فى الأمن القومى المصرى : الخيانة وجهة نظر ونشاط إقتصادى رائج

فى الأمن القومى المصرى :

الخيانة وجهة نظر ونشاط إقتصادى رائج

مصر بقرة تساق إلى الذبح .. والجميع رابح

#   “سد النهضة” سلاح دمار شامل وضعته إسرائيل فى يد أثيوبيا لإبادة شعب مصر ، وموله حلفاء التيار الإسلامى فى السعودية ومشيخات النفط وتركيا .

#   لماذا لا يجرؤ أحد فى المعارضة المصرية على المطالبة بإلغاء إتفاقية “السلام” مع إسرائيل ، وتحديد موقف مصر من الدول على أساس موقفها من سد النهضة ؟؟.

:::::::::::::

يتلهى شعب مصر بمشاكله المعيشية ، غافلا عن الخطر الوجودى الذى يهدد وجوده ، وإقصاء مصر خارج نطاق التاريخ ، إنها كارثة قطع مياه النيل عن مصر بواسطة سد النهضة الأثيوبى . على مدى التاريخ مر شعب مصر بمحنة إنخفاض منسوب النيل بشكل دورى ( السبع العجاف) ، ولكنه كان دوما يعود رحبا وكريما.

الآن النيل يحتجز قصريا ، فى الحبشة خلف سد النهضة ، بفعل إسرائيلى وتمويل سعودى / خليجى / تركى / دولى .

ـ نصيب الفرد فى مصر من المياه سنويا هو 500 متر مكعب ، أى أقل من نصف المعدل الدولى . سد النكبة سوف يحجب ما بين 80 % إلى 85 % من مياه النيل  الأزرق القادم من أثيوبيا ، فيهبط بذلك نصيب الفرد من المياه إلى حوالى 100 متر مكعب سنويا . وبما أن مجارى الصرف الصحى والصرف الصناعى والزراعى مازالت تتدفق على النيل ، فإن تلك الكمية الضئيلة من المياه المتبقية لن تكون صالحة أبدا للإستهلاك الآدمى ،  بل مجرد سائل مميت كريهه الرائحة ومبيد للبشر والكائنات الحية جميعا .

#  وإذا وضعنا فى الإعتبار أن السودان الشقيق ينوى إنشاء عدة سدود على النيل الأبيض ـ الذى يمد مصر بحوالى 20 % إلى 25% فى المياه سنويا ، فان نصيب الفرد المصرى من المياه سيهبط إلى نسبة يمكن إهمالها ولا يمكن إستخدامها فى أى غرض طبيعى للإستهلاك البشرى أو الحيوانى . فلن تكون حتى الضفادع والأفاعى قادرة على الإقتراب من ذلك المجرى الموحل والمتعفن . وذلك هو الهلاك بعينه لشعب مصر ، ودولته التى هى الأقدم فى تاريخ الدول .

وبعدها  تتسلم إسرائيل بشركاتها متعددة الجنسيات وبنوكها الدولية ، تتسلم أرض مصر “نظيفة”بلا شعب ، كصفحة بيضاء تسطرها من جديد بكلمات عبرية فى كل المناحى ، من تركيبة السكان الجدد ، إلى الإقتصاد الجديد ، إلى كمية المياه المستوردة من الحبشة حسب الإستهلاك الضرورى .

وليس معروفا إن كانت إسرائيل سوف تسمح بتمرير شئ من المياه إلى الفلسطينيين فى وطنهم البديل فى سيناء، أرض التيه الجديدة للفلسطينيين. أما أشقاؤهم المصريون فسوف تبتلعهم مياه البحر الأبيض ، ويتيهون فى صحراء مصر شرقا وغربا لتبتلعهم رمالها الصفراء بلون الموت .

فهل يمكن مقارنة ذلك الخطر القاتل ، بأى ضائقة أخرى يعيشها الشعب المصرى؟. فلماذا لا ترسم “الصفوة” المصرية فى داخل الوطن وخارجه لشعبها أولوياته بشكل صحيح ؟ . الإجابة بسيطة وهى : أن “الصفوة ” المعارضة للنظام هى الأخرى متواطئة ولا تجرؤ حتى على مجرد الإقتراب بشكل جدى فى ذلك الملف المتفجر ، إلا من باب المشاغبة ـ مجرد المشاغبة ـ على النظام القائم . لأن التصدى الجدى للمشكلة أو مجرد توضيح أبعادها الخطيرة للشعب ، سوف يلغى فرص وصولها إلى الحكم ، سواء من تحت البيادة أو بمشاركتها. فالجميع يدرك قوانين لعبة الحكم فى مصر، التى وافقوا عليها ضمنيا بدون مصارحة الشعب بمحتواها (واقعيا .. الشعب ليس له وجود حقيقى فى حسابات المعارضة أو النظام سوى إستخدامة كورقة ضغط ومناورة ، مستفيدين من حجمه الضخم الذى قد يصبح فعالا فى لحظات نادرة) .

ــ  فالحكم فى مصر يمر أولا عبر الرضا الإسرائيلى . وثانيا عبر الموافقة الأمريكية وثالثا عبر ضمان مصالح الشركات العظمى ، والدول، التى إستحوزت على معظم ثروات مصر (الغاز فى البر والبحر ، مع ثروات لا تقل أهمية فى مجال التعدين والخامات الثمينة أو النادرة ، وصولا إلى حقوق مصر فى مياه النيل ، وشراء أراضى وممتلكات الدولة المصرية ، وليست جزر تيران وصنافير سوى نموذج ظهر بالخطأ ).

ــ فالمعارضة المصرية ، من أقصى اليمين الإسلامى إلى أقصى اليسار العلمانى ، يضغطون من أجل المشاركة فى النظام ، مع المحافظة على جوهره . وتغيير فى الشكل وتحسين الأسلوب الفج المتبع حاليا ، بدون المساس بالدستورغير المعلن لحكم مصر .

لاءات إسرائيلية ثلاث : لا غاز .. لا جزر .. لا ماء .

نيابة عن إسرائيل ، أعلن حكام أثيوبيا عن ثلاث لاءات كبيرة فى وجه جنرالات القاهرة ، وهى : لا تفاوض حول بناء السد ، لا تفاوض حول مواصفات السد الهندسية ، لا تفاوض حول حصة لمصر فى ماء النيل . وكالعادة أذعن جنرالات الإذعان .

ــ الفيتو الأثيوبى/ الإسرائيلى على كل ما يمكن أن يتفوه به جنرالات القاهرة حول سد النكبة ، يتماشى مع لاءات إسرائيلية ثلاث مرفوعة فى وجه شعب مصر ، وتتحدى الصفوة المعترضة من أقصاها اليمينى إلى أقصاها اليسارى ، وكل ما يمكن أن تفكر فيه لو كانت جادة . تلك اللاءات الثلاث هى : لا غاز ، لا جزر ، لا ماء .

1 ـ الغاز هنا يشمل غاز سيناء الذى تنازل عنه مبارك ، وغاز البحر الأبيض الذى تنازل عنه الجنرال البيادة .

2 ـ الأرض تعنى هنا تيران وصنافير بمغزاهما الواسع ، الذى يعنى إلتقاء جغرافى بين السعودية عملاق جزيرة العرب وممثل الإسلام الوهابى ، مع إسرائيل الراعى والحامى الجديد لآنظمة النفط الخليجية ، فتكون السعودية رسميا طرفا ثالثا فى إتفاقية السلام المصرية/الإسرائيلية .

3 ـ الماء هنا يعنى ماء النيل ، الذى أصبح وبقرار إسرائيلى وبدعمها الكامل ، ملكا خالصا لأثيوبيا ، ومعروضا كسلعة تباع فى السوق الدولية فيما أسماه نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ” بنك المياه” ـ وهو فى الحقيقة سوقا لبيع ماء مصر المنهوب ـ ودعا نتنياهو مشيخات الخليج إلى المشاركة فى “البنك” ، وهم بالفعل من مؤسسيه ، ومن المفترض أن يسحبوا جزءا ملموسا من تلك المياه بما يتناسب مع مساهماتهم الضخمة فى بناء السد ، ويتناسب مع إحتياجات بلادهم الصحراوية ونوافير مدنهم الباذخة.

 المعارضة المصرية ولاءات إسرائيل :

تعى المعارضة المصرية حدود الهامش الذى تلعب فيه . ويدركون المحددات المرسومة لأى حاكم مصرى أيا كان توجهه المعلن . ولا مخرج من تلك القيود إلا بثورة حقيقية تعتمد تماما على قدرات الشعب المصرى ، وليس أى دعم خارجى من أعداء الخارج أو الأصدقاء المزيفين . وذلك شرط غير ممكن فى الوقت الراهن ، فلا المعارضة “المعروفة” نظيفة وقادرة على حشد الشعب لثورة حقيقية ثقيلة التبعات ، ولا الشعب يمتلك الوعى الصحيح لجذور مشاكله ، وبالتالى فهو غير قادر على فرز قياداته أو تحديد مطالب جذرية لثورته .

ولكنه شعب مضغوط ويعانى ، وسوف ينفجر حتما ، وبلا تخطيط أو رؤية أو قيادة ، وهذا ما تريده السلطة ( وإسرائيل بالطبع ) لتعجيل برنامج هدم مصر وتهجير شعبها وإبادة ما أمكن من أفراده .

ـ المعارضة تشاغب النظام الحاكم من خلال هامش ضيق متروك عمدا فى جهاز القضاء . حدث ذلك فى قضية الجزيرتين ” تيران وصنافير ” ، وقد تصل المشاغبة إلى مسألة تنازل الجنرال عن نصيب مصر فى مياه النيل وغاز البحر المتوسط .

وأقصى ما تمتلكه المعارضة الآن أو عند وصولها إلى الحكم بالمشاركه مع الجيش وتحت سلطان البيادة ، هو إلغاء بعض أو كل تلك الإتفاقات ، بدون قدرة أو إرادة فعلية على إسترجاع الحقوق المنهوبة . فالجزر الآن بحوزة إسرائيل عبر اليد السعودية ، وماء النيل فى حوزة إسرائيل عبر يد أثيوبيا ، وغاز المتوسط تحت يد إسرائيل مباشرة وحماية أسطولها .

أما غاز سيناء فهو فى يد إسرائيل ، حتى وإن تحولت سيناء إلى منفى إجبارى ، يتيه فيه الفلسطينيون كما تاه فيها بنو اسرائيل قبل آلاف السنين . وللمصريين متاهات أخرى فى صحارى مصر ، وأعماق البحر المتوسط .

الإسلاميون والسقف الخليجى التركى :

يتملص الإسلاميون من أى مواجهة حقيقية مع النظام المصرى بخصوص ” سد النهضة ” خصوصا ، أو قضية الجزيرتين (تيران وصنافير) ، أو قضية غاز المتوسط ، ومن قبله غاز سيناء .

ـ الأهم من بين الجميع هو مآساة “سد النهضة ” . فالإسلاميون فى حرج من توضيح أبعاد المأساة ومخاطرها ، أو الأطراف الفاعلة فيها ، لأن الدول التى تمثل غطاءهم المالى والسياسى هى نفسها المتورطة بعمق فى مؤامرة “سد النكبة ” ومن أكبر المستثمرين فيها ، فهم الممولون والبناءون وكبار مستهلكى الماء المصرى المنهوب.

تلك الدول هى السعودية أولا ، وباقى أتباعها من مشيخات النفط ، ثم تركيا التى نهبت مياه نهرى دجلة والفرات وحرمت شعوب سوريا والعراق من 25 مليار متر مكعب من نصيبهما السنوى فى مياه النهرين . وتركيا مرة أخرى هى من كبار أعمدة “سد النكبة” على نيل مصر . تلك الدول هى الركن الأساسى الداعم للحركة الإسلامية فى مصر خصوصا والمنطقة العربية بشكل عام .

المعارضة العلمانية واقعة فى موقف مشابه ، ولكن مع الجانب الغربى حيث يوجد حراسها وداعميها فى أوروبا والولايات المتحدة .

كما أن الإخوان المسلمون تحديدا قد توصلوا إلى منافسة هؤلاء العلمانيين فى المجالات الأوروبية والأمريكية ، إلى درجة أقنعت قطاعاً من السياسيين فى تلك البلدان بأن الاخوان ( المتحالفون مع الوهابية القتالية ) يمكنهم لعب دور فعال فى المنطقة العربية / وأحيانا الإسلامية/ فى خدمة الغرب ومصالحة الجيوسياسية .

السلام المقدس مع اسرائيل :

إسرائيل ومنذ أن وقعت مع السادات إتفاقية للسلام (!!) لم تتوقف عن التصرف كدولة فى حالة حرب مع مصر . وأكثر الفترات التى تمكنت فيها إسرائيل من إيقاع الضرر بمصر وشعبها لم تكن فترات الحرب ، بل تلك الفترة من (السلام) ، بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد مع السادات .

أثبتت الإتفاقية أنها إتفاقية إذعان وإذلال ، بين طرف كسب بالفعل حرب 1973 وطرف آخر خسرها بجدارة ، ولكنه تظاهر أمام شعبه بأنه كسب الحرب ، لمجرد أن أيامها الأولى كانت فى صالحه .

كما أثبتت الإتفاقية أنها ليست إتفاقية للسلام بل نوع آخر من حروب الإفناء الهادئ تشنها إسرائيل ضد شعب مصر ، وابتلاع بطئ للدولة المصرية.

النظام العسكرى هو عماد الخيانة ، لذلك ترك المجال مفتوحا لإسرائيل كى تواصل حرب إبادة متدرجة ضد شعب مصر ، واكتفى بدور العميل والسمسار قابض العمولات ، فى صفقات صورها على أنها صفقات تعاون بين مصر وإسرائيل !! .

ومعروفة قصة إسرائيل مع الزراعة فى مصر ، وكذلك الصناعة وصولا إلى الإعلام والثقافة والمجال الصحى والتعليمى .. إلخ . ولم تتكلم المعارضة بقوة عن تلك الموضوعات ، سوى فى إعتراضات قصيرة الأمد تتآلف بعدها مع الوضع الجديد .

ـ وعندما وصل الإخوان إلى الحكم (الشكلى) فى مصر ، بادر أول رئيس إسلامى منتخب ديموقراطيا فى بر مصر، بالكتابة إلى الرئيس الإسرائيلى “عزيزى شمعون بيريز ” على حد وصف الرئيس المصرى الجديد ، فى رسالة وصفها البعض بأنها قريبة من أن تكون رسالة غرام .

نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل عندما زار أديس أبابا ، قام خطيبا فى أحد المحافل الرسمية معلنا عن مساعدة إسرائيل لأثيوبيا فى بناء سد النهضة ، وتوجيه مياه النيل إلى حيث تشاء ( أى بعيدا عن مصر) ناصحا الأثيوبين بالإبتعاد عن مصر ، كونها رمزا للإستبداد ، وأن شعب اسرائيل لم يحصل على حريته إلا عندما غادر مصر وبنى دولته وحضارته . تجنبت الصحف المصرية ذكر تلك المقاطع التى تقطر عدوانية وتحريضا ، وذكرت صحيفة الأهرام بعضها بإيجاز ولم تبرزها .

فإذا لم يكن ما قاله نتانياهو إعلانا للحرب الشاملة على مصر ، فكيف يكون إعلان الحرب ؟؟ . واذا لم يكن سد النهضة سلاح دمار شامل ضد المصريين وبلادهم ، فما هو تعريف ذلك السلاح ؟؟ .

إن ضحايا مصر من جراء إحتجاز نصيبها من الماء خلف ذلك السد سيتجاوز بمئات المرات ضحايا القنابل النووية التى ألقتها الولايات المتحدة على المدن اليابانية فى الحرب العالمية الثانية . وتأثيره على حياة المصريين بجميع تفاصيلها سوف يتجاوز بمراحل التأثيرات التى يمكن أن تنتج عن ضربة نووية لمصر .

ومع كل ذلك لم يتجرأ أحد من المعارضة المصرية ، من أقصى اليمين الإسلامى إلى أقصى اليسار العلمانى أن يطالب بإلغاء إتفاق “السلام” ، وإعتبار أن ما تفعله إسرائيل هو إعلان حرب على مصر . والسبب هو خوفهم من إغضاب داعميهم فى تركيا والخليج النفطى ( الإسلامى !!) ، أو داعميهم فى أوروبا وأمريكا ( العلمانية الديموقراطية ) .

# وهنا نعود إلى تكرار عنوان ذلك المقال ، فنقول ما نصه :

إن الخيانة وجهه نظر ونشاط إقتصادى رائج .

وأن مصر بقرة تساق إلى الذبح .. والجميع رابح .

كلمة أخرى زائدة :

( الثورة الحقيقية ، أو الفناء التام لمصر ، ولا طريق ثالث).. ودمتم .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

المصدر:
مافا السياسي (ادب المطاريد)

www.mafa.world