نهاية العالم فى مضيق هرمز ــ ( 3 من 4 )

0

نهاية العالم فى مضيق هرمز 

( 3 من 4 )

قندهار طوق النجاة فى المضيق

 

يبدو أن أخطاء السياسية الإيرانية لا تنتهى . سنتكلم أولاُ عن آخر خطأ جسيم والذى تمثل فى التهديد بإغلاق مضيق هرمز فى وجه الملاحة الدولية ، وتحديداً فى وجه شلال النفط المتدفق عبر الشريان المائى صوب المراكز الصناعية فى العالم .
القرار دافعه الخوف واليأس من تأثير سلسلة (العقوبات) الأمريكية والأوروبية والتى زحفت من القطاع المالى حتى وصلت إلى القطاع النفطى الذى هو عصب الإقتصاد الإيرانى ويشكل 75% من دخل الدولة . وذلك يعنى ببساطة إنهيار الإقتصاد وبالتالى النظام الحاكم فى طهران.
ذلك التهديد أفاد الولايات المتحدة وأضر إيران , ذلك لأن العالم كله شعر بالخطر وظهرت إيران بمظهر الطرف المتهور عديم المسؤولية ، رغم أن موقف إيران فيما يتعلق بالمشكلة النووية كان قويا بما فيه الكفاية حيث أن برنامجها موضوع تحت رقابة دولية مشددة منذ سنوات ولم تستطع الوكالة الدولية للطاقة النووية أن تقدم غير (الشكوك فى النوايا) ولم تقدم أى دليل مادي يدين إيران .
وحتى إقتناء إيران للسلاح النووى يرى كثيرون أنه حق مشروع طالما أن الدول الكبرى تمتلكه , ودولاُ أخرى قامت على الإغتصاب والعدوان ــ مثل إسرائيل – تمتلك منه المئات . فالمنطق والعدالة تقضى بأن يتخلى الجميع عن ذلك السلاح الرهيب , أو أن يمتلكه الجميع لتتوافر إمكانيات الدفاع عن النفس وتجنب إبتزاز القوى النووية (خاصة أمريكا وإسرائيل) للدول غير النووية .
– ربما كانت أكبر أخطاء السياسة الإيرانية على الإطلاق هو التعاون مع الولايات المتحدة على إحتلال وقمع المقاومة الجهادية للشعبين الأفغانى والعراقى .
كان من الواضح لكثيرين جداً داخل وخارج إيران أن الإحتلال الأمريكى لهذين البلدين هو خطوة أساسية فى إستكمال طوق الحصار الإستراتيجى المضروب حول إيران من أجل إسقاط نظامها وإستبداله بنظام يعود بالبلاد إلى حالة (الشاهنشانية) أى العصر الملكى الإمبراطورى الخاضع لأمريكا والصديق الحميم لإسرائيل, والشرطى القوى لمياة الخليج “العربى!!” و مياه وبحر عمان .
وبدلا من التعامل مع ذلك التهديد بجدية  تتناسب مع خطورته  فإن السياسة الإيرانية عبر(مجمع تشخيص مصلحة النظام) الذى يرأسه رفسنجانى , رأى أن المزايدة على أمريكا فى العداء لكل من نظامى البلدين فى العراق وأفغانستان- رغم الإختلاف الجذرى بينما- هو وسيلة تستجلب الرضا الأمريكى ، وطريق لمشاركة ربما تنال فيها إيران دوراُ إقليمياُ ترضى عنه أمريكا ويرضى شئ من غرور (مصلحة النظام).
فى العراق إستخدمت  السياسة الإيرانية العنصر المذهبى أسوأ إستغلال ورضيت بإحتلال يضع أصدقائها السياسيين والمذهبيين فى صدارة  السلطة فى بغداد. وألقى بذلك شكوكاُ  بأن التوتير الذهبى الذى أزهق آلاف الأرواح فى العراق كان يقف خلفه عدة دول عربية إلى جانب إيران . وسيظل العراق وطناُ وشعباً يدفع ثمن ذلك لأجيال كثيرة قادمة .

وذلك يثير عدة أسئلة هامة منها:
– هل أن مصلحة نظام إسلامى فى بلد ما يمكن أن تتصادم مع مصلحة مؤكدة لشعوب إسلامية أخرى خاصة إذا كانت فى الجوار؟ .
وأيهما أولى: مصلحة المذهب أم مصلحة الدين؟ .
وهل أن مصلحة المذهب (أو الحزب أو الجماعة أو التنظيم) هى بالضرورة مصلحة الدين والأمة الإسلامية جمعاء؟ .
وهل الأمة منحصرة فى إتباع مذهب بعينه أم أنها تشمل كل المسلمين على إختلاف مذاهبهم وحتى على إختلاف درجة تدينهم؟ .

فى خدمة الشيطان الأكبر

فى أفغانستان كانت مواقف (مجمع تشخيص مصلحة النظام) ترقى إلى مستوى  الخيانة العظمى لشعوب إيران وأفغانستان معاً.
لقد شاهد العالم عبر شاشة تلفزيون(بي بى سى) والجزيرة كل من رفسنجانى ، وخاتمى رئيس جمهورية إيران وقت الغزو الإمريكى لأفغانستان ، وكلاهما يعترف بدون أن يرمش له جفن بإتصالات عالية المستوى مع الأمريكيين من أجل التسريع بإحتلال القوات الأمريكية لأفغانستان , وكيف أن الجانب الإيراني كان غاضباً من طول مدة القتال مع ضئالة النتائج , ثم قدم خرائط فيها المواقع التى ينبغى أن يقصفها الطيران الأمريكى حتى تقوم قوات تحالف الشمال الأفغانى وتحت مظلة جوية أمريكية بالسيطرة على العاصمة كابل .
قال رفسنجانى (مصلحه النظام) وخاتمى (رئيس الجمهورية) أن الوفد الإيرانى فى ذلك الإجتماع قدم إستراتيجية الإنتصار للقوات الامريكية !!.
نتيجة تلك البطولة فى المزايدة على الأمريكيين أن وقعت أفغانستان تحت الإحتلال الأمريكي الأوروبى وقتل عشرات الألاف من أبناء ذلك البلد ، بينما إيران تم تطويقها من جهة الشرق الأفغانى , ذلك الإتجاه الذى شكل فى الماضى ويشكل فى الحاضر خطراً داهماً على الأمن الإيرانى ، وذلك قبل أى إتجاه آخر يأتى منه الخطر وأكثر من كل الإتجاهات الأخرى . ومع ذلك يتباهى أكثر الرجال نفوذاً فى إيران بوضع قوات (الشيطان الأكبر) فى الموضع الأكثر حساسية من حدود بلاده .

ببساطة : ما قام به الرجلان الكبيران أسقط شرعية النظام فى طهران لأن شرعيته كانت مستمدة شعاراته الإسلامية وعداءه للشيطان الأكبر.
الثوره المخملية تحركت فى إيران بعد ذلك الإعلان بمدة قصيرة ، ولكنها لم تكلل بالنجاح لأن الطبقة المخملية لم تكن بالقوة الكافية فى شوارع العاصمة .
بينما فقراء الأرياف المتدينون ما زالوا متمسكين بالنظام منتظرين منه أن يصلح نفسه ذاتيا .
ولكن العقوبات الغليظة المفروضة حاليا على طهران تقدم دعما كبيرا لتيار الرأسمالية المتوحشة “الإسلامية ” الساعية نحو ثورة ملونة / أو حتى مصبوغة بالدم / تحدث تغييرا جوهريا فى النظام يعيد ربط ايران بالولايات المتحدة وأوروبا  وإسرائيل .
الموعد القادم للمحاولة الجديدة للثورة المخملية هو الإنتخابات الرئاسية فى صيف هذا العام . وعلى نتائج تلك المحاولة يتوقف مصير إيران والمنطقة والعالم . والأهم من  هذا كله مصير باراك أوباما فى إنتخابات الرئاسة الأمريكية فى خريف نفس العام .
فالطبق الذهبى الذى سيقدمه أوباما إلى غوانى بنى إسرائيل سيحمل هدايا قيمة من الرؤوس البشرية , منها رأس بن لادن (السعودى اليمنى) وأنور العولقى (الأمريكى اليمنى), ومعمر القذافى (الليبى), وهناك رؤوس أخرى قد أينعت وحان قطافها, سيكون الأهم من بينها رأس النظام الحاكم فى طهران ، ومن وقبله أو من بعده رأس النظام السورى .

 

عقوبات لإسناد الثورة المخملية

تراهن أمريكا أن العقوبات الإقتصادية المغلظة سوف تساعد الثورة المخملية القادمة فى الصيف على إسقاط النظام فى طهران , وبالتالى قد لا تكون الحرب ضرورية . وربما يكفى التلويح والإستعداد الجدى وعقد التحالفات  السياسية وشراء مواقف الأطراف الهامة مثل الصين عبر رشاوى بترولية وإقتصادية على حساب دول الضفة الغربية من الخليج “العربى!!” .
يرى متفائلون أن ذلك قد يكون كافياً لإسقاط النظام بفعل ثورة مخملية تجعل الربيع الإيرانى ينضم إلى الربيع العربى ضمن دخول جماعى مبهج وسعيد إلى الحظيرة الأمريكية المزدحمة بالأعلام المبهرجة وبالونات الديمقراطية والإقتصاد الحر وحقوق الإنسان فى كرنفال هائل للخديعة .
ولكن فى نظر الكثيرين فإن تلك الإجراءات كلها لن تكون كافية لإسقاط النظام , فالشعب الإيرانى ذكى وعنيد ويستجيب للتحدى بتحدى أشد , وأغلبية الشعب هم من الفقراء الذين يسهل عليهم التنازل عن أكثر القليل الذين يملكونه , بعكس الأقلية المترفة فى شمال العاصمة , والتى تمتلك الكثير وغير مستعدة للتنازل حتى عن القليل ، ولكنها تنفق بسخاء من أجل الثورة المخملية ولو إصطبغت فيها شوارع طهران بالدم .
– ولكن يظل هناك إحتمال بأن ينجح السيناريو الأمريكي فى إسقاط النظام فى طهران ، من أجل ذلك إتسمت تصريحات رسمية هناك بالعصبية الزائدة مثل التهديد بإغلاق مضيق هرمز، الذى يرقى إلى التهديد بحرب عالمية أو حرب ضد العالم .
فى أجواء حرب كهذه لن تفوز إيران / وربما لن تنتصر أمريكا أيضاً / ولكن إسرائيل ستربج سياسياً إذا تحقق لها إزاحة نظامي حكم غير مريحين ، أحدهما فى طهران والآخر فى دمشق , ثم تتخلص بالتالى من أخطر حركة مقاومة واجهتها إسرائيل فى تاريخها وهى مقاومة حزب الله فى جنوب لبنان .
وإذا تحقق ذلك الحلم الإسرائيلى الطموح فإن منطقة نفوذ الإمبراطورية اليهودية ستمتد من إيران إلى مراكش , وسيصبح “الخليج العربى!!” والبحر الأحمر مجرد بحيرات إسرائيلية داخلية , أما النيل من  المنبع وحتى المصب فسيكون رهن إشارة شركات إسرائيلية عابرة للقارات , تبيع مياهه لمن يمتلك الثمن ,  ويكون سكان مصروالسودان مجرد زبائن .

 

دعم محدود لإنتصار حاسم

لم يدرك (مجمع تشخيص مصلحة النظام) فى طهران أن مضيق هرمز يهدد إيران نفسها بالغرق , والذى سيطفو فوقه هو مصالح الرأسمالية  (الإسلامية) المتوحشة والتى يمثلها ذلك المجمع ورئيسه .
حل الأزمة طهران الحالية , وحتى مشاكلها المستقبلية التى ستكون أصعب ، ذلك الحل يوجد لدى قيادة حركة طالبان فى قندهار!!.
فمساعدة طهران لتلك القيادة فى دحر الإحتلال الأمريكى على أرض أفغانستان ، لن تترك مجالاً للغطرسة العسكرية الأمريكية حتى تمارس المزيد من العدوان والعربدة على شعوب المنطقة , لا فى الخليج العربى ولا فى إيران ولا فى جبال وزيرستان الباكستانية .
صحيح أن أمريكا ومعها حلف الأطلنطى يعيشون حالة هزيمة عسكرية فى أفغانستان منذ عامين أو يزيد ، وخسائرهم العسكرية وفعالية قواتهم أصيبت بالشلل بسبب فعالية مجاهدى طالبان المؤيدين بمدد لا ينفذ من الشعب الأفغانى .
ولكنها “هزيمة على نار هادئة” تجعل الجيش الأمريكي يقف فوق الجمر ولكنه قادر على مراوحة قدمية لمدة من الزمن قد يجد فيها سبيلا نحو إنسحاب لا يلحق به العار ، وربما أسعفه الحظ فيتمكن بالخديعة والحرب النفسية أن يحقق مكاسب لا يستحقها  ولم يتمكن من إحرازها بالقتال المباشر على أرض المعركة .
– لقد قاتل الشعب الأفغانى خلف حركة طالبان لأكثر من عشر سنوات بدون دعم خارجى من أى نوع . ومع ذلك أجبروا الإحتلال على الإنسحاب حتى قبل إجراء مفاوضات مع الطرف الأفغانى المنتصر . فلو أن دعماً محدوداً وصل الآن إلى المجاهدين الأفغان لكان الإنسحاب الأمريكى / الأطلنطى أسرع وأكثر إيلاماً وإهانة , وبلا أى مكاسب ، ورادعاً لهم عن تكرار أى حماقة مماثله فى تلك المنطقة.
وكما سلمت طهران إلى الأمريكان إستراتيجية الإنتصار فى الحرب على طالبان, يمكنها الآن تسليم حركة طالبان ما يلزم من معدات / تعيد ولكن بشكل حقيقى بعيد عن التهويل / أسطورة ستنجر الذى أفزعت الإتحاد السوفيتى ، معدات مناسبة للتعجيل بالنصر ، وعندها سيتحول الإنسحاب الأمريكى المتباطئ إلى فرار سريع الإيقاع ، وتغرب شمس العسكرية الأمريكة وتصبح قواتها العسكرية فاقدة السمعة والقيمة رغم نفقاتها المذهلة . وليبقى السلاح النووى وحده هو أداة الإبتزاز والبلطجة فى ترسانة تلك القوة الدولية المندحرة .

بقلم  :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
المصدر  :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا