أدوات العدوان الأمريكى فى مرحلة ترامب : الهيروين ، والمرتزقة ، والقادة المتحولون

 بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

نقلا عن مجلة الصمود الاسلامية / السنة الثانية عشر – العدد 140 | صفر 1439 هـ / نوفمبر 2017 م

 

 

 أدوات العدوان الأمريكى فى مرحلة ترامب :

الهيروين ، والمرتزقة ، والقادة المتحولون .

 

– حكمتيار نموذجا للمتحولين :

من قاتل بالجملة .. إلى مناضل نسوى .. وأخيرا “حمامة سلام” !! .

– حقوق المرأة تستخدم كمسحوق للغسيل السياسى وتبييض سيرة  المنحرفين والمجرمين ، ومن ثم تبرئة الإحتلال واتهام الإسلام .

– الزعيم “حمامة السلام” : يحمل الفتنة العرقية فى يد .. والفتنة الطائفية فى اليد الأخرى .

– رد الشعب على القادة المتحولين :فردة حذاء فى وجه الزعيم .

 

 تحميل مجلة الصمود عدد 140 : اضغط هنا

 

لا تجرؤ أمريكا على التصريح بحقيقة نواياها فى أفغانستان فهى دائما تصبغ أعمالها الإجرامية بطلاء من الإدعاءات الأخلاقية الكاذبة والدعايات البراقة .

أفغانستان واحدة من أكبرساحات الإجرام الأمريكى والسياسة غيرالأخلاقية المعادية لجميع البشر ، وللمسلمين منهم بشكل خاص .

تسحب أمريكا حلف الناتو خلفها ، ثم تدفعه ليكون فى طليعة مغامراتها العسكرية ، بما لا يناسب أمن ولا مصالح الدول الأوربية ، خاصة فى حرب أفغانستان الممتدة منذ 16 عاما،والتى لا توجد أى مصلحة لأوروبا فى خوض غمارها سوى إنصياعها للإبتزاز الأمريكى إقتصاديا وأمنيا .

وتحت الضغط فإن الدول الأوربية المشاركة فى حلف الناتو تجد نفسها مطالبة أمريكيا برفع عدد قواتها مرة أخرى فى أفغانستان لتصل إلى خمسة آلاف جندى بعد أن كانت قد خقضتها إلى ما يقرب من نصف ذلك العدد بعد عام 2014 . بل إن تلك الدول مطالبة أيضا بزيادة إنفاقها العسكرى عموما ، وفى ميزانية حلف الناتو خصوصا. وعمليا تريد أمريكا من أتباعها الأذلاء فى الحلف أن يتولوا الإنفاق على القوات الأمريكية المشاركة فيه ، والإنفاق على المغامرات التى تورط أمريكا الحلف فيها . على غرار ما يحدث فى أفغانستان أو على غرار ما يحدث مع روسيا من تصعيد للحرب الباردة معها ، وتوتير أجواء الأمن فى أوروبا بما يضع مزيدا من الأعباء الإقتصادية على دولها ويزيد من إعتمادها على المظلة العسكرية الأمريكية ، النووية وغير النووية .

الأمين العام لحلف شمال الأطلنطى ، وهو مثل شقيقة الأمين العام للأمم المتحدة ، كلاهما موظف أمريكى قبل كل شئ ، ويمثل السياسة الأمريكية قبل أن يمثل المؤسسة التى يعمل فيها . (ستولتنبرج) أمين عام حلف الناتو يقول أن تكلفة الإنسحاب من أفغانستان ستكون أكبر بكثير من التكلفة البشرية والمالية للمهمة نفسها .

هذا الكلام صحيح بالنسبة للولايات المتحدة التى تستثمر حوالى خمسة آلاف طن من الأفيون المزروع فى أفغانستان ، لتصنيع هيروين يكفى لإحتياجات جميع المدمنين والمتعاطين حول العالم . ثم يتبقى قدر من الإحتياط للطوارئ السياسية (!!) و للسنين العجاف الآتية بعد الإنسحاب . فماذا تستفيد دول حلف الناتو من ورطتها العسكرية فى أفغانستان ؟؟ .إنها مطالبة دوما بزيادة عدد قواتها وزيادة إنفاقها على الحملة العسكرية . أما الفتات التى تحصل عليه من كنوز الهيروين وباقى الغنائم الإقتصادية من أفغانستان فهو أقل بكثير مما تنفقه من مال ودماء . فأمريكا لا تفرط فى شئ جوائز الحرب سوى لرفاقها (البروتستانت).

 تحميل مجلة الصمود عدد 140 : اضغط هنا

 

إرهاب وفوضى .. من أين ؟؟

فى حديثه المتناقض ــ بعد إجتماعات للجمعية البرلمانية للحلف إستمرت أربعة أيام فى رومانيا فى أوائل أكتوبر 2017 ــ قال ستولتنبرج أن أفغانستان لم تعد ملاذا آمنا للإرهابين الدوليين . ويقول أيضا (نحن فى أفغانستان لحماية أنفسنا ). ثم يقول (إن أفغانستان سوف تنزلق إلى الفوضى وتصبح ملاذا للإرهابيين الدوليين فى حالة إنسحاب الناتو منها ) .

ــ فإن كانت أفغانستان خالية من الإرهابيين الدوليين ، فما هو التوصيف المناسب لقوات حلف الناتو نفسها ، وهى تمارس قتل المدنيين يوميا ، بلا سبب سوى إرهابهم للتوقف عن مقاومة الإحتلال ودعم المجاهدين ؟؟ .

ــ وأيضا .. ما هو توصيف الآلاف من المرتزقة الدوليين الذين تتعاقد معهم أمريكا والناتو لتحمل أعباء الحرب البرية فى أفغانستان ، بديلا عن القوات المرفهة القادمة من أمريكا وأوروبا ، والتى لا تجيد سوى قتل المدنيين وتعذيب الأسرى ؟؟.

ــ وأيضا .. كيف ينظر الحلف إلى إستراتيجية ترامب الجديدة ، القاضية بخصخصة حرب أفغانستان ، وتحويلها بالكامل إلى مقاولة قتل جماعى تتولاها شركات المرتزقة العالمية ؟؟ .

ــ وما هو تقييم الحلف للإستراتيجية التى وضعها الملياردير (برنس) ، الأب الروحى ومؤسس شركة (بلاك ووتر) سيئة الذكر ، والتى يبدو أنها الاستراتيجية الحقيقية التى تبناها ترامب ، وتقضى بتكرار تجربة شركة الهند الشرقية الإستعمارية التى إستمرت منذ بداية القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر ، فاستعبدت الهند وحطمت الصين معتمدة على تجارة الأفيون وقوات المرتزقة والقادة العملاء. وهو نفس الثلاثى الشيطانى الذى يجرى التركيز عليه فى أفغانستان حاليا .

ــ وإذا كانت أمريكا وحلف الناتو ليسوا بصدد حملة تقليدية من الطراز الإستعمارى القديم ، فمن أين استوردوا سياسة (فرق تسد) التى كانت دستور شركة الهند الشرقية البريطانية فى إستعمارها وحكمها للهند لقرون عديدة . أوليست هى نفس السياسة التى يطبقها الحلف فى أفغانستان حاليا ؟؟، وتطبقها أمريكا والغرب فى كل بلاد المسلمين التى نزلت فيها قواتهم ، إما كغزاة مباشرين مثل سوريا والعراق ، أو كحلفاء لهم قواعد عسكرية فى بلدان (صديقة) يحكمونها بشكل شبه مستتر؟؟ .

ــ وإذا كانت أمريكا والناتو يحاربون (الإرهاب الإسلامى) .. فمن يرعى زراعة داعش فى أفغانستان؟؟. ولماذا إستوردوا من باكستان (الزعيم الأصولى) حكمتيار الذى يدعم تواجدا فاعلا للتنظيم التكفيرى الفوضوى ، ويمده بالأوباش المقاتلين ، وبالقواعد والخبرات ، ويجهز له البرامج الدموية ؟؟ .

ــ ولماذا تساهم حكومة كابول فى ذلك البرنامج بشخص (رئيس الدولة نفسه) ومعه مستشاره الأمنى؟؟.بينما مروحيات الجيش الباكستانى تذهب وتجئ وهى تنقل أوباش معسكر”شمشتو” من عصابات حكمتيار السابقين ، وبرفقتهم الأسلحة والأموال ، والجنرالات العظام ؟؟.

إن أمريكا وحلف الناتو يؤسسون لمرحلة جديدة من الإرهاب الدولى المنظم عماده الشركات الدولية للمرتزقة ، وإلى جانبهم العملاء المحليين . ليسوا فقط  عملاء ذوى صبغة إجرامية بحتة مثل (عبد الرشيد دوستم ) رجل الميليشيات وخادم الإستعمار فى جميع العصور، من السوفيتى إلى الأمريكى . وليسوا فقط من قادة ميليشيات السفاحين ومطاريد القبائل ، ولكنهم شخصيات ذات صبغة إجتماعية مرموقة ــ أو كانوا كذلك فى وقت ما .

 فى مقابل السيد (برنس) الملياردير مؤسس الإرهاب الإرتزاقى الدولى ، المساند لجميع المغامرات الاستعمارية لبلاده ، يوجد على النطاق المحلى السيد (حكمتيار) وهو أيضا (برنس) جهادى سابق . عمل فى الإرتزاق القتالى منذ صدر شبابه إلى أن تطورت أعماله وصار قائدا لتنظيم شاسع الأرجاء ، تخصص فى القتال الداخلى ، وتسعير الفتنة العرقية بين البشتون والطاجيك من بداية الحرب السوفيتية وحتى مرحلة (حكومة المجاهدين ) بقيادة مجددى ثم ربانى ، حيث تحول حكمتيار إلى قتالهما معا إضافة إلى قتاله للشيعة تحت شعارات هتلرية تنادى بالاستئصال الكامل . ثم تبدلت تحالفاته مراراً ، فليس للزعيم الأصولى أى مبدأ ثابت سوى مصلحته الشخصية ، وشغفه القاتل بالزعامة.

ــ القادة (الأصوليون الثلاثة) للأحزاب الجهادية فى حقبة الحرب السوفيتية ظهرت عمالتهم للغزو الأمريكى . ولم يكن ذلك إنحرافا فى مسيرتهم “الجهادية” ، بل كان متجانساً مع عمالتهم للأمريكيين منذ البداية ، لأنهم كانوا يحاربون السوفييت فى أفغانستان نيابة عن الولايات المتحدة . وعندما وصلت الجيوش الأمريكية ، خانوا شعبهم جهارا بعد أن خانوه سراً ـ ووقفوا فى طليعة قوات الغزو ، وقادوا أتباعهم على طريق الخيانة ، فتكونت منهم ميليشيات تحارب الشعب المجاهد . وأسفر واضحا الوجه الحقيقى للقادة (الأصوليون) الذين طالما إختالوا بإنتمائهم الإخوانى .

فكبيرهم (سياف) وظف نصيبه من البلاغة والعلم الأزهرى لإصدار الفتاوى ضد المجاهدين مطالبا بشنقهم علنا على أبواب كابول !! .

وأكبرهم سنا (ربانى) إستفاد من علمه الأزهرى أيضا ، وطالب بنبذ العنف وترك السلاح والتمسك بالسلام ووحدة الصف (فى ظلال الإحتلال) وليس فى (ظلال القرآن) التى كتب عنها سيد قطب . وبمعنى آخر يقول ربانى لشعبه أتركوا الجهاد يترككم المحتل الأمريكى تعيشون بسلام . وبصياغة أمريكية فإنه يقايض الأمن بالحرية .    ويعمل الأمريكيون بكامل طاقتهم لإقناع شعب أفغانستان وحركة طالبان بالتخلى عن حريتهم للإحتلال فى مقابل أن يعيشوا بسلام تحت رايته الفاجرة . ولم يذكروا لضحاياهم من الشعوب ما قاله أحد مؤسسى الدولة الأمريكية من أن (هؤلاء الذين يضحون بالحرية فى مقابل الأمن لا يستحقون أيا منهما ) .

وهذا حرفيا ما تصنعه أمريكا بالذين يضعون السلاح ويتوقفون عن مقاومة غزوها ليعيشوا تحت ظلها المباشر أو تحت ظل عملائها ، بلا حرية وبلا أمن . وحال الكثير من الدول الإسلامية يشرح تلك الحقيقة بكل وضوح .

سياف وحكمتيار وربانى هم من العبر التاريخية ، التى ينبغى أن يستوعب دروسها المسلمون كافة لتفادى مأزق القيادات العميلة المخادعة ، والتى تتاجر بالدين وقضايا الشعوب ، فتحول الدماء إلى مكاسب شخصية من مال وشهرة ونفوذ .

حكمتيار الذى وصل إلى ساحة العمل المباشر فى خدمة الإحتلال بعد عدة سنوات من وصول زميلاه (سياف وربانى)، نراه يعوض ما فاته عن طريق بذل المزيد من الجهد فى الإفتاء لصالح الإحتلال وضد الجهاد ، ثم الخطابة ضد المجاهدين وحركة طالبان . حتى قدم مالم يقدمه الأوائل ، بأن لعب ورقه داعش التى هى من أهم الأوراق على ساحة السياسة الدولية والحروب الأمريكية العابرة للقارات .

 تحميل مجلة الصمود عدد 140 : اضغط هنا

 

حقوق المرأة .. مسحوق للغسيل السياسي :

ورقه أخرى يلعب بها الزعيم ـ وقد تكون الأخيرة ـ وهى ورقة ” الجهاد النسوى” والكفاح من أجل حقوق المرأة (!!) . قد يكون ذلك غريبا على شخصية عدوانية مثله عرفت بنهج التآمر والإغتيالات واسعة النطاق . فربما رغب الأمريكيون فى غسل تاريخه الملطخ ، وتقديمه للجمهور الغربى فى ثوب مقبول . وليس أفضل لدى الغرب من الحديث عن (حرية المرأة) لتجميل الصور الشائهة للشخصيات المنحرفة ، كما أنه خطوة هامة نحو صدارة المشهد السياسى الداخلى والخارجى . وكأن الدفاع عن حقوق المرأة هو مجرد (مسحوق للغسيل السياسى) وتبييض الزعامات الإجرامية والمنحرفة ، وفى الأخير تبرئة الإحتلال والتلميح أو التصريح بأن الإسلام هو السبب فى نكبة المرأة.

فما أن فرغت ماكينة الدعاية الغربية من صناعة المناضلة النسوية (ملاله يوسف زاى) ، فرفعتها من مجرد مراهقة مشاكسة فى مناطق القبائل الباكستانية ، حتى أوصلتها إلى قمة المجد بلقاء ملكة بريطانيا وإمبراطور البيت الأبيض ، فكانت قاب قوسين أو أدنى من نيل جائزة نوبل ، لولا حداثه سنها وتفاهة حديثها سئ التلقين وبليغ الإلقاء ، حتى تحولت تلك الماكينة الدعائية لتسويق حكمتيار فى ثوبه الجديد ، كمجاهد نسوى ومناضل فى سبيل حقوق المرأة . تم تخرجه وتولى دوره الجديد فى حفل ضخم أقامه المستعمر والعملاء ، إحتفالا بالمناضل النسوى الكبير فى العاصمة (كابول) ، وبحضور السفير الأمريكى وقائد القوات العسكرية للإحتلال الجنرال نيكلسون وأيضا مبعوث الأمم المتحدة إلى أفغانستان .

فى الحفل الضخم نادى الزعيم الأصولى بأعلى صوته داعيا إلى تحرير المرأة منتقدا الذين حبسوها داخل جدران البيت ، قائلا أن الإسلام قد كرمها بمنحها حقوقها .

ولإثبات جدية دعواه إصطحب معه فى ذلك الحفل زوجته وإبنتاه ، اللتان كان لهما دور فى الوساطات التى أعادته إلى أفغانستان .

قد يبدو كلام حكمتيار معقولا إذا كان مأخوذا خارج سياق موقفه السياسى والعملى. فبمجرد وصوله إلى أفغانستان بدأ على الفور فى أداء المطلوب منه والجهر بهويته الحقيقية التى أخفاها كل تلك السنين .  فى ولاية لغمان أصدر فتوى بتحريم الجهاد ضد الغزاة قائلا “إن الجهاد فى هذا الوقت  يصب فى مصلحة الغير وليس فى مصلحة الأفغان(!!)” . وكان من شهوده وقتها (حنيف أتمر) الجاسوس الشيوعى السابق وأحد كبار عملاء الإحتلال الأمريكى حاليا ، ثم إنه مستشار (الأمن القومى) للرئيس الأفغانى (أشرف غنى) .

فى أول خطاب ألقاه فى أفغانستان قادما من باكستان ، التى أرسلته كمساهمة منها لدعم الإحتلال ، خطب (الزعيم) فى ولاية ننجرهار مفصحاً عن هويته الجديدة ( القديمة فى واقع الأمر). وفى كابول نالت آراؤه إعجاب كبار ممثلى الإستعمار وكبار أذنابه ، ورهط من الشيوعيين السابقين والعلمانيين الحاليين .

 تحميل مجلة الصمود عدد 140 : اضغط هنا

 

الفتنة العرقية فى يد والفتنة المذهبية فى اليد الأخرى :

بطل المؤامرات والإغتيالات السابق ، والمجاهد النسوى الحالى ، ظهر أمام الحشد (غير الكريم) بصورة (حمامة سلام) من الطراز الأول ، أو كأنه ناسك هبط للتو من صومعته فوق الجبال . فقال ” الزعيم ” فى أحد مآثوراته الجديدة : (نريد أن ننسى كل ما مضى ، ونقلب صفحة جديدة فى العمل السياسى يكون فيه الميدان مفتوحاً لكل من يريد أن يعمل فى سبيل إنهاء العنف وإنهاء القتال الذى يجلب كل الخراب والدمار لنا ولبلدنا ) .

هذه الدعوة موجهة فقط للمجاهدين وأنصارهم من أبناء الشعب ، وليس لجيوش الغزو التى باتت بالنسبة لهم أمرا واقعا خارج كل نقاش . فلا حديث البتة عن التصعيد الكبير للضربات الجوية الأمريكية التى بلغت مستويات فاقت أى معدلات سابقة. حتى سجل شهر سبتمبر الماضى أعلى المعدلات منذ سبع سنوات بتعداد 751 قنبلة أى بزيادة 50%عن الشهر الذى سبقه ــ حسب ما صرح به سلاح الجو الأمريكى قائلا أن ذلك يرجع إلى استراتيجية ترامب الجديدة التى رفعت المحظورات أمام الضربات الجوية الأمريكية .

  لكن “الزعيم” حمامة السلام يمتلك برنامجاً آخر ينفذه فى نفس الوقت لتسعير الفتنة العرقية بين البشتون والطاجيك ، والفتنة المذهبية بين السنة والشيعة . وهكذا هى حمامة السلام من طراز حكمتيار : تحمل الفتنة العرقية فى يد والفتنة  المذهبية فى اليد الأخرى ، دعما لأمن واستمرارية الإحتلال .

 إنه (مقاول فتن) وما دعوته للدفاع عن حقوق المرأه إلا وجه آخر من مشاركته فى العدوان العقائدى والثقافى على شعب أفغانستان . لأنه لو كان مخلصا لتكلم عن معاناة المرأه فى ظل الإحتلال الذى عصف بالشعب كله وعانى منه الفقراء والضعفاء أكثر مما عانى الآخرون . فكانت المرأة هى أكثر فئات المجتمع تضررا . والحديث عن ذلك مؤلم ومخجل ، ويظهر بالوقائع الدامغة من هم أعداء المرأة والمجتمع والدين . ولايمكن للزعيم أن يتطرق إلى ذلك ، ولن يسمح له الإحتلال ، حتى لو أراد .

ــ ودعوته للسلام والديمقراطية ومشاركة الجميع ما هى إلا أضغاث أحلام ، لا تقنع سكان أفغانستان الذين عايشوا الديموقراطية التى جلبها المستعمر فكانت ، ومن  جميع الوجوه ، أسوأ بكثير من الشيوعية التى جاء بها المستعمر الذى سبقه .

فى أفغانستان وحول العالم ، وحتى فى الولايات المتحدة ، بارت سوق الديموقراطية وفقدت بريقها الكاذب . وأسفرت عن وجهها الحقيقى بعد أحداث 11 سبتمر، حين ظهرت حقيقتها : فاشية بوليسية عسكرية ــ وحشية ومنافقة ــ يخجل منها حتى هتلر وموسولينى . وقد جاءت تلك الديموقراطية مؤخرا إلى البيت البيض برئيس عنصرى مختل عقليا ، يشهد حتى مواطنوه بأنه يشكل الخطر الأكبر على بلادهم والعالم .

الزعيم “حمامة السلام” ، وبعد المؤتمرات يعود إلى صورته الحقيقية ، كسفاح وقاتل بالجملة فى ساحات المدن والقرى الأفغانية . فأحيا أجواء الحرب الأهليه (1992 ـ 1994) التى كان نجمها الأسطع مع رفيقه وعدوه اللدود (أحمد شاه مسعود). إذ تعاونا من أجل تقسيم أفغانستان عرقيا بين البشتون والطاجيك وباقى القوميات والأعراق . ثم بين السنة والشيعة فى تقسيم مذهبى إضافى ، حتى تتسع المصيبة ويستحيل علاجها بدون تحطيم الوطن إلى شظايا لا حول لها ولا قوة ، سوى الإستسلام للغزاة والمحتلين.

“الزعيم” يتكلم بعنف وعدوانية ضد “تحالف الشمال” الذى أسسه مسعود ، قائلا أن أعضاء ذلك التحالف قبضوا على زمام السلطة فى كابول منذ أن دخلها الإحتلال .

وهو كلام متطابق مع عقيدة “حنيف أتمر” الذى يشارك حكمتيار ويوجه خطواته فى برامج الفتنة ، بما فيها ذلك الإقتتال الذى أخذ فى الماضى صورة الحرب الضروس غير المعلنه بين (الحزب الإسلامى) بقيادة حكمتيار وحزب (الجمعية الإسلامية) بقيادة برهان الدين ربانى ، فبدأت هذه الصورة القديمة تعود من جديد بنفس ملامحها ودمويتها ، على يد بعض رموزها الكبار الذين مازالوا على قيد الحياة .

فى شمال أفغانستان قام أحد القتلة التابعين لحكمتيار بإطلاق النار على رواد أحد المساجد فى ولايه تاخار الشمالية عند صلاة الجمعة ـ لم يكونوا شيعه كما جرت العادة ـ ولكن كانوا سنة من عرقية الطاجيك . ولكن تجرأ إمام الجمعة فانتقد الزعيم حكمتيار ، فكانت المجزرة التى قتل فيها 22 مسلما هى الجواب ـ وهذا تقليد قديم لدى القاتل المحترف قبل أن يتحول إلى صورته الجديدة كمجاهد نسوى وحمامة للسلام !! .

وتوالت المجازر التى يرتكبها أتباع الزعيم فى ولايات الشمال ، بدايه من أقصاه الشرقى فى ولايه بدخشان إلى أقصاه الغربى فى ولايه فارياب . فيما يبدو وكأنه تجهيز لفصل الشمال عن الجنوب بواسطة خندق من الدم المسفوح تحت توجيه الإحتلال ، وبمشاركة فاعلة من “الزعيم” فى طوره السلمى الجديد . وفى تلك الإشتباكات سقط مؤخرا العشرات . وشاركت داعش بهجمات ضد مساجد الشيعة فى نواحى متفرقة من أفغانستان . وبهجمات على فقرائهم العاملين فى بيع الخضروات فى كويتا جنوب غرب باكستان قرب الحدود الأفغانية .

رتب حكمتيار لفتنة عرقية كبيرة فى ولايه بلخ ، بأن أرسل أحد أعوانه ويدعى (آصف مومند) الذى مكث لديه ثلاثة أشهر فى كابول ، يدلى خلالها بتصريحات عنيفة ضد حاكم بلخ (عطاء نور) ـ القائد القديم لدى الجمعية الإسلامية ـ ثم عاد (أصف مومند ) إلى بلخ كى يستقبله عطاء نور بأن قضم أذنه بأسنانه (!!) فى وحشيه مستساغه لدى أقطاب الفتن ، فمنهم مضغ القلوب والأكباد فى بلاد غير أفغانية . وبعد وجبة من الضرب العنيف والإحتجاز والتعذيب ، تم الإفراج عن (آصف مومند) بحالته المذرية وأذنه المقطوعة ، ليثير منظره حمية البشتون الذين هبوا للدفاع عنه . ولولا العقلاء من كبارالقوم لنشبت حرب ما كانت لتتوقف إلا أن تحجز بحار الدم بين المتقاتلين .

وحاول حكمتيار إثارة فتنة أخرى مع وفد من كبار زعماء قبائل الطاجيك فى ولاية بدخشان . فأهان أمامهم (أحمد شاه مسعود) متهما إياه بأنه كان عميلا باكستانيا (وماذا عن حكمتيار نفسه ؟؟) . فثارت عصبية الطاجيك من أنصار مسعود فأهانوا رموز البشتون التاريخيين وكادت أن تنشب الحرب مرة أخرى لولا العقلاء الذين هم ، ولحسن الحظ ، كثيرون فى أفغانستان .

واصل (حمامة السلام) طوافه بالولايات الأفغانية مشعلا نيران الفتنة القومية . حتى وصل إلى مدينة هيرات التى إستقبلته بمظاهرات عدائية ترفض وجه الفتنة القبيح . ويوم وصوله إلى الجامع الكبير فى المدينة كان عدد المتظاهرين المناهضين له يفوق عدد الذين حشدهم الزعيم وحشدتهم الحكومة للترحيب والهتاف له .

بصفاقته المعهودة تقدم (الزعيم) لإمامة المسلمين فى صلاة الجمعة . فتصدى له شاب من الصف الرابع للمصلين وقذفه بفردة حذاء أصابت كتفه وأصابت كبرياءه قبلها. فانهارت شجاعة الزعيم وزبانيته ، فهربوا من المسجد جمعا متخلين عن صلاة الجماعة. وفى حالة الهلع تلك ظن المصلون أن هجوما “إرهابيا ” على وشك الوقوع فغادروا المسجد فورا .

 ولكن الذى حدث فى الحقيقة كان هجوما أفغانيا جهاديا / مسلحا بفردة حذاء/ إستهدف نهج الخيانة وصناعة “المتحولين” فى أفغانستان .

 تحميل مجلة الصمود عدد 140 : اضغط هنا

 

 

بقلم :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world