صفحات من التاريخ الأسود للولايات المتحدة الأمريكية (1)

عملية “الغابات الشمالية”
أميركا : إمبراطورية القتل والخداع وسياسة
تلفيق الذرائع من أجل العدوان وشن الحروب

بقلم  :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
المصدر  :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world

لا شئ يوقف الساسة الأمريكيين عن تحقيق أطماعهم فى بلاد الشعوب الآخرى . فإذا أرادوا إحتلال أرض أو إبتلاع ثروة أو القضاء على ثورة لشعب يريد الحرية . فإنهم يغلفون ذلك العنف الدموى والأطماع البشعة بغلاف أخلاقى يجعل حربهم العدوانية تبدو مشروعة ودفاعية .
لأجل ذلك لا يطلقون الأكاذيب فقط بل يفتعلون الأحداث التى يرونها ضرورية لتبرير العدوان وتجعل الشعب الأمريكى يؤيدهم فى ذلك بل ويطالبهم به أحيانا .
هذه الحروب الخارجية تسوقها الحكومة لشعبها على أنها حرب أخلاقية ودفاعية ، تهدف إلى صيانة حقوق مشروعة أو الذود عن كرامة وطنية جريحة أو إستعادة حقوق إغتصبها الغير ظلما وعدوانا .

تلك الحروب تجعل الإنفاق العسكرى الضخم على الجيوش أمرا له ما يبرره ، وتفيد أصحاب الصناعات بشكل عام وجنرالات المؤسسة العسكرية التى تزداد قوة ونفوذا على السياسة الداخلية وفى الخارج من حيث التأثير على الوضع الدولى برمته .

وذلك هو الإتحاد العسكرى الصناعى الذى حذر منه الرئيس الأمريكى الأسبق “دوايت إيزنهاور” فى أوائل خمسينات القرن الماضى ، وقال بأنه قد يشكل تهديدا على الديموقراطية الأمريكية . وهذا ما وقع الآن فى الولايات المتحدة منذ تولى جورج بوش الصغير زمام القيادة وإفساحه المجال على مصراعيه كى يقود ” المحافظون الجدد” الولايات المتحدة ويوجهون إقتصادها وسياستها الداخلية والخارجية على طراز تعلموه من أستاذهم النازى ” ليو شتراوس ” فى جامعة شيكاغوا .

(1)  حادثة بيرل هاربر
وهى الحادثة الأشهر من نوعها فى التاريخ الأمريكى والعالمى . والمبرر الذى لفقته الحكومة الأمريكية من أجل دخول الحرب العالمية الثانية . وكان الشعب الأمريكى عازفا عن التورط فيها نتيجة لتجربته فى الحرب العالمية الأولى. ولكن إتحاد الرأسماليين الصناعيين مع طبقة الجنرالات العسكريين كان لهم رأى آخر يرى ضرورة دخول الحرب لتحقيق منافع إقتصادية ضخمة .

وكانت العقبة هى إقناع الكونجرس الأمريكى والشعب بأن دخول الحرب يعتبر ضرورة لا محيص عنها للبلاد . فكان لابد من تدبير حادثة (بيرل هاربر) .
وتتلخص فى أن أمريكا حاصرت اليابان إقتصاديا ومنعت عنها الخامات الضرورية لصناعاتها وفى الأخير وصل الحظر إلى النفط .

وكان أمام اليابان طريقان: الأول هو الإستسلام للأمريكان بلا قيد أو شرط وتلبية كافة شروطهم . والثانى هو دخول الحرب ضدهم للحصول على إمكانية لتغيير المعادلات الدولية فى غرب المحيط الهادى وشرق آسيا .

وكانت الولايات المتحدة على ثقة من أن الحرب ستكون خيار الجنرالات اليابانيين وأن الأمبراطور سوف يرضخ لهم .

وقرر اليابانيون دخول الحرب عن طريق هجوم مفاجئ ـ وبدون إنذار مسبق ـ على الأسطول الأمريكى فى جزيرة بيرل هاربور .

المخابرات الأمريكية التى إستطاعت حل الشيفرة اليابانيه علمت بأمر الهجوم وأخطرت المسئولين، ووصل التحذير إلى الرئيس الأمريكى روزفلت . ولكن القرار كان هو ترك اليابان كى تنفذ ما تريد حتى تكتمل الذريعة المناسبة لشن الحرب . والإجراء الوحيد كان سحب حاملات الطائرات الحديثة من ميناء بيرل هاربور قبل بدء الهجوم اليابانى حتى تكون نواه لأسطول أمريكى جديد يدخل الحرب العالمية بما يليق بها من تكنولوجيا متطورة .

( 2 ) حادث خليج تونكين
ما قام به بوش وفريق النازيون الجدد الذين حوله فى أحداث 11 سبتمبر لم يكن إبتكارا جديدا بل هو مجرد رقم فى سلسلة طويلة من الإفتعال البشع لأحداث تبرر شن الحرب والعدوان على الأخرين وسرقة ثرواتهم .

وفى التاريخ الحديث يضرب المثل بحادثة ” خليج تونكين” حين إدعى الرئيس الأمريكى (ليندون جونسون) أن فيتنام الشمالية هاجمت سفنا أمريكية فى خليج تونكين، وكان الإدعاء كاذبا. وعلى هذا الأساس الكاذب حصل على تفويض من الكونجرس على شن الحرب على ذلك البلد . وهى الحرب التى قتل فيها عدة ملايين من فقراء فيتنام ومعهم عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين.

وأستمر التورط الأمريكى فيها مايقارب العشر سنوات . وصار يضرب المثل بتلك الحرب عند البرهنة عى قدرة الشعوب على الدفاع عن نفسها ضد قوة عظمى متجبرة . وقد تركت حرب فيتنام بصمات لا تمحى على الحياة الأمريكية كلها فى السياسة كما فى الحرب وحتى على الثقافه والرأى العام .

(3) عملية خليج الخنازير
تقول الوثائق الأمريكية أن الرئيس أيزنهاور أقر ماوصف بأنه ( برنامج عمل خفى ضد نظام كاسترو فى كوبا ، بهدف إستبداله بنظام آخر أكثر وفاء للمصالح الحيقية للشعب الكوبى وأكثر ملاءمة للولايات المتحدة ، وذلك عن طريق تطبيق أساليب تخفى التدخل الأمريكى ).

وقد بدأت عملية “خليج الخنازير” فى 17/4/ 1961 بمحاولة غزو قام بتنفيذها فريق من المنفيين الكوبيين يساندهم فريق من المرتزقة ونزلوا بقواتهم فى خليج الخنازير على الأرض الكوبية .

ولكن الحكومة الكوبية أكتشفت المحاولة مبكرا وتصدت لها على الفور مما أدى إلى فشلها . وكانت العملية غير محكمة السرية والأرجح أن أخبارها وصلت مبكرا إلى الحكومة الكوبية ، فتمكنت ليس فقط من إحباطها بل أيضا أسرت 1500 جندى من عناصرها .

الرئيس كنيدى أنكر علمه بالعملية ورفض إرسال الطيران لدعم المتورطين فى خليج الخنازير. وعزل مدير الإستخبارات ومساعده وآخرون ، وكلف مستشاره العسكرى بإجراء تحقيق داخلى . وأعطى ذلك الحادث إنطباعا بأن قادة الجيش حاولوا توريط الولايات المتحدة فى حرب مفتوحه ضد كوبا .

# لكن الجنرالات كانوا حانقين على الرئيس الجديد ” جون كنيدى” بسبب خذلانه لحمله خليج الخنازير وأعتبروه جبانا ، كما ألقوا باللائمة الموظفين المدنيين فى وكالة الاستخبارات المركزية وكونهم مسئولين عن سوء تخطيط العملية . هؤلاء المتطرفين من الجنرالات جهزوا خطة جديدة تعطى مبررات كافية للإدارة الأمريكية لأن تشن حربا مفتوحة على كوبا ، وأسمو هذه الخطة “االغابات الشمالية” أو (نورث وودز).

نوقشت الخطة لمدة ثلاث ساعات فى البنتاجون بتاريخ 13/ 3/ 1962 مع وزير الدفاع (ماك نمارا) الذى رفض المخطط ونشب خلاف بينه وبين الجنرال ” لمنيتزر” الذى أعد المشروع.

أمر لجنرال بتدمير وثائق المخطط بعد أن رفض. ولكن وزير الدفاع إحتفظ بنسخة لنفسه وهى التى ظهرت للرأى العام بعد حوالى ثلاث عقود من الإختفاء.

(4) عملية الغابات الشمالية ( نورث وودز)
وهى عملية ـ رغم أنها رفضت ولم تـنفذ ـ إلا أنها تعطى أدق تصور لما يمكن أن يصل إليه تفكير المؤسسة العسكرية الأمريكية فى مجال إفتعال الأحداث وتلفيق الذرائع من أجل شن الحروب . كما أنها تقرب كثيرا إلى الأذهان ما يمكن أن يكون عليه حال الترتيبات التى قادت إلى أحداث 11 سبتمبر 2001 .

وقد مضت هذه الخطة من أجل تبرير شن الحرب على كوبا. وظلت الخطة سرية وطى الكتمان إلى أن أمكن الحصول على تفاصيلها فى عام 1997 بحكم قانون “حرية الحصول على المعلومات” .

صقور هيئة الأركان الأمريكية أعدوا خطة “نورث وودز” بهدف إقناع الدول الغربية أساسا بأن الرئيس الكوبى “فيدل كاسترو” يمثل خطرا داهما على أمن شعوب الغرب ، بما يستدعى قيام الولايات المتحدة بالعمل العسكرى المباشر ضده ، بعد أن قام كاسترو بمهاجمتها بشكل جنونى وغير مسئول وعرض أمنها الوطنى للخطر وأعتدى على سلامة وحياة مواطنيها.

خمسة مقترحات واضحة فى خطة (نورث وودز) هى:
1ـ شن هجوم مسلح على قاعدة (جوانتانامو) فى كوبا . يقوم بالهجوم مرتزقة كوبيين بلباس قوات كاسترو ، فينفذون أعمال تخريب داخل القاعدة ويفجرون مخازن الذخيرة فتقع خسائر مادية وبشرية كبيرة .

2ـ تفجير سفينة أمريكية فى المياة الإقليمية الكوبية . تكون السفينة فى الحقيقة خالية وتدار عن بعد بأجهزة تحكم . ويجرى تفجير السفينة فى وقت تكون فيه سفن وطائرات كوبية موجودة فى المنطقة حتى ينسب إليها الهجوم . ويكون الإنفجار كبيرا بحيث يمكن مشاهدته من الشاطئ الكوبى فى هافانا أو سنتياجو حتى يكون هناك شهود عيان للحادث. وتجرى عمليات إنقاذ وهمية، وتنشر لائحة بالخسائر البشرية فى الصحف ، وتسير جنازات زائفة لإثارة عواطف النقمة والغضب .

وإختيرت السفينة من إجل إحياء ذكرى تاريخيه حين فجرت سفينه أمريكية فى المياه الكوبية وتدعى (مين) قتل فيها 267 شخصا، ولهذا السبب أعلنت أمريكا الحرب على أسبانيا التى كانت تحتل كوبا وإنتزعت منها الجزيرة وفرضت عليها الحماية الأمريكية .

3ـ شن حملته إرهاب على المنفيين الكوبين فى ميامى وفلوريدا وواشنطن بإستخدام متفجرات بلاستيكية . ثم القبض على عملاء لحكومة كوبا والحصول منهم على إعترفات ، ووثائق توزع على الصحف .

4ـ الوقيعة بين كوبا والدول المجاورة لها وإيهام تلك الدول بأنها تتعرض لخطر الإجتياح والغزو الكوبى . وتقوم طائرة كوبية مزيفة بقصف ليلى لدولة مجاورة لكوبا مثل الدومينيكان أو أى دولة آخرى وتستخدم فى القصف قنابل من صنع سوفيتى.

5ـ إثارة الرأى العام العالمى ضد كوبا عن طريق إسقاط طائرة ركاب مدنية تحمل شخصية أمريكية شهيرة هو (جون جلن ) كونه أول أمريكى يطوف حول مدار الأرض بالكامل .

وتمت دراسة متعمقة ودقيقة لموضوع الطائرة وصيغت كالتالى :
( من الممكن إختلاق حادث يثبت بصوره مقنعة أن طائرة كوبية هاجمت طائرة مدنية مستأجرة وهى فى طريقها من الولايات المتحدة إلى جمايكا أو جواتيمالا أو بنما أو فنزويلا وأسقطتها ) .

تقتضى الخطة أن يقوم 300 من الطلاب المتواطئين بإستئجار طائرة تمتلكها أحدى الشركات ، التى تمتلكها سرا وكالة المخابرات المركزية . وفوق سماء فلوريدا تلتقى تلك الطائرة بطائرة آخرى مشابهة لها ، ولكن خاليه من الركاب وتدار من بعد .

يعود الركاب المتواطئون إلى قاعدة تابعة لوكالة الإستخبارات المركزية أما الطائرة الآخرى فتكمل طريقها ثم تصدر إشارات خطر تدل على أنها تتعرض لهجوم جوى كوبى ثم تنفجر فى الجو . فى هذه الحالة سوف يصادق المراقبون للدولة الأجنبية على أن كاسترو إغتال 300 مواطن أمريكى . وقد قررت رئاسة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية أنه يمكن تضليل وسائل الإعلام بتقديم أقارب مزيفين للضحايا المزيفين .

# الرئيس جون كنيدى رفض خطة الغابات الشمالية (نورث وودز) ووصف الجنرال ” لمينيتزر” بأنه شخص هستيرى مناهض للشيوعية ومدعوم من شركات متعددة الجنسية عديمة الذمة.

وكانت مجموعة من تلك الشركات هى التى أقنعت الرئيس أيزنهاور الذى سبقه فى الحكم بأن ينتهج سياسة معادية لكوبا بهدف قلب نظام كاسترو .

من ضمن تلك الشركات كانت شركة النفط ستاندرد أويل ، وشركات جنرال موتورز، وجنرال إلكتريك، وشركات الفنادق شيراون وهيلتون ، وشركة الفواكه المتحدة “يونايتد فروت” وشركة “انديان كو” .

المهم أن كنيدى وقف بصلابة أمام الجنرال “لمينيتزر” وجماعته ورفض توجهاتهم بشن حرب أبادة ضد الشيوعية فى كوبا وفيتنام ولاوس. ويعتقد أن ذلك كان سبب إغتياله فى شهر نوفمبر من عام 1962 .

وفى عهد الرئيس فورد عام 1975 الذى خلف نيكسون كافأ أحد الجنرالات المخططين لمشروع (نورث وود) وهو اللواء ” وليام كرايج” فولاه منصب مدير وكالة الأمن القومى .

مشروع(نورث وودز) يثبت إستعداد صقور البنتاجون للتضحية بحياة المواطنين الأمريكيين فى سبيل خلق ذرائع للحروب تقنع الشعب الأمريكى بدعم حكومته فى مغامرات عدوانيه لا يمكن القبول بها فى الظروف العادية .

كما تثبت إستعداد جنرالات البنتاجون تهديد أمن دول العالم فى سبيل إجبارها على”الإقتناع” بضرورة ضرب دول بعينها ترغب أمريكا ـ ولأجل مصالها الأنانية ـ أن تسقط إنظمتها غير المرضى عنها وتستولى على ثروات شعوبها ، وتعين حكاما جددا خاضعين لواشنطن ويخدمون مصالح الشركات متعددة الجنسيات .
………………………………………..
المراجع :
كتاب : 11 سبتمبر 2001 : الخديعة المرعبة ـ للكاتب تيرى ميسان .
كتاب : ألغاز 11 /9 ـ للكاتب إيان هالشيل .

بقلم  :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
copyright@mustafahamed.com

المصدر  :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world