خفايا الحرب الأمنية لاختراق الدول والنشاطات الحركية

خفايا الحرب الأمنية لاختراق الدول والنشاطات الحركية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين

وبعد

خفايا الحرب الأمنية لاختراق الدول والنشاطات الحركية، لحرفها عن أهدافها واستنزافها، وكيفية تجاوز ذلك

توطئة

تُعتبر الحرب الأمنية والتي هي حرب العقول والأعصاب من أعقد الحروب وأدقها والتي تحتاج لمعرفة تفاصيل أفكار وتجمعات واجتماعيات وأهداف.. إلخ العدو ومراكز قوته وضعفه حتى يتسنى اختراقه بأدق طريقة وأسهلها وأقلها خطورة وفي المكان والوقت المناسبين.

والاختراق يكون لهدف معرفة معلومات أو لحرف المُستَهدَف عن هدفه أو لزرع الضغينة والأحقاد وإشعال الفتن والمشاكل داخل الدولة أو الجماعة أو لحرف أفكار المُستَهدَف وغير ذلك.

يعتمد النجاح الكبير وكسب هذه المعركة على القيادة الحكيمة والتنسيق الدقيق بين مكونات الدولة أو الجماعة.

تعتبر الوحدة الإسلامية هي الركيزة الأساسية لقوة المسلمين وسبب انتصاراتهم ولذا لاحظنا على مدار التاريخ كلما توحد المسلمون انتصروا وسادوا وكلما تفرقوا انهزموا وتراجعوا، ولذلك عمد أعداء الأمة ودينها إلى البحث عن نقاط الخلاف بين جماعات الأمة وعلمائها والتركيز عليها وتعزيزها بل وقاموا باستخدام بعضًا من المحسوبين على الأمة من المثقفين أو الشيوخ وقاموا بدعمهم ماديًا وإعلاميًا لكي يوطدوا تلك الخلافات ويزيدوا فجوتها، ومن المؤسف أن كثيرًا من أبناء الأمة انخدعوا بهم وتجاوبوا معهم و انجروا وراءهم وروجوا لهم بالمجان، فنصروا الباطل على الحق والأعداء على الأهل والأصدقاء وهم يعلمون أو لا يعلمون. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

سأذكر هنا بعون الله بعضًا من أساليب أعداء الأمة لاختراقها، وآثار ذلك وعلاجه.

 

– استغلال الخلافات والثارات القديمة والنعرات القومية والحزبية الضيقة:

وهذا الأسلوب الخبيث في الاختراق الفكري أو الميداني هو أسلوب قديم متجدد قد يكون على مستوى قيادة الدولة أو أفراد أو جماعات منها.

حديثي هنا عن الاختراق من خلال أفراد لضرب المجموع تدريجيًا، وهذا ما نجح بفعله أعداء الأمة الإسلامية كثيرًا للأسف..

حيث يقومون بإثارة الفتن وتأجيج النفوس بين أفراد لهم عصبة وقوة داخل الدولة أو الجماعة حتى يقتتلوا فيما بينهم ومن ثَم ينتقل القتال إلى عصبتهم وقوتهم حتى يعم أجزاء كبيرة داخل الدولة أو الجماعة مما سيؤدي لإضعافها وتشرذمها تدريجيًا.

 ولقد حدث هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حين قام اليهودي شأس بن قيس بإثارة النعرات القومية ومشاكل الماضي وثاراته حين أراد أن يوقع بين الأوس والخزرج بعد دخولهم في الإسلام، فلقد: “مر يومًا وكان شيخًا قد عمى عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه –حديث الأخوّة والصفاء والصدق والحب- فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة –بنو قيلة هو اسم يشمل الأوس والخزرج معًا عندما يجتمعون-بهذه البلاد لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع مَلؤهم بها من قرار، فأمر شابًا من يهود كان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان –يوم بعاث-يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس وكان عليها يومئذ حضير أبو أسيد بن حضير وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي فقُتِلا جميعًا . ففعل الشاب ما أمره به شأس-وحرّش بينهم- فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب وهما أوس بن قيظي وجبار بن صخر، فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعًا وقالوا قد فعلنا موعدكم الظاهرة وهي الحرة السلاح السلاح . فخرجوا إليها وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم !!؟ بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألَّف به بينكم، فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضًا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين وقد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شأس بن قيس”.

قلت: لقد نجح شأس بن قيس هذا اليهودي الخبيث في اختراق صفوف المسلمين واستطاع أن يحدث بين المسلمين حدثًا جللًا بسبب اختراقه لصفوفهم والتأثير على مشاعرهم واستفزازهم وتحريك نار العداوة بينهم حتى كادوا أن يهلكوا لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل حين علم بذلك وأصلح بينهم، وكان ذلك في اللحظات الأخيرة من وقوع كارثة كانت ستضرب المسلمين ضربة معنوية ومادية وبشرية، ضربة قاصمة وفي مقتل .

وهذه الطريقة هي نفسها لازال يستخدمها أعداء الأمة للتحريش بين المسلمين لتفريق صفهم وإضعاف قوتهم ليسهل عليهم السيطرة عليهم واستعبادهم ونهب ثرواتهم، وإن من أكبر ما يساعد أعداء الأمة في التحريش بين المسلمين وتفريق صفهم وتشتيت جهودهم هو التعصب الحزبي أو المذهبي والتمترس خلف القناعة القائلة أنا الصواب وغيري خطأ والتعصب للرجال لدرجة ربما تصل التقديس أحيانًا، كل هذا يمنع قبول الآخرين من المسلمين ممن يختلفون فكريًا مع بعضهم اختلافًا صائغًا يمكن احتواؤه بالاتفاق على الأهداف الكبيرة ورص الصفوف حول كلمة الحق التي أوصى بها الله تعالى ومن هذه الأهداف الكبيرة هو نصرة الأمة وقضاياها والعمل على تحريرها من الطغاة والغزاة، ولذا يجب أن تنتقل الأمة من الانتصار للحزب أو المذهب إلى الانتصار للحق وقضايا الأمة الكبيرة، مع الإقرار بأن الكل منها يصيب ويخطئ وأن خيرها من يتقدم الصفوف لنصرتها بالمال والنفس والكلمة، لا المجادل الباحث عن منبع الخلافات وأصلها الذي تجده في كل موطن جدال أو فتنة وقلما تجده أو ربما لا تجده أصلًا في أي موطن قوة ونزال لينصر دينه وأمته، فإن هذه الشاكلات وتلك العقليات هي اللبنة الأولى والخاصرة الأضعف التي يدخل منها الأعداء لضرب الأمة من داخلها والتحريش بين أبنائها. والله ولي التوفيق.

 

– استغلال صدق القيادة أو حماسة الشباب أو تهور بعضهم لاستدراج الكل لمعارك جانبية تشتتهم عن أصل أهدافهم، ولإشغال الدولة  أو الجماعة عن أهدافها الأساسية لاستنزافها وإضعافها لتسهل هزيمتها، ولقد حدث هذا كثيرًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر هنا بعض الأحداث كسرية الرجيع والتي حدثت مطلع شهر صفر عام 4هجري.

توطئة: قدَّر الله تعالى أن تكون قريش قبلة للمسلمين من جهة وللكافرين من جهة أخرى، ولقد قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ”، حيث كان القرشيون في الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم الله وأهل حج بيت الله وكان العرب ينظرون إليهم بعين الاحترام والتقدير والإجلال، لذا كان لرأيهم وقولهم وفعلهم وقع قوي في نفوس العرب، وكان العرب يسمعون لقولهم ويقتفون أثرهم في الحب والبغض.

لفتة: عن معاوية أنه سأل ابن عباس: بم سميت قريش؟ قال: بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، تعلو ولا تُعلى، قال الرازي: “ومعلوم أن قريشًا موصوفون بهذه الصفات؛ لأنها تلي أمر الأمة”.

لاشك أن قريشًا كانت تمثل رأس العداء للنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك كانت تستخدم بعض القبائل بطرق مباشرة وغير مباشرة للتحرش بالمسلمين والتشغيب عليهم لاستنزافهم وإقحامهم في حروب وصراعات جانبية حتى تشغلهم عن نفسها وتستنزفهم لكي يسهل عليها الانقضاض عليهم وتوجيه ضربة موجعة قاصمة لهم، وهذا واضح في كثير من المناوشات والتحرشات التي طالت المسلمين.

حيث أن قريشًا كانت تستغل مكانتها بين القبائل وفي نفوس أبنائها –القبائل-لتنفيذ ذلك.

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينخدع بذلك ولم يكن يتجاوب لاستفزازاتهم أو يجاريهم بل كان ثابتًا على دعوته متمسكًا بالعمل المرحلي و الطريقة العملية التي خطها لتبليغ رسالته، أما تلك الاستدراجات و الاستفزازات التي كانت تقوم بها عصابات قريش من القبائل الأخرى فلقد كان يواجهها النبي عليه الصلاة والسلام بالسرايا والعمليات الخاطفة والاغتيال والدعاء كل بحسب ما يناسبه.

ففي الحادثة المؤسفة والمعروفة بسرية الرجيع حاولت قريش استدراج النبي عليه الصلاة والسلام إلى معركة جانبية من خلال هذيل حيث كانت القبائل تحب ما تحبه قريش وتفعل ما تفعله قريش ولأن قريشًا كانت تناصب النبي عليه السلام العداء فلقد كانت القبائل تناصبه العداء أيضًا، ولذا كانت القبائل تعتبر أن الموافقة على استدراج النبي وأصحابه وقتالهم وقتلهم أمر مشروع ومقبول بل ومفخرة وشهامة.

ومن هذه القناعة وهذا الفهم العام بادر بنو لحيان وهم أحد أحياء هذيل بادروا لمهاجمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين كانوا في مهمة كلفهم بها رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ومن الأدلة أن قريشًا هي التي كانت تقف خلف هذه المؤامرات والخيانات أن بني لحيان كانوا على تواصل مباشر ومستمر معها للتنسيق واطلاعها على آخر المستجدات كما أنها هي التي أنهت الحادثة بالطريقة التي ارتأتها، حتى أنها طلبت دليلًا حسيًا ومرئيًا لتتأكد من مقتل الصحابي الجليل عاصم رحمه الله، كما في الحديث، “..وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ قَتَلَ رجلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ”. ومعلوم أن هذا الطلب لا يكون إلّا من القيادة أو المتنفذ الأول أو المعني بالأمر مباشرة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَهْوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لَحِيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلاً نَزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلاً، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، نَزَلُوا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَتَلُوهُ وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ أَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعالَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا كَانَ إِلاَّ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ:

مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا … عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ … يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَىْءٍ”.

لا شك أن ما أصاب الصحابة في تلك الخيانة والتي أدت لهذه المقتلة الغادرة بحقهم هو حدث عظيم أليم، ومأساة كبيرة أحزنت كل من عايشها من المسلمين وزالت تُحزن كل مسلم سمع بها أو قرأ عنها، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وبالرغم من عظيم حزنه على صحابته إلّا أنه لم يقم بأي ردة فعل عسكرية تجاههم لأنه كان يعلم أن هذا ما تريده قريش لكي تدخله في معارك جانبية لكي تستنزفه و تشغله عن نفسها لتنقض عليه في فرصة مناسبة يكون قد شتت جنوده وأضعف قوته وتكون هي قد عظمة قوتها ومكّنت حلفاءها، ثم توجه له ضربة قاسية قاصمة، ولكنه صلى الله عليه وسلم بقي ثابتًا صابرًا لا يتجاوز خطوة إلّا وقد أنهى التي قبلها وتممها على أحسن حال وقد أينعت ثمارها وآتت أكلها، هذا هو الفرق بين سياسته صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أعدائه و بين سياسة الحركات الإسلامية المعاصرة والتي كثيرًا ما تندفع لردّات الفعل أو الاستجابة لضغوطات الشباب المطالبة بضرورة الرد وسرعته، فيتم استدراجها ومن ثم ادخالها في معارك جانبية لم تكن جاهزة لها أو ربما لم تكن في حسبانها بتاتًا وكانت تؤجلها لعدة مراحل لاحقة، وربما اندفاع الحركة للرد يكون بأوامر من القيادة ولا فرق هنا بين أوامر القيادة بشكل رسمي وبين استجابتها لضغوط الشباب ففي كلا الحالتين فإن النتيجة واحدة وهي الاستدراج والاستنزاف والدخول في معارك جانبية.

لقد تحمل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ذلك الأذى والاستفزاز ولكنهم في النهاية تمكنوا من الانتصار على الجميع وفي فترة وجيزة وأقاموا دولة الإسلام دولة العز والسلام.

وهذا درس يجب أن يتعلمه كل مجاهد في سبيل الله وأن يلتزم برنامجًا عامليًا مناسبًا لحجمه وقوته وواقعه وألّا يستجيب لضغوطات الواقع واستفزازات الأعداء وأن يواصل المسير بخطى ثابتة حتى يكون النصر على يديه أو يكون هو أحد أهم عوامل النصر التي عبدّت الجسور.

فالعمل من خلال رؤية واضحة وخطط مدروسة والتركيز على الأهداف الأساس والعدو المركزي هو الأصل لبلوغ المرام وتحقيق المنشود، أما الانفعال مع الأحداث بصورة اندفاعية وعدم مراعاة الخطط المرسومة والأهداف الأساسية، فإنه يحرق المراحل ويهدم الجسور ويشتت الجهود ويستنزف الطاقات والقدرات.

-فاجعة بئر معونة وحكمة النبي صلى الله عليه وسلم:

ثم وبعد حادثة الرجيع المؤسفة بأيام حصلت فاجعة بئر معونة والتي استشهد فيها سبعون من الصحابة والتي تعتبر من أكثر المآسي التي آلمت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأحزنتهم؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “أَنَّ رِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، كُنَّا نُسَمِّيهِمْ القُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ» قَالَ أَنَسٌ: ” فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا”. لكن وبالرغم من أنهم مرتدون قد أظهروا الإسلام ثم انقلبوا عليه وعلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحقوا المحاربة والقتل على ردتهم عن دين الله تعالى كما استحقوا القتل بسبب فعلتهم هذه، ولكن وبالرغم من هذه الغدرة الخبيثة الإجرامية إلّا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يندفع للقيام ردة فعل ولم يقل لابد أن نغزوهم و نريهم بأسنا وقوتنا وسنطاردهم ..إلخ، بل التزم الهدوء الميداني ولم يتحرك عسكريًا واكتفى بالدعاء عليهم حتى إنه مكث شهرًا وهو يدعو عليهم في صلاته وذلك لشدة الألم الذي ألمَّ به بسبب الغدرة التي أصابت أصحابه بمقتل.

ولم يستجب لاستدراجهم أو ينخدع باستفزازهم وبقي مصممًا على الدرب الذي خطه للوصول إلى هدفه. ولذا ليس من الصواب الاندفاع والتهور والتعامل مع العدو من منطلق ردّات فعل غالبًا هو يستدرجنا إليها لأهداف خبيثة يكون قد رسمها وخطط إليها وللتعامل معها والاستفادة منها. فيجب الحذر والتأني وفهم الأحداث وتطورات من جميع الجوانب خصوصًا تلك التي تحدث فجأة وبصورة استفزازية، ويجب عدم الاندفاع والاستجابة لتهورات الشباب المتحمسين وإن كانوا صادقين مخلصين فإن الصدق والإخلاص لا يكفيان ما لم تقودهما الحكمة والحنكة ويرعاهما التأني والتريث ودراسة الواقع وملابساته والحدث وتداعياته وكيفية التعامل المناسب معه، وليس بالضرورة أن تكون الردود عسكرية دومًا بل لكل حدث حديث ولكل واقع ما يناسبه من التعامل وليكن في الحسبان أن لكل زمن حكماؤه الذين يحسنون التعامل مع مستجداته وطوارئه. والله الموفق.

– اغتيال سفيان بن خالد بن نبيح :

ولقد قرأنا في السيرة العطرة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كيف تعامل مع الكافر المجرم سفيان بن خالد بن نبيح حين كان يؤلب القبائل ويعمل على رص صفوفها ليغزو النبي صلى الله عليه وسلم حيث عاجله النبي عليه الصلاة والسلام وبادر باغتياله قبل أن تنتشر فكرته وتقوى شوكته وتنجح فكرته، فلقد أرسل إليه عبدالله بن أنيس رضي الله عنه ليقتله. لأن خالد هنا هو رأس الحربة وهو المحرك للمؤامرة فمتى تم التخلص منه فلقد انتهت المؤامرة وفشلت وتفرق الجمع وزال الخطر. وبالفعل فلقد قتله الصحابي الجليل عبد الله بين أنيس وقطع الله بذلك دابرته وأنهى مؤامرته.

ومن هنا نتعلم أنه ليس بالضرورة مواجهة العدو بجيشه وعدته وعتاده بل المطلوب النظر لأقل المخاطر والخطوات التي تؤدي لأقل الخسائر مع تحصيل النتائج المرجوة وتحقيق الأهداف المطلوبة.

قال عبدالله بن أنيس رضي الله تعالى عنه: دعاني رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: “إنَّه بلغني أنَّ سفيان بن خالد بن نبيح يَجمع لي الناس ليغزوني، وهو بنخلة أو بعرنة، فأْتِه فاقتله”.

فقلتُ: يا رسول الله، صفْه لي حتَّى أعرفَه، فقال: “آية ما بيْنك وبيْنه أنَّك إذا رأيتَه هِبْتَه وفرقتَ منْه، ووجدت له قشعريرة وذكرت الشَّيطان”.

قال عبدالله: وكنتُ لا أهاب الرّجال، فقلت: يا رسولَ الله، ما فرقت من شيء قطّ.

فقال: “بلى، آية ما بيْنك وبينه ذلك؛ أن تجِد له قشعْريرة إذا رأيتَه”.

قال: واستأذنتُ رسولَ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم أن أقول، فقال: “قُل ما بدا لك”.

وقال: “انتسِب لخُزاعة”.

فأخذت سيْفي ولم أزِد عليه، وخرجتُ أعْتزي لخزاعة حتَّى إذا كنتُ ببطن عرنة لقيتُه يَمشي ووراءه الأحابيش.

فلمَّا رأيتُه هِبْته وعرفتُه بالنَّعت الَّذي نعت لي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

فقلت: صدق الله ورسوله، وقد دخل وقْت العصر حين رأيتُه، فصلَّيتُ وأنا أمْشي أومئ برأسي إيماء.

فلمَّا دنوتُ منْه قال: مَنِ الرَّجُل؟

فقلتُ: رجُلٌ من خزاعة، سمعتُ بِجمعك لمحمَّد فجئتك لأكون معك عليْه.

قال: أجل، إنّي لفي الجمع له.

فمشيْتُ معه وحدَّثتُه، فاستحلى حديثي وأنشدته، وقلت: عجبًا لِما أحدث محمَّد من هذا الدِّين المحدث، فارق الآباء وسفَّه أحلامهم!

قال: لَم ألْق أحدًا يُشبهُني ولا يحسن قتاله.

وهو يتوكَّأ على عصا يهدّ الأرض، حتَّى انتهى إلى خبائه وتفرَّق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه، وهم يطيفون به.

فقال: هلُمَّ يا أخا خزاعة، فدنوت منه.

فقال: اجلس، فجلستُ معه، حتَّى إذا هدأ النَّاس ونام اغتررتُه.

وفي أكثر الرّوايات أنَّه قال: “فمشيْتُ معه حتَّى إذا أمكنَني حملْتُ عليْه السَّيف فقتلته، وأخذتُ رأسه، ثمَّ أقبلتُ فصعدت جبلاً فدخلت غارًا، وأقبل الطَّلَب من الخيل والرّجال تَمعج في كلّ وجْه، وأنا مكْتمِن في الغار، وضربتِ العنكبوت على الغار.

وأقبل رجُل معه إداوته ونعله في يدِه، وكنت خائفًا.

فوضع إداوته ونعله وجلس يبول قريبًا من فم الغار، ثمَّ قال لأصحابِه: ليس في الغار أحد، فانصرفوا راجعين، وخرجت إلى الإداوة فشربْت ما فيها وأخذت النَّعلَين فلبسْتُهما.

فكنتُ أسير اللَّيل وأكمن النَّهار حتَّى جئت المدينة، فوجدت رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في المسجد، فلمَّا رآني قال: “أفْلح الوجه”.

فقلت: وأفلح وجْهُك يا رسول الله.

فوضعت الرَّأس بين يديه وأخبرتُه خبري، فدفع إليَّ عصا وقال: “تخصَّر بها في الجنَّة فإنَّ المتخصِّرين في الجنَّة قليل”.

فكانت العصا عند عبدالله بن أُنيس حتى إذا حضرته الوفاة أوْصى أهلَه أن يدرجوا العصا في أكفانِه، ففعلوا ذلك”. أ . هـ

نستفيد من هذه العملية البطولية أمور كثيرة منها:

1-ضرورة متابعة أخبار الأعداء وخططهم وتطوراتهم الميدانية لمعرفة الذي يفكرون بفعله ضدنا وللاطلاع على خبايا مكرهم والتعامل معه أولًا بأول كل بحسب ما يناسبه.

2- اختيار الرجل المناسب من جميع الجوانب لتنفيذ المهمة. فقوّة التحمل لوحدها لا تكفي والشجاعة لوحدها لا تكفي بل لابد من الرجل الذي يمتاز بالشجاعة وقوة التحمل والصبر والتأني والتفاعل مع التغيرات الميدانية والذي يستطيع تقدير الأمور وأخذ القرار المناسب بكل عزيمة وإصرار دون تردد.

3- أهمية معرفة تفاصيل الهدف المطلوب والاطلاع على تفاصيله وإطلاع المنفذ على ذلك.

4-إرشاد المنفذ لأخذ الساتر المناسب الذي يخترق به العدو، وإمداده بما يلزم للتمويه على العدو وتضليله.

5-معرفة ما يحبه العدو والدخول له من الباب الذي يستهويه ويعجبه، واقتناص الفرصة المناسبة للتنفيذ والانسحاب بسرعة.

6-القيام بالواجبات الشرعية من منطلق “اتقوا الله ما استطعتم”.

7-ضرورة معرفة القيادة لقدرات الجنود وطاقاتهم واستعمال الرجل المناسب في المهمة المناسبة، واستعمال الأكثر ذكاءً وحنكة وشجاعة وجرأة وقوة وثباتًا في المهمات الخاصة والصعبة المعقدة.

8-تكريم من يقومون بالمهمات الصعبة تكريمًا يُشعِرهم بتقدير القائد والجميع لجهودهم وإقدامهم على المخاطر لأجل المجموع.

– اغتيال أبي رافع بن أبي الحقيق :

معلوم أن اليهود قوم بهت وكذب وحقد على الإسلام وأهله ولقد كان أبو رافع من رؤوسهم الذين آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وحاربوه ونشطوا إلى ذلك حتى أنه ذهب ليتجول على القبائل ليحرضها على قتال النبي صلى الله عليه وسلم.

فلقد ركب في نفر من بني قومه بني النضير إلى قريش وغطفان وثقيف وغيرهم من قبائل العرب يؤلبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد إجلاء بني النضير إلى خيبر، حيث نزل أبو رافع في أحد حصونها، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة رجال من الخزرج لقتله، فتمكنوا من ذلك وقتلوه في داره ليلًا.

عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: “بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ اليَهُودِيِّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الحِجَازِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ، وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ: اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ، وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ، لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ، فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ البَابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ البَوَّابُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ البَابَ، فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ البَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ الأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى الأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا، فَفَتَحْتُ البَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلاَلِيَّ لَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ، قُلْتُ: إِنِ القَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ، لاَ أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ البَيْتِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ، فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا، وَصَاحَ، فَخَرَجْتُ مِنَ البَيْتِ، فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ فَقَالَ: لِأُمِّكَ الوَيْلُ، إِنَّ رَجُلًا فِي البَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظِبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ، فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ، فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي، وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدِ انْتَهَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى البَابِ، فَقُلْتُ: لاَ أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ: أَقَتَلْتُهُ؟ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ، فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الحِجَازِ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: النَّجَاءَ، فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: «ابْسُطْ رِجْلَكَ» فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا، فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ”.

نستفيد من هذه العملية البطولية أمورًا كثيرة منها:

1-ضرورة التخلص من الأعداء بطريقة ضرب الأخطر فالأخطر وتشتيتهم والتفريق بينهم قدر الإمكان، وكسر شوكتهم قبل أن يرصوا صفوفهم ويقوى بعضهم ببعض.

2-ضرورة التخلص من العدو الذي يسعى للتحريض والتأليب والتحشيد على المسلمين، حتى لو أدى ذلك لاغتياله في بيته وبين أهله.

3- هل يجوز أن يقول الكفر لتسهيل المهمة ؟ هذه المسألة تقدر بقدرها. فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

4-بقدر خطر العدو تتم المغامرة، كما لاحظنا هنا كيف أن الصحابي الجليل غامر بداية بالاقتراب من بوابة الحصن ثم دخله ثم مكث حتى هدأت حركة الناس وناموا ثم كيف صعد لبيت أبي الحقيق وكيف كان يغلق الأبواب خلفه بابًا بابًا، حتى لو شعروا به يبقى داخل البيت هو وأبو رافع وهنا هو قرر أن يقتله على كل حال حتى لو أدى ذلك لاستشهاده بعد قتل لأبي رافع. وهذا كله يحتاج لإيمان راسخ وعزيمة قوية وإصرار وثبات.

5-المهمات الصعبة والخطيرة يجب أن يقوم بها الاستشهاديون الذين لا يهمهم الانسحاب بعد الهجوم أو الانحياز حين الحاجة بل هم يتقدمون وهم طامعون في الشهادة في سبيل الله، فالاستشهادي يستطيع القيام بعمليات كثيرة يعجز عنها غيره من الذين يفضلون القتال من منطلق الكر والفر والهجوم والانحياز، فالاستشهادي يهمه انجاز المهمة ثم بعد ذلك فليكن ما يكون، ولذا نجح هنا الصحابي الجليل.

– اغتيال كعب بن الأشرف وضرب التنسيق القرشي اليهودي في مقتل:

لم يتوقف التنسيق الحربي القرشي –الإعلامي والميداني- مع الكل المحارب للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأس الكفار الذين كانت تنسق معهم قريش لحرب النبي عليه الصلاة والسلام هم اليهود وعلى رأس اليهود ومن أهمهم في دوائر التنسيق القرشي اليهودي كان اليهودي الحاقد كعب بن الأشرف.

حين بلغ كعب خبر انتصار المسلمين على قريش في غزوة بدر وقتل العديد من قادتها وسادتها، قال: أَحَقّ هَذَا ؟ أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُسَمّي هَذَانِ الرّجُلَانِ، يَعْنِي زَيْدًا وَعَبْد اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النّاسِ، وَاَللهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا.

فَلَمّا تَيَقّنَ عَدُوّ اللهِ الْخَبَرَ، خَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ، فَنَزَلَ عَلَى عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ السّهْمِيّ وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَجَعَلَ يُحَرّضُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ فَقَالَ:

طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ … وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ

قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ … لَا تَبْعُدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ

كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ … ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ الضّيّعُ

طَلْقُ الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ … حَمّالُ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيُرْبَعُ

إلى آخر الأبيات

ثُمَّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبَّبَ –أي تَغَزَّل و ذكر المحاسن- بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى آذَاهُمْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ -أي من يقتله-؟

بعد أن أنهى كعب جولة من التحريض والتأليب لقريش ضد المسلمين عاد كعب لدياره يحمل وقد ازداد حقده على النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام، فبدأ ينفث سمومه تحريضًا على المسلمين وأذية لهم وانتهاكًا لأعراضهم، فقرر النبي عليه الصلاة والسلام التخلص منه، ليقطع شره ويفشل مخططه التحريضي التجميعي ضد المسلمين ولينهي الأذية التي نالته عليه الصلاة والسلام ونالت من المسلمين ومشاعرهم بسبب تعرضه لنسائهم.

اختار النبي صلى الله عليه وسلم طريقة القتل اغتيالًا ليتخلص منه دون أن يؤلب القبائل عليه وعلى أصحابه أثناء سيرهم إلى ديار كعب، ولكي لا تستغل قريش خروج النبي وصحبه فتؤلب القبائل عليه وتخرج للانتقام منه وهي التي كانت نالت ما نالت من هزيمة وقتل وحسرة على يديه، وبالفعل تم أخذ القرار وعرض الهدف وتمت معالجة الأمر على أحسن وجه، فعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “«مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ»، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا، قَالَ: «قُلْ»، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ، فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ – وحَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ أَوْ: فَقُلْتُ لَهُ: فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ؟ فَقَالَ: أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ – فَقَالَ: نَعَمِ، ارْهَنُونِي، قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ العَرَبِ، قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا، فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ، فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ، هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ – قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي السِّلاَحَ – فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ، وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الحِصْنِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو، قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ، قَالَ: وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ – قِيلَ لِسُفْيَانَ: سَمَّاهُمْ عَمْرٌو؟ قَالَ: سَمَّى بَعْضَهُمْ – قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، وَقَالَ: غَيْرُ عَمْرٍو: أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، وَالحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، فَقَالَ: إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ، فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ، وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ رِيحًا، أَيْ أَطْيَبَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَ: عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ العَرَبِ وَأَكْمَلُ العَرَبِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ:

نعَمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ، قَالَ: دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ”.

هكذا أنهى النبي عليه الصلاة والسلام مشاغبة ومحاربة هذا اليهودي المجرم وهكذا قطع شره وأذيته للمسلمين ونسائهم.

نستفيد من هذه العملية البطولية أمورًا كثيرة منها :

1-ضرورة التصدي لكل من يعتدي على الإسلام والمسلمين أو يحرض ويؤلب الناس عليهم، أو ينتهك أعراضهم حتى لو أدى ذلك لاغتياله في عقر محلته أو بيته حتى. بخصوص التنفيذ الميداني فإن الأمور تُقدر بقدرها ويفصل فيها العلماء الربانيون وأهل الخبرة من المجاهدين الصادقين. فلكل حدث حديث.

2-أخوَّة الدين أقوى وأثبت من أخوَّة النسب أو غيرها من روابط، وهذه العقيدة يجب أن تُترجم ميدانيًا حين يجد الجد ويستدعي الأمر ذلك، مع العلم أن إعمال ذلك ميدانيًا لا يُقدّره إلّا أهل العلم الربانيين الثقات.

3-هل يجوز أن يقول الكفر لتسهيل المهمة ؟ هذه المسألة تقدر بقدرها. فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

4-عرض المهمات الصعبة والخاصة على المقتدرين على ذلك من المسلمين، وقبول طرح من يبدي استعداده للتنفيذ، وإخباره بالمطلوب تفصيليًا.

5-تجهيز حوار مقنع للدخول به على المستَهدَف حتى لو أدى ذلك لخداعه بالكلام لتسهيل استدراجه.

6-التأني وعدم التسرع والانجرار خلف استفزازات العدو لكي لا يسحبنا لدائرة لم يحن وقتها، ونحن في غنى عن الدخول في متاهات ومناوشات ومعارك جانبيه تشغلنا عن الهدف الأساس، ولكن إن تعاظم الخطر أو الأذى من فرد أو مجموعة أو جماعة وهي ليس ضمن قائمة الأهداف الأساسية. فالخيار المناسب للتخلص من أذاها وشرورها هو الاغتيال أو السرايا الصغيرة التي تقوم بعمليات سريعة خاطفة.

غزوة الأحزاب: السلاسة الأمنية، والبراعة العسكرية

لقد كانت فكرة جمع الأحزاب وحشدها لقتال النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، فكرة يهودية هدفها تشكيل تحالف يهودي عربي وثني شامل لكل عدو للإسلام والمسلمين، وهدفه اقتحام المدينة والسيطرة عليها والقضاء على النبي عليه السلام وصحبه الكرام.

جاءت هذه الفكرة الشيطانية بعد أن تجاوز النبي عليه الصلاة والسلام عدة مراحل كبيرة جعلته صاحب قوة ونفوذ يحسب لها الكفار ألف حساب، ما أدى لتقوية شوكة المسلمين وتأمين حياتهم بشكل كبير قياسًا على المرحل السابقة.

وكانت في العام الرابع الهجري بعد غزوة بني النضير و التي انتهت بطرد النبي عليه الصلاة و السلام يهود بني النضير من المدينة، وذلك بعدما خانوا النبي عليه السلام وغدروا به وحاولوا اغتياله.

عندما عزم اليهود أمرهم وبدأوا يتحركون ميدانيًا كانت أول وجهتهم وأول خطوة قاموا بها هي التوجه إلى قريش لأخذ شرعية الحراك واعتماده لأن قريشًا كانت هي رأس حربة أعداء الإسلام وأهله.

وافقت قريش على الفكرة وانضمت إليها برأيها وجنودها، فهذا التحالف بحسب قناعات قريش سيمكنها من الانتقام من النبي صلى الله عليه وسلم و القضاء عليه وعلى دعوته. ثم توسع التحالف وتكاثرت الأحزاب المشاركة فيه وتوجهت صوب المدينة لمحاصرتها.

لاشك أن اتفاق الأحزاب على مهاجمة المدينة ومحاصرتها حدث جلل زلزل أهالي المدينة وحصر فرص المناورة والمهاجمة والمباغتة العسكرية، فكانت الانفراجة بفضل الله من خلال سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه، حين اقترح على النبي صلى الله عليه وسلم فكرة حفر الخندق، والتي رحّب بها النبي صلى الله عليه وسلم وباشر في تنفيذها، إلّا أن الخندق لم يدحر الأحزاب ولكنه أوقف تقدمهم وزحفهم ومنعهم من اقتحام المدينة وكان هذا انجاز كبير ومهم، ولكن الأحزاب تمركزت حول المدينة وضيَّقت الخناق على المسلمين حتى أصابهم الخوف الشديد، كما قال الله تعالى واصفًا حالهم: “إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا“.

أحاط المشركون بالمسلمين حتّى جعلوهم في مثل الحصن من كتائبهم، فحاصروهم قريبًا من شهر وأخذوا بكلّ ناحية واشتدّ البلاء وتجهّر النفاق، واستأذن بعض الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى المدينة وقالوا: “إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرارًا“.

وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدّة، إذ جاءه نعيم بن مسعود الغطفاني فقال: يا رسول الله؛ إنّي قد أسلمت، وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنّا إن استطعت، فإنّ الحرب خدعة» .

فخرج نعيم بن مسعود الغطفاني، فأتى بني قريظة، وتكلّم معهم بكلام جعلهم يشكّون في صحّة موقفهم وولائهم لقريش وغطفان الذين ليسوا من أهل البلد، وعدائهم للمهاجرين والأنصار، الذين هم أهل الدار وجيرانهم الدائمون، وأشار عليهم بألّا يقاتلوا مع قريش وغطفان حتّى يأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم يكونوا بأيديهم ثقة لهم، فقالوا له: لقد أشرت بالرأي.

ثمّ خرج حتى أتى قريشًا، فأظهر لهم إخلاصه ونصيحته، وأخبرهم بأنّ اليهود قد ندموا على ما فعلوا، وسيطلبون منهم رجالًا من أشرافهم تأمينًا للعهد، وسيسلمونهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيضربون أعناقهم، ثم خرج إلى غطفان وقال لهم مثل ما قال لقريش، فكان كلا الفريقين على حذر، وتوغّرت صدورهم على اليهود، ودبّت الفرقة بين الأحزاب، وتوجّس كلّ منهم خيفة من صاحبه.

ولمّا طلب أبو سفيان ورؤوس غطفان معركة حاسمة بينهم وبين المسلمين تكاسل اليهود، وطلبوا منهم رهنًا من رجالهم، فتحقّق لقريش وغطفان صدق ما حدّثهم به نعيم بن مسعود الغطفاني، وامتنعوا عن تحقيق طلبهم، وتحقق لليهود صدق حديثه كذلك، وهكذا تخاذل بعضهم عن بعض وتمزّق الشمل وتفرّقت الكلمة.

وكان من صُنْعِ الله لنبيّه أن بعث الله على الأحزاب الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد، فجعلت تقلب قدورهم وتطرح أبنيتهم، وقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش؛ إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخفّ، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدّة الريح ما ترون؛ ما تطمئنّ لنا قدور، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتَحِلُوا، فإنّي مرتحل.

وقام أبو سفيان إلى جمله وهو معقول فجلس عليه، ثم ضربه فما أطلق عقاله إلّا وهو قائم.

وسَمِعَتْ غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلّي، وأخبره حذيفة بن اليمان الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم عينًا إلى الأحزاب ينظر له ما فعل القوم ثمّ يرجع، فأخبره بما رأى، فلمّا أصبح انصرف عن الخندق راجعًا إلى المدينة وانصرف المسلمون ووضعوا السلاح، وصدق الله العظيم القائل: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً”، والقائل: “وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً“.

ووضعت الحرب أوزارها، فلم ترجع قريش بعدها إلى حرب المسلمين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنّكم تغزونهم”.

نستفيد من هذه الغزوة أمورًا كثيرة منها :

1-وجوب الثقة الكاملة بالله والاعتماد عليه وطلب النصرة والفرج منه مع الأخذ بكل أسباب النصر، المادية والميدانية.

2-أهمية اطلاع الثقات على حقيقة الواقع ومشاورتهم والأخذ بالرأي الأنفع والأنسب للتعامل مع الواقع.

3-الثقة لا تُغني عن الحذر؛ فمهما كانت الثقة في الشخص فإن هذا لا يمنع أخذ جوانب تأمين العمل خوفًا من الثرثرة أو تسريب أي معلومة بقصد أو بدون قصد أو ربما يكون هناك أمرًا لا يعلمه أحد من المجاهدين، و هذا كله يُقدَّر بقدره.

4-حدث قبل غزوة الخندق وبعدها أن أناسًا أسلموا وانضموا لصفوف الجيش الإسلامي مباشرة بعد إسلامهم وشاركوا في المعارك، ولكننا لاحظنا هنا في غزوة الخندق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنعيم بن مسعود الغطفاني لما جاءه مسلمًا: «إنّما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنّا إن استطعت، فإنّ الحرب خدعة». وهذا اجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم مبني على الأولويات ولوازم المناورة الميدانية.

 لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لنعيم ولم يضمه لجيش المسلمين مباشرة ويستخدمه داخل المدينة ؟

لأن الوضع العام للمدينة كان مضطربًا ويستدعي الحذر وكان وضع الجيش الإسلامي يستدعي الحذر أكثر وأكثر، وفي هذه الحالة لم يكن هناك متسع للمغامرة باستقبال جدد من خارج المدينة ودمجهم في الجيش من منطلق أن الأيام ستكشف نواياهم وصدقهم من عدمه، فكان قرار النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قرار حيث أنه قال لنعمان خذّل عنا؛ يعني اذهب وخفف عنا هذا الضغط وانصرنا بما تقدر عليه من خارج المدينة فالكفار لم يعلموا بإسلامك بعد، في هذه الحالة إن كان نعمان صادقًا صحيح الإسلام فإنه سيبقى على إسلاميه وسيعمل على نصرة المسلمين من خارج المدينة، ولقد كان المسلمون في أمس الحاجة إلى ذلك، وإن كان إشهاره لإسلامه خدعة لاختراق المسلمين فإنه لن ينجح في ذلك ولن ينجح في الوصول لصفوف المسلمين الفاعلة، ولن يضرهم بشيء لأنه خارج المدينة، ولن يستطيع من الوصول لأي معلومة أمنية أو عسكرية، وهذا كان اجتهاد رائع من قائدنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أنه قبل به ضمن صفوف المسلمين وكلفه بمهمة تناسب وضعه الأمني.

وبالفعل ذهب الصحابي الجليل نعيم بن مسعود الغطفاني تحفه رعاية الله وتوفيقه واخترق صفوف الأحزاب واستطاع أن يشق صفوفهم ويشتت شملهم، وكان لهذا الاختراق دور مهم في تشتيت الكفار وهزيمتهم.

5-التأني في استقبال كل من يريد الانضمام لصفوف المجاهدين خصوصًا إذا كان الوقت لا يسمح بإعطاء فرصة لاختباره ومعرفة حقيقة توجهه.

6-انسحاب قريش المبكر من الميدان وبمجرد أن شعرت ببداية فقدان الثقة الداخلية بين الأحزاب كما أنها لم تصبر على ضرب الريح لمخيماتهم وتجمعاتهم، وهذا دليل على أن قريشًا كانت تستخدم القبائل لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم نيابة عنها أو بمساهمات محدودة وأنها كانت تحاول الاستفادة من الوقت قدر المستطاع حتى يأتي اليوم المناسب والذي تنتصر فيه انتصارًا يُحسب لها لوحدها، ولذلك عندما احتاج الأمر أن تصبر وتتحمل المشاق رفضت ذلك وانسحبت وتركت حلفاءها والذين انسحبوا بعدها تباعًا.

أما غزوة بدر التي كانت بين المسلمين وقريش، فلم تكن قريش تريدها حربًا ولم يكن المسلمون استعدوا لها، ولكنها حصلت بأمر الله وإرادته وتقديره، أما غزوة أحد فكانت تريدها قريش للانتقام من المسلمين لأنهم قتلوا بعض قادة قريش وأشرافها في غزوة بدر.

7-هذه القطعة من الرواية تبين لنا كم كانت قريش مستقلة برأيها وأنها تملي الأوامر على القبائل ولا تنتظر من القبائل أمرًا فصلًا؛ فحين تكلم أبو سفيان لم يوجه الخطاب لغير قريش، وحين ارتحل لم يستأذن من أحد وحين تبعته قريش منهزمة لم تشاور أحدًا كما هو واضح هنا:

“وكان من صُنْعِ الله لنبيّه أن بعث الله على الأحزاب الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد، فجعلت تقلب قدورهم وتطرح أبنيتهم، وقام أبو سفيان، فقال: يا معشر قريش؛ إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخفّ، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدّة الريح ما ترون، ما تطمئنّ لنا قدور، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا، فإنّي مرتحل.

وقام أبو سفيان إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فما أطلق عقاله إلّا وهو قائم”.

8-ضرورة مراعاة ضعف الأهالي بشكل عام وأنهم ليسوا كالجيش العسكري الذي يتحمل المشاق والمصاعب، واختيار خطط للمواجهة تراعي ذلك، لأن فيهم النساء والأطفال وكبار السن والمرضى.. إلخ، ولا حرج لو تنازل القائد عن شيء من مال أو نفوذ مقابل الحفاظ على سلامتهم وعدم اقحامهم فيما ليس لهم به طاقة. وهذا يُقدّر بقدره فلكل حدث حديث.

9-ضرورة مشاورة قيادة الأهالي وممثليهم والتباحث معهم فيما يحتاجونه و مدى طاقة تحمل أهاليهم، وهذا ما نتعلمه هنا من قائدنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “..أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقنع بثوبه حين أتاه غدر قريظة، فاضطجع ومكث طويلًا، حتى اشتد على الناس البلاء، ثم غلبته روح الأمل، فنهض يقول: «الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره» ثم أخذ يخطط لمجابهة الظرف الراهن، وكجزء من هذه الخطة كان يبعث الحرس إلى المدينة، لئلا يؤتى الذراري والنساء على غرة، ولكن كان لا بد من إقدام حاسم، يفضي إلى تخاذل الأحزاب، وتحقيقا لهذا الهدف أراد أن يصالح عيينة بن حصن والحارث بن عوف رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة، حتى ينصرفا بقومهما، ويخلو المسلمون لإلحاق الهزيمة الساحقة العاجلة على قريش التي اختبروا مدى قوتها وبأسها مرارا، وجرت المراوضة على ذلك، فاستشار السعدين في ذلك، فقالا:

يا رسول الله إن كان الله أمرك بهذا فسمعا وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا، فحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف، فصوّب رأيهما وقال: «إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة».

الخاتمة:

معلوم لكل صاحب خبرة بالحروب ومجريات الأمور فيها أن الاختراقات الأمنية التي تهدف لحرف الدولة أو الجماعة عن أهدافها الأساسية تعتبر من أخطر ما تتعرض له الدولة أو الجماعة، ولذا وجب تحديد الأهداف والتمترس خلفها وعدم الانتقال عن أيٍّ منها إلّا بعد المشاورات المتأنية مع عدم الاندفاع، كما يجب ألّا يكون الانتقال ناتج عن ردة فعل، لأنه في الحروب والأجواء المتوترة تكثر عمليات الاستفزاز لاستدراج المتهورين أو المندفعين من الدولة أو الجماعة لاستدراج الدولة أو الجماعة لإشغالهم بمعارك جانبية أو معارك هدفها تشتيت الدولة أو الجماعة عن الأهداف الأساسية، وهذا سيؤدي قطعًا لضعف المقاتلين وإحباطهم في المستقبل القريب، وهكذا تصبح الأهداف الأساسية في مهب الرياح، وربما يكون هدف الاستدراج لمعارك جانبية هو إضعاف الدولة أو الجماعة ثم الانقضاض عليها ممن يتربصون بها والذين هم من يقف خلف تلك الاختراقات وافتعال المعارك الجانبية.

ولذا وجب الحذر وعدم الانجرار خلف كل استفزاز ويجب أن يبقى التركيز على الأهداف الأساسية ولا حرج في تغيير الأسلوب أو الطريقة، فهذا من باب المرونة القتالية وهو مطلوب حتى لا تبقى الدولة أو الجماعة تقليدية يفهمها عدوها تمامًا ويعرف كيفية إدارتها للمعارك، فتجديد الخطط والتغير والتبديل فيها أمر مطلوب لإرباك العدو وتشتيت صفوفه. والله ولي التوفيق.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

كتبه/ الباحث في الشئون الشرعية والسياسية

تيسير محمد تربان

فلسطين – غزة

المصدر:

مافا السياسي (ادب المطاريد)

www.mafa.world