جهاد شعب أفغانستان ، معركة حقيقية لتحرير فلسطين

 بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

نقلا عن مجلة الصمود الاسلامية السنة الثانية عشر – العدد 142 | ربيع الثاني  1439 هـ / يناير 2018 م

 

جهاد شعب أفغانستان

معركة حقيقية لتحرير فلسطين

 

تحميل مجلة الصمود عدد 142 : اضغط هنا

 

ــ صمود الأفغان عرقل مشروع الشرق الأوسط الكبير . وأمريكا تتلظى فوق الحديد الأفغانى المشتعل ، وهذا سر إستعجالها المفرط فى دفع المشروع الإسرائيلى قدما ، بما سيؤدى إلى سقوطه وإنهياره .

ــ قاعدة باجرام الجوية شمال كابل ، أكبر مصانع الهيرويين فى العالم وأكثرها تحصينا. ومزودة بنظام مضاد للصواريخ ، مع 18 طائرة F-16 للدفاع عانها .               

ــ تحصين القواعد الجوية الأمريكية يتناسب مع أهمية دورها فى تصنيع ونقل الهيرويين ، وليس لأغراض عسكرية .

ــ أمريكا أكبر قلاع الظلم الإجتماعى فى العالم ، والمسلمون والعرب وشعوب العالم فى أنتظار إنتصار الأفغان عليهم ، حتى تمتلئ الدنيا قسطا وعدلا بعد أن ملأها الأمريكيون واليهود ظلما وجورا .

 

 

منذ أكثر من 16 عاما وشعب أفغانستان يقف فى الصف الأول المقاتل لأجل فلسطين . متصديا للولايات المتحدة التى تمثل القوة الأساسية والأعظم فى العدوان على ذلك البلد المسلم، فمن أمريكا يستمد يهود إسرائيل جميع إحتياجاتهم اللازمة لدوام إحتلالهم لفلسطين والعدوان على ما جاورها من بلاد العرب ـ فالسلاح الأمريكى هو السلاح الأساسى فى يد اليهود المحتلين ، وبه يكونون الأقوى عسكريا من جميع جيوش العرب . والأموال الأمريكية التى تصب بإستمرار فى الخزينة الإسرائيلية هى أساس قوتهم المالية . والدعم السياسى الأمريكى هو الذى يبقى إسرائيل محصنة ضد أى قانون دولى . وفى النهاية فإن النفوذ اليهودى فى الولايات المتحدة هو العنصر الأساسى الموجه لسياسات ذلك البلد فى الداخل والخارج ، بما يجعلها وإسرائيل كيانا واحدا ، فنادرا ما تظهر الإختلافات الكبيرة بينهما .

 لذلك فإن جهاد شعب أفغانستان ضد الإحتلال الأمريكى هو جهاد ضد المكون الرئيسى للقوة الإسرائيلية. وفى نفس الوقت فإن الوجود الإسرئيلى فى أفغانستان إلى جانب الوجود الأمريكى ومن داخله هو أمر مؤكد ، وفى كافة المجالات العسكرية والسياسية والإقتصادية . لذا فإن أى إنجاز للإحتلال الأمريكى فى أفغانستان فإنه يحسب تلقائيا كإنجاز إسرائيلى . والعكس صحيح فإن كل إنتصار للمجاهدين وكل ضربة يوجهونها للإحتلال الأمريكى فإنها تصل إلى القلب اليهودى قبل أن تصل إلى الأمريكى. ولا شك أن إسرائيل تطمع فى تحويل أفغانستان إلى إسرائيل ثانية فى وسط آسيا ، كما صرح بذلك أحد نواب الكونجرس الأمريكى قبل العدوان على أفغانستان . ولولا خشية الحكومة العميلة فى كابل من شعبها ومجاهديه لأعترفت مذ لحظتها الأولى بإسرائيل وطبعت العلاقات معها . وهذا شأن العديد من الحكومات “الإسلامية” التى تنتظر اللحظة المواتية كى تظهر فى العلن ما تفعله سرا من تطبيع للعلاقات مع إسرائيل .

والسبب الذى منع أمريكا من الإنسحاب من أفغانستان حتى الآن / رغم قناعتها التامة بإستحالة إخضاع الأفغان / هو أن مشروع (الشرق الأوسط الجديد أو الكبير) ، لم يتم إنجازه بشكل كامل حتىى الآن نتيجة لبعض النكسات التى منى بها . كما أن عدم إخضاع أفغانستان للإحتلال الأمريكى وبالتالى إخضاعها لبرنامج”تهويد” ، كان ضمن عوامل عرقلت مشروع الشرق الأوسط الجديد الذى هو عبارة عن إمبراطورية إسرائيلية تمتد فوق بلاد العرب التى من المفترض أن يتحول أكثرها وفق ذلك المشروع إلى مجرد “مستعمرات” إسرائيلية. ومعلوم أنه من الخطر على سلامة المشروع أن تظهر إلى العلن حقيقة الهزيمة الأمريكية فى أفغانستان ، فذلك سوف يشجع العرب على مزيد من المقاومة لمشروع التمدد اليهودى فوق خريطة بلادهم. إن أمريكا تقف عارية القدمين فوق الحديد الملتهب فى أفغانستان، فى إنتظار إنجاز المشروع اليهودى فى بلاد العرب . وهذا من أسباب الإستعجال المفرط فى خطوات تنفيذ المشروع ( ومنها خطوة الإعتراف الأمريكى بالقدس كعاصمة لإسرائيل). ذلك التعجل سوف يؤدى إلى سقوط المشروع الذى لم تنضج شروط نجاحة بعد . فإلى أى مدى تستطيع أمريكا الصمود فى أفغانستان قبل أن يتفسخ بنيانها داخل أمريكا نفسها ؟؟ ، أو أن يتمكن العرب والمسلمون من تهيئة قوة مقاومة كافية لإحباط المشروع اليهودى الكبير؟؟.

إلى جانب المقاومة الداخلية فى بلاد العرب ، فإن المقاومة الأفغانية هى متسبب أساسى فى عرقلة مشروع تهويد المنطقة العربية وابتلاع إسرائيل لها. لقد أبقت الولايات المتحدة نفسها رهينة فى أفغانستان حتى يتم تنفيذ المشروع اليهودى فى بلاد العرب. وقد تسقط أمريكا وتنفذ قدرتها على مداومة إحتلال أفغانستان ولا يتم مشروع الشرق الأوسط الجديد .

تحميل مجلة الصمود عدد 142 : اضغط هنا

حملة صليبة واحدة ضد الأفغان والعرب معا :     

الحملة العظمى التى أعلنها جورج بوش الإبن على أفغانستان ، من داخل كتدرائية فى واشنطن ، واصفا إياها بالحملة الصليبية ، كان توصيفا حقيقيا ودقيقا للجوهر العقائدى للحملة. فتلك الحملة كانت دينية وشاملة . بدأت من أفغانستان لإعتبارات دينية وإقتصادية واستراتيجية ، ثم إنساحت صوب العالم العربى ، بدءاً بالعراق حتى وصلت إلى ليبيا واليمن بعد أن أحترقت العراق ثم سوريا .

كل ذلك كان خدمة لإسرائيل ، وتمهيدا لهيمنتها المطلقة على كل تلك المناطق ، وإعدادها للقدس لتكون عاصمة لإمبراطوريتها التى لن تقف عند بلاد العرب ، بل يتكلم اليهود عن حدود الصين كأحد حواف إمبراطوريتهم القادمة .

وإسرئيل ـ لو وصلت إلى ذلك المدى من التوسع كطليعة للإستعمار الغربى كله ـ الأمريكى منه والأوروبى ممثلا فى حلف الناتو ـ لن تكون جارا طيبا للصين أو روسيا أو إيران . حيث يعمل داعمى إسرائيل لحصارالصين بحريا ، وحرمانها من إستخدام المحيطات والبحار فى حاله الحرب ، أو للتضييق على تحركاتها التجارية العملاقة عند توتر العلاقات أو نشوب حرب تجارية . لهذا لجأت الصين إلى التركيز على أحياء (طريق الحرير)، وهو شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية تربط الصين بأجزاء شاسعة من آسيا وأوروبا .

ومن الأهداف الأساسية للحرب الأمريكية على العراق وسوريا هو منع طريق الحرير من المرور فى تلك المناطق وصولا إلى تركيا أو البحر الأبيض المتوسط ، أى فرض نوع من الحصار البرى على الصين ، والذى سوف يطال إيران وروسيا أيضا . وهذا أحد دوافع الصراع المرير متعدد الأطراف فى تلك المنطقة العربية الحساسة . والعرب أكبر ضحايا ذلك الصراع ويدفعون تكاليفه من الأرواح والممتلكات ومستقبل الأجيال .

وهذا ما يحدث فى أفغانستان منذ الغزو الأمريكى عام 2001 . حرب صليبيه تبيد البشر وتدمر ممتلكاتهم . ولا تبقى غير ما فيه مصلحة للمحتل من ثروات أو أراضى .

ولأنها حرب واحدة ـ صليبية ـ فإنها متطابقه تقريبا حيثما حلت فى بلاد المسلمين ، ومهما أذاع البيت الأبيض عن استراتيجيات جديدة ، لعلاج مشاكله فى هذا البلد أو ذاك . فما أعلنه ترامب عن استراتيجية جديدة فى أفغانستان لم تكن إلا إستمرارا لما سبق وفعله أسلافه ، ولكن بمزيد من الضعف الذى يناسب حالة الإنهاك التى أصابت الأمريكيين فى أفغانستان ، بل وتدهور مكانتهم الدولية ، التى كانت حرب أفغانستان هى السبب الأول فيه ، طبق الأصل لما حصل مع السوفييت والبريطانيين عندما تجرأوا على غزو ذلك البلد المستعصى على الإخضاع أبدا .

إستخدام القوة الوحشية ضد المدنيين هو من مظاهر الضعف العسكرى لدى العدو الذى يئس تماما من مجرد التفكير فى القضاء على القوة المسلحة لمجاهدى الشعب الأفغانى (طالبان) أو التأثيرعلى قيادتهم السياسية (الإمارة الإسلامية) . فليس أمام العدو سوى التنكيل بالمدنيين إنتقاما منهم ، فى محاولة لإستخدامهم كورقة ضغط على مجاهدى طالبان .

ومن أبشع تلك العمليات هو ما حدث فى شهر نوفمبر 2017 حين داهمت ليلا القوات الأمريكية وأعوانهم المحليين ، مدرسة دينية داخلية للأطفال فى ولاية وردك .

فأوثقوا أيدى الأطفال واضعين وجوههم إزاء الحائط ثم أطلقوا عليهم الرصاص ، فقتلوا منهم 21 طفلا تتراوح أعمارهم من 10 أعوام إلى 15 عاما ـ ( مجلة الصمود العدد 141 ) ـ

قتل الأطفال وطلاب المدارس الدينية ، ومدرسيها ، وعلماء المساجد ، وتدمير مباني تلك المدارس ومساجدها بالقصف الجوى أو الأرضى ، هو أحد أركان إستراتيجية العدو الأمريكى فى أفغانستان ، كما كانت كذلك فى زمن الإحتلال السوفييتى .

“حنيف أتمر” المستشار الأمنى للرئيس “أشرف غنى” يعتبر المدارس الدينية أوكارا للإرهاب ، ويحرض ضدها فى الكثير من خطاباته العلنية . ومعروف أنه شيوعى سابق قاتل الى جانب السوفييت أثناء إحتلالهم لأفغانستان ، والآن يمارس نفس المهمة إلى جانب الإحتلال الأمريكى من موقعه الوظيفى الحساس ، كما أنه المندوب الشخصى للرئيس (غنى) فى إدارة نشاطات داعش فى أفغانستان بالتعاون مع (حكمتيار) الزعيم “الجهادى” السابق .

ومعلوم أن زوجة رئيس الدولة (أشرف غنى) تدير نشاطا تبشريا قويا داخل أفغانستان ، من موقعها داخل القصر الجمهورى . وهى مارونية لبنانية ، ولو أنها مسلمة ومارست نشاطا دعويا من نفس المركز، لاتهمت دوليا بالإرهاب والتعدى على حقوق وحريات نساء أفغانستان ولظهر إسمها فى قوائم المطلوبين أمريكيا .

 إستباحة المدارس الدينية سياسة أمريكية ثابتة على الدوام ، ولا يكاد يمر شهر بدون تدمير بعضها وقتل العديد من طلابها وشيوخها. فالمجازر الجماعية بشتى الصور والأعذار هى سياسة أمريكية ثابتة فى كل مكان عملت فيه جيوشها وجيوش حلفائها ومناصريها .

جاء فى أقوال هنرى كسينجر ـ الصهيونى الشهير ووزير خارجية أمريكا السابق (إن تقليص أعداد البشر هو المحور ذو الأفضلية الأولى فى السياسة الخارجية الأمريكية تجاه بلدان العالم الثالث). وقال أيضا (على الغرب أن يبيد العرب فى أى حرب عالمية قادمة).

هذه سياسة أمريكا فى أفغانستان منذ أن دخلتها جيوشهم . وهى نفس سياستها فى بلاد العرب التى أصابها بلاء الإحتلال الأمريكى . فالأمم المتحدة قدرت الأضرار التى أحدثتها قوات “التحالف الدولى” الذى تقوده أمريكا فى مدينة الموصل العراقية بحوالى 700 مليون دولار. وهى عمليات أدت إلى مقتل ما بين خمسة إلى ثمانية آلاف عراقى . مجلة “فورن بوليسى” الأمريكية قالت أن ضحايا قصف الطيران (الدولى) الذى تقوده أمريكا قدر بحوالى 3500 مدنى على الأقل فى نفس المدينة. وعلى مدينة الرقة السورية تسببت الغارات الأمريكية فى نزوح 190 ألف مواطن سورى مازال مصير 20 ألف منهم مجهولا. وحجم الدمار فى مدينة الرقة السورية لم يقل عن حجم الدمار فى مدينة الموصل العراقية ، وأن 80% من أراضيها لم تعد صالحة للعيش بعد هجوم قوات (التحالف) عليها. وقد شن الطيران الأمريكى ومعه طيران  الحلفاء عشرات الآلاف من الضربات الجوية على سوريا والعراق تحت ذريعة الحرب على الإرهاب . إنها نفس الحرب الصليبية ونفس الجيش الأمريكى ونفس “الحلفاء” ، من أفغانستان إلى بلاد العرب وصولا إلى فلسطين .

خطوط نقل الطاقة على طريق الحرير :

فلماذا الهجوم الصليبى على العراق وسوريا ومن قبلهما أفغانستان ؟؟.

واحد من الأسباب الرئيسية هو أن تلك المناطق تشكل جزءا هاما من (طريق الحرير)، أى منفذ الصين البرى إلى العالم ، بعيدا عن البحار التى تسيطر عليها أمريكا وحلفائها. ورغم أن الصين تعمل جاهدة على تطوير أسطولها الحربى إلا أنها لن تستطيع اللحاق بالقوة البحرية والجوية الأمريكية فى المدى المنظور.

ــ كما أنها مسار لخطوط الطاقة (نفط وغاز) ، سواء تلك التى تعبر أفغانستان إلى بحر العرب من ميناء جوادر الباكستانى ، أو تلك التى تعبر العراق وسوريا ، صوب تركيا أو البحر الأبيض . فالذى يكسب حرب الطاقة ويتحكم فى منابعها وخطوط نقلها، هو من يكسب معركة السيطرة الإقتصادية عالميا. وأفغانستان وكل من العراق وسوريا تشكل حلقات غاية الأهمية فى مسيرة تلك الخطوط ، بل وفى العديد من منابعها.

واضعين فى الإعتبار أن الطاقة الجهادية الأفغانية هى الكفيلة دوما بتغيير مسار التاريخ ودحر الغزاة ، صليبيين كانوا أم يهودا. فمن أهداف الحملات الإستعمارية على أفغانستان منذ القرن التاسع عشر، كان إخماد جذوة الجهاد فى ذلك الشعب وتغريب ثقافته ، من أجل تأمين تواجدهم الإستعمارى فى أفغانستان نفسها وفيما جاورها من بلدان إسلامية .

نهب ثروات أفغانستان

أفيون ـ يورانيوم ـ خامات نادرة .

تعيش الولايات المتحدة دور “البلطجى الدولى” الذى يستثمر قوته العسكرية فى سرقة ثروات الشعوب المستضعفة ، واستغفال باقى شعوب العالم .

لهذا يتصاعد الإنفاق العسكرى الأمريكى رغم إنتفاء أى تهديد جدى لها منذ إنهيار الإتحاد السوفيتى ـ حتى وصل ذلك الإنفاق الآن إلى حوالى 700 مليار دولار سنويا .

تستنزف أمريكا ثروات أفغانستان المنجمية ، من مواد خام نادرة مثل اليورانيوم وغيره ـ ويشتكى عضو فى برلمان من ولاية هلمند أن الأمريكيون والبريطانيون ينهبون تلك المواد من منطقه خانشين فى هلمند . وأنهم أعدوا مطارا فى المنطقة يعمل على مدار الساعة فى نقل تلك المواد بواسطة طائرات ضخمة .

 

 

 F-16 قبة حديدية ، وطائرات   

لحماية مصنع الهيروين فى بجرام : 

وتشتهر ولاية هلمند أيضا أن بها أكبر مزارع الأفيون فى البلاد . لذا فهى المصدر الرئيسى لتلك المادة التى تصل إلى الأمريكيين ، فيحولونها إلى مسحوق الهيروين فى مصانع متطورة موجودة داخل قواعدهم الجوية . وأهمها مطار(بجرام) فى شمال كابول، وهو الأهم والأكبر فى كل البلاد . وإلى جانب كونه أكبر مراكز التعذيب فى أفغانستان ــ ويستخدم هؤلاء الأسرى كدروع بشرية لحماية المطار من هجمات المجاهدين بالإقتحام أو بالقصف البعيد ـ فإن المطار يحتوى على أكبر مصانع الهيروين فى العالم ، لهذا يتمتع بحراسات مكثفة وأسلحة متطورة ، من بينها شبكة مضادة للصواريخ (قبة حديدية). ولتأكيد حماية مصانع الهيروين هناك زودوا ذلك المطار بطائرات جديدة من طراز F-16 ليرتفع عددها من 12طائرة إلى 16طائرة . وهو عدد لا تحلم الكثير من الدول بالحصول عليه .

أما مطار جلال آباد فى شرق البلاد ـ وهى منطقة غنية بزراعة الأفيون ـ فقد تسلم طائرتى هيلوكبتر من طراز بلاك هوك لتعزيز الدفاعات عن كنوز الهيروين فى المطار . لذلك يعتبر تحصين أى قاعدة جوية أمريكية فى أفغانستان متناسبا مع مكانتها فى تصنيع ونقل الهيرويين وليس مع مقدار المخاطر العسكرية التى تهددها .

ــ تحصل أمريكا من صناعة الهيروين فى أفغانستان على عدة مئات من مليارات الدولارات. ومقدار غير معلوم من المليارات من عوائد السطو على الثروات المنجمية ، التى حسب ما همس به (أشرف غنى) فى أذن ترامب أثناء مؤتمر الرياض فى الربيع الماضى، أنها تقدر بترليون دولار ـ عرض عليه أن تأخذها أمريكا بدلا عن الصينيين ، والثمن معروف هو كرسى الحكم فى كابول والمنافع المترتبة عليه .

تذهب تلك الثروات الهائلة ( من هيروين ويورانيوم وخامات أخرى نادرة وثمينة ) لتصب فى شبكة معقدة لمجموعات الجريمة المنظمة ، تضم عسكريين وأمنيين وحكوميين أمريكيين، ومجموعات من عصابات المافيا. وبعض تلك المكاسب تصل بشكل رسمى إلى الخزنة الأمريكية .

تحميل مجلة الصمود عدد 142 : اضغط هنا

عيوب فى أصل البنيان الأمريكى :

ولكن هل يكفى كل ذلك المال المنهوب لتقويم المكانة المالية للولايات المتحدة ؟؟. بالطبع لا،  فتلك الدولة تنخرها التناقضات البنيوية والتى تغلى سمومها وتتفاعل فوق النار الأفغانية ، وفى النهاية سينفجر القِدْر الأمريكى لتحتل تلك الدولة مكانتها اللائقة فى مزبلة التاريخ ، مع إمبراطوريات سبقتها فى دخول أفغانستان والخروج منها على حال مختلف تماما .

فمازالت تلك الدولة (العظمى) هى أعظم دولة مدينة فى التاريخ ، بمبلغ 20 ترليون دولار يرتفع باستمرار ليصل إلى 26 ترليون فى عام 2023 . وهى دولة تطبع أوراق عملتها بدون غطاء ذهبى ـ أى مجرد أوراق ملونة ـ ثم توهم العالم بأن لها قيمة ، فتشترى بها إحتياجاتها من الخارج التى تزيد كثيرا عما تنتجه على أراضيها ، فتزيد وارداتها عن صادراتها فتقع دوما فى عجوزات مزمنة وهى : عجز فى الميزان التجارى ـ وعجز فى ميزان المدفوعات ـ وعجز فى الميزانية الإتحادية . ( يلاحظ أن الولايات المتحدة تشترى خام الأفيون من المزارعين الأفغان بالعملة المحلية التى تطبعها هى ، أى أنها مجرد أوراق ملونة بلا رصيد ذهبى ، لآن الدولار الأمريكى نفسه لا يتمتع برصيد ذهبى ، فقيمتة متوهمة لا أساس لها، أى أنه مجرد فقاعة مالية سوف تنفجر ذات يوم متسببة فى كارثة عالمية لآنه مازال هو العملة الأولى المعتمدة فى العالم) .

ولا أمل لدى الولايات المتحدة ـ مع كل عمليات السطو الدولى على ثروات العالم ـ أن تعيد التوازن الى وضعها المالى المأزوم ، فهى تستجدى فقط المزيد من الوقت لتأجيل ساعة الحقيقة وسقوط البنيان . والإطمئنان الوحيد لديها هو قناعتها بأن العالم كله سوف يسقط بسقوطها. لذا فهى ترى أن كل العالم يجب أن يتجاوب مع مطالبها من أجل بقائه وسلامته.

ولكن من أجل علاج حقيقى لوضعها المتصدع ، تبقى فى حاجة إلى معدل نمو فى إقتصادها الداخلى يزيد عن 10% سنويا وأن يستمر كذلك لمدة 75 عاما على الأقل . بينما لم تستطيع تجاوز نسبة نمو مقدارها  4% فى أحسن أحوالها ، أى فى عصر الطفرة الإقتصادية التى شهدتها فى تسعينات القرن الماضى .

ــ  الولايات المتحدة فى محاولة منها لسد فجوة عجزها المالى تطبع الدولارات المزورة وتغرق بها العالم ، حتى صارت الدولارات المتداولة عالميا تزيد بأكثر من عشرة إضعاف عن قيمة الإنتاج العالمى من السلع .(( ينتج العالم سلعا بمقدار 66 ترليون دولار ، بينما الدولارات المطروحة فى الأسواق والبورصات تقدر بحوالى 700 ترليون دولار)).))

ــ  نفس حالة التضخم هذه ، تظهر فى الهيروين الذى تطرح منه الولايات المتحدة ما يزيد عن قدرة الإستهلاك العالمى ، لذا تلجأ إلى نوع من التخزين الاستراتيجى لتلك السلعة الحساسة تحسبا للفترة الحرجة التى سوف تعقب إنسحابها من أفغانستان . ولأجل إستيعاب المحصول الوافر من أفيون أفغانستان توصلت المعامل الأمريكية إلى إنتاج نوع من الهيروين الصافى ((بنسبة 100% ــ وكانت النسبة قبل الإحتلال فى حدود 50% أو أقل )). وتقليل الأحجام يسهل كثيرا عمليات التخزين الاستراتيجى وعمليات التهريب . ولا توجد غير المعامل الأمريكية المتقدمة من يمكنها الوصول إلى تلك الدرجة المثالية من النقاوة . واضح فى ظل هذا التطور أن عمليات تصنيع الهيروين فى المعامل البدائية القديمة ، بنقاوة تقل عن 50% ، تعتبر نوعا من الهدر الذى لا تقبل به الولايات المتحدة . لذا تطارد طائرائها (بدون طيار) تلك المعامل على الجانب القبلى الباكستانى ، التى تختلس قدرا من المحصول الأفغانى ، من وراء ظهر المشرف الأمريكى على تلك الكنوز الهائلة .

أمريكا أكبر قلاع الظلم الإجتماعى فى العالم :

ومهما تزايدت الثروات المالية المنهوبة من دول العالم ، فلن تؤدى إلى تحسن حال المواطن الامريكى ، لأن التفاوت الهائلة فى توزيع الثروات يجعل من تلك الدولة أكبر تجمع للظلم الإجتماعى فى العالم . حيث ثروة 10% من سكانها تزيد عن ثروة 80 % من السكان . وتلك الفجوة فى تزايد ، كما يتزايد أيضا عدد الفقراء بإنضمام المزيد من مواطنى الطبقة الوسطى إلى صفوف الفقراء . ويرى مراقبون أن النجاح الأكبر للرئيس ترامب هو ذلك الإنقسام الذى أحدثه فى المجتمع الأمريكى بين الفقراء والأغنياء ، وبين الأعراق ، وبين الديانات. تلك الأنقسامات تهدد بإنهيار البنيان الأمريكى من الأساس ولكنه فى نفس الوقت يمنح بعض الوقت الإضافى لسيطرة اليهود والمحافظين الجدد ( المسيحيين الصهاينة). فمهما يكن فإن سياسة (فرق لكى تحكم) هى قاعدة صالحة للتطبيق حتى داخل أمريكا نفسها .

ــ  لم تنشر أمريكا الظلم بين شعبها فقط بل نشرته على إمتداد العالم ، فهناك ثمانون شخصا فى العالم يمتلكون أكثر مما يمتلكه ملياران من البشر . ومعظم هؤلاء الأثرياء هم من اليهود بطبيعة الحال ، ومن أصحاب البنوك الكبيرة .

يقول عالم الإجتماع بيتر فيليب (( إن طبقة القيادة فى الولايات المتحدة يسيطر عليها الآن مجموعات من حوالى مئتى شخص من المحافظين الجدد الذين يجمعهم هدف واحد ، هو تأكيد الهيمنة العسكرية الأمريكية حول العالم )).

ــ هذه هى قاعدة الظلم فى العالم ـ الولايات المتحدة ـ لذا فإن أمل العالم كله ، والمسلمين وشعب فلسطين بوجه خاص ، معلق وفى إنتظار التحرر والإنتصار الذى سوف يحققه الشعب الأفغانى على تلك الإمبراطورية الشيطانية لتعم الحرية ، وتمتلئ الدنيا قسطا وعدلا بعد أن ملأها الأمريكيون واليهود ظلما وجورا ـ ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ـ

تحميل مجلة الصمود عدد 142 : اضغط هنا

 

بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world