتحمت بيوت القرويين وقتلت 16 فردا ، منهم نساء وأطفال . ثم يعود الكومانوز إلى كابل منتصرين ، حتى تعتدل الصورة التى تمزقت على الطريق الدولى فى مقابل ميدان وردك . وحتى ترفع أمريكا معنويات الجنود الذين أقصى إنتصاراتهم التى يباهون بها عند عودتهم إلى بلادهم هو غاراتهم على القرى ليلا وقتل سكانها وأسر الشيوخ والأطفال والنساء . فيتقلدون الأوسمة العسكرية على إنجازهم لجرائم الحرب تلك.

ــ وكان من المرجح أن شخصيات أمريكية هامة (أو إسرائيليون شركاء فى الأفيون والماس واليورانيوم ومشاريع الإستخبارات) متواجدون فى غزنى . لقد بدأ العدو بإرسال القوات الخاصة الأفغانية لجس نبض الدفاعات ، فإذا كانت ضعيفة بما فيه الكفاية أرسل قواته المحمولة جوا لتسجيل “لقطات” البطولة فى معركة لم يخوضوها . لكن أول مروحية أفغانية وقعت تحت طائلة الرشاشات الثقيلة لحركة طالبان فسقطت محترقة ، وقتل جميع من فيها .

ــ فى غزنى لجأ الأمريكيون إلى الحل السحرى الذى ليس لديهم غيره فى المعارك الحقيقية . سلاح الطيران الذى يدك الأسواق والأحياء السكنية ، فيحولها إلى مقابر جماعية .

فإذا ضاع منهم موقع عسكرى ولم يتمكنوا من إسترداده ، طارت قواتهم الخاصة إلى القرى النائية . وفى ظلام الليل يظهرون بطولات فى الإقتحام والحرق وتهديم البيوت والمساجد وإطلاق الكلاب المتوحشة على السكان المذعورين الذين جمعوهم فى ساحات القرى فى حفل شيطانى للرعب ، قتلاً وذبحاً ونهشا بالكلاب التى تمزق وتأكل جثث الشهداء . ثم ينتهى الحقل بتحميل “الأسرى الإرهابيين” من شيوخ من نساء وأطفال فى المروحيات صوب أماكن مجهولة.

ذلك هو الجيش الأمريكى الذى تجمعت مواهبه وقدراته كلها فى معركة مدينة غزنى . ولأن لهيب المعركة كان مرتفعا جدا ولأنها لا تدور فى مدينة بعيدة ، بل فى مركز أفغانستان ، وليس لساعة أو إثنين ، بل لخمسة أيام أو أكثر من المعارك المتواصلة ، التى إمتدت من كابل إلى غزنى شرقا. ومن غزنى صوب ولاية زابل غربا ، حيث قطع المجاهدون الطريق الدولى هناك حتى لا تتقدم من قندهار أى نجدات صوب غزنى . كما قطعوا الطرق التى تصل ولاية غزنى مع الولايتين الحدوديتين باكتيا وباكتيكا .

 

أكبر مناورة عسكرية فى تاريخ الجهاد :

ولأول مرة ينسق المجاهدون معركة معقدة ، وممتدة بين ثلاث ولايات {من ميدان وردك إلى غزنى إلى زابل } ليس لساعات بل لأيام متواصلة ، وبإصرار3 عنيد وتنفيذ دقيق . لقد كانت تدريبا حيا ومناورة بالذخيرة الحية على نموذج حقيقى لتحرير كابل .

ذلك التنسيق الواسع بين عدة ولايات فى إطار عملية واحدة . لم يحدث ولو لمرة واحدة خلال الجهاد ضد السوفييت . فقد منع التدخل الباكستانى والأحزاب “الجهادية” الفاسدة المستقرة فى بيشاور من حدوث أى تعاون عابر للولايات ، أو حتى بين أكثر من قبيلة ، إلا فيما ندر .

ــ أوجه القصور العسكرى والنفسى فى الجيش الأمريكى ، والإبداع المقابل له من حركة طالبان ، إذا إجتمعا معا فى تحليل واحد فسوف يتضح الكثير من معالم صدامات عالمية متوقعة . يحمل لواءها الجيش الأمريكى محميا بسلاح طيرانه من أعلى ، وفى مقدمته على الأرض جنود المستعمرات (ناتو ـ عرب ـ مسلمون ـ مرتزقه دوليون ) . وفى الجانب الآخر المسلمون المعرضون لمزيد من القهر العسكرى والسياسى والسطو الإقتصادى. إن ما يحدث فى أفغانستان منذ حرب السوفييت وحتى حرب الأمريكيين ، وصولا إلى المَعْلَم الهام فى معركة غزنى هو دليل لجهاد قادم لتحرير فلسطين . لذا فإن إستيعاب تلك الدروس هو فريضة جهادية مقدسة.

– لم يكن هناك أى مشكلة أمام بقاء طالبان فى مدينة غزنى بعد أن هدأت الأمور بها ـ فيما عدا موضعين أو ثلاثة ـ كانوا تحت الحصار والتصفية . وقد قاتلت قوات الأمن بداخلها قتالا شديدا ، ولكن يائسا ، إذ إستحال وصول النجدات إليهم براً أو جواً .

– وقد تمكن مجاهدو طالبان من تحرير 400 من أسراهم من سجن المدينة الذى إقتحموه وحرروا جميع من فيه ، ليضيفوا فائدة كبرى إلى فوائد تحرير المدن ، وهى تحرير الأسرى الذين يرفض العدو الإفراج عنهم أو حتى الإعتراف بوجودهم عنده .

–  فى أواخر اليوم الثالث للتحرير بدأ الطيران الأمريكى برنامجه المعتاد بقصف الأسواق ، ثم أحياء المدنية . فأدرك مجاهدو طالبان أنه ينبغى عليهم الإنسحاب من المدينة حفاظا على حياة المدنيين وأرزاقهم  فى الأسواق ، بعد أن قتل عشرات المدنيين وأحرقت عشرات المحلات .

–  وبالتفاهم مع المدنيين بدأت القوات المنتصرة فى الإنسحاب من المدينة ، والتوزع حولها على بعد حوالى ثلاث كيلومترات من مركزها ، حيث معظم الولاية خاضع لحكم مباشر من حركة طالبان (75% من الولاية حسب تقدير المجاهدين) .

– ذلك يلخص العقيدة العسكرية / السياسية للإستعمار الأمريكى . إذ يستهدف المدنيين فى جميع حروبه . إما بالقتل فى الحروب المباشرة مثل أفغانستان والعراق واليمن وسوريا ، أو تجويعا بالحصار الإقتصادى الخانق كما يحدث مع إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية . وفى الحالة الأولى يتحول الشعب من مساند للمجاهدين إلى عنصر ضغط عليهم ليتوقفوا أو يبتعدوا ، حفاظا على حياة المدنيين.

وفى الحالة الثانية يستمر الضغط إلى أن تحدث ثورة شعبية ضد النظام الذى أيده الناس فى البداية ، أو تنشب حرب أهلية ، أو يخرج الناس غاضبون فيتولى عملاء البنوك الدولية قيادة الجماهير فى(ثورة ملونة) أو (ربيع أسود) يكون دمارا على الشعوب . ثروات الأمم هى المستهدف الأول فى كل عدوان أمريكى ، سواء كان عدوانا عسكريا سافرا ، أو حربا إقتصادية ظالمة . وعند أى مواجهة مع الإستعمار الأمريكى والإسرائيلى يجب أن توضع تلك الحقيقة على رأس الحسابات ، قبل وأثناء مواجهة العدو .

 

حماية سكان المدن :

– طور مجاهدو طالبان أساليب إمتصاص تأثيرات الغارات الجوية على مواقعهم وخلال عملياتهم . ولكن طرق حماية المدنيين تختلف، وتقتضى تغييرا فى إستراتيجية عمليات المدن . وكبديل مؤقت عن إقتحام المدن / وربما تمهيدا لذلك الإقتحام/ ، تحول المجاهدون إلى أسلوب السيطرة على المدن من داخلها ، رغما عن وجود قوات الحكم العميل وتمركز قوات الإحتلال فى القواعد الجوية ، التى تشكل سلاح الردع لكبح عملية التحرير وتجميدها عند أعتاب المدن ، فلا تتخطاها .

–  ومعركة غزنى كانت تطبيقا مثاليا لإستراتيجية الطرفين . الأسلوب الأمريكى فى تحطيم عملية التحرير عند أعتاب المدن ، وأسلوب طالبان فى السيطرة على المدن من داخلها وتحويل الإدارة الإستعمارية للمدن إلى مجرد جهاز لوجستى يخدم المواطنين ويلبى إحتياجاتهم المعيشية ، بدون أن يسيطر عليهم فى الحقيقة . فطالبان موجودون فى كل مكان ، فى تواجد سرى يصل إلى أعماق الإدارات المدنية والعسكرية . مع تواجد آخر شبه سرى ، لا يجرؤ أحد على التصدى له ، وتتحاشاه الحكومة . لأنه يمثل قمة جبل النار الذى إن تحرك إحترقت شواطئ الحكم وموانئه . والجبل موجود فى الأرياف وممتد حتى حواف المدينة . وهذا هو وضع غزنى قبل الإجتياح ، وقد عادت إليه مرة أخرى ، إلى حين قفزة استراتيجية قادمة ، أكثر تطورا بعد الإستفادة من دروس غزنى القيمة .

 

غنائم للقتال  و للتعويضات :

غنائم القتال كانت هائلة وغير مسبوقة ، فيما عدا غنائم المدن التى سقطت بعد الحكم الشيوعى فى أفغانستان ، والتى تسابق على نهبها عصابات أحزاب العاطلين عن الجهاد ، وجيوش الغلول من لصوص مناطق الحدود مع باكستان ، فكان المجاهدون الذين قاتلوا هم الأقل نصيبا منها . أما هذه المرة فالوضع يختلف ، فلا صراع ، ولا غلول ، ولا تدخل باكستانى ينظم عملية الفساد ويديرها لمصلحة الأمريكى .

لم تتوفر لحركة طالبان هذا القدر من الأسلحة والمعدات العسكرية حتى عندما كانت فى الحكم . وحسب مصادر طالبان فإن عدد المدرعات والمركبات العسكرية التى غنموها تعدت المئة . وأن الأسلحة ملأت أكثر من ثلاثين شاحنة عسكرية . والذخائر لم يتم حصرها بعد لضخامتها .

ويمكن ذكر أموال غنموها من مركز إدارى للجيش ، وكانت عبارة عن غرف مليئة بأوراق النقد بينما جنود الجيش لم يستلموا رواتبهم منذ ثلاثة أشهر . ولما علم طالبان بذلك أحضروا عددا من الجنود ليشاهدوا أموال الجيش ، ويدركوا مدى فساد الحكومة وظلمها للجنود .

وبالشاحنات التى غنموها نقل طالبان أعداد كبيرة من الجنود الذين إستسلموا طواعية إلى مواقف الباصات خارج المدينة حتى يعودوا إلى مقاطعاتهم . ترك الجنود أسلحتهم والملابس والأحذية العسكرية .

     بدأ العدو فى قصف المدنيين فى الأسواق أولا ، فعوضهم المجاهدون من الممتلكات الحكومية فى المدينة ، وبعض الغنائم العسكرية مثل ألواح الطاقة الشمسية . والعلاقات سادها الود والتعاون بين طالبان وسكان المدينة بما فيهم الشيعة الذين لهم تواجد كبير فى مدينة غزنى وعموم الولاية . وكان نظام كابول يشيع عن مذابح مرتقبة فى المدينة سيرتكبها طالبان ضد الشيعة . ولكن ما حدث كان صدمة للحكومة وإعلامها الذى يروج للفتن بين فئات الشعب .

 

داعش جزء من النظام :

تعامل حركة طالبان مع الشيعة فى مدينة غزنى والولاية كلها ، كان إسلاميا منصفا ، كما هو تعاملهم مع جميع الشعب الذى تعتبره  ذخيرة لجهادها وعماد إنتصاراتها بعد سلاحها الإيمانى .

داعش فشلت فى إحداث الفتنة الطائفية التى إعتبرها الأمريكيون مطلبا أساسيا لتحقيق إنتصارهم فى أفغانستان . حتى أن أى ضربة لداعش ذات هدف طائفى او عرقى ، كان الشعب يتعرف على مصدرها الداعشى فورا ، من قبل أن تستنكرها حركة طالبان . الآن تحولت داعش بعد فشلها فى تخريب سمعة المجاهدين وإيقاع الفتنة ، إلى التعامل الإجرامى المتعلق بالصراع بين مراكز القوى داخل النظام . شمل ذلك عمليات إغتيال وتفجيرات أو هجمات منسقة مع عمليات نهب أو إحراق وثائق ومستندات متعلقة بالفساد وخروقات قانونية خطيرة . ما جعل داعش أحد أهم قوى الفساد داخل النظام السياسى . فالكل سيحتاج خدماتها يوما . ويخشى من أن يستخدمها الغير ضده . مديرو داعش إكتسبوا تلك الميزات ونفس العيوب ، فهم أصدقاء الجميع وأعدائهم فى نفس الوقت . والإحتلال دخل حلبة اللعبة ، فاستخدم ذلك التنظيم وفقا لسياساته المتقلبة تجاه باقى الشركاء فى النظام ، ويصب جام غضبه وعقابه على التنظيم إذا تصرف بحماقة زائدة تضر بمصالح أمريكا وحلفائها.

 

تغير فى مهام النظام :

كما ذكرنا فقد  تغلغلت حركة طالبان داخل المدن ، وفى مقدمتها العاصمة . والتواجد الذى معظمه غير معروف ، له إمتداد مسلح قوى خارج المدينة ، وأى تحدى لذلك التواجد يهدد بمشاكل لن يتحملها النظام ، خاصة وأن الإحتلال ، يتفادى القتال الأرضى المباشر فى مناطق الريف ، فما بالك بالمدن وتعقيداتها المخيفة .

الإدارة الفعلية والولاء الحقيقى لمعظم السكان يتوجه إلى حركة طالبان . وحتى تكتسب الحكومة شئ من المبرر لوجودها فإنها تواصل عملها فى تقديم الخدمات وتيسير الأعمال داخل المدينة . قد تجنى شيئا من الضرائب ولكنها لا تحصل على الولاء . أى أنها مجرد جهاز خدمات لوجستية يعمل لخدمة حكومة طالبان الخفية فى المدينة . بهذا يأمن السكان من بطش سلاح الجو الأمريكى .

معركة غزنى زادت من القدرة التى إكتسبتها قوات طالبان من غزو المدينة الكبيرة خلال ساعات ( لا شك فى أهمية الدعم الذى لقيته من جهازها المبثوت فى المدينة ، وأفرعه فى كل مكان رسمى وشعبى). أضافت تجربة غزنى ضرورة الإنسحاب السريع من المدن وإخلاء الغنائم وتوزيعها فى أماكن بعيدة حتى لا يقصفها الطيران . تلك الغنائم تزيد من فرص هجمات أخرى على مدن كبيرة أو صغيرة . وفى كل مرة ستضيف الغنائم مزيدا من القوة للمجاهدين ، ومزيدا من السيطرة داخل المدن . وبتطوير تلك الاستراتيجية مستقبلا ، ستصل إلى إمكانية التحرير الكامل ، وفقا لمعادلات الحرب غير المسبوقة فى أى تجربة أخرى .

 

أين الباكستانيون ؟؟

بعد خمسة أيام من السيطرة على المدينة ، إنسحب المجاهدون إلى خارج المدينة ، على بعد حوالى ثلاث كيلومترات من مركزها . ورفعت الكمائن عن الطريق الدولى فى مقابل ولاية (ميدان وردك) فأرسل الجيش المحلى إلى غزنى حوالى 5000 جندى معظمهم ذهب بالمروحيات . والباقى ذهب اليها براً ومعهم حوالى 100 مدرعة وسيارة (بيك أب) .

عند وصول جنود الجيش إلى غزنى كانوا يسألون المدنيين”أين الباكستانيون الذين كانوا هنا ؟؟ ، فقال الأهالى : لم يأت إلى هنا باكستانيون بل أفغان يتكلمون الباشتو .

فسألهم جندى مستغربا : باشتو مثل الذى نتكلمه ؟؟.  قالوا له : نعم .. مثلنا تماما .

مضى الجنود مستغربين ، لأن قادتهم لقنوهم فى كابل أن غزنى تعرضت لهجوم باكستانى .

 

أين القافلة العسكرية ؟؟

فى وقت إحتدام المعارك فى غزنى أذاعت الحكومة أن قافلة من الجيش المحلى توجهت لإنقاذ غزنى . الطريق يحتاج من القافلة إلى حوالى ثلاث ساعات. ولكن مضت عدة أيام والقافلة لم تظهر فى أى مكان ، لا فى غزنى ولا فى ميدان وردك ، حتى صار الناس يتندرون قائلين : إن قافلة الجيش الأفغانى تاهت فى الطريق . ولكن بعد الإعلان عن إنسحاب المجاهدين من غزنى ، ظهرت القافلة على الطريق ، بدون أن تعلن عن سر الإختفاء أو مكانه .

 

أين الكوماندوز ؟؟

واحد من أسرار تلك المعركة هو إختفاء قوة من الكوماندوز الأفغان ، كانوا قد هبطوا من المروحيات على أطراف غزنى ، وكان عددهم يتراوح ما بين 70 إلى مئة جندى . لكن أحدا منهم لم يصل إلى غزنى ، ومازال البحث عنهم مستمرا ، والأرجح أنهم الآن فى قراهم يحرثون حقولهم .

لقد أثارت معركة غزنى الكثير من علامات الإستفهام حول الجيش الأفغانى ، وأنهيار معنوياته وتفشى حالات الفرار، خاصة إذا كانت المعركة قائمة أو محتملة . بتاثير من معركة غزنى عمليات الإستسلام زادت وكذلك “الإختفاء” من الخدمة .

و زاد معتنقى حكمة كبراء القرية الأفغان ، عند إقناعهم شابين بوقف القتال بينهما ، وكان أحدهما من حركة طالبان والآخر من الجيش ـ واتفق جميع من فى القرية على أن {الكفار زائلون وشعب أفغانستان باق} . توقف الكثير من الجنود عن القتال والباقون منهم فى حاجة إلى الراتب لإعالة عائلة كبيرة وفقيرة ، ولكنهم لا يقاتلون . وهكذا سقطت مدينة كبرى مثل غزنى فى غضون ساعات قليلة .

     وتقول حركة طالبان أن رسالتها إلى الإحتلال : إن غزنى تجربة سوف تتكرر فى مدن آخرى ، وأن ( كابل لنا ) وسندخلها بالقوة حتما ، ما لم يبادر العدو بالإنسحاب .

 

تغريدة ترامب :

يصح فى هذا الرئيس السمين قول العرب (أجسام البغال وأحلام العصافير) . ذلك العصفور السمين يكثر من التغريد ، حتى صارت تغريداته نشرة أخبار صباحية بمصائب العالم القادمة .

غرد ذات مرة بأنه ينوى تسليم أفغانستان إلى السيد (برنس) مؤسس شركة بلاك ووتر والعديد من أمثالها ، والذى أقام مؤسسة دولية للمرتزقة فى أبوظبى ، يعتقد بأن دورها كبير للغاية فى حرب اليمن . وأنها موجودة فى أفغانستان ضمن عقد شراكة مع الجيش الأمريكى . ولكن ترامب ينوى تسليمها مفاتيح أفغانستان ، ليغادرها بلا رجعة ، من أجل العناية بمزرعة أبقاره فى السعودية ومشيخات النفط . فهناك أموال بلا حصر ، تنتقل إلى جيبه بمجرد النظر .

     كان واضحا منذ البداية أن الذى أسماه ترامب (استراتيجية جديدة) فى أفغانستان ، أنها مجرد إستمرار لما سبق من فشل استراتيجى للرئيس أوباما ومن قبله بوش . أطلق ترامب العنان لكامل وحشية الجيش الأمريكى فى قتل المدنيين بكافة السبل واختطافهم وتعذيبهم وقصف البيوت والمدارس . فزاد إقبال الناس على حمل السلاح فى صفوف طالبان ، وتوسعت مساحة المناطق المحررة . وخرج الملايين من تحت سلطان الحكومة العميلة والوحوش الأمريكية .

مناورات التفاوض فشلت كلها ، لأن معناها الوحيد كان الإنخراط فى النظام الحاكم فى كابول والمشاركة فيه ، مع بقاء قوات الإحتلال فى صورة معاهدات دفاع مشترك وتعاون (!!).

وفشلت الحملة الدينية التى حركها وموَّلها (عجل بنى إسرائيل) فى الرياض . ونال “بغال الإفتاء” لعنات المسلمين فى كل مكان ، وحتى الأطفال فهموا أنهم “شيوخ للإيجار” ولا قيمة لهم .

إقتحام غزنى المبهر جاء ردا على كل التخرصات الأمريكية ، وإنذارا واضحا بإقتحام كابول مع القدرة على ذلك . وأن حسابات إقتحام العاصمة لم تعد تتعلق بالجهد العسكرى المطلوب بل بسلامة المواطنين من عواقب المعادلة التى وضعها الإحتلال للتجميد الموقف الحالى ضمن معادلة : ” سلامة المدنيين فى مقابل سلامة المدن ” . أى إبتعدوا عن المدن حتى لا نبيد المدنيين ونحرق المدن .

– فالعدو الأمريكى أثبت فى غزنى للمرة الثالثة أو الرابعة ما أثبته فى مدن أخرى حررها مجاهدو طالبان ، خاصة فى قندوز وفراه . لقد إنتظر فى غزنى لمدة ثلاثة أيام بدون قصف إنتقامى لسبب مجهول يفترض أنه البحث عن مصير شخصيات هامة أمريكية أو إسرائيلية كانت فى المدينة . ولكن خلال 18 ساعة الأخيرة ـ من مدة خمسة أيام سيطر فيها المجاهدون على المدينة ـ بدأ القصف الوحشى المعتاد . فاستشهد عدد كبير من المدنيين وأحترقت المئات من المحال التجارية ، وأصيب إقتصاد المدينة فى مقتل .

– ورغما عن ذلك فإن الحقيقة هى : إما أن ينسحب الأمريكيون من أفغانستان أو سيواجهون الإبادة التى عصفت بحملة بريطانية فى القرن التاسع عشر .

قد يقبل السيد (برنس) بصفقة إحتلال أفغانستان وقمع شعبها ، فينتهى المطاف به وبرجاله معلقين على أعمدة الإنارة فى كابول ، إلى جانب كبار العملاء فى النظام الحاكم .

يومها سيحول ترامب الهزيمة إلى فرصة . ويلقى باللائمة على البرنس متهما إياه بالتقصير والإخلال بشروط العقد المبرم بينما . ثم يوقف صرف مستحقات شركته ويجمد حساباتها وأصولها فى بلاده ، مدرجا إسمها فى لائحة العقوبات الأمريكية التى تتسع بإستمرار حتى تشمل العالم كله ، ماعدا أمريكا نفسها .. وإسرائيل معها .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world