الولايات المتحدة في قبضة الجنرالات وحاخامات البنوك

*جنرالات أمريكا يسيطرون على أجهزة الاستخبارات
*والفاشية الجديدة تؤكد حكمها في الولايات المتحدة
بقلم  :
مصطفي حامد ابو الوليد المصري
المصدر  :
مجلة الصمود (عدد 50)
http://alsomod-iea.com/index.php

أستقر رأى أوباما أخيرا على تعيين الجنرال جيسى كلابر مديرا للمخابرات الوطنية ـ أى مديرا على رأس 16جهاز مخابرات في الدولة .

الرأي الأرجح هو ما يقوله البعض من أن ذلك يعنى أن الجيش زاد من إحكام سيطرته على الدولة ، بأن امتلك أجهزة المخابرات والعمل السري وما يتفرع عنها من مافيات إجرام منظم والتي تلتقي في نهاية تسلسلها القيادي عند أجهزة مخابرات الدولة في عمل متسق ضمن رؤية مصلحية وإستراتيجية واحدة .

ومعروف أن نقابة المافيات الأمريكية ومنظمات الجريمة المنظمة تمثل ثقلا اقتصاديا وسياسيا جوهريا داخل منظومة الحكم ، وتساهم في تنفيذ سياسات الدولة في الداخل والخارج  بدءا من اغتيال الرؤساء “كندى مثلا” إلى اغتيال مثقفين وناشطي منظمات مدنية.

أما في الخارج فالنشاط أكثر اتساعا يشمل ويطال المخدرات والنفط والتأثير السياسي والاقتصادي على دول ومنظمات خارجية .

في أفغانستان مثلا تعمل مافيا المخدرات الأمريكية وأحد يديها مع المخابرات المركزية واليد الأخرى مع البنتاجون.

والمصالح دائما متشابكة ومتحدة في غاياتها النهائية . ويمكن قول ذلك عن مافيا النفط أيضا.

المهم أن الجنرالات الآن يحكمون بشكل مطلق من خلف ستارة رقيقة ومعتمة قليلا هي أوباما والبيت الأبيض .

ويرى كثيرون أن أحداث 11 سبتمبر كانت في جوهرها انقلابا حقيقيا على ما تبقى من ديمقراطيتهم المزعومة في المجتمع الأمريكي، وأن سيطرة الجيش وأجهزة الاستخبارات صارت من يومها حقيقة غير قابلة للإنكار أو التغيير .
بل تم تعميم تلك الفاشية الجديدة على معظم دول العالم من خلال شعار “الحرب على الإرهاب ” وتم تشجيع تحول عالمي نحو الفاشية وقمع حريات الشعوب ، وفرض العولمة الاقتصادية ، أي تقنين وتنظيم نهب ثروات العالم لصالح عدد محدود من حاخامات البنوك الدوليين، فتحولت الكثير جدا من الحكومات إلى العمل كمجالس إدارات لشركات كانت فيما مضى تسمى دولا.

وتمت خصخصة الحكم والجيش والأمن والاقتصاد والثقافة وحتى الدين، ورأينا حكومات تحكم بلادها لمصلحة قوى خارجية في مقابل عمولات، وجيوش تتحول إلى قوات مرتزقة تقتل شعبها مقابل “أتعاب” معقولة أو عمولات مغرية ـ وأجهزة أمن تتعاون مع من يدفع أكثر ـ وهم في العادة حاخامات البنوك ـ ضد مصالح شعوبها وأمتها وشيء كان يسمى ” دينها ” .

أعطنى حريتك .. أعطك أمنا

أحداث سبتمبر بثت الرعب في أوساط الشعب الأمريكي “والعالم فيما بعد ” وأقنعت الجميع بأن الحكم الفاشي وهيمنة الاستخبارات على الحياة الشخصية والعامة إنما هو ضرورة لتأمين سلامة المواطنين وأمن الوطن .

أي مقايضة “الحرية بالأمن” . أي أنهم يقولون للمواطن الأمريكي : سنوفر لك الأمن ولكن في مقابل أن تتنازل لنا عن حريتك.

وقد تنازل لهم ذلك المواطن طوعا أو كرها أو خداعا عن حريته ولكن لم يحصل أبدا على الأمن، لأنه لو شعر بالأمن ليوم واحد فسوف يطالب باستعادة حريته ممن أخذوها، وذلك مستحيل بغير صراع مرير تراق فيه كثير من الدماء الأمريكية.

وهو صراع متوقع ونتائجه تكاد تكون محسومة، فالشعب لم يعد يمتلك مؤسساته  “المدنية ” التي يمكنها خوض ذلك الصراع لصالح شعبها، فالمرابون اشتروا القيادات وأتلفوا المؤسسات المدنية جميعا، أي بمعنى حديث (عولموها) .

وبينما الثروات تتراكم بصورة خرافية خاصة بعد الســــــطو على ثروات الشعب الأمريكي مؤخرا تحت ستار ” الأزمة المالية “، فما زالت السلطات تتراكم بشكل غير مسبوق منذ أحداث سبتمبر في أيدي القلة الفاشية المتحالفة مع حاخامات البنوك.
وهناك جيش وحرس وطني ومئات من شركات المرتزقة سفاكي الدماء “متعاقدون” يعملون ويقاتلون في سبيل الشيطان في معارك (الدم مقابل الدولار)، فذلك هو مقاتل عصر العولمة الذي يحارب اليوم في أفغانستان والعراق وفلسطين وأفريقيا وآسيا وجنوب أمريكا ووسطها .

والاحتمال ضعيف داخل الولايات المتحدة أن تتمكن مئات المنظمات الشعبية السرية المسلحة أن تتمكن من إعادة الموازين إلى اعتدالها، هذا إذا لم يساعد بعضها على تفاقم الأزمة بتحويل مسار الصراع نحو الأقليات المستضعفة في المجتمع من ملونين أو مسلمين، وحاخامات البنوك بارعون للغاية في هذه اللعبة، ونفذوها بنجاح في شتى البلدان وبين شتى الأديان .

الجيش يستولى على المخابرات

يقال هناك أن (كلابر) الجنرال المتقاعد ، هو خيار وزير الدفاع الحالي “روبرت جيتس  وأن “كلابر” هو رجل البنتاجون الذي جاء ليحقق سيطرة وزارة الدفاع على جميع مؤسسات الأمن في الدولة ، وتلك قوة رهيبة ومركزة بشكل لم يسبق له مثيل، بما يؤكد حكم الجنرالات للولايات المتحدة، وكانت ملامح الصراع الخفي تظهر أحيانا لمن أراد أن يدقق .

فكان واضحا بأن “البنتاجون” حارب بضراوة لوضع المخابرات في قبضته القوية ، فذلك يحقق له سيطرة محكمة على الداخل ، وحرية شبه مطلقه في الخارج ، وموقع تفاوضي أقوى مع حاخامات البنوك من أجل تحسين شروط عقد العمل معهم ، برفع الأتعاب والعلاوات والمكافئات ، وضمان وظائف ذات عائد مجز بعد الإحالة على التقاعد .
انتهى إذن الصراع الخفي بين المؤسسات الأمنية والعسكرية، لقد خسر المدير السابق لوكالة المخابرات الوطنية ” دنيس بلير” بعد أن خاض صراعا خفيا ضد محاولات إقصائه. وكان لابد في البداية من إظهار عدم كفاءته وبالتالي خطورة توليه ذلك المنصب الخطير لأنه سيعرض أمن الولايات المتحدة للخطر .

هناك صراع نصف خفي، يسهل نسبيا تغطيته، بين البنتاجون والمخابرات المركزية في أفغانستان (يضاف إلى صراع آخر بين CIA وبلير مدير الوكالة القومية للإستخبارات ) . تفاقم ذلك الصراع بعد عملية خوست الاستشهادية التي قالوا بأنهم فقدوا فيها 7 من عناصر (CIA) ويقول المجاهدون أنهم 12 عنصرا ـ تلك العملية تطايرت بعدها شرر الاتهامات .

إذ اتهم الجيش الاستخبارات المركزية بالتقصير وبأنها تعرقل عمله في أفغانستان وأنها تخلق ازدواجية في العمل ، وتؤدى عملها بدون كفاءة/ كلام كان المعنى به بلير تحديدا وليس جهاز (CIA) .

وظهر أن عملهم في خوست لم يقدم خدمة تذكر للمجهود العسكري، ولم تقتل الطائرات منزوعة الطيار أحدا من القيادات الكبيرة للقاعدة أو طالبان رغم ضرباتها التي أثارت الرأي العام القبلي على جانبي الحدود وزادت نيران الغضب تأججا بين القبائل واشتد الجهاد في كل مكان زارته تلك الطائرات .

ولما شعر بلير أنه أوشك أن يفقد منصبه الخطر زاد من مهام طائرات منزوعة الطيار في الاغتيال والتدمير في وزيرستان حتى تمكن من اغتيال الرجل الثالث في تنظيم القاعدة، وكأن رسالته للرئيس الأمريكى والبنتاجون تقول: (أعطونى المزيد من الوقت ، فعندي المزيد الذي يمكنني أن أحققه من خزينة الاستهدافات السرية)، وتم أيضا الإعلان عن قائمة إنجازات إستخبارية طموحة في وزيرستان بطائرات منزوعة الطيار فقالوا أنها قتلت 500 شخص خلال عامين ، أو850 شخص حسب وكالة رويترز ، منهم 14 من كبار كوادر القاعدة وتنظيمات أخرى حسب رأى بعض الخبراء .

ولكن ذلك لم ينقذ بلير من مكنسة البنتاجون التي أزالته بعد خدمة لم تتعد 16 شهرا فقط في منصبه الخطير، وأبعدته عن مكانته السامية ووضعت جنرالها المفضل ” كلابر ” الذي خدم 32 عاما في سلاح الطيران واختاره جيتس كما ذكرنا ليكون مستشارا أمنيا تحت إمرته في البنتاجون، لينتقل الآن بقرار من أوباما مديرا للوكالة القومية للاستخبارات، وكأن ذلك سينقذ الولايات المتحدة من شيء يصفونه بأنه إخفاقات في أجهزة الأمن ، ولكنه في الحقيقة إخفاق في هيكلية النظام السياسي الذي سيطر عليه الجنرالات بشكل شبه كامل ، لصالح حاخامات البنوك ، في إطار رؤية كونيه لفاشية جديدة تريد أن تعصف بأمن العالم واستقراره سعيا إلى سرقة كل ذرة من الذهب في يد أي فقير حول العالم .

يأتي استيلاء جنرالات البنتاجون على أجهزة الاستخبارات في الدولة كإجراء استباقي لاستقبال مرحلة من الهزائم العسكرية الأمريكية في الخارج خاصة في أفغانستان التي تشهد انكشافا خطيرا لقدرات الجيش الأمريكي قتاليا ومعنويا، واستهلاك غير مسبوق لميزانية وزارة الدفاع والدولة نفسها.

ولأول مرة يكتشف الجيش الأمريكي أنه بكافة قدراته التكنولوجية غير قادر على السيطرة على واحد من أفقر شعوب الأرض، وعاجز عن حيازة واحد من أكبر كنوز الأرض وهو أفيون أفغانستان ونفط آسيا الوسطى، أو استثمار موقعية جيواستراتيجة فريدة يوفرها ذلك الاحتلال للقوة الأمريكية في العالم .

خسارة ذلك كله لن تكون بلا تداعيات خطيرة في الخارج الدولي والداخل الأمريكي ـ بل أن صناعة السلاح الأمريكية ستنهار سمعتها في العالم وسوف تفقد ذلك الإقبال المفتعل على شراء أسلحتها المتطورة من جانب دول طموحة لديها قدرة مالية، أومن جانب دول ضعيفة لا تحتاج إلى تلك الأسلحة ولكن تشتريها لأسباب سياسية ونفسية .

ترافق ذلك الفشل العسكري في أفغانستان مع انهيار حقيقي في بنية الاقتصاد الأمريكي كانت من مظاهرة “الأزمة المالية” التي تم تصديرها دوليا في إطار العولمة لتصبح أزمة مالية واقتصادية عالمية، والتي كانت في الحقيقة نزحا لثروات الشعوب إلى خزائن البنوك الربوية العظمى وكبار “حاخامات” تلك البنوك .

وحتى أمريكا نفسها لن تحصل على الهواء اللازم لاستمرار معيشتها إلا طبقا لمصالح هؤلاء واحتياجاتهم ونظرتهم إلى العالم وفي ظل خطتهم لإدارة شئون البشرية .
البنتاجون بالتالي يعاني من ضيق ذات اليد لأن الدولة كلها تترنح تحت كوارث حقيقية هذه المرة ، مثل الكارثة البيئية المترتبة على التسرب النفطي في خليج المكسيك الذي وصف بأنه أسوأ كارثة بيئية تشهدها تلك البلاد منذ تأسيسها على جثث مئات الملايين من سكانها الأصليين ، وبؤس وشقاء مئات أخرى من العبيد المسلمين الذين تم استجلابهم من غرب أفريقيا لبناء اقتصاد الدولة الجديدة، التي منذ لحظتها الأولى بنت رفاهيتها على حساب حقوق الآخرين بل فوق جثث الآخرين وبسواعد الآخرين وعلى حساب حقوقهم الفطرية كبشر.

أوباما مجرد بوش بلون جديد

ومع استيلاء الجنرالات العاملين في خدمة حاخامات البنوك على مواقع القوة في الدولة الأمريكية والمتمثلة في الجيش والاستخبارات، يواصل أوباما إعادة طلاء سياسات “بوش” الفظة بأصباغ أكثر لمعانا مع الاحتفاظ بنفس المضمون العدواني.
فنراه يعلن عن إستراتيجية أمنية جديدة لبلاده “قبل تعيين كلابر” ويستبدل مصطلح الحرب على الإرهاب بمصطلح جديد هو “العمليات الخارجية الطارئة” بمعنى باستخدام القوات العسكرية في عمليات محدودة وسريعة في أنحاء العالم وحيث تقرر أن أمريكا هناك خطرا يهدد مصالحها، مع توصية خاصة بالشرق الأوسط والقرن الإفريقي”، بمعنى حقيقي واحد هو :

حماية إسرائيل الكبرى وسرقة مياه النيل وبيعها لإسرائيل وأوروبا في “مناقصة” دولية.
ـ ولكن الكارثة الإقتصادية تلقى بظلالها أيضا ، فيلوح أوباما باحتمال الانكفاء إلى الداخل ـ بالطبع في حالة العجز عن معالجة الأزمة كما هو متوقع (حيث أنها مرشحة للانفجار الحقيقي بعد موجة المسكنات المتمثلة في  طباعة ترليونات العملات الورقية غير المغطاة بغير الألوان التي طبعت بها) ـ فنراه يظهر الاهتمام بأمن المواطن الأمريكي مدعيا بأنه يأتي على رأس الاهتمامات الأمنية.

يصلح ذلك العذر كغطاء لانسحاب المجهود العدواني الأمريكي إلى الداخل نتيجة لنقص التمويل اللازم لشن حروب جديدة، وهذا ما عبر عنه وزير الدفاع جيتس بقوله بأن بلاده غير مستعدة لخوض حرب جديدة تكلفها مئة مليار دولار .

الأزمة الاقتصادية ربما تفرض مسارا إجباريا بالعزلة العدوانية على الولايات المتحدة كما لحلفائها الأوربيين المتأزمين اقتصاديا بحيث وقفت عدة دول أوروبية منهم دول رئيسية مثل فرنسا وإيطاليا وأسبانيا على حافة الانهيار المالي والاقتصادي سائرين على خطى اليونان، وعملة أوروبا الموحدة “اليورو” / كما هو الدولار/ أصبح قاربا ورقيا يوشك على الغرق بجميع ركابه.

وفي زيارته الأخيرة إلى كابول يتكلم وزير الدفاع البريطاني بكلام مشابه لكلام أوباما من أن بلاده تنوى مغادرة أفغانستان بأسرع ما يمكن لأنها ليست شرطة دولية، وأن مهام جيشها هو الحفاظ على أمن المدن البريطانية .

إذن اكتشفت بريطانيا بعد ضربات المجاهدين التي قصمت ظهرها في أرجاء هلمند الشاسعة من أن أمن لندن يبدأ من محطات المترو وينتهي عند قصر “باكينجهام ” .

الميت الأمريكي والوريث الصيني

#   ينادى وزير الدفاع الأمريكي جيتس ” بإعادة ترتيب الأولويات” في الإنفاق العسكري  ثم يطالب الجيش بخفض النفقات لمواجهة “الأوقات الصعبة” اقتصاديا، ويقول جيتس أن هدفه هو خفض النفقات العامة لوزارة الدفاع التي تقارب 550 مليار دولار 2% أو3% ابتدءا ، من عام 2012 لكن مراكز الأبحاث المتخصصة تقول إن الإنفاق العسكري الأمريكي بلغ 660 مليار دولار وأنه أكثر من ستة أضعاف الإنفاق العسكري للصين التي هي ثاني أكبر منفق على الدفاع، بينما تعداد سكان الصين يبلغ حوالي ستة أضعاف تعداد الولايات المتحدة.

ـ ذلك الإنفاق الباذخ على الدفاع في الولايات المتحدة لا يحقق مصالح تلك البلاد ، بل أنه يساهم في إضعافها بل وتحطيمها، فقد تعدى الدين القومي الأمريكي 13 ترليون دولار أو ما يعادل 90% من الناتج الوطني ، وذلك لأول مرة في التاريخ الأمريكي، وهى نسبة خطيرة جدا على اقتصاد البلد وبالتالي خطيرة جدا على استقراره الداخلي ومكانته الدولية، وذلك عنصر يؤثر بشدة على الأداء الأمريكي في أفغانستان أي أنه يؤثر على القرارات العسكرية هناك .

والتأثير هنا متبادل أي أن الفشل العسكري الأمريكي في أفغانستان يؤثر سلبا على الاقتصاد الأمريكي ويثقل كاهله بالأعباء الباهظة، إنهم الآن يمولون حربهم في أفغانستان بالقروض أي بأموال لا يمتلكونها في الحقيقة .

وهي نفس المعضلة التي أسقطت السوفييت ومحت دولتهم من خريطة العالم .. والسبب كان أفغانستان أيضا التي تفاعلت فيها الهزيمة العسكرية الثقيلة مع الأزمة الاقتصادية المزمنة والنتيجة كانت السقوط التام والخروج الأبدي من التاريخ .
#  ومع تلويحات جيتس بخفض النفقات العسكرية ابتداء من 2012 فإن بلاده رفعت إنفاقاتها العسكرية وحققت أكثر من نصف الزيادة العالمية في النفقات العسكرية التي حققت عام 2009 زيادة عالمية قدرها 9, 5 % مقارنة بالعام السابق له، وقد أنفق العالم على الدفاع في عام 2009 رقما تاريخيا قياسيا مقداره 1500 مليار دولار .
وترى الدول المنفقة بإفراط على جيوشها أن ذلك الإنفاق وسيلة للخروج من حالة الركود الاقتصادي، وتكون الحروب هي الخطوة التالية لتكديس السلاح، وهنا يأتي بعد الولايات المتحدة في مستوى الإنفاق العسكري كل من الصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا أي أن الصين هي الرقم الثاني في لائحة القوى العسكرية الصاعدة في العالم .
من هنا بدأ كثيرون في النظر بتوجس من توسع الأسطول الصيني في الحجم والتسليح والحركة في بحار العالم خاصة الممرات التجارية الحيوية، بصفته أداة حماية للصين كأكبر مستورد في العالم وثاني أكبر اقتصاد ، والعملاق القادم ليتربع على قمة الاقتصاد العالمي بعد عقدين من الزمن حسب تقديرات متفاوتة .

#   حركة الأسطول الصيني التي لم تعد خافية على أحد، ودفعت البعض إلى الاعتقاد بأن بناء الصين لميناء جوادر الباكستاني على أطراف المحيط الهندي لصالح قوات الاحتلال الأمريكي في أفغانستان كميناء إمداد رئيسي لتلك القوات بديلا عن ميناء كراتشي الباكستاني، إنما تخفي أطماعا بعيدة المدى واستعدادا لوراثة العرش الأمريكي في جوادر التي تعتبر مفتاحا إستراتيجيا بحريا للمنطقة ، وحتى منفذا بحريا لأفغانستان وكنوزها ، ونفط وسط آسيا وموقعا متحكما في مسار قوافل نفط الخليج. أي أن جوادر سوف تكون موقعا عالميا متحكما في خطوط نقل الطاقة.

وهناك إشارات إلى أن الصين تستعد لوراثة / ليس ميناء جوادر فقط / بل والدور الأمريكي في الخليج وآسيا الوسطى وممرات التجارة العالمية في شرق وجنوب آسيا وربما أبعد من ذلك .

قد يرى البعض ذلك الاحتمال مستبعد ولكن الصين التي تراقب الأوضاع بدقة تعرف أن الانهيار الأمريكي في أفغانستان وشيك ، وبالتالي الغياب الأمريكي عالميا على النمط السوفيتي هو الاحتمال الأرجح وبالتالي فإن التنين الصيني يرى نفسه الوريث الشرعي الأوحد لتركة الرجل الأمريكي المريض والذي أوشك على السقوط في أفغانستان والاحتضار فوق البر الأمريكي نفسه .

الاستيلاء على بيت المتوفى الأمريكي

#  ترث الإمبراطوريات بعضها بعضا على مدار التاريخ، وآخر وراثة كانت بعد الحرب العالمية الثانية عندما استولت الولايات المتحدة على الإرث الاستعماري لكل من بريطانيا وفرنسا .

وبعد الحرب الباردة استولت على الإرث الاستعماري للسوفييت، والآن ربما حان الوقت أن تسلم تلك الموروثات لغيرها ، وها هي الصين تتسلل بهدوء لاستلام ما يمكن استلامه من مواريث أمريكية في آسيا، ليس هذا فقط بل على البر الأمريكي نفسه حيث تتهيأ الصين لشراء الأصول الأمريكية الساقطة بأبخس الأسعار، وقد وضعت استثمارات ضخمة هناك قريبا من تركة المتوفي وعند مسقط رأسه .

فالصين في تبادل تجارى غير متكافئ مع الولايات المتحدة انتزعت أكثر من 196 مليار دولار في عام 2010 وترفض تعديل صرف عملتها اليوان حسب الطلب الأمريكي حتى تضمن قدرة تنافسية أعلى دوليا وحتى في السوق الأمريكي الداخلي.

وهى من فائضها التجاري الضخم تشترى سندات أمريكية بقيمة 800 مليار دولار، وتعتبر الصين بذلك من أكبر الدائنين الأجانب للولايات المتحدة، وذلك يتيح لها الحجز السريع على تركة الميت فور إعلان وفاته على الأرض الأمريكية، أي أن الولايات المتحدة بعد سقوطها القريب ربما تصبح مجرد مزرعة صينية.

ليس هذا فقط فالصين تمتلك القسم الأكبر في العالم من الاحتياط النقدي بالدولار، وهى بذلك تحافظ على الدولار من الانهيار، وأيضا يمكنها التسبب في انهياره إن هي أرادت ذلك، وذلك رهان ومقامرة لا تخلو من مجازفة لأن الصين نفسها قد تتعرض للغرق مع الولايات المتحدة إن حدث انهيار أمريكي اقتصادي يتضمن بالطبع سقوط الدولار كعملية لها قيمة، وذلك احتمال لا يمكن التغافل عنه، وربما غاب عن الحكمة الصينية أنه من الخطر الركوب في قارب ورقي مثقوب ومنهك ، قارب يسمى الدولار الأمريكي.

بقلم  :
مصطفي حامد ابو الوليد المصري
copyright@mustafahamed.com

المصدر  :
مجلة الصمود (عدد 50)
http://alsomod-iea.com/index.php