إختطاف ملا برادر : عملية إستخبارية ناجحة تتحول إلى فشل استراتيجى

0

 أهم قرارات مجلس الشورى العالى:
1 ـ فك الإرتباط بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة.
2 ـ منع العمل الجهادى من الإنحراف نحو الفتنة الطائفية كما حدث فى
العراق.
3 ـ منع القاعدة من نقل أخطائها فى العراق إلى أفغانستان.

المشروع الأمريكى الذى دعمته السعودية وباكستان كان يهدف إلى تحويل حركة طالبان والإمارة الإسلامية إلى رأس رمح لحرب طائفية تشعل المنطقة كلها، بداية من أفغانستان نفسها ثم إيران.

وفد الإمارة الذى ذهب إلى كويتا للتفاوض رفض العرض السعودى الأمريكى جملة وتفصيلا فاعتقله الأمن الباكستانى.

الإمارة الإسلامية تفتح باب تغيير المواقف والعودة إلى الحق أمام الجميع:
من الصين إلى تركيا ومن إيران إلى روسيا والهند.

إسرائيل تحشد قواتها فى قندهار عبر جسر جوى تمهيدا لمشاركة أمريكا وحلف الناتو فى الحملة القادمة على قندهار.
…………………………………………………………………………

إعتقلت السلطات الباكستانية فى 11 فبراير الماضى ، القائد البارز فى الإمارة الإسلامية الملا عبد الغنى برادر . وذلك قبل أيام من شروع القوات الأمريكية وحلفائها فى عملياتهم الكبرى على قرية مارجه بإقليم هلمند.
نفس عملية مارجه التى أحاطتها هالة إعلامية ضخمة كانت جزء من المسعى العنيف لدفع الإمارة الإسلامية إلى عقد صفقة تفاهم مع نظام كابول ، تضمن للولايات المتحدة دوام مكاسب الإحتلال بدون تكبد مغارمه التى تفرضها المقاومة المسلحة.
ظاهريا تبدو الولايات المتحدة وكأنها تعمل بتناغم مدهش بين ثلاث عناصر هى:

 القوة العسكرية ، والعمل الدبلوماسى ، والحرب النفسية .
وما زالت الولايات المتحدة تستخدم مصدر قوتها الرئيسى فى معالجة الأزمات وهو القدرة على عقد شبكة تحالفات سياسية تناسب طبيعة الأزمة . ويقوم كل تحالف جديد على مبدأ تبادل المصالح ( أو دفع الرشاوى المناسبة ) . وكما يقول الأمريكان فإن طبيعة المهمة هى التى تحدد نوع الحلفاء . فليس لديهم قائمة ثابته بأسماء الحلفاء المشاركين تلقائيا فى أى مهمة . لذا فقائمة الحلفاء فى الهجوم على أفغانستان هى غير تلك فى حالة العراق أو فلسطين أو اليمن أوالصومال ، وهكذا .

غير أن هناك أسماء تظل مشتركة فى كل تلك الكوارث أو معظمها لذا يكتسب هؤلاء صفة حليف استراتيجى بدون أن يعنى ذلك أنه حليف أبدى ـ فيما عدا إسرائيل فقط التى يسرى عليها قانون (الأبدية التحالفية) . لذا نرى إسمها ثابتا فى كل تلك الأزمات بما فيها الأزمة الأفغانية.

    قيمة إستثنائية
إعتقال الملا عبد الغنى برادر بواسطة السلطات الباكستانية قدم خدمة لبرنامج الولايات المتحدة بتشعباته المختلفة العسكرية والسياسية والحرب النفسية . ذلك أن أهمية ذلك القائد تطال تلك المجالات جميعها كونه القائد العسكرى للإمارة والرجل الثانى فيها وبالتالى يطال تأثيرة كافة فروع نشاط الإمارة ومجاهديها سواء فى التنظيم أو التمويل أو رسم الخطوط الإستراتيجية العامة للعمل العسكرى والسياسى والعلاقات الإقليمية والدولية .

ويتساءل كثيرون عن دور تلك الشخصية الكبيرة فى نشاط مجاهدى الإمارة الإسلامية ومقاومة الشعب الأفغانى ، وبالتالى تأثير فقدانه على الإمارة والحركة الجهادية المقاومة فى أفغانستان .
وللإجابة على ذلك السؤال نلقى الضوء على الخطوط الرئيسية لحجم ودور الملا عبد الغنى برادر فى مسيرة الجهاد الحالى فى أفغانستان :

#   يعتبر الرجل هو المسئول عن إعادة تنظيم حركة طالبان وإعادتها إلى العمل الجهادى المسلح ضد الإحتلال فى عام 2003.
ومعروف أن قوات الإمارة قد تبعثرت بعد صدمة الإحتلال الامريكى فى 2001 . وكانت مهمة إعادة التنظيم وبدء المقاومة الجهادية المسلحة عملا شاقاً خاصة مع تبعثر العناصر الفاعلة فيما بين داخل أفغانستان وبين مناطق القبائل الحدودية مع باكستان .

#   رسم إستراتيجية العمل العسكرى لم تكن أيضا بالعمل السهل . خاصة وأن الخصم هو الأقوى عسكريا وسياسيا وإقتصاديا فى العالم . بينما الشعب الأفغانى يخوض معركته وحيدا تماما بلا أى نصير أو متعاطف ما بين دول العالم ، القريب منها والبعيد.
فى هذه الحالة تكون القوة الإيمانية هى السلاح الحاسم والأوحد . يليها الإعتماد على الذات وقدرات الشعب نفسه فى تبنى فكرة الجهاد المسلح رغم تكلفته الباهظة فى الأرواح والأموال .

#   كانت الإمارة الإسلامية قد شكلت “مجلس شورى أعلى” ترأسه الملا برادر . هذا المجلس تبنى استراتيجية تنظيمية جديدة للمجالات العسكرية والسياسية .
فأصدر المجلس لائحة تنظيمية للعمل الجهادى كان لها أبلغ الأثر فى تفعيل العمل الجهادى وتجنيبه كافة المزالق التى واجهت الجهاد فى المرحلة السوفيتية . وكذلك المزالق التى واجهت العمل الجهادى المعاصر فى مناطق خارج أفغانستان خاصة فى العراق التى عصفت بجهاده الفتنة الطائفية فاستنزفت الطاقة الإسلامية لصالح إستقرار وبقاء المحتل وسلامة قواته ودوام مصالحه.
وأيضا الحالة الفلسطينية التى عصفت بها ظاهرة التدخل الخارجى من الدول (الشقيقة والصديقة ) فتناحرت التنظيمات ما بين موالى للإحتلال الصهيونى وبين موالى للحل الإسلامى الجهادى .

ـ وكان من أهم قرارات إعادة تنظيم الجهاد عسكريا وسياسيا وضع القواعد التنظيمية والعملية التى تمنع تحول العمل الجهادى فى أفغانستان إلى مسار الفتنة الطائفية فيما بين السنة والشيعة كماحصل فى العراق . وأسس لمنع إنتقال ذلك الأسلوب إلى أفغانستان .

 ـ كما منع الإضرار بالمدنيين عن عمد أو عن إهمال، وإصدر الأوامر بالتخلى عن العمليات العسكرية التى تضر بأرواح الناس أو ممتلكاتهم .

حتى أنه كان يصر في توجيهاته العسكرية للقادة الميدانيين ان يركزوا في توجيه ضرباتهم على إستهداف المحتلين دون عملائهم من جنود كرزاي، لأنه كان يرى أن العدو الأساسي هم المحتلون أماعملاؤهم فيأتون في درجة ثانية.

بل وحظر أى تصرف يضايق الأهالى ويوجد الفجوه بينهم وبين أبنائهم المجاهدين .
بهذا أصبحت الأرضية الداخلية ثابته وراسخة لتحمل أعباء الجهاد ومساندة المجاهدين فى ظل غياب الدعم الخارجى ، ومواجهة ما يشبه الحرب العالمية على شعب أفغانستان.

#   مجلس الشورى العالى برئاسة ملا برادر تصدى بعد ذلك لمهمة رسم سياسة التعامل مع الجوار الأفغانى ، وإمكان الحصول على دعمه . وكان ذلك مهمة مفصلية وحساسة . وهى التى أودت فى النهاية بالملا برادر على يد السلطات الباكستانية .

كان أقرب الحلفاء الى حركة طالبان والإمارة الإسلامية هم القبائل على الجانب الآخر من الحدود مع باكستان . فهناك الروابط الدينية والعرقية والتاريخية والسياسية . فالحقيقة هى أنهم جزء تاريخى من أفغانستان . وكانت تلك القبائل خزانا بشريا وماديا للمعونة فى أوقات الشدة ، وقد شارك الآلاف منهم فى الجهاد ضد السوفييت .
ولكن وصول الإمارة الإسلامية إلى هؤلاء واجهته عقبة النظام الباكستانى الذى ربط نفسه تماما بالبرنامج الأمريكى فى المنطقة.

وكان ذلك النظام شريكا ميدانيا فى الحرب ضد الإمارة الإسلامية . حتى وصل الأمر إلى إعلان حرب شاملة ضد تلك القبائل، ووضع الجزء الأهم من قوات الجيش والإستخبارات لتدمير البنيان الإقتصادى والإجتماعى والمؤسسات الدينية لها . وكان ذلك جزءا متمما للمجهود العسكرى الأمريكى داخل أفغانستان .
وقد ساهمت أمريكا فى تلك الحرب بالأموال والوسائل التكنولوجية فى مجال الإستخبارات، وعلى الأخص إستخدام الطائرات بدون طيار فى عمليات الإغتيال وتدمير المدارس الدينية والبنى الإقتصادية للقبائل فى برنامج تشرف عليه الإستخبارات الأمريكية المركزية (CIA ) .

القبائل الباكستانية بسبب الحرب الشرسة الدائرة فوق أراضيها لم يكن لديها الكثير كى تقدمه للمجاهدين فى أفغانستان فى قتالهم ضد الغزو الأمريكى الأوروبى . لكن حتى ذلك القليل كان مجاهدو أفغانستان فى أمس الحاجة إليه فى ظروف الحصار الدولى ، والحرب العالمية الدائرة على أرضهم .
الإتصال بقبائل الحدود ، وتنظيم عملية مساندتها للجهاد كان ضروريا ولكنه خطير للغاية فى ظل الحرب الباكستانية الأمريكية على قبائل الحدود والإمارة الاسلامية فى نفس الوقت .
لذا فقد دفع الكثيرون حياتهم أو حريتهم فى سبيل خلق الترابط بين الحركة الجهادية للقبائل وبين الحركة الجهادية للشعب الأفغانى بقيادة الإمارة الإسلامية .

وكان الملا عبد الغنى برادر واحدا من كثيرين دفعوا حريتهم ثمنا لذلك العمل الحيوى ، فسقط فى قبضة الأمن الباكستانى وحلفاؤه الأمريكيين .
وتتناقل مواقع الانترنت الباكستانية والغربية أن الحملة الأمنية الباكستانية تمكنت من الإيقاع بعدد من كبار مسئولى “مجلس الشورى العالى” للإمارة الذى يقول بعضهم أن عددهم 18 ـ وقد ألقت باكستان القبض على تسعة منهم ـ بينما مصادر أخرى تقول أن أعضاء المجلس هم 15 عضو ، إعتقلت باكستان سبعة منهم .
أيا كانت الأعداد أو دقة تلك الأخبار فجميعها تشير إلى حقيقة أن هناك حربا فعلية ضد العناصر القيادية للإمارة الإسلامية من المتواجدين فى مهام تنظيمية أو سياسية على أراضى القبائل فى الجانب الباكستانى .

#   إستراتيجية العلاقات الخارجية حددها ” مجلس الشورى العالى” برئاسة الملا عبد الغنى برادر ، وقام الرجل بنفسه بتنفيذ الأجزاء الهامة منها ومعه قادة آخرون .
كان شعب باكستان فى صدارة أولويات السياسة الخارجية للإمارة نظرا للإرتباط الوثيق بين أفغانستان والقبائل الحدودية ، ومن جهة أخرى ذلك الدور الخطير الذى قام به النظام الباكستانى كقوة ضاربة ضد الإمارة الإسلامية عسكريا وإستخباريا وأمنيا. وتعتبر مصادر الإمارة الإسلامية أن السلطات الباكستانية كانت طرفا فاعلا فى الميدان العسكرى فى إسقاط حكم الإمارة وفى سقوط آلاف الشهداء من حركة طالبان ومجاهدى الإمارة الإسلامية. حتى أن الملا داد الله قال فى أحد تصريحاته ( إن الضربة التى أخذناها من باكستان كانت أقوى من الضربة الأمريكية).

ورغم أن الإتفاق الأولى بين النظام الباكستانى والغزاة الأمريكيين كانت تحت مسمى “مكافحة الإرهاب” ولم تندرج حركة طالبان فى تلك القائمة، إلا أن السلطات الباكستانية إعتقلت سفير الإمارة الإسلامية وآخرين من حركة طالبان وسلمتهم إلى الأمريكيين.
ـ أدت السياسيات والتنظيمات الجديدة التى أقرها “مجلس الشورى العالى” إلى إنضمام الكثيرين إلى حركة طالبان فتوسعت الحركة الجهادية إلى مستوى الثورة الجهادية الشعبية التى تقودها الإمارة وكوادر حركة طالبان.

ـ ملا برادر بصفته الشخصية القيادية الأولى فى مجلس الشورى العالى كان المشرف الأول على تنفيذ السياسات الداخلية والخارجية، لذا كان مصنفا (غير مرغوب فيه) لدى السلطات الباكستانية. لهذا إنطلقت إشاعات مجهولة المصدر تقول بأن الملا برادر على صلة بتنظيمات إيرانية مسلحة تتبنى العداء للولايات المتحدة. ورافق ذلك تصريحات لمسئولين من حكومة كرزاى تقول بأن إيران تزود حركة طالبان بالأسلحة. ويضربون بذلك على وتر الحساسية العالية لدى باكستان وأمريكا من أى دور لإيران داخل أفغانستان.

ـ ولأجل التغطية على جريمتهم أطلقت مصادر باكستانية شائعة تقول بأنهم إعتقلوا ملا برادر لأن لديه نية للتصالح مع حكومة كرزاى. وهدف الإشاعة كان إحداث البلبلة والإنقسام فى صفوف المجاهدين الأفغان وحركة طالبان، ذلك أن الموقف المبدئى المتفق عليه داخل الحركة ومجاهديها هو رفض نظام كرزاى والإصرار على إنسحاب القوات المحتلة قبل أى بحث حول المواضيع الداخلية فى أفغانستان.

ورغم أن الإمارة الإسلامية لم توضح موقفها الرسمى من إعتقال الملا برادر وآخرين، ولا روايتها الرسمية لما حدث، وذلك مفهوم ومبرر نظرا للحساسية الفائقة لذلك الموضوع سواء بالنسبة للإمارة الإسلامية أو القبائل المجاهدة على جانبى الحدود أو الدول الكبرى فى الجوار الأفغانى المباشر أو حتى فى النطاق العربى المنغمس فى قضية أفغانستان متحالفا مع العدوان الأمريكى ضد شعب أفغانستان وجهاده .
والأرجح حتى الآن هو أن الرد الفعلى للإمارة الإسلامية سوف يكون عمليا على أرض المعارك الدائرة أو تلك القريبة الوقوع ، وذلك على إعتبار أن الوقائع على الأرض هى التى تفرض نفسها فى نهاية المطاف.
ومن المنطقى أن يكون جزء من ذلك الرد هو عبارة عن تغييرات عميقة وسريعة فى كافة المناحى التنظيمية فى الجبهات على إعتبار أن السلطات الباكستانية فى عمليات الإختطاف الأخيرة لابد أن تكون قد حصلت على الكثير من المعلومات الهامة ومررتها إلى الأمريكيين. وأيضا من أجل تفادى أى آثار سيئة لتلك الإعتقالات على مجرى المعارك الدائرة فى هلمند أو تلك التى يهدد بها العدو مدينة قندهار.
وبشكل عام فإن المعارك المتوقعة فى الربيع والصيف القادمين ستكون ذات أهمية بالغة فى تحديد مصير الصراع الدائر وتحديد شكل نهايته بطريقة لا لبس فيها.
ولأجل أهمية تلك المعارك كانت عمليات الإعتقال التى شنتها باكستان ضد قيادات الإمارة الإسلامية لصالح المحتل الأمريكى. وهى الإعتقالات التى لاينبغى مواجهتها فى المجال الإعلامى وحده.

ـ العمليات التى يشنها الأمريكيون والأوربيون فى هلمند. وتلك التى يجهزون لها ضد قندهار، والتى سيشارك فيها الإسرائيليون الذين بدأوا فى التوافد على قندهار فى طائراتهم العسكرية. وذلك يدل قطعا على الأهمية الفائقة التى يوليها الأعداء لعمليات قندهار وهلمند بشكل خاص، ومصير معركة أفغانستان بشكل عام.

   إغراءات أمريكية: برنامج للقتال الطائفى
ـ كانت تلك هى العصى الغليظة التى تهدد بها أمريكا الإمارة الإسلامية. أما الجزرة فهى الحل السياسى الذى تطرحة وتضغط لأجلة بمساعدة قوى إقليمية أهمها باكستان والسعودية. ذلك الحل يقوم على دمج حركة طالبان فى النظام القائم فى كابل.

وهو نفس الطرح القديم الذى قدمه الأمريكيون لحل مشكلة أفغانستان مع السوفييت وأسموه (الحكومة الموسعة) والتى نجح وزير الإستخبارات السعودى (تركى الفيصل) فى تشكيلها قبل ساعات من إنهيار النظام الشيوعى فى كابل ثم أرسلتها باكستان إلى هناك لتحكم بمشاركة شيوعية مستترة أدت فى النهاية إلى تخريب البلد.

باكستان والسعودية يعملان هذه المرة أيضا على تنفيذ نفس الخطة الأمريكية القديمة. والأمم المتحدة تشارك كما فعلت فى الماضى، وإن تغير إسم مندوبها الخاص فى أفغانستان فأصبح إسمه الآن (جاى آيده) ، ولكن المخطط مازال كما هو. أى حكومة مشتركة تستوعب قادة المجاهدين وتشارك فى تثبيت الإحتلال وتخريب البلد.

 والرشوة هذه المرة ليست المئة والخمسين مليون دولار النى دفعها تركى الفيصل رشوة لقادة الأحزاب فى بيشاور من أجل نيل موافقتهم ومساعدتهم فى تشكيل الحكومة، ولكنها هذه المرة مجرد رفع أسماء القادة المعتدلين من قوائم(الإرهاب) التى فرضتها أمريكا من خلال مجلس الأمن. بالطبع إلى جانب بعض المناصب الوزارية والإدارية فى حكومة كابل وذلك للزعماء، أما المجاهدين فلهم برنامج (للتأهيل المهنى)!!. وهكذا تنتهى المشكلة وتتوقف الحرب ويبقى الإحتلال.

ومن أجل إمتصاص الطاقة القتالية التوثبة لدى الشعب الأفغانى فقد أعد الأمريكيون لهم برنامجا قتاليا، ولكن مع الجيران وليس مع الإحتلال.
فهناك مسارب جديدة تعتمد فلسفة الحرب الطائفية الإستئصالية ضد الشيعة المتواجدين فى الداخل الأفغانى وفى الجوار الإيرانى. وهناك الدعم المالى والبشرى الجاهز دوما لهذه البرامج الطموحة. وبهذا تصل أفغانستان إلى الوضعية العراقية الحالية التى تؤمن لإسرائيل وأمريكا جميع فوائد الإحتلال العسكرى بدون أن تتعرض لدفع ضريبته. ويتلهى الأفغان كما يتلهى العراقيون بديموقراطية طائفية عشائرية تحت رعاية الإحتلال ، تلعق أصابعة وتسبح بحمده.

المطلوب من حركة طالبان فى ذلك البرنامج الذى من المفترض أن يكون مقر قيادته فى مدينة قندهار، وتديره نخبة أمريكية بريطانية إسرائيلية . أن تكون حركة طالبان رأس رمح يقود الأفغان / ليس فى حرب جهادية لتحرير الوطن الأفغانى/ بل يقودهم فى حرب طائفية ضد إيران والشيعة فى الداخل .

     الإقناع السعودى الباكستانى
# إقناع الإمارة الإسلامية بذلك البرنامج الطموح كان من واجبات أطراف إسلامية هى باكستان والسعودية.
وحسب موقع أنترنتى باكستانى قال الكاتب (أمير مير) أن مقرن بن عبد العزيز الأخ غير الشقيق للملك السعودى كان هو القوة المحركة للمشروع . وقام بمهمة دبلوماسية مكوكية بين السعودية وباكستان أدت فى النهاية إلى إقناع باكستان بتلبية الطلب الأمريكى بإلقاء القبض على وفد حركة طالبان الذى أبدى ممانعة كاملة للمشروع
الأمريكى جملة وتفصيلا خلال مباحثات جرت فى مدينة كويتا الباكستانية بدعوة تلقتها الإمارة الإسلامية من السعودية وباكستان ( حسب أمير مير).
وحسب معلومات تسربت من إجتماع كويتا فإن أحد القيادات الأفغانية رد بقوة على الأطروحات الباكستانية السعودية للحرب على إيران قائلا: ( لاننسى أن إيران رفضت المشاركة فى مؤتمر لندن وأن ذلك كان تصرفا عاقلا ومسئولا من جانبهم).
بعد فشل مباحثات كويتا غدر الباكستانيون بضيوفهم . ذلك رغم أن الإمارة الإسلامية لم تكشف رسميا، حتى الآن، عما حدث لقياداتها.

التأثيرات المتوقعة لإعتقال قادة طالبان
بلا شك أن إعتقال شخصية قيادية فى حجم الملا عبد الغنى برادر هو خسارة كبيرة للإمارة الإسلامية. ولكن حتى المصادر المعادية نفسها بدت متشككة فى كون ذلك يشكل ضربة قاضية للإمارة وقدرتها على الإدارة والسيطرة على مجريات الصراع مع قوات الإحتلال. وذلك حتى مع إفتراض صحة الإخبار التى لم تؤكدها الإمارة حول إعتقال باكستان لنصف أعضاء مجلس الشورى العالى.

 ـ ونظرا لدقة الظروف الحالية، وطريقة وملابسات عملية الإعتقال من حيث الزمان والمكان، ومستوى الشخص /أو الأشخاص/ الذين تم إعتقالهم ، فإن تأثيرات عميقة على المستوى السياسى مرشحة للحدوث.
أما على المستوى العسكرى فلن يكون هناك أى تأثير يذكر. فالقيادات العسكرية فى الميدان مازالت سليمة وفعالة وتطبق استراتيجية ثابتة سواء على المستوى المحلى أو على مستوى البلد كلها. وقد أخذ العمل العسكرى صبغة مؤسساتية منذ بدايته عام 2003 وقد ترسخ ذلك الأسلوب تحت أقسى ظروف الحرب، حتى أن غياب الملا عبد الغنى برادر او أى شخصية أخرى كبيرة لن يؤثر فى مجرى العمليات.

وقد حدث وغابت شخصيات قيادية كبيرة / من وزن ملا داد الله ، والقائد الشهير اختر محمد عثماني الذي قتل 24/12/2006 في ولاية هلمند بقصف أميركي ومعلومات إستخباراية باكستانية . كل ذلك لم يؤثر بشئ فى مسار المعركة ولم يؤثر ذلك سلبا، بل العكس هو الصحيح، إذ كان العمل العسكرى يرتقى بإستمرار كما ونوعا.

 وجميع السوابق التاريخية الكثيرة تشير إلى أن حركة طالبان كلما خسرت عنصرا قياديا حل محله العشرات من العناصر القيايدية الأكثر كفاءة ومقدرة.
والأمثلة على ذلك تفوق الحصر وأثبتت الحركة بذلك حيوية ومقدرة غير عادية على إمتصاص مثل تلك الصدمات والخسائر.

دليل إضافى على تلك المقدرة غير العادية هو أن أكثر القادة الميدانيين الحاليين ممن يشتكى منهم الإحتلال هم من الأجيال الجديدة من الشباب الذين لم يسمع بهم أحد من قبل من أمثال سراج الدين حقانى الذى تعتبره القوات الغربية من أخطر أعدائها فى السنوات الأخيرة، وغيرة كثيرون جدا. فالشخصيات الكبيرة القديمة بدأت تجنح أكثر إلى جانب التخطيط والإشراف وتربية الأجيال الجديدة من القيادات العسكرية.

 ويمكن القول أن ما حدث لقيادات مجلس الشورى العالى رغم مرارته فإنه سيؤدى إلى فسح المجال أكثر لظهور قيادات أكثر شبابا بل وأكثر جرأة فى طرح الأفكار الثورية الجديدة فى المجالات العسكرية والسياسة. لذا فإن الكثير من المسلمات السياسية القديمة ستكون عرضة أكثر للنقاش والتغيير. ويدل على ذلك أحد الأدبيات الجهادية الأخيرة تعليقا على الإعتقالات الأخيرة إذ يقول:

 (أن طالبان الذين شاهدوا أعمالا كثيرة كهذه من طرف الباكستانيين هل سينخدعون منهم مرة أخرى ؟؟).

ومن المؤكد أن أيه ضمانات باكستانية أو سعودية لن تصبح موثوقة. وأى مكان فى باكستان لن يعتبر آمنا لطالبان. وأن الأرض الأفغانية المحررة هى المكان الوحيد الآمن لقيادات الجهاد ومجالسهم المتخصصة، كما أنها المكان الوحيد المناسب لإجراء أى مباحثات سياسية فى المستقبل.

 تفكك التحالف الغربى
الطرف الأمريكى المحتل هو الأشد إحتياجا لتلك المباحثات السياسية، لأن موقفة العسكرى سئ وزيادة قواته على الأرض لا تعنى سوى زيادة خسائره البشرية والإنهيار النفسى بين جنوده وزيادة تردى وضعه المالى والإقتصادى . كما أن أقرب حلفائه الأوربيين بدأوا يتملصون ويبحثون لأنفسهم على أقرب طريق للفرار من أفغانستان، بما فى ذلك الحليف البريطانى الذى صرح أحد زعماء حزب المحافظين فيه أن بريطانيا لن تصبح عبدا للأمريكيين. مشيرا إلى ضرورة مراجعة السياسات البريطانية بعيدا عن السيطرة الأمريكية. وأوروبا كلها منهكة بفعل الأزمة الإقتصادية التى تتصدع تحت وطأتها دولا مثل أسبانيا والبرتغال واليونان ، بل وتترنح العملة الأوربية وحتى الإسترلينى فى بريطانيا التى هى الحليف الأقرب للأمريكيين وعميلهم الأكبر على البر الأوروبى، الذى بدأت تنتعش عليه من جديد وبفعل الأزمة الإقتصادية دعوات الفاشية والنازية.

# والحشد الإسرائيلى الجارى حاليا فى قندهار لن يكون هو طوق النجاة للأمريكيين.
بل العكس، سيكون معجلا لفشلهم وهزيمتهم فهو جيش محطم لم يحصد سوى الفشل المهين فى سنواته الأخيرة أمام قوى إسلامية فى لبنان وغزة التى هى أصغر بكثير من المقاومة الجهادية فى أفغانستان. و المقاومة الإسلامية فى غزة التى تعانى من حالة حصار أشد وأقسى من الحصار المفروض على مجاهدى أفغانستان ومع ذلك حقق مجاهدوها صمودا أسطوريا جمد الآلة العسكرية اليهودية ومنعها من تحقيق أى نصر حاسم.

تغيير المواقف
المطلوب الآن من أى طرف يريد أن يعمل على إيقاف الحرب فى أفغانستان، أن يعمل على تحقيق إنسحاب سريع للمعتدين، ثم التعاون مع الإمارة الإسلامية ودعمها بكافة أشكال الدعم الممكنة. وما سوى ذلك ستكون المواقف مجرد خداع. والمؤمن لايلدغ من جحر واحد أكثر من مرة.

إن الإمارة الإسلامية ومجاهديها هم الجواد الرابح القادم إلى ساحة أفغانستان والمنطقة.
فهذا هو رئيس سابق للمخابرات الباكستانية ينصح حكومة بلاده أن لاتربط نفسها بنظام كرزاى الخاسر أو المحتلين الذين مصيرهم إلى زوال من أفغانستان.

وسياسة الإمارة الإسلامية تنادى بحسن الجوار مع الجميع ، لذا فهى تترك الباب مفتوحا
أمام جميع الأطراف لتغيير مواقفهم وفتح صفحة جديدة مع شعب افغانستان وإمارته الإسلامية. ولا شك أن أى تغير إيجابى وعملى فى موقف أى طرف إقليمى أو دولى سوف يقابله تغير إيجاببى من طرف الإمارة الإسلامية.
إن باب تغيير المواقف وتطويرها إلى الأحسن مفتوح للجميع ومع الجميع، من الصين إلى تركيا ومن إيران إلى روسيا والهند.ومن باب أولى الجارة الأقرب باكستان، وذلك فى أى وقت تغير فيه نهجها السياسى الحالى بشكل جدى.
أما العلاقة مع الشعوب فهى شئ آخر. فلم يحدث أبدا أن تغيرت، ولا يمكن أن تتغير. فالإمارة الإسلامية ترى أن المنطقة هى مجتمع بشرى واحد مترابط المصالح بصرف النظر عن توجهات الأنظمة المختلفة. وجميع شعوب المنطقة ترى مصالحها فى إخراج جيوش الإحتلال الأجنبية من المنطقة، وتحقيق السلام على أساس من العدل والتعامل المتكافئ بين الدول.

 إختطاف أم تحول جيوسياسى؟؟
يمكن النظر إذن إلى عملية إختطاف الملا عبد الغنى برادر على أنها علامة فارقة تعلن الفشل الذى واجه مشرع جيوسياسى صممته أمريكا لإختطاف حركة طالبان والإمارة الإسلامية وتحويلهما إلى أداة لخدمة الأهداف الأمريكية فى المنطقة. أهداف إقتصادية خاصة بالأفيون والنفط . وأهداف جيوسياسية تتعلق بتوطين حرب طائفية طويلة المدى بين السنة والشيعة ربما تغطى ما تبقى من الألفية الثالثة، وتجذب إليها معظم دول المنطقة بشكل أو آخر.

لقد أسست إسرائيل والولايات المتحدة لحرب طائفية ناجحة فى العراق، أدت حتى الآن معظم ماهو مطلوب منها. فنقلوا التجربة إلى اليمن، وما زالت تحبو هناك رغم سنواتها العجاف الأربع. ولكن حربا طائفية يرتكز فيها السنة على أفغانستان العنيفة، ويرتكز فيها الشيعة على إيران العنيدة، لهى حرب لايمكن السيطرة على مداها الزمنى ولا مداها العنفى. وخلال سنوات قليلة قد تكتسح العالم الإسلامى كله برعاية إسرائيلية أمريكية.

بهذا يمكن إعتبار عملية الإختطاف إشارة إلى فشل المشروع الأمريكى الإسرائيلى بإحراق المنطقة بأيدى طاقاتها الإسلامية المجاهدة. وهى عملية دشنت فى نفس الوقت بداية تحول حقيقى فى خريطة التحالفات الإقليمية بما ينبئ بواقع جيوسياسى جديد آخذ فى التشكل، ولن يكون فى صالح القوى المحتلة والدخيلة على المنطقة بدءا من أمريكا وإسرائيل وإنتهاء بالملحقات الطفيلية الأخرى.

وربما تصبح عملية إختطاف الملا عبد الغنى برادر من العمليات القليلة فى التاريخ التى تتحول من عملية إختطاف ناجحة إلى إنقلاب جيوسياسى عميق قد يمتد تأثيرة ليشمل المنطقة كلها والعالم.

بقلم :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)
copyright@mustafahamed.com

المصدر  :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا