الثلاثية المصرية : الشعب والثورة والجيش

1ـ  تحذيرات مدوية
2 ـ    الخطأ الأكبر للثورة : العزوف عن الإستيلاء على السلطة .
3 ـ إفلات اللحظة التاريخية .
4 ـ هل حمى الجيش الثورة ؟
5 ــ شعب مصر وجيشها
6 ــ الشعب والجيش : من يحمى الآخر ؟؟
7 ــ ثورة الشعب لا تعمل بالأزرار
8 ــ   الربح بالنقاط أم بالضربة القاضية ؟؟
9 ــ عن مباحث أمن الدولة
10 ــ ملاحظات غير متفائلة حول إقتحام مقار جهاز أمن الدولة
11 ــ خدعة الحريق .. أوهام الحكومة الدينية .. تحرير الأزهر

بقلم  :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
المصدر  :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world

ثورة حققت هذا الأداء المدهش ـ كالثورة المصرية ـ تجتذب قدرا كبيرا من الإعجاب والثناء ، وتلك هى طبيعة النجاح . حتى أن أساطين النظام البائد من وزراء وإعلاميون ورجال أمن ، الكل يهتف للثورة ويتظاهر “ديمقراطيا” ويطالب بالإصلاح رافعا نفس شعرات “ميدان التحرير” .
وحتى أعداء الخارج من إسرائيل إلى الولايات المتحدة جنحوا إلى “الإرتياح” بدلا عن التحذير والتجهم والتلويح بالمواجهة .
# من هنا لا أرى ضرورة لكيل المزيد من المديح للثورة . وإن كنا فى حاجة إلى المزيد من الدراسة والتمعن وأخذ العبر والنتائج ـ وأخشى أن قليلون هم من سيفعلون ذلك بجدية فى مصر ـ وإن كنت على يقين أن تلك العملية بدأت منذ اللحظة الأولى فى دوائر الأعداء خارج مصر وتنتقل نتائج أبحاثهم إلى طابورهم الأول والثانى .. و الخامس من أجل تفريغ الثورة المصرية من مضمونها وأعادة البلاد إلى نقطة الصفر خلال أقصر مدة ممكنة ، قد لا تتعدى سنوات قليلة ” وربما أشهر ” إذا قدر لهم النجاح ، أو إذا إستمر الثوار يتلذذون بسماع المديح والإسترخاء فى أوهام وأحلام
ربما تقود فى النهاية إلى صدمة وإحباط تاريخى قد يستمر طويلا جدا كما حدث لشعب مصر بعد هزيمة ثورة عرابى ( أو “هوجة عرابى” كما كان يصفها أجدادنا)      أمام الغزو الخارجى وخيانة أفندينا “وباشوات البلد “. رغم أنه فى تجربة عرابى كان الجيش والشعب يدا واحدة بالفعل وليس كما فى التجربة الحالية حيث التمنى من جهة والخداع من الجهة الأخرى . أفضل إذن أن أكون ضمن من يقرعون طبول التحذير .

 1 ـ تحذيرات مدوية .

#   الأستاذ فهمى هويدى كتب مقالين أحدهما عن” ما يدبر للثورة المصرية فى الخفاء” والثانى يتساءل فيه : “هل أصبح الجيش عبئا على الثورة ؟؟” . وربما هناك آخرون أيضا يحذرون .
فى المقال الأول أشار الأستاذ هويدى مرة أخرى إلى موضوع يستحق الإشارة إليه مرارا ، بل وأدعى أنه من الضرورى أن يصبح من ” أدبيات ثورة يناير ” التى يجب على جميع كوادرها ليس قراءته فقط ، بل دراسته ومناقشته بشكل مكثف وجماعى فى “ميدان التحرير ” وغيره من ميادين الثورة . ذلك هو كلام وزير الأمن الإسرائيلى السابق ” آفى ديختر ” فى محاضرة له فى سبتمبر 2008 .
هناك الكثير من كتابات وتصريحات العدو الإسرائيلى حول الوضع المصرى تحديدا قبل وبعد الثورة وكلها يجب ان تفحص بدقه وتناقش بصبر وتعمق بل ويكتب الشباب حولها ويناقشونها فى التجمعات الشبابية فى أنحاء الجمهورية وعبر الإنترانيت.
ومن بين تلك النفثات الإسرائيلية تصريحات ” عاموسى يادلين ” رئيس المخابرات العسكرية هناك .

أهم ما فى تحذيرات الأستاذ هويدى قوله : { أخشى أن تفلت من أيدينا اللحظة التاريخية الرائعة التى تعيشها مصر هذه الأيام ، فنفوت فرصة لا تعوض لإستدعاء الحلم إلى أرض الواقع ، ويصبح الجيش عبئا على الثورة وليس عونا لها } …
{ إننا فيما خص السلطة صرنا بصدد صورة معدلة للنظام القديم . كما أنه يعنى أن الوضع المستجد لا يعد تجسيدا حقيقيا لفكرة ” الثورة ” وأن إطلاق ذلك الوصف عليها هو من قبيل التعبير المجازى أو الحماسى الذى يضعها فى سياق ثورات أخرى جرى الحديث عنها مثل ثورة المعلومات والثورة الإدارية أو الزراعية .. الخ } .

    # وأقول أن ثورة مصر فى “25 يناير” كما أظهرت عبقرية فريدة فى عدة نواحى أظهرت أيضا سذاجة مفرطة وعجزا مخيفا فى نواحى أخرى . وربما أن غولا متمرساً مثل الفريق شفيق إكتشف تلك الثغرة فتكلم بوقاحة عن إرسال ” بونبون وشيكولاته ” لشباب التحرير!! . إن مثالية الشباب الثائرين المقبلين على التضحية الكبرى بالنفس من أجل تحقيق أمال كبرى للشعب لا يمكن إعتبار ذلك منهم نزعة طفولية بل هو أعلى درجات السمو البشرى الذى يستحق التقدير والإعجاب . كما أن شعار “سلمية الثورة” الذى هو أحد العبقريات النادرة التى بدون تحقيقه على نطاق مصر كلها فى أغلب حالات العمل الثورى ، ما كان نجاح الثورة ممكنا .
وقد شاهدنا كيف أن النظام كان يبحث عن إنفلات العنف والفوضى حتى يطلق كامل ترسانة الإبادة التى لديه ، ومعها تلك القوات المعادية الجاهزة لمثل تلك الحالات والتى خزنها العدو منذ سنوات / داخل مصر وعلى أطرافها الخارجية / للزج بها فى المعركة ضد الشعب إذا وصلت الأمور إلى مثل ما وصلت إليه فى الفترة من     25يناير وحتى 11 فبراير.
بدون تطبيق شعار سلمية الثورة ما كان يمكن لهذه الثورة أن تنجح ، ولكن ذلك لا يعنى أنها مباراة رياضية بين فريقين ، أو أن التحديات الرهيبة التى تواجهها البلد يمكن أن تعالج بكل هذا القدر من ” الروح الكشفية ” التى كثيرا ما تجلت عندما تكون مطلوبة وموضع ترحيب ، أو فى غير موضعها حيث يجب تطبيق روح أخرى وقوانين أخرى تتعلق بالمواجهات المصيرية .

2 ـ  الخطأ الأكبر للثورة :
العزوف عن الإستيلاء على السلطة .

أكبر أخطاء هذه الثورة كان عزوفها عن الإستيلاء على السلطة السياسية فى البلاد فى اللحظة التاريخية المناسبة التى أتيحت لها.
وهنا مربط الفرس فى كل الأخطاء والأخطار التى ترتبت على ذلك الخطأ المميت .
قد تساق العشرات من الأعذار والتبريرات ولكن ذلك لا يغير من الأمر شئ .
وتبقى تلك هى الثغرة العظمى فى بنيان تلك الثورة ، والتى ترتب عليها نتائج غاية الخطورة ، منها الأخطار التى أشار إليها الأستاذ هويدى فيما أوردنا من فقرات .
فكل ذلك العمل ” الثورى” العظيم والمثالى قد يتحول إلى مجرد تعديل فى صورة النظام ، وإعادة إخراج لمفرداته البشعة وأن تصبح كلمة ” ثورة” مجرد كلمة فى غير موضعها ومجرد بلاغة لفظية ومبالغة فى توصيف الواقع ، فتضاف ” ثورة يناير ” إلى جانب “ثورات ” إفتراضية أخرى مثل الثورة الإدارية والثورة الزراعية وثورة الإتصالات إلى آخر تلك الثورات التقنية . ولكنها لا تصل إلى كونها ثورة سياسية تغير كامل البنيان السابق الفاسد والمهترئ فى كافة نواحى الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والدفاعية والثقافية والإعلامية .

من ناحية المبدأ ظهر أن ثورة يناير هى ” ثورة مطالب تصحيحية ” وليست ثورة مكتملة تسعى إلى الإستيلاء على السلطة السياسية لتنفيذ برنامجها الثورى بواسطة كوادرها الثورية وبمساندة قوى الشعب الثائر. أى أنها ليست تلك الصورة التقليدية للثورات ” مكتملة النمو” .
ـ ويبدو أننا فى مصر بدأنا من أول سلم النمو الثورى ، سيرا من مرحلة الطفولة الثورية التى تكتفى بأن تطالب ” الأب القوى ـ أى النظام الحاكم ” ولكنها أبدا لا يخطر فى بالها أنها قادرة على تنفيذ برنامجها الثورى بنفسها عبر إمتلاك السلطة السياسية مباشرة.

من غرائب ثوراتنا فى مصر والتى لا تقل عن غرائب أبو الهول والأهرام هو أنها تطالب أحد أهم أجهزة النظام الحاكم ” الجيش” أن ينفذ لها برنامجها الثورى ، وترى أن دورها هو إرهاق أعصاب “الأب القوى” بالصراخ فى ” ميدان التحرير” حتى يحقق لها مطالبها ” بالقطارة” وبعد تحريفها.
قد يجعلنا ذلك نعذر هذا “الفريق شفيق” ، حين إستهزأ بالثورة والثوار متوعدا بإرسال ” البنبون والشيكولاته ” . لقد لمح بنظرته الخبيرة أنه أمام ثورة رغم عظمتها ولكنها تتمتع بقيادة من “الكشافة المدرسية ” وينقصها أهم أعمدة أى ثورة وهى القيادة الثورية والفكر الثورى.
( نذكرهنا ما ما قاله “على صبرى” حين عاد من ليبيا بعد أن أرسلة عبد الناصر إلى ليبيا لإستكشاف ثوارها وزعيمهم القذافى ، فعاد ليقول للرئيس إنهم ” مجموعة من الكشافة ” ) . وأخشى أننا إمتلكنا فى يناير قيادات كشفية لأحد أهم ثورات مصر عبر التاريخ ، أو على الأقل أمامها فرصة لأن تصبح كذلك.

ـ قيادات الثورة الحالية فى مصر ، وهم مجموعة كبيرة غيرموحدة من القيادات الشابة ، ومعهم ملحقات ثانوية من كبار السن ، يفتخرون دوما أنه لا قائد واحد لتلك الثورة (!!). إحدى القائدات الشابات أمام محطة فضائية حمدت الله على ذلك حتى لا تباع الثورة بواسطة قيادتها (!!) . كما يفتخر مفجرى الثورة أن لا تنظيم يجمعهم وأن الإنترنيت و”الفيس بوك” و”التويتر” كانوا بديلا يجمع ويصهر الأفكار ويوجه .
أى أن تلك التقنيات الحديثة تعدت دورها كوسائل إتصال وتحولت إلى بديل عن “حزب الثورة ” وعن ” قائد الثورة ” .

حسب أحد المثقفين المشاركين فى الثورة فإن القيادة لم تكن شخصا ولا مجموعة أشخاص بل كانت ما أسماه ” الذكاء الجمعى” . وتلك حقا عجيبة أخرى ، وهى وإن كانت إبتكارا عبقريا مفيدا فى فتره معينة ( فى الحقيقة أنها كانت وضعا إجباريا فرضه أمن النظام ) ، ولكنها إذا تحولت إلى وضع دائم، تصبح خطرا لا شك فيه.

ـ وكذلك هو حزب الثورة أو التنظيم الثورى، إذ لا يمكن أن يبقى بشكل دائم سجينا داخل “الفضاء الإفتراضى ” للفيس بوك” و “التويتر” وهى وسائل يمتلكها العدو تماما بالمعنى الحرفى للملكية . فكيف نترك أنفسنا واقعين فى ذلك التناقض المهلك ؟؟
ينبغى أن نضيع حدودا للإستفاده من تلك الوسائل ، وعدم تحويلها إلى حزب أومقر قيادة . فتلك المرحلة الأولية قد مضت ويجب أن تنتهى بسرعة ، وكان يجب أن يتم ذلك فى الفترة ما بين 25 يناير إلى 11 فبراير . وحيث أن المثل يقول ” مالا يدرك جله لا يترك كله ” فإن إيجاد البديل متأخرا / يعنى الآن / خير من عدم إيجاده على الإطلاق ، أو ترك الأمور فى حالة السيولة والهلام الحالى .

عدم وجود قيادة أو تنظيم كانت ميزة كبيرة فى مرحلة التجهيز للثورة والتحريض عليها وحتى فى الأيام الثلاثة الأولى لإنطلاقها . فالنظام القمعى كان مستعدا لقتل ألف شخص إذا شك أن بينهم من يحتمل أن يكون قائدا للثورة، أو أنه قد يصبح قائدا لها فى وقت لاحق .

( أعتقد هنا أنه يجب إعادة فحص الظروف التى توفى فيها الفريق سعد الدين الشاذلى فى التاسع من فبراير ، للتأكد من أنها كانت طبيعية ولا علاقة لها بأوضاع الثورة ، حيث أن شخصا مثله كان قادرا على قيادة الثورة وسط إجماع شامل يصعب جدا إيجاده فى مصر ).

ساعد على تحمل غياب قيادة مركزية للثورة ذلك الإجماع الشعبى على الأهداف الأساسية والتى لخصها الثوار فى أحد عشر بندا كتبوها فى لافته صخمة وعلقوها على إحد البنايات المشرفة على ميدان التحرير . وهى مطالب موضع إجماع لا شك فيه من جميع الشعب المصرى ، فيما عدا عصابة النظام الحاكم والمنتفعين به .
تجلى فى ذلك عبقرية طرح الشعار الثورى المناسب فى توقيته المناسب .
وكانت الأدوات الحديثة للإتصالات ” فيس بوك ” + تويتر + الفضائيات ” عاملا مساعدا وبشدة ، وأغنت بالفعل عن الوجود المادى والعلنى للقيادة والتنظيم الثوريين .
ولكن من الخطر الجسيم تحويل تلك الأدوات الجديدة للإتصال إلى مفصل حيوى فى إدارة الثورة ، فهى فى النهايه من ” ممتلكات العدو” كما أنه لا بديل عن القيادة الواضحة والعمل التنظيمى من أجل دفع الثورة وديمومتها وتحقيق أهدافها القريبة والبعيدة .
بل لا بد أن تمتلك الثورة أدوات الإعلام والإتصال الخاصة بها ، سواء إثناء جريان الثورة أو بعد إستيلائها على قدرات الدولة والإستفادة منها .

ـ لا بد هنا من التذكر ” بفضل” النظام القمعى كون أحد إنجازاته الكبيرة كان تفتيت قوى الشعب ومنع ظهور قيادات أو تنظيم معارض ، والقضاء على كل ذلك فى مهده منذ وقت مبكر جدا . والمعارضات كلها سواء حزبية أو إجتماعية أو سياسية كانت تحت السيطرة وأبعد ما تكون عن إمكانية تشكيل خطر، فأدى ذلك إلى تعاظم الدور الذى قامت به وسائل الإتصال الحديثة ومعها الفضائيات التى أشتد دورها بشكل غير متوقع أثناء اندلاع الثورة ونزول الجماهير إلى الشوارع .

 3 ـ إفلات اللحظة التاريخية .

اللحظة التاريخية الحاسمة للثورات الشعبية هى تلك اللحظة التى يصل فيها زخم الحشد الجماهيرى المتحفز إلى ذروته القصوى ، مترافقا مع شلل أدوات قمع النظام وتلك هى لحظة الإنقضاض على السلطة والقبض على أجهزة الدولة وإعلان موت النظام البائد ومولد النظام الثورى الجديد .
ومن يقرر ذلك هى القيادة الثورية الميدانية الخبيرة التى تمتلك الإحساس الثورى المرهف ، تماما مثل قائد الجيش الميدانى الذى يلمح اللحظة المواتية لشن الهجوم الحاسم على عدوة فى أرض المعركة . وهى لحظة بعينها ، خاطفة ، لا يجوز إستباقها بثانية أو التأخر عنها بثانية ، لأن النصر قد لا يكون ممكنا فى أى ثانية أخرى غيرها.
وتلك مهمة بشرية ميدانية لا تقدر عليها تقنيات الفضاء الإفتراضى للإنترنت.

سنحت تلك اللحظة يوم الجمعة 11 فبراير وهو اليوم الثامن عشر للتظاهرات ، وفيه إحتشد فى صلاة الجمعة فى ميدان التحرير 2 مليون مواطن ، وبلغ المتظاهرون فى الميدان ليلا ما بين 3 إلى 4 مليون مواطن حسب تقديرات وسائل إعلام وفضائيات .
ـ وبلغ عدد المتظاهرين فى كل مصر ما بين 10 الى 12 مليون متظاهر غطوا جميع مدنها من الإسكندرية حتى أسوان ، ومن سيناء ومدن القناة حتى واحات الصحراء الغربية .
ـ وكانت قوات الشرطة قد إختفت تماما من شوراع العاصمة وكل مدن مصر .
ـ وتوقفت تماما أعمال “البلطجية” وفشلت جميع محاولات الدولة إرهاب المتظاهرين بأعمال القتل العمد .
ـ تسربت أخبار عن أن مبارك يبحث عن مخرج مشرف “حسب قول بنيامين بن أليعازر” . أو أنه سوف يستقيل ، حسب ما صرح به ضابط كبير فى الجيش للمتظاهرين فى التحرير يوم أمس.
ـ وصل الحماس والتلاحم الوطنيين ذروتهما فى صلاة الجمعة والقداس الذى سبقها للمسيحيين . ودعوات الصلاة وصلت بالحالة المعنوية إلى ذروة الحماس والإشراق الروحى .
ـ زحف متظاهرون منذ الصباح للإحتشاد أمام مقار مبارك فى قصر العروبة وقصر عابدين وسط القاهرة . ويقال أن طائرتى هيلوكبتر نقلنا مبارك وأسرته إلى مقره فى شرم الشيخ أثناء النهار.
ـ فى السادسة مساء ألقى عمر سليمان نائب الرئيس خطابا مدته 25 ثانية أعلن فيه تنحى مبارك الذى كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة البلاد .

فى تلك اللحظة كانت سيطرة الثوار تامة على جميع أنحاء مصر فى حشد لم يسبق له مثيل فى تاريخ مصر أوالمنطقة ، وربما فى تاريخ أى ثورة شعبية فى القرن الحالى أو القرون السابقة .
وتلك كانت اللحظة التاريخية للإنقضاض على السلطة ، وأن يعلن ثوار التحرير تشكيل حكومة ثورية مؤقته تدير البلاد لفترة يتم فيها إنجاز مطالب التطهير وإصلاح المؤسسات وإجراء إنتخابات برلمانية ، وإقرار دستور جديد.. إلى باقى المطالب الإحدى عشر الذى علقها المتظاهرون منذ أيام على أحد بنيات ميدان التحرير.
وبدلا عن ذلك وقعت أكبر أخطاء تلك الثورة ، وأفلتت من الثوار لحظة الإنقضاض العظمى . وحولوا الثانية النادرة إلى مناسبة كرنفال إحتفالى صاخب إستمر حتى الصباح!!..
(( حكى لنا بعض الأجداد أن جيش عرابى فى التل الكبير كان منشغلا فى تطويحات حلقات الذكر طوال ليلة الهجوم الإنجليزى الذى باغت الجيش المصرى صباحا وقد أنهكته تلك الحلقات التى إقترحها بعض الخونة المتعاونين مع الإنجليز !! … تلك كانت الرواية والعهدة على الأجداد الذين كانوا يسكنون قريبا جدا من موضع المعركة وشاهدوا المأساة كاملة )) .
وفى الصباح بدأ المتظاهرون فى تنظيف ميدان التحرير فى لفته “كشفية ” مؤثرة ، تثبت أن من قادوا تلك الثورة ( إن كان قد قادها أحد) كانوا من الكشافة أكثر من كونهم ثوارا . رغم أن تنظيف الميدان عمل جيد ، على أن ينظف الميدان من آثار الإشتباكات وليس من زخم الثورة.
أتوقع أنه فى تلك اللحظة تنفس أوباما الصعداء، وأعلنت إسرائيل عن موافقتها على عمليات التغيير فى العالم العربى .

طبعا لا يعنى ذلك أن الأخطارعلى إسرائيل وأمريكا ومصالحهما فى المنطقة قد زالت ، بل يعنى ان تلك الثورات ذات التوجهات / أو القيادات / الكشفية ، قابلة للتطويع بشكل أو آخر ، وأنها حركات مثالية حماسية إنسانية مؤثرة ، ولكنها أبدا ليست ثورية بالمعنى المفهوم للثورة . فهى فى الأساس تحرك مطلبى ذو سقف إبتدائى مرتفع ، ولكنه قابل للتخفيف ثم التخفيض ثم .. الهدم .

# إذن كان يجب إعلان مولد النظام الجديد فور إعلان تنحى مبارك ، وإعلان حكومة الثوار فى نفس الليلة ، ومطالبة أعضاء “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” بأداء قسم الولاء لحكومة الثورة ، فى ميدان التحرير .
فماذا كان سيفعل ذلك المجلس العسكرى وقتها ؟؟ .
حتما لم يكن أمامه سوى الإمتثال لإرادة الشعب خاصة وأن مصر كلها فى يد الثوار ، وهناك أكثر من عشرة ملايين فى كامل الإستنفار فى كل أنحاء مصر ولا يمكن قمعهم بأى قوة فى يد الجيش أو فى يد أى تدخل خارجى من قوات أجنبية موجودة بالفعل على أرضى مصر أو قريبة على الحدود .
الجيش كان سيمتثل لأوامر حكومة الثورة فى ميدان التحرير . وكان ينبغى تسمية وزاء الدفاع والداخلية والخارجية والإعلام فى تلك الليلة .
ـ     ويتم الإستلاء على جميع المبانى الحكومية فى القاهرة بما فى ذلك مبنى الإذاعة والتلفزيون ، وأن تبدأ حكومة الثورة من صباح السبت 12 فبراير مباشرة أعمالها بشكل رسمى ، من مقار الدولة الرسمية .
ــ     وأول الأعمال هو بناء جهاز للأمن الشعبى من شباب الثورة فى جميع أنحاء مصر وإمداد ذلك الجهاز بالمعدات والمال والسلاح وتنظيم هيكله الإدارى المحلى وربطة بوزارة الداخلية فى العاصمة .
ــ     ثم تبدأ على الفور إجراءات التطهير ، وإعتقال كبار المشتبهين والمتورطين، والسيطرة على كافة البنوك ومصادرة الأموال الحرام والمشبوهة وإحالة كل المتهمين إلى قضاء مدنى إحترافى سريع وناجز .
ــ      السيطرة على حركة المطارات والموانى والتصدى لعمليات تهريب الأموال أو تحويلها الى الخارج .
ــ       وفى صباح فى نفس اليوم “12 فبراير” يلغى قانون الطوارئ فورا ، ويفرج فى الحال عن جميع المدنيين ممن سجنوا بأحكام من محاكم عسكرية أو طوارئ . وأن يكونوا فى بيوتهم قبل حلول مساء ذلك اليوم .
ــ       إستبدال جميع الطاقم القيادى فى جميع وسائل الإعلام الحكومى .
ــ       وطرد جميع المحافظين ومديرى الأمن وتعيين بديلا عنهم بالتشاور مع الثوار فى كل محافظة على حدة .
ــ       فى نفس اليوم تتم تسمية رئيس أركان جديد للجيش ، وقائد لقوات الدفاع الشعبى الذى يبدأ تشكيلها على الفور تحت قيادة ضابط وطنى ليكون رديفا للجيش فى الدفاع عن الأمن الداخلى فوق أرض الوطن.
ـ     تتم محاصرة كل القوات الأجنبية والبؤر الإستخبارية ، وتبدأ على الفور إجراءات تصفية سريعة لها .
ــ       يتم تعيين مجلس للأمن القومى ويمنح مدة محدده للفراغ من وضع سياسة عليا للأمن القومى يتم على ضوئها تحديد سياسات الوزرات جميعها .
ــ       يحال إلى التقاعد الفورى جميع أصحاب الرتب العليا فى الجيش والشرطة .
وتتولى عناصر وطنية / من الرتب المتوسطة المشاركين فى الثورة/ فى إعادة بناء تلك الأجهزة على أسس جديدة تماما ، بعد تطهيرها من كل فساد وإنحراف وخيانة وتعاون مع أعداء الوطن .
ــ     إعتقال فورى لجميع عناصر جهاز أمن الدولة ومحاكمتهم جميعا، على إختلاف رتبهم من قائد الجهاز وحتى أصغر مخبر ، بتهمة الخيانة العظمى .

 4 ـ هل حمى الجيش الثورة ؟

قصور ” قيادات الثورة !!” عن إدراك أن مهمتهم الثورية هى الإستيلاء على الحكم . جعلهم يفزعون عندما رأوا أن الأمور أصبحت بين أيديهم فى مساء يو 11 فبراير . وفضلوا إلقاء المسئولية على الجيش وتركوا السلطة فى يد المجلس العسكرى ، مكتفين بدور الفتى المدلل الذى يشاغب ويطالب ” ولى أمره ” بسلسلة من المطالب تبدو وكأنها لا تتوقف ( ولن تتوقف طالما أن المجلس المذكور يتبع إستراتيجية المماطلة والإلتفاف التدريجى على الثورة ويسعى فى حقيقة الأمر إلى عودة النظام القديم الذى هو / أى المجلس/ أحد أهم مكوناته ). وأقصى ما قاله بعض الناطقين الكثر بإسم الثورة والثوار هو أنهم أصبحوا ” شركاء فى الحكم !! ” وتلك نكته كشفية سمجة تقال فى أمسيات السمر. فما معنى الشراكه فى الحكم بين الثوار وبين أقوى الأجهزة المنظمة والمسلحة فى نظام الحكم البائد ؟؟.
يلزمنا أولا أن نتعرف على عناصر القوة لدى الطرفين ” النقيضين ” ” الشريكين ” فى تلك النادرة المصرية الفريدة من الشراكة غير الممكنة وغير المسبوقة .

عناصر قوة الثوار هى :

1ـ حالة الإحتقان والنقمة الشعبية ضد النظام ، المتراكمة على مدى أكثر من ثلاثة عقود من القهر والإذلال الشخصى والوطنى وحتى الدينى .
2ـ رفع الثورة لشعارات ومطالب هى موضع إجماع لا شك فيه بين جميع أفراد الشعب بكافة فئاته .
3 ـ تلاحم قوى الشعب وإحتلالها ” الشارع المصرى” وتحديها الناجح والعلنى لقوى القمع الحكومى وسقوط حاجز الرعب الذى كبل الشعب المصرى من الحركة لأكثر من خمسة عقود .
4 ـ الإهتمام الإعلامى ، الدولى والعربى ، بما يحدث فى مصر . والإسناد المعنوى واسع النطاق خارج مصر للثورة المصرية .
5 ـ البسالة منقطعة النظير والروح السلمية والحضارية والإنضباط الذى ميز الثورة فى الشارع . بما أكسبها تعاطفا ضخما فى الداخل والخارج .

أما عناصر قوة الجيش فهى :
1 ـ وجود تسلسل قيادى وإنضباط حازم وتسليح كثيف .
2 ـ إحترافية فى الأداء وثبات فى الهيكل الوظيفى .
3 ـ إسناد غاية القوة من حلفاء النظام فى الخارج /خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل/ فى التمويل والتدريب والتسليح والتنسيق الإستراتيجى . ولا ننسى بالطبع إسناد الإنظمة العربيه للنظام المصرى ، خاصة إنظمة ” الإعتدال ” النفطى .

ونظرة إلى عناصر القوة لدى الطرفين نجد أن أغلب عناصر قوة الثورة مستمدة من عناصر معنوية ـ غير مادية ـ ومشاعر ملتهبة بالغضب والثورة والكرامة الشخصية والوطنية المجروحة ، وتجمع بشرى تم إيجاده بصعوبة بالغة بعد إعداد إستغرق سنوات من الجهد والتضحيات والمجازفات الخطرة ، ثم تعاطف خارجى هو بطبيعته غير ثابت ولا يستمر طويلا .
تلك العناصر غير الثابته تستوجب عناية فائقة من الثوار من أجل الحفاظ عليها والإستفاده منها لتنفيذ برنامج الثورة .
وأكثر تلك العناصر حساسية هو عنصر الإحتشاد الكثيف والسيطرة على الشارع ، كونه أقوى أسلحة الثورات الشعبية .

ــ يمكن سلب الثورة أسلحتها إن هى لجأت إلى التزلف والتفاوض ومقاسمة السلطة مع الطغاة الفاسدين .
ــ فإمتصاص غضب قطاعات كبيرة من الناس ممكن بواسطة رشاوى إقتصادية مدعومة بإسناد مالى خارجى .
ــ وترضيه الكرامة المجروحة ممكن عبر التملق وكيل المديح وبعض المحاكمات المضللة . وهذا ما يقوم به بقايا نظام الحكم فى مصر بعد 11فبراير.
ــ أما التعاطف والإسناد الخارجى فيمكن صرفه إلى ميادين وأحداث أخرى بحيث تنزوى أحداث مصر عن أنظار المتابعين فى الخارج .
ــ أما الشراكة الوهمية فى الحكم ، فإن أى تنازلات منحها النظام فى حالة ضعفه ، يعود إلى سحبها عندما يستجمع قوته وتتبخر القوى المعنوية للثوار .
ثم تبدأ صفحة جديدة هى بالتأكيد لا تقل بشاعة عن سابقتها ، والأرجح أنها أشنع وذات طبيعة إنتقامية .

الإيجابية الوحيدة التى قد تمكث على الأرض هى عبور عدة آلاف من أفراد الطبقة الوسطى من الثائرين ” جدار برلين ” الفاصل بينهم وبين الطبقة العليا . وربما كان ذلك ما عناه أوباما حين شبه ثورة مصر بثورات غاندى فى الهند ومارتن لوثر كنج فى الولايات المتحدة وتحطيم جدار برلين بين شطرى ألمانيا .
ومن بين العابرين المحظوظين قد ينجح عدة عشرات فى دخول نادى أصحاب الملايين ، وربما ظهر منهم ملياردير واحد أو إثنين فمن يدرى ؟؟ .
وذلك نوع من التنكيل بالثورة والثوار أشد بمراحل من السجون وتعذيب أمن الدولة ، لأنه تنكيل لا ينال الأجساد بل ينال المبادئ والقيم والأمل فى المستقبل .
إن الجيش فى معادلة الشراكه الخاطئه فى أساسها يرى أن كفته هى الأرجح لذا يراهن عليه النظام ” القديم” والذى لم يخسر سوى رأسه المتعفن ، وعدد من الفاسدين الذين أضحوا عائقا وخطرا على سلامة النظام نفسه .
إن نظام مبارك مازال قائما ولكن بلا مبارك وبدون بعض الوجوة المقيتة التى جلبت المشاكل للنظام وهددت إستمراره وأشعلت نيران الثورة ضده .

# العجز الثورى الذى قاد إلى معادلة الشراكه الخاطئة مع الجيش ، حاول الثوريون تغطيتة بكيل المديح المبالغ فيه للجيش ودوره الوطنى ، وتصويره حاميا للوطن ، وإظهار التقديس لذلك الدور .
ولكن عندنا فى مصر لم يكن ذلك هو الحال دائما، خاصة جيش مبارك أو جيش مابعد حرب 1973 عموما. لأن الجيش هو جهاز تابع للدولة ، والدولة فى مصر هى شخص الحاكم تحديدا ، الذى يخضع الجيش لرؤاه وأهدافه وليس للوطن ومصالحه . وذلك صحيح منذ تأسيس جيش مصر الحديث على يد “محمد على باشا ” الطموح ، وحتى مبارك الخائن ، مرورا بأدوار الجيش المختلفه فى الجمهوريات العسكرية لناصر والسادات . كل ذلك يؤكد على أنه جيش الفرعون الحاكم فى مصر.
وضعية الجيش فيما بعد حرب 1973 هى وضعية شاذه وخطيرة . كونه دخل ضمن الرؤية الإستراتيجية للعدو الأمريكى والعدو الصهيونى .
ودخلت أيادى هؤلاء بعمق فى زوايا الجيش المصرى ، وإعادة هيكلته تسليحا وتدريبا بل وتمويلا !!. فاخترقوه طولا وعرضا لتأمينه ” بالاصدقاء ” من الجنرالات الذين يخضعون لفحص دقيق من جانب تلك القوى الخارجية لنيل الترقية إلى تلك المراتب العالية . ولاننسى أن رئيس الأركان برفقة 15 جنرالا عادوا من الولايات المتحدة رأسا إلى القاهرة مع ظهور بوادر ترنح النظام فى بدايات الثورة . ولم يتفضل أى أحد من مجلس قيادة الجيش ويشرح للشعب عن طبيعة المهمة التى كان فيها هؤلاء ، ومن الذى طلب منهم العودة فى تلك الظروف : هل هى سلطات عسكرية مصرية أم أمريكية ؟؟.. ولماذا؟؟ .
والإعتقاد بغير تلك الطبيعة للجيش هو بلا شك تصنع غير مقبول بالغفلة والسذاجة .
فماذا يجعل هذا الجيش الآن وطنيا غيورا ووطنيا صادقا وشريكا أكبر فى حكم له فيه اليد العليا ، وللثورة دور الصراخ والمطالبات الممله التى لا تتوقف ، والتى قد تؤدى إلى إنصراف جمهور الشعب عنها فى نهاية المطاف .
ومع طول المدة سوف تفلح مناورات الإمتصاص وسرقة الشعارات والترضيات الجزئيه فى تخدير أعصاب قطاع واسع من الشعب . عندها سيتوقف سحر الفيس بوك والتويتر وتصبح مجرد نوادى للثرثرة الفارغة .

وتحت ستار الشراكة المتوهمة وغير المعقولة وغير المتكافئة حدث الآتى :
ــ حمى الجيش أكبر عملية لتهريب الأموال خارج مصر، تم معظمها منذ الأيام الأولى للثورة وحتى رحيل مبارك يوم 11 فبراير.
ـ وتحت حماية الجيش أتلفت أو أخفيت أو هربت وثائق الفساد والخيانة المحفوظة لدى أجهزة الدولة الحساسة فى الداخلية وأمن الدولة والوزراء ، ولدى رجال الأعمال والبنوك وغير ذلك .
ــ وتحت حماية الجيش تعيد أجهزة القمع تجميع صفوفها من جديد . وأحكام قبضتها وتجهيز هجومها المضاد .
ـ إستطاع الجيش إقناع الثورة بوقف الحديث عن قانون الطوارئ ، ويبدو وكأنها إقتنعت بضرورته “!!” .
ـ وإستطاع الجيش دق إسفين عميق بين الثورة وبين طبقة العمال التى أصبحت طلباتها مستهجنة فى الأوساط الثورية ، وتوصف بأنها مطالبات فئوية وأنها تعرقل الثورة وتصرفها عن أهدافها الأساسية !!.
علما بأن أخطاء قادة الثورة نتج عنها تهريب مئات المليارات من مصر بكل أمن وهدؤ. وكان بعض تلك المليارات كافيا لتسكين آلام عمال مصر وحل مشاكلهم بل وبناء إقتصاد مصر من جديد وسداد ديونها !! .
ـ كان هناك توافقا ضمنيا بين الثورة والجيش بأن فلاحين مصر لا وجود لهم ، فلم يظهر لمطالب ومصالح الفلاحين أى أثر لا فى الحركة ولا فى أهداف الثورة .
وبخسارة عمال مصر وفلاحيها تكون الثورة تزحف نحو موقع ” ثورة الأفندية ” الذى حشرت فيه ثورة 1919نفسها ، فإنتهت بمكاسب سياسية واقتصادية لتلك الشريحة الاجتماعية الضيقة فقط ، بينما تطوير مصر إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا لا يمكن تصوره بدون هاتين الطبقتين الكبيرتين أى الفلاحين والعمال .

وثورة مصر حتى الآن لم تخرج عن كونها ثورة الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة. وذلك واضح ليس فى المطالب فقط بل أيضا فى القليل من التصورات التى أفصح عنها بعض الثوار لمستقبل مصر الإقتصادى ، حيث عبرت القيادات المفترضة عن تصورات عجيبة من سياحة مزدهرة واستثمارات خارجية تنهال على مصر الآمنة المتحضرة . وكأنهم لا يدرون أو يتغافلون عن دور إسرائيل وكونها أهم محددات تشكيل الحياة فى مصر، سواء مصرالثورة الشعبية أومصر الخيانة المباركية ، أومصر الحكم المشترك وتقاسم الكعكة بين الثوار وبين أعداء الثورة !!.

 5 ــ شعب مصر وجيشها

لا شك أن جنود الجيش هم جزء من الشعب ، وهم أبناء وإخوه جميع الشعب . وهم فقراء مضطهدون منهكون يائسون مثل باقى الشعب . هؤلاء هم جنود الجيش ، وحتى جنود الأمن المركزى هم كذلك أيضا .
ضباط الجيش رغم رشاوى النظام يظلون بشكل عام أبناءالشعب القريبون منه . ويظل الوضع كذلك إلى أن تمتد يد العدو وعيونه لتقرير من يتم ترقيته من الرتب المتوسطه إلى الرتب العليا ، ومن يتم إبتعاثه إلى الولايات المتحدة لتلقى الدورات، ومن سيعقد الصفقات ويبرم العقود ويتلقى منهم العقائد العسكرية والاستراتيجيات . هنا يصبح الجيش المصرى جيشان . من خط المنتصف فى الرتب العسكرية وحتى أعلى فريق أومشير أو حتى مهيب .
ذلك بشكل عام مع إحتمال وجود إستثناء لا نعرفه ولا يمكن أن نضعه فى الإعتبار. فإذا قال ثوار التحرير أن “الجيش والشعب يد واحده ” فذلك صحيح ولكن ليس بالمطلق فهذا القول نقبله فى كل الجنود وضباط الرتب الصغرى والمتوسطة . ضباط من أمثال هؤلاء الأبطال الذين تركوا الدبابات وانضموا للمتظاهرين وطلبوا من زملائهم فى الجيش الإنضمام للثورة، فانضم إليهم بالفعل عدد غير معروف بدقة .
وبعد أن إحتفلت الثورة بتخليها عن السلطة ، وحولت لحظة النصر إلى مجرد كرنفال إحتفال غنائى راقص، وسلمت البلد للجنرالات الكبار، نسيت هؤلاء الأبطال الذين قفزوا من الدبابات وانضموا إليها فى ساعة المحنة .
ولا ندرى مصير هؤلاء الأبطال . ولا نشك أنهم سيتعرضون لمحاكمات عسكرية وعقوبات مشددة . بينما “قيادات الثورة ” من كل صنف ولون ، تروح وتجئ فى إجتماعات ومشاورات مع حلفاء البنتاجون من قيادات الجيش المصرى . أى مع تلك الفئة من الضباط العظام الذين لم تعد تربطهم بالوطن سوى شهادات الميلاد .
مرة أخرى نقول أنه قد يكون من بينهم إستثناء ، ولكن قيادات عسكرية بقيت لمدة ثلاثة عقود تحرس نظاما خائنا ، وبلدا ذو سيادة منقوصة ، وسيناء/ بوابة مصر الشرقية / محرمة على الجيش لايدخلها إلا بإذن الأعداء .
هؤلاء الجنرالات يجب إعفاءهم من الخدمة وإجلائهم إلى منازلهم بعد كل ذلك المجهود المهين فى حراسة وطن تحول إلى أرض مستباحة لكل أعدائه وعلى رأسهم إسرائيل والولايات المتحدة .
إن تعميم الشعارات الوردية عن الجيش هو خطأ فادح وتغطية لتخاذل الثورة ، وضعف قياداتها الكشفية عن التعامل مع واقع مصر. والإغراق فى الرومانسية لا يعفى من تهمة التفريط فى مصالح الشعب حتى لو كان المتهم هم قيادات من “أبطال ميدان التحرير”. فكم رأينا من أبطال تحولوا إلى وبال على شعوبهم . واسألوا بطل الحرب والسلام بطل حرب أكتوبر ، وبطل الضربة الجوية ، وبطل ثورة الفاتح من سبتمبر،وبطل البوابة الشرقية للأمة العربية .. والكثير جدا من الأبطال الكارثيين .
فالبطولة والضعف / الجبن والإقدام / الوطنية والخيانة / الشرف والنذالة / كلها صفات متحولة . ويمكن أن يمر على الشخص الواحد عدة صفات منها على إمتداد حياته . لهذا ينظر إلى حالة كل شخص فى لحظته الراهنة وليس فى ماضية .
فمن كان بطلا فى حرب أكتوبر قد يصبح لصا خائنا فى عصر السلام والإنفتاح الإقتصادى . ومن كان مؤذن مسجد فى قريته قد يتحول حارس ملهى ليلى فى المدينه. وعكس ذلك ممكن أيضا .
ـ كما أن وصف الجيش بأنه مؤسسة هو توصيف غير دقيق . فليس فى مصر كلها مؤسسات بل هناك أجهزة . وما قاله الأستاذ “هيكل ” صحيح عن أن ليس لدينا دول فى المنطقة العربية بل هناك أنظمة حاكمة . ثم أن النظام يتحول إلى فرد مطلق الصلاحية يمسك بكل السلطة ويدور كل شئ حوله .
وما يحدث على رأس السلطة يحدث فى كل الأجهزة. فكل جهاز يدور حول شخص ومجموعة من المقربين منه . ومازال “جيش عبد الحكيم عامر ” ماثلا فى الذاكرة الوطنية ، وسيظل كذلك طالما ندور حتى الآن حول نتائج وإفرازات كارثة هزيمة ذلك الجيش فى يونيو 67 .
ومن عاصر تلك المرحلة مازال يتذكر أن ضباط الجيش بعد تلك الهزيمة كانوا يعاملون علنا فى شوارع مصر بكل إحتقار وإزدراء .
فالجيش ليس إستثناء من الحالة العامة للنظام ، بل هو جزء عضوى ومركزى منه. ولن تغير قصائد الشعر والغزل هذا الواقع المؤلم ، بل يتغير الواقع عندما نضع نظرية أمن قومى جديدة ، ونبنى جيش جديد وحديث يكون قادرا على مواجهة التحديات الخارجية التى تهدد مصر .
وبالتأكد فإن “جيش مبارك” غير مؤتمن على المرحلة الإنتقالية الحالية ، ولا هو شريك شريف لثوار التحرير، كما أنه غير جاهز ولا مؤهل كى يستعيد سيادة مصر على سيناء أو أن يدافع عنها ضد إجتياح إسرائيلى محتمل .
فالمعونة الأمريكية السنوية لهذا الجيش والتى تتخطى المليار دولار هدفها الأول هو منع الجيش من أداء تلك المهمة تحديدا . والأيادى الأمريكية التى تقدم المعونة تستبعد على الفور أى ضابط مصرى كبير يظهر قدرا من الإهتمام بسيناء من الناحية الإستراتيجية أو السيادية ، أو لديه أى إعتبار لسيادة الوطن أوكرامته واستقلاله . تلك الموبقات تقتلعها الأيدى الامريكية والإسرائيلية الممتدة عميقا فى الجيش بالذات ، وفى أجهزة الأمن جميعا . وحسب ” آفى ديختر” وزير الأمن الإسرائيلى فإن بلاده (أقامت شراكه أمنية مع أقوى جهازين لحماية الأمن الداخلى : مباحث أمن الدولة والداخلية والقوات التابعة لها وجهازالمخابرات العامة).
وحتى لو لم يتكلم ديختر فإن الواقع يتكلم ويفضح . وأهمية تأمين إسرائيل للجيش المصرى تسبق أهمية تأمين أجهزة الأمن الداخلى فيها.
تكلم ديختر أيضا عن ” شراكة ” مع الطبقة الحاكمة فى مصر ورجال الأعمال والنخبة الإعلامية والسياسية . كل هؤلاء الشركاء ينبغى أقتلاعهم من مراكز الثأير فى مصر ومحاكمتهم طبقا للقانون وإعادة بناء الأجهزة جميعا وليس مجرد إعادة تأهيلها .
{هذا إن كان هناك ثورة حقا وليس مجرد حركة كشفية تعمل وفق منظور طبقى غاية فى الضيق ، وهى تلبس عباءة إنسانية مبتذلة وفضفاضة وأحاديث ساذجة وفاقدة للمصداقية عن الديموقراطية والتعددية الحزبية وحقوق الإنسان، تلك القيم التى سقطت فى منبتها الغربى الذى تحول إلى فاشية متخفية فى الداخل، وفاشية إستعمارية صريحة على النطاق الدولى نحن أول ضحاياها . إن حديث قيادات فى الثورة بنفس مفردات منظومة القيم الغربية السياسية والأخلاقية يحمل فى طياته تزلفا وغزلا للغرب وطلبا لدعمه السياسى من أجل الوصول إلى السلطة ، أكثر منه إستجابة لمطالب شعب مصر الذى مازال يفتقد معظمه إلى أدنى مقومات الحياة الآدمية العادية } .

أما الحديث عن “إعادة تأهيل ” أجهزة الأمن خاصة وباقى أجهزة النظام الحيوية بشكل عام ، فتلك فى الحقيقة “إعادة ترقيع ” للنظام ومنحه فرصة للإستمرار بصحة وعافية لعدد من العقود تكفى لشطب مصر من خريطة المنطقة وإعادتها إلى ما قبل عصر الفرعون مينا الذى وحدها فى كيان سياسى واحد .

# يتوقع كثيرون فى مصر أن تأتى الثورة المضادة من أجهزة نظام مبارك خاصة وزارة الداخلية ومباحث أمن الدولة والحزب الوطنى ، ورجال الأعمال القذرة أصحاب المليارات الهاربة .
جميع تلك الأجهزة ينبغى تطهيرها وإعادة بنائها على أسس جديدة وفلسفة عمل مختلفة ، وبقيادة رجال الثورة وليس برجال العهد البائد رجال جميع العهود .
وأهم الأجهزة التى ينبغى تطهيرها ثم إعادة بنائها هو الجيش لأنه الدرع الواقى للوطن المصرى والمنوط به الدفاع عن ذلك البلد المهدد فى وجوده .
# والخشية الأكبر لا تأتى من بقايا رجال مبارك بل تأتى من “الثورة” نفسها ، فهى غير موحدة الرؤية وبدون قيادة ، وذات ميل “ترقيعى” لا يرقى حتى إلى درجة الإصلاح . ومصر فى حاجة إلى ثورة وتغيير شامل للبنيان القائم .
والرومانسية الكشفية فى قشريات جميلة ومطلوبة/مثل تنظيف الشوارع وطلاء الجدران/ تظل بعيدة جدا عن أدنى متطلبات الثورة ، وأشد بعدا عن الدور الجوهرى الذى لابد أن ينهض به شباب مصر لمدة طويلة قادمة من الزمن . وبغيرمجهود وحماس هؤلاء الشباب لا يمكن وصول مصر إلى مكانتها الطبيعية ، بل ولا حتى المحافظة على وجودها.

 6 ــ الشعب والجيش : من يحمى الآخر ؟؟

يقول معظم الثوار أن الجيش حماهم فى ميدان التحرير ، وأن الجيش أقنع مبارك بالرحيل ، وأن الجيش يتبنى ويحمى مطالب الثورة .
الجيش أصبح فعليا وصيا على الثورة بعد أن أعلن تبنى مطالبها ، وإستراح “قادة الثورة” إلى تلك الوضعية واكتفوا بالدور الذى أدمنوا عليه وهو المطالبة والتظاهر. فكانت العلاقة بين الجيش والثورة أقرب الى علاقة الأب القوى الحكيم “الجيش” مع الأبن النزق المشاغب “المتظاهرون” .

من الخطر أن يمسك مجموعة من الكشافه بثورة شعب هو الصانع الحقيقى للثورة وحامل أعبائها ودافع جميع فواتيرها كما دفع من قبل فواتير إنحراف الإنظمة التى فتكت به ودمرت بلاده . وإذا مرت الفرصة الثورية الراهنة ومناخها الذى مازال متحفزا، فقد لاينهض ذلك الشعب مرة أخرى أبدا ، لأن كيان مصر معرض لتفكيك نهائى وقريب . وذلك خطر جدى وحقيقى ولا مجال فيه للتهاون . هذا إن أردنا لهذا الوطن أن يبقى ويستمر خالدا لأبنائة وأمته وللدنيا كلها.

الثورة والجيش ، إذا أردنا أن نعرف من المدين للآخر فعلينا أن نعرف التالى :

أولا: أن الجيش هو المدين للثورة التى حررته من الذل والمهانة التى قذفه فيها مبارك والسادات من قبله. فى ظل نظام حول دور الجيش من حماية الوطن إلى حماية مصالح الأعداء فى وطن منعدم السيادة .

ثانيا: الجيش كان يعيش حالة تهميش كامل فى تركيبة النظام . بينما تولى الأمن الداخلى إدارة كل صغيرة وكبيرة فى البلد . وحاز أكبر نسبة من الميزانية وتعداد الجنود، فكانت أجهزة البطش الداخلى متفوقة عدديا على الجيش بثلاثة أضعاف على الأقل . ومنذ عهد السادات وإتفاقاته مع سرائيل بدأ يخشى من الجيش فوضع ثقل الدولة خلف أجهزة الأمن الداخلى خاصة جهاز أمن الدولة ، التابع مباشرة للرئيس.

ثالثا : المعونات الأمريكية للجيش كانت لتطويع وتكبيل الجيش وشراء ولائه وجعله تحت السيطرة الأمريكية . وذلك وضع مهين للغاية ، على الأقل بالنسبة لشباب الضباط ، وليس لكبار “الفرقاء” و”اللواءات ” الذين تأقلموا وقبضوا واستثمروا الوضع لصالحهم الشخصى .
ولذلك فإن الضباط فى الرتب الصغيرة والمتوسطة شعروا بالانتماء للثورة والفخر بها واستعدوا للتضحية من أجلها . ولكن الثورة خذلتهم لأن “الأفندية ” من الكشافة الجدد غاضبون جدا ولكن ليسوا ثائرين ، لهذا أسقطوا من حساباتهم القوة الحقيقية فى الجيش أى الجنود وشباب الضباط وحاولوا التودد والتملق إلى ” المشيرين و الفرقاء” العظماء أعمدة وحماة النظام .
الثورة أهملت جيش مصر الحقيقى ، كما أهملت عمال مصر ، ونسيت الثورة تماما أن فى مصر فلاحين يمثلون أكثر من نصف السكان ويعملون فى الزراعة التى هى قاعدة الإقتصاد بل قاعدة الإستقلال السياسى . بل هم القوة البشرية التى تمد البلد بالشباب العاملين فى كافة المجالات الدفاعية والأمنية وحتى التكنولوجية الراقية .
ـ أن موقف الجيش لا فضل فيه “للفرقاء” الكبار . لأنهم يعلمون أن الجيش مع الثورة ولو صدرت الأوامر إلى ذلك الجيش كى يستخدم القوة ضد الشعب ، فإنه قد يقتل عددا مساويا لما قتلته الشرطة ولكنه سوف يتفكك تماما بشكل تلقائى كما تفكك جهاز الأمن قبل قليل . وسيرجع أكثر الجنود إلى قراهم ، ومعهم السلاح الشخصى كما حدث فى هزيمة 67 ـ تاركين مخازن السلاح فى يد المتظاهرين وبه سيكونون مأهلين لتولى زمام كل شئ فى البلد ، من الدفاع إلى الأمن الداخلى إلى كل ما يعنية الحكم ، وتتحول الثورة إلى كل ما تعنيه الثورة الشعبية لشعب مجروح الكرامه يقاتل من أجل إستعادة بلده من غاصبيها فى الداخل والخارج .
إن ” فرقاء” الجيش لم يصدروا أمرا بإطلاق النار ليس حرصا على المتظاهرين بل حرصا على الجيش من أن ينحل ، بعد أن شاهدوا قوة وبأس الثوار وإصرارهم وتجاوب شباب الجيش معهم .

وعندما سلم الثوار زمام أمورهم إلى المجلس العسكرى فى لحظة ضعف وتخاذل تاريخية، تولى الجيش من لحظتها تطبيق استراتيجية مرنة وناعمة طويلة النفس لتصفية الثورة . فبدأ بإحتضانها ثم أنشب أنيابه فى عروقها يمتص دماءها قطرة قطرة باعثا النظام البائد خطوة خطوة.
والغالب هو أن ” فرقاء الجيش ” حددوا الفترة الإنتقالية لهدف حقيقى هو تصفية الثورة فعليا ، وفى نهايتها سيجد الشعب أنه أمام صوره معدلة من النظام السابق ، وشرعية برلمانية ودستورية جديدة لفترة لا نهائية من الإستبداد ، يكمل رسالته فى إنهاء مصر من الوجود لصالح إسرائيل . عندها لا أحد يستطيع ان يقدر كيف ستكون حالة الإحباط واليأس لدى الشعب . فمن سيكون المسؤول عن ذلك ؟؟ .
أخشى أن ميدان التحرير كان رمزا للثورة ، وأنه كان منبعثا للثورة المضادة التى يبدو أنها بدأت بالفعل صباح السبت 12فبراير ومن نفس الميدان الذى أمسك فيه الثوار بالمقشات متحولين إلى مجرد كناسين وصباغين لأرصفة الشوارع ، بدلا من أن يمسكوا بالسلطة لتنظيف البلد من النظام القائم وترسيخ شرعية ثورتهم الشعبية .

ـ إن الثورة أفادت الجيش أيضا من حيث أنها أعادت الإعتبار إليه ضمن بنيان النظام حين أثبت ” فرقاء” الجيش من خلال أحداث الثورة أنهم القوة التى حمت النظام وليس أجهزة الأمن التى دللها النظام وأغدق عليها منذ نهاية حرب 1973 وحتى اندلاع ثورة 25 يناير 2011 .
عند عودة النظام علنا مرة أخرى ـ إذا سارت الأمور على المنوال الراهن ـ فإن الجيش سيكون فى صدارة المشهد وليس جهاز أمن الدولة أو وزارة الداخلية .
وقد تعود مرة أخرى معادلة ” قائد الجيش + مدير المخابرات العامة ” كصيغة لحكم البلد كما كان الحال قبل هزيمة 1967 . أى نعود مرة أخرى إلى معادلة ” عبد الحكيم عامر + صلاح نصر ” . قد يكون معظم الشعب حاليا قد نسى أهوال تلك الفترة فلا بأس من أن يعيد إكتشافها طوال العقود العشرة القادمة .

الخلاصة هى :
1 ــ  أن الجيش لم يحم الثورة ولا الشعب بل حمى نفسه ومعه النظام .
2 ـ  أنه لا ثورة بدون سيطرة الثوار على السلطة السياسية .أما المطالبات والمظاهرات فهى بعض أساليب الثورة فإذا تحولت إلى هدف قائم بذاته وبرنامج عمل دائم ولم تنجح فى الوصول إلى عصيان مدنى كامل فإنها تتحول إلى أدوات لترقيع النظام عبر إصلاحات لاتطال جوهر المشاكل.
والدليل على ذلك أن الغاضبين فى التحرير رحبوا بأعتى ركائز النظام عندما عرضوا أنفسهم كبدائل من داخل النظام . رحبوا بعمر سليمان ثم رحبوا بشفيق ثم رحبوا بطنطاوى وجماعته وتركوهم يديرون الفتره الإنتقالية ويعبرون بالنظام “عاصفة المطالب الغاضبة ” ، ثم رحبوا بعصام شرف رئيسا للوزراء من داخل جيب النظام وهو الوزير السابق وعضو لجنة السياسات فى الحزب الوطنى . ثم رحبوا ” بالعيسوى بيه ” حسب أشعار أحمد فؤاد نجم ـ وزيرا للداخلية وهو نائب سابق لوزير الداخلية.
فـأى نوع من الثوار هؤلاء ؟؟ .
ومن سيثق فى هذه الثورة وهؤلاء الثوار وتلك القيادات إذا إرتطمت سفينة الثورة بصخور النظام فتشققت وغرقت وابتلعتها أمواج الإنتقام .

  7 ــ ثورة الشعب لا تعمل بالأزرار

هناك خطأ فادح آخر وقع فيه رموز الثورة الجديدة من شباب الإنترنيت ، وهو تصور ساد فى أوساطهم يقول بأن فى وسعهم إستدعاء الشعب فى أى وقت يشاؤون ويحشدونه فى الشوارع .
وكرر الكثير منهم قول ” نحن نراقب أداه الحكومة الإنتقالية والشارع موجود سنعود إليه فى أى وقت “.
ذلك وهم غير صحيح على إطلاقه ، كما أنه إدعاء لا يخلو من غرور . فقد يعود إلى ميدان التحرير عدة آلاف بدلا عن عدة ملايين . وفى الجمعه التالية لإنتصار 11 فبراير لم يبلغ الحشد مستواه السابق ، فضربهم الجيش بالعصى ليلا وطاردهم فى الشوارع المتفرعة من التحرير .
والمسأله هنا أنه حتى لوحشدوا ملايين فى التحرير فمن المشكوك فيه إمكانية إيصال
الحشد إلى عشرة ملايين يمسكون مرة أخرى بمصر ومدنها الرئيسية . فتلك فلتات تاريخية يصعب جدا تكرارها . إنها ذروة قوة الثورة التى كان يجب تتويجها بالإستيلاء على السلطة فى نفس الليلة وأن يشرق صباح السبت 12 فبراير ومصر يحكمها نظام ثورى جديد تمثله حكومة إختارها الثوار فى ميدان التحرير .
ولا أظن أن لوحة التشغيل لجهاز الكمبيوتر تمتلك تلك القدرة السحرية التى توهمها شباب ” الفيس بوك والتويتر ” .
أن لحظة الثورة التى تركوها تفلت من أيديهم تمت خلال تراكم طويل جدا ، ونتيجة لمجهود وتضحيات ملايين من أفراد الشعب العاديين ، من يمتلك منهم صوتا يتكلم به فى وسائل إعلام ، ومن لا يمتلك غير الدموع والدم المسفوك على أسفلت الشوارع وبلاط الزنازين .
الثورة لم يصنعها عباقرة على لوحات مفاتيح الإنترنيت ، قد يكونوا مساهمين فى تفجير الثورة فى لحظة تفجير مناسبة تماما ، وذلك يحسب لهم بلا شك ، ولكنهم لم يصنعوها ولا يمكن لهم ذلك مهما كان لديهم من مفاتيح تشغيل أو مواقع ” فيسبوك” فالتكنولوجيا لا تصنع ثورة بل هى أدوات تستخدمها الثورة .

 8 ــ   الربح بالنقاط أم بالضربة القاضية ؟؟

لقد سمعنا أقوالا كثيرة عجيبة من بعض من كانوا فى ميدان التحرير .
من تلك المقولات ” أن الثورة تكسب معركتها مع النظام بالنقاط بعكس الإنقلاب الذى يكسب بالضربة القاضية ” .
وذلك قول عجيب فعلا ، فالثورة لا تكسب إلا بالضربة القاضية ، وإن كانت عملية التغيير الثورى بطيئة نسبيا لأنها عميقة وتطال جذور المشاكل .
وثورة ميدان التحرير تخسر الآن بالنقاط أمام النظام الذى مازال قائما بكامل أجهزته رغم حالة دوار أو ترنح أصابت جهاز الأمن ، لكنه يستعيد عافيته ويتقدم بينما الثورة تتملق وتتراجع وتتوهم أنها قادرة على تكرار لحظة الذروة الثورية فى أى وقت يشاء القائمون على أجهزة الإنترنت . وذلك تاريخيا لم يحدث، ولا نقول أنه مستحيل فى حالة مصر تحديدا بل هو ممكن وإن بصعوبة شديدة ولكن ليس بهذه القيادات الكشفية

    والأزمة هى أزمة ثقة وإلا فإن ميدان التحرير فى ليل 11 فبراير كان زاخرا بالكفاءات القادرة على القيادة الناجحة . وحتى فى غير ميدان التحرير كان هناك قيادات تم تجاهلها وإبعادها عن الأضواء بالخطأ أو بالعمد أو بالسهو. قيادات فى الإسكندرية والسويس “تحديدا” وفى عموم مدن الدلتا والصعيد وسينا والواحات . أين كل هؤلاء ؟.. بل من هم ؟!. فأعمالهم واضحة وشخصياتهم مخفية عن الرأى العام .
مصر فى حاجة إلى ثورة حقيقية وليس ثورة كشفية لترقيع النظام وإعادة صياغته مرة أخرى من نفس المفرادات البشعة .

الفترة الإنتقالية المتأرجحة حاليا هى فترة مناسبة ولا شك لبناء” تنظيم ثورى” أو “حزب ثورى ” يتولى إفراز قيادة تستكمل مسيرة الثورة وعبور عنق الزجاجة الحالى .
ثم يتبنى الحزب مطالب الشعب ، وهى واضحة تماما الآن ، ويضم إليه عمال مصر النازفين والمهملين ، وفلاحى مصر المنسيين ، ومثقفى مصر الشرفاء، وعلماء الأزهر الشباب ممثلى الدين الحقيقيون ، وأقباط مصر الذين حموا إخوانهم المسلمين فى صلوات الجمعة فى ميدان التحرير . فذلك هو الشعب الجاهز لإكمال الثورة وتحقيق أهدافها كاملة .. ومهما كانت التضحيات .
ولكنه لا يسير أبدا خلف قيادات مجهولة ، ولا خلف مواقع للتواصل الإجتماعى ،ولا مهرجانات الإثارة الإعلامية والإعلانية التى تقيمها الفضائيات . فقط قدموا للشعب قيادات حقيقية وهو سيقدم لكم المعجزات .

9 ــ عن مباحث أمن الدولة

إقتحم شباب مصر مقار مباحث أمن الدولة الرئيسى فى مدينة نصر بالقاهرة ومقار أخرى فى الاسكندرية وباقى مدن الجمهورية .
فى النقاشات الدائرة حول مصير الجهاز تراوحت الآراء ما بين الحل الكامل للجهاز والإستغناء عن “خدماته !!” وصولا إلى آراء تنادى بالحفاظ عليه بعد إعادة تأهيله كى يتابع مهامة بدون إيذاء الشعب .
وهناك إجماع على ضرورة محاكمة كل من إرتكبوا جرائم من أفراد الجهاز طبقا للقانون وأمام قضاء مدنى .
ذلك الجهاز مارس إرهاب الدولة المنظم ضد جميع أفراد الشعب المصرى ، وله “الفضل” الأول فى تفجير الثورة الحالية ضد النظام .
ذلك الجهاز الذى أثار الرعب فى نفوس جميع أفراد الشعب وسلب منهم الكرامة والطمأنينة وأفقدهم الثقة فيما بينهم كأفراد ، وأفقدهم الثقة فى مؤسسات المجتمع المدنى التى إخترقها الجهاز وزرعها بعناصره ، بل واخترق جهاز القضاء وسيطر عليه تقريبا . مع كل ذلك لا أعلم أنه قد إنطلق صوتا واحدا فى مصر يطالب بإعتبار ذلك الجهاز منظمة إرهابية ، وأن يحاكم جميع أفراده المتعاونين معه ومموليه ومن أمدوه بالمعدات والخبرات والتدريب ، محاكمة كل هؤلاء بتهمة الإرهاب إضافة إلى الإتهامات المحددة لأى شخص منهم بإرتكاب جريمة تعذيب أو قتل أو تجسس .
لقد كان ذلك التنظيم الإرهابى هو المصدر الأول للعمليات الإرهابية والتفجيرات التى شهدتها مصر / كما إتضح من حادث كنيسة الاسكندرية / ولو أن وثائق جهاز أمن الدولة ظلت سليمة لظهر ما هو أكثر من ذلك .
وحتى أثناء فترة إنفجار الصراع المسلح بين النظام وبين الجماعات الإسلامية فى مصر كان للجهاز ـ وليس تلك الجماعات ـ اليد الطولى فى عمليات كبيرة أثارت الرأى العام ضد الجماعات بينما هى من أعمال ذلك الجهاز الرهيب .
# هذا الجهاز يجب محاكمة جميع عناصرة بإعتبارهم تنظيما إرهابيا وأن يوجه القضاء المصرى الإتهام إلى الدول التى دعمتهم فنيا واستخباريا ولوجيستيا على إعتبار أنها دول راعية للإرهاب ، وخصوصا الولايات المتحدة وإسرائيل ، وكل الدول التى أمدت الجهاز بأدوات التعذيب وبنادق القناصة والقنابل والرصاص والسيارات التى طحنت المتظاهرين فى شوارع القاهرة .
# مباحث أمن الدولة تنظيم إرهابى من الطراز الأول ، والدول التى ساندته هى دول راعية للإرهاب ينبغى مقاضاتها أمام المحاكم الدولية .

10 ــ ملاحظات غير متفائلة حول إقتحام مقار جهاز أمن الدولة

رئيس الوزراء الجديد “عصام شرف” رغم أنه قادم من داخل قبعة النظام السابق ، إلا أنه مارس سياسة “القتل بالعناق ” فذهب إلى ميدان التحريرمتملقا ثوار الميدان الذين قبلوا قدومة بترحاب وحملوه على الأكتاف “!!!” ، معتبرين قدومه إنتصارا لهم ونزولا على إرادتهم وإعترافا بأن ميدان التحرير أصبح مصدر الشرعية أو مصدر السلطات كما قال بعضهم .
هذا رائع لوكان حقيقيا . وحتى نتأكد من صحته يجب تنفيذ باقى مطالب الثورة فى توقيتها المحدد. فى مقدمة تلك المطالب يأتى حل جهاز أمن الدولة . وهو مطلب غاية الإلحاح ولا يبدو أحدا من الشعب مستعد للتنازل عنه . يعقب ذلك مطلبان آخران لا يقلان أهمية هما : الإفراج عن المعتقلين السياسين فى غضون شهر ورفع قانون الطوارئ.
ومن غير المفهوم سبب تأخر تنفيذ تلك المطالب حتى الآن . ولماذا مهملة شهر والأمر كله لا يحتاح إلا إلى قرار حكومى لا يستغرق دقائق من أجل إصداره ؟؟ .

ولكن مقار مباحث أمن الدولة بدأ اقتحامها بشكل جماعى فى أنحاء مصر منذ يوم السبت الخامس من مارس . وحسب بعض الوثائق التى تم الحصول عليها فإن الجهاز ظل يعمل بشكل طبيعى حتى يوم العاشر من فبراير أى قبل تنحى مبارك بيوم. ومنذ فترة طويلة كانت أخبار متفرقة تشير إلى عمليات إحراق للمستندات فى بعض مقرات الجهاز فى أنحاء مختلفة مصر . لقد كانت المهلة أكثر من كافية لتدمير أو إخفاء كافة الوثائق الهامة التى تدين الكبار فى جرائم من الحجم الثقيل ، وأيضا إحراق وثائق تثبت تعاون دول خارجية / تحديدا إسرائيل والولايات المتحدة / مع الجهاز فى تنفيذ سياساتها الأمنية داخل مصر .
ولأجل هذا قيل أن الولايات المتحدة أرسلت وزير دفاعها روبرت جيتس إلى القاهرة يوم الأحد “6 فبراير” فى أعقاب إقتحام الجمهور للمقر الرئيسى لمباحث أمن الدولة فى مدينة نصر ، وأنه جاء ليتأكد من أن ما تبقى من وثائق لن يطال سمعه بلاده ويضعها موضع إتهام شعبى فى مصر والعالم .

ـ ليس هذا فقط ، فمن المعتقد أن الجهاز ” نزل تحت الأرض ” طبقا لحظة طوارئ وأن فى مصر الآن تنظيما إرهابيا منظما يضم أكثر من 15 ألف إرهابى حكومى يعملون طبقا لبرنامج طوارئ تم تجهيزه سلفا ، مرتكزين على مقرات سرية وإسناد خارجى وداخلى من النظام القائم الذى رضى بمشاركة مؤقته مع الثائرين إلى أن تخمد روح الثورة فيهم ، فيبدأ النظام فى إستعاده مواقعة المفقودة واسترداد ما قدمه من تنازلات أو تفريغها من معناها .

ـ وربما عاد إلينا أحد كبار رموز النظام عبر الإنتخابات القادمة ويفوز فعلا فى إنتخابات حرة بعد أن يكون الشعب قد فقد الثقة فى ثورته وقياداتها الكثيرة البعيدة عن مشاكله الحقيقية ، وبعد فقدان الأمن ولقمة العيش يرجع الشعب طائعا مختارا إلى حظيرة النظام ، لاعنا اليوم الأسود الذى ثار فيه على نظام منحه الأمن والإستقرار ولقمة خبز . وبالفعل يمهد الإعلام الحكومى لتكون تلك النغمة مقبولة فى مرحلة قريبة قادمة ، وتحديدا مع دخول مرحلة الإنتخابات البرلمانية والرئاسية ، حيث من الأغلب أن يطل على الشعب رجلا قويا من رجال النظام السابق يتقدم كمنقذ للشعب من الفوضى وإختلال الأمن وتدهور الإقتصاد ، وليس هناك أنسب من رجل إسرائيل فى مصر ورئيس جهاز المخابرات ـ عمر سليمان ـ وربما نافسه “مشيرا” أو “فريقا” آخر حتى يكون أمام الشعب فرصا متنوعة للإختيار بين بدائل أحلاها حنظل. ولكن ليس من الحكمة أن يحتكر أصحاب الرتب الرفيعة المشهد الإنتخابى ، إذ لا بد من تزيين المائدة الإنتخابية ببعض الوجوه الماسخة التى لن يفكر أحد فى إنتخابها ، ومعها بعض الوجوه من معارضات أحزاب “الأنس السياسى” فى الفترة الماضية .

إختفاء جهاز أمن الدولة من الحياة العامة ـ قبل إقتحام المقرات ـ رافقة إرتفاع مستوى الجريمة فى الشوارع ، بل ومهاجمة المتظاهرين بالسلاح الأبيض ، وعشرات من صور الترويع الذى لا شك فى أنها جرائم منظمة تسعى إلى غاية واحدة وهى إعادة النظام السابق إلى الحياة تحت دعاوى الحاجة إلى الأمن والإستقرار وعودة الحياة المدنية إلى طبيعتها والناس إلى أعمالهم .
ثم ينعزل الناس عن الثوار ومطالبهم التى يشيع إعلام النظام أنها لا تنتهى وتعطل مسيرة الإقتصاد وتخل بالأمن العام . وطالما أن الموقف غير محسوم والمطالب مستمرة ولايكاد يتحقق منها شئ بشكل حقيقى ، ومعادلة المشاركة فى نظام واحد يجمع الأب القوى الحكيم والمراهق النزق تقول بأن حكمه الأب وقوته ستقهر ذلك الصبى ، خاصة وأن العائلة المصرية يتغير موقفها تدريجيا لصالح “الإستقرار” وإن على مضض ، تاركين الثورة بانتصارتها الجزئية مكتفين بما حصلوا عليه حتى الآن وهى مكتسبات خيالية قياسا بالوضع السابق ، متناسين أنها مكاسب قابلة للزوال إذا لم يحرسها نظام سياسى ثورى مستقر بمؤسسات شعبية وحكومية قوية ، وهو ما تعجز عنه الثورة حتى الآن ، أو أنه لا يخطر لها ببال.

  11 ــ خدعة الحريق .. أوهام الحكومة الدينية .. تحرير الأزهر

 يقال أنه بعد أن فرغ جهاز أمن الدوله من أحراق / وإخفاء / أهم مستنداته ، ترك نوعا من الوثائق يمس الحياة الخاصة والسياسية لشخصيات عامة وأحزاب .
وذلك ، حسب رأى معلقين ، سوف يغرق المجتمع بموجة من “النميمة” تصرفه عن البحث فى الجرائم الهامة لذلك الجهاز، وتصرف الإهتمام عن قضية الثورة ومطالبها بموجة من الإتهامات والشكوك والتشنيع المتبادل ، وإحياء ما طمرته الثورة من مشاكل وأحقاد داخلية بين الناس والفئات والأحزاب .

 # رافق ذلك وفى نفس الوقت إحياء الفتنة الطائفية وعودة إحراق الكنائس ، ومظاهرات قيل أنها “سلفية” تنادى بتحرير نساء أسلمن واحتجزتهن الكنيسة ، وهى قضية تفوح منها الرائحة النتنة لمباحث أمن الدولة . وليس السلفيون/ أو قطاع منهم/ هم فقط من يعملون ضمن مخطط أمن الدولة ، فى السابق وحاليا ، بل أن أكثر الأحزاب كانت كذلك ، لهذا بدأت حوارا الآن حول جنس الملائكة ، وهل هم من الذكران أم الإناث ، كما كان يفعل قساوسة بيزنطة وقت إقتحام الجيوش الإسلامية للمدينة . الآن الأحزاب تدفع بقوة إلى السطح مخاوف من الإخوان المسلمين على العملية الديموقراطية ، ومخاطر قيام حكومة دينية !!.
وهى معركة همية صنعتها أمريكا على هامش حربها على المسلمين بدعوى مكافحة الإرهاب ، وأمروا الحكام العرب وأجهزة أمن الدولة لديهم بترويج الأسطورة .
والمشكلة الحقيقية فى مصر ليست الحكومة الدينية / فذلك إفتراض خيالى يفتقد أى إمكانية للتنفيذ العملى لأسباب كثيرة ليس هنا موضع عرضها / ولكن المشكلة الحقيقية فى مصر وباقى بلاد العر ب تتمثل فى الإسلام الحكومى وليس الحكومة الإسلامية . فلابد من قطع يد الحكومات الممتدة إلى الإسلام لتحوله عبر جهاز أمن الدولة إلى أحد وسائل تدعيم النظام وقهر الشعوب .
القضية الإسلامية الأولى فى مصر / ليست إحياء فتنة أسيرات مفترضات / بل هى
تحرير الأزهر بشكل كامل من أى تدخل حكومى، وتحرير المساجد من التدخل الأمنى الذى حولها إلى أوكار تجسس على الناس . يجب إعادة جميع مساجد مصر إلى رعاية الأزهر. وتحرير الأوقاف الإسلامية التى سرقتها الدولة ، وإعادتها إلى الأزهر ، الحر والمستقل ، للسهر على رعايتها وإدارتها طبقا للغرض الشرعى الذى خصصت من أجله.

 # لا شك أن قادة الجيش كانوا متأكدين من أن حل جهاز أمن الدولة هو مطلب لن يتراجع عنه الشعب ، فمنحوا الجهاز فرصه للإنتقال إلى خطة الطوارئ ظهر منها حتى الآن محوران :
الأول ــ حرق / وإخفاء / المستندات ، وإزالة بصمات الجهاز والنظام عن الجرائم الكبرى ، تاركين وثائق “النميمة” و”الفتن الداخلية” يتلهى بها الناس .
والثانى ـ نزول الجهاز تحت الأرض لممارسة الدور الجديد فى ضرب الثورة والقضاء عليها طبقا لبرنامج واسع يضم مافيات النظام السياسية ( الحزب الوطنى وأحزاب المعارضة المتعاونة مع النظام وبعض القطاعات الدينية المتعاونة مع جهاز أمن الدولة ) والمافيات الإعلامية والمالية والإجرام الحكومى المنظم إضافة إلى نصف مليون بلطجى “قطاع خاص” يعرفهم الأمن ويستأجرهم فى مناسبات ومهمات مختلفة.
لقد سمح قادة الجيش للمتظاهرين بإقتحام مقار أمن الدوله بعد الفراغ من المحورين السابقين . ( قام الجيش بحماية مقر وزارة الداخلية وأطلق النار النار لترويع المحتشدين أمامها . فقال بعض المعلقين أن وثائق هامة لأمن الدولة مازالت محفوظة فى ذلك المبنى .. فلماذا يدافع عنها الجيش إذا لم تكن قيادات الجيش ترعى مؤامرة كبرى لعودة النظام إلى كامل سطوته السابقة ؟؟ ) .

وعليه يمكن إعتبار اقتحام مقرات أمن الدولة كمينا كبيرا أعده النظام وأوقع فيه الثورة وقدمه لها على أنه انتصار كبير وإنجاز ثورى لعله يقنعها بتناسى مطلب حل الجهاز ، وهو القرار الذى لم تصدره حكومة “شرف” حتى هذه اللحظة!!. وهى إن لم تفعل فى وقت قريب فستكون معرضة لأن يسلبها الشعب ذلك “الشرف” .

قد يصبح ذلك هو الواقع إذا تمتعت الثورة بالوعى الكافى . ولن تثبت الثورة أنها وصلت إلى مرحلة النضج والقدرة على قيادة مصر إلا بعد أن تجمع وتنظم حولها كل قوى الشعب ، وتقدم قيادتها إلى العلن ، وتفرض إرادتها كاملة على بقايا النظام بما فيها قيادات الجيش العليا، وتوثق علاقاتها مع قواعد الجيش ومراتبة الصغيرة والوسطى .

بقلم  :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
copyright@mustafahamed.com

المصدر  :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world