الشركات الأمنية في أفغانستان / الدولية منها والمحلية/ هي العنصر الأول للإخلال بالأمن في ذلك البلد، وتقول تقارير غربية أن وسط الجنود المرتزقة الأجانب جنودا مجهولي الهوية (وذلك تعبير جبان يخفون به حقيقة وجود مرتزقة إسرائيليون وعسكريون نظاميون من الجيش الإسرائيلي في أفغانستان للتنكيل بشعبها المسلم) هؤلاء هم “مجهولي الهوية” الذين يعملون لحساب شركات أمن أمريكية وبريطانية، حسب ما جاء في مقال للروسي فلاديمير سادافوى: (فإن هؤلاء بالتحديد يمارسون أبشع وسائل القتل والتنكيل بالمدنيين وعندما يشاهدهم الجنود النظاميون فإنهم يصابون بحالات نفسية تدفعهم إما لأن يفعلوا مثلهم أو يصابون بالانهيار
وكنتيجة لذلك وطبقا للوثائق المنشورة فمنذ دخول القوات الأجنبية إلى أفغانستان وحتى الآن فإن أكثر من 800 جندي أمريكي أقدموا على الانتحار نتيجة الانهيار العصبي من جراء ما يشاهدونه ويعانونه هناك).
الزعيم المصنوع لا ينبغي له أن يصمت أمام هذه الكارثة التي تعصف بأمن شعبه وهو يعرف تفاصيلها ويعرف الهوية الحقيقية للقائمين عليها.
فحاول الرئيس كرزاى تلميع صورته المشوهة أمام شعبه بأن يظهر بطولات لفظية للتصدي لذلك الخطر الداهم، فوقع في 17 أغسطس الماضي قرارا يمنع بموجبه 52 شركة أمنية خاصة من مزاولة نشاطها في أفغانستان بما في ذلك عملاق الإجرام الدولي شركة بلاك ووتر الأمريكية، والتي تحولت إلى اسم (إكس إى) حتى تتهرب من فضائح وجرائم بشعة ارتكبها بحق الشعب العراقي.
تلك الشركة أسست أكثر من 30 شركة حول العالم لتكون ستارا لها تعمل من خلفه، وتواصل نفس نشاطها القديم، وقد فازت الشركة منفردة بعقود قيمتها حوالي 600 مليون دولار منذ عام 2001 من البنتاجون والمخابرات المركزية، ولكن كرزاى يقول أن شركات المرتزقة وقعت مع الدوائر الأمريكية عقودا تفوق قيمتها 1,5 مليار دولار.
ولهذا السبب تحديدا لن تنجح أي محاولات لتحجيم دور شركات المرتزقة في أفغانستان أو العراق أو في أي مكان يذهب إليه الجيش أو المخابرات الأمريكية، لأن تلك الشركات أصبحت هي القوة الضارية الحقيقية وليس أجهزة الدولة الأمريكية من جيش واستخبارات، كما أن تلك الشركات مملوكة لأعمدة النظام المتحكم في الولايات المتحدة من جنرالات وكارتيلات ومافيات من كل نوع، لذا فهي تتمتع بالإسناد الكامل الذي يحميها ليس من أمثال كرزاى التافه بل حتى من الشعبي الأمريكي نفسه ومجالسه النيابية، ناهيك عن الإعلام الذي لم يعد حرا ولا مستقلا، والتحق إلى غير رجعه بجهاز الدولة تحت سيطرة الرأسمال البنكي، فكل أنهار المال المتدفق من وإلى وداخل الولايات المتحدة يصب في النهاية في بحيرة صهيونية واسعة لا قرار لها.
صناعة زعيم : # كرزاى صاحب الخبرة العميقة بالشأن الأمريكي الداخلي من خلال الفترة التي قضاها هناك كصاحب مطعم محترم، تجعله يدرك أنه لا يمكنه خوض معركة حقيقية ضد المرتزقة الأجانب ـ ولا حتى المحليين ـ وأنه فقط يصبغ وجه حكمة القبيح ببعض المساحيق التي لا تخدع أحدا.
ولكن الأمريكيون /حسب قولهم/ في حاجة ماسة إلى “زعيم وطني قوي” يتركون البلاد في عهدته قبل سحب قواتهم منها وإلا فإن “تضحيات” جنودهم هناك سوف تضيع هباء.
وليس أمامهم حتى الآن أفضل من كرزاى الذي استثمروا فيه مجهودا ضخما من أجل تصنيعه زعيما، وهم ما زلوا يواصلون تصنيعه حتى يلاءم المرحلة القادمة، مرحلة ما بعد الانسحاب.
ومن مجهودات التصنيع ذلك المجهود الهادف إلى جعل كرزاى يبدو أمام شعبه زعيما وطنيا قويا يدافع عن مصالح شعبه أمام الاحتلال وشركات المرتزقة ويجابه الفساد أحيانا، ولكن كل ذلك قد يقنع البعض في واشنطن ولكنه لا يقنع أحدا في أفغانستان.
فالتجارب اليومية جعلت الشعب يقتنع بعكس كل ذلك ويعتبر كرزاى ونظام حكمه مجرد ألعوبة في يد الأمريكيين كما كان زعماء كابل أيام الاحتلال السوفيتي.
حتى في واشنطن هناك من فقد الثقة في كرزاى ونظامه وحتى في مصير الحملة العسكرية الفاشلة على أفغانستان.
جاء في تقرير لصحيفة “وول سريت جورنال” الأمريكية وصف كرزاى بأنه شخص متقلب المزاج، عديم الثقة بنفسه، ويتعرض لنوبات عاطفية لا يكبحها إلا تدخل رئيس محطة الاستخبارات الأمريكية في كابل الذي يوصف بأنه “الغطاء الأمني للرئيس”.
ذلك الغطاء الأمني والانهماك في صناعة زعيم وطني قوي، أفسدت مجهودات أمريكية أخرى لتنظيف صورتها كصانع فساد في أفغانستان.
وكانت قد أنشأت هيئات مستقلة لمكافحة ما أسموه “الوسائل غير المشروعة”!! طبعا كان من المفروض أن يكون احتلال بلاد الآخرين على رأس تلك الوسائل غير المشروعة، ولكنهم اكتفوا بمعالجة المظاهر السطحية للفساد وليس سببه الأصلي.
وعندما حاولوا توقيف أحد مساعدي كرزاى الذي كان يقبض رشوة لتخليص أحد مهربي الأموال تدخل كرزاى شخصيا وأمر بالإفراج عنه.
لم يتصدى الأمريكيون لكرزاى لأن ذلك سيحطم صورته كزعيم قوى، كما أنه مهتز عصبيا ونفسيا وربما تهور وكشف من فضائح الاحتلال ما لا ينبغي كشفه، فتراجعت محاولات لجم الفساد وبقى الاحتلال وكرزاى والفساد.. ولكن إلى حين.
بقلم :مصطفي حامد ابو الوليد المصري
المصدر : موقع مجلة الصمود (امارة افغانستان الاسلامية) عدد 54
http://alsomod-iea.com/index.php