أوباما : نصف إستراتيجية مـن أجـل هـزيـمـة كـاملـة

ــ قرار أمريكى هزيل فرضته أزمات غير قابلة للحل.
ــ أسماء كبيرة بلا مسميات، وضياع المبادرة الميدانية إلى غير رجعة.
ــ ديموقاطية الحروب والأكاذيب الكبيرة فى الطريق إلى الفناء.

بقلم :
مصطفي حامد ابو الوليد المصري
المصدر  :
موقع مجلة الصمود (إمارة أفغانستان الإسلامية) عدد 43
http://124.217.252.55/~alsomo2

رغم التصريحات العنترية التى يطلقها مسؤولون كبار فى الولايات المتحدة وبريطانيا حول حربهم فى أفغانستان، إلا أنها لم تنجح فى إخفاء حالة الإحباط واليأس التى تحيط بهم.

ولا يشك أحد فى أنهم قد خسروا الحرب بالفعل. وأن البحث الحقيقى الآن هو عن مخرج مشرف لا يظهر الفضيحة ولا يشمت الأعداء، أو يهتز البناء فيتساقط  فى إنهيار على الطريقة السوفيتية.

أمام العدو الأمريكى عدة مراهنات خاسرة لكنه مضطر إلى أن يواصل مقامراته حتى النهاية. فهو يخشى أن يضطر إلى مغادرة أفغانستان فجأة بدون سابق إنذار تاركا كل شئ وراء ظهره، على الطريقة الإسرائيلية فى جنوب لبنان.

ضغوط من كل نوع

الرئيس الأمريكى واقع تحت ضغوط عديدة. بل وهو فى موقع الرئاسة يعانى من وضع لايحسد عليه. ولم يكن أحد غيره يتمنى أن يحتل موقع الرئاسة فى هذا الوقت تحديدا.
ونظن أن منافسيه ساهموا فى خداعة إلى أن ورطوه بالفوز مستغلين سذاجته المفرطة. فكان هو رئيس أمريكا غير الأبيض عند حلول نهاية أمريكا السوداء، ورحيلها عن قمة العالم إلى موقع ما، قريب من القاع.

فأى مكانة تاريخية سامية دفعه إليها منافسوه الخبثاء؟؟.

أكبر الضغوط على أوباما وإدارته هو المقاومة الجهادية العنيفة لقوات الإحتلال فى أفغانستان. وكون تلك المقاومة هى الأكبر حجما والأكثر تنظيما فى تاريخ المسلمين الحديث. وذلك رغماعن كونها من أكبر الحركات الجهادية التى حوصرت بوحشية وتعرضت لكمية كبيرة من الخيانات من أطراف وإتجاهات شتى إتفقت على الغدر بها . وذلك بدرجة أكبر من حيث المدى والحجم من باقى الحركات الجهادية التى تتعرض الآن/ ودوما / لنفس المعاملة من القريب والبعيد.

ولكن ذلك، وبشكل لم يتوقعه مصمموا عملية الحصار، أدى إلى إلتفاف شعبى كبير حول الإمارة الإسلامية وقيادتها. التى أثبتت قدرة كبيرة على التنظيم والقيادة والسيطرة على قواتها وإقامة إدارات فعالة وشعبية فى المناطق المحررة من البلاد، والتى يعترف العدو أنها ثلاثة أرباع أفغانستان.

ذلك التأييد الشعبى أغلق فى وجه الأمريكيين أحد أكبر مقامراتهم لإتلاف إنتصار الإمارة وجعله منقوصا .

خدعة الإنتخابات

كانوا يطمعون فى إجراء إنتخابات عامة تحت إشراف دولى تعقب الإنسحاب، من أجل تحديد من يحكم أفغانستان. وتلك خدعة مكشوفة. فالكل يعرف مدى قدرة تلك النكتة السخيفة المسماة بالمجتمع الدولى، أو ذلك الوهم المسمى بالأمم المتحدة، على إدارة إنتخابات حرة ونزيهة. وفى إنتخابات كرزاى فى الصيف الماضى درس بليغ وعبرة يدركها حتى الأغبياء والمجانين. فهؤلاء القوم لانزاهة لديهم ولا حياد، بل غش وتزوير.

يريدون إنتخابات دولية تأتى برجالهم مرة أخرى ويعترف بهم العالم فورا ويرفضهم مجاهدون ويقبلهم آخرون فينقسم الصف الجهادى وتنشب حرب أهلية عقيمة تكون أشد تدميرا من الحرب الأمريكية، ولكن مع فارق أنها لن تكلف الأمريكيين سوى بعض الإمداد بالأسلحة والأموال لأعوانهم، أما الدماء كلها فستكون أفغانية.

الإنتخابات من أجل تقرير المصير وإختيار من يحكم فى أعقاب الإنسحاب خدعة حاولها السوفييت ورفضها المجاهدون. فالجهاد فى حقيقته هو تصويت بالطلقة والدم من أجل إقامة نظام حكم إسلامى. والإمارة الإسلامية هى القائد والحاكم الفعلى لذلك الجهاد وللنظام المنشود والذى كان قائما بالفعل قبل العدوان.

نجاح المقاومة الجهادية يعنى تلقائيا أنها حازت على ثقة ودعم الشعب. وأنها هى الجهة الجديرة بالحكم والقيادة بعد التحرير. فنتائج الجهاد الناجح هى نتائج لإنتخاب يستحيل الطعن فى نزاهتة أو شفافيتة. ولا يمكن بالتالى تجاهل نتائجة أو القفز فوقها.

كارثة مالية قادمة
من أقوى الضغوط التى يعانى منها أوباما هى ضغوط الأزمة المالية/ الإقتصادية.
وبداخلها تختبئ مخاطر أساسية تطال صلب البناء الأمريكى، القائم على أسس زائفة حان وقت كشفها ومجابهة الحقيقة المرة وجها لوجه.

فمن غير المعقول أن تمارس دولة كبرى طوال الوقت مهمة مزدوجة، تتمثل فى مواصلة الأكاذيب الكبيرة على شعبها فى الداخل، وممارسة الوحشية المفرطة على شعوب العالم فى الخارج، ثم تدعى بعد ذلك أنها صاحبة رسالة حضارية من أجل الإنسان !!!.

فحتى هذه اللحظة لم تجرؤ الإدارة الأمريكية ، بل لم يجرؤ أحد داخل الولايات المتحدة،على المطالبة بفتح تحقيق رسمى فى أسباب الأزمة المالية الحالية وتحديد الجهة المسؤولة عنها.

وذلك شئ عجيب حقا. فالجهة التى صممت ونفذت وإستفادت من الأزمة هى نفس الفئة التى تحكم فعليا الولايات المتحدة وتمسك بجميع خيوط اللعبة فى الدولة.
يلمحون إليها أحيانا على أنها مجموعة نسبتها 1% من تعداد المجتمع وفى يدها معظم الثروة. ومع ذلك فمجرد التفكير فى فحص هويتهم يضع الباحث تحت طائلة قانون (معاداة السامية). وهناك الكثير من العقوبات الرادعة ومن خارج كل القوانين كفيلة بردع أى إنسان فى الولايات المتحدة، من المواطن العادى إلى عضو الكونجرس وحتى رئيس الدولة، الذى أصبح مجرد لعبة خشبية تؤدى دورا مرسوما على خشبة المسرح السياسى الخاضع لسيطرة السادة 1%. وتلك هى قصة الديموقراطية بإختصار.

لم ينس العالم بعد مهزلة 11سبتمبر، وكيف حظرت الحكومة الأمريكية نشر أى شئ يتعلق بالتحقيقات الرسمية. ومع ذلك فلا أحد تقريبا يسأل فى الولايات المتحدة عن سبب ذلك سوى أصوات قليلة تم الشوشرة عليها أو إخمادها أوالتضييق عليها وخنقها.

كما لم يسأل أحد فى تلك البلاد الديموقراطية عن ما ترتب على أحداث سبتمبر من حروب على أفغانستان ثم العراق، وإعتداء واسع على الحريات العامة فى العالم تحت دعاوى مكافحة الإرهاب. أى فرض حالة إرهاب على الإنسانية جمعاء بدعوى مكافحة الإرهاب الذى لم تثبته حتى التحقيقات الرسمية للدول المعتدية نفسها.
والسبب أيضا بسيط وواضح للعيان، إن وراء أحداث سبتمبر والحروب التى تلتها  نفس السادة ذوى الدماء السامية الزرقاء من فئة 1% المقدسة.

إقتراض أم ضريبة حرب؟
الأزمة الإقتصادية مرشحة للتفاقم فى المرحلة المقبلة رغما عن التحسن الظاهرى بفعل الحقن المسكنة فى جسد الإقتصاد المريض. ولكن ذلك سيضاعف المعاناة فى المستقبل.

وحرب أوباما الخاسرة فى أفغانستان تعجل بوقوع الإنهيار الإقتصادى المتوقع، وتوسع الشقوق فى المجتمع السياسى الداخلى ما بين مؤيد للحرب ومعارض لها.
فالحكومة لا تمتلك حتى ذلك المبلغ الزهيد، بالمقاييس الأمريكية، وهو 30 مليار دولار مع زيادات متوقعة.

من أجل توفير المبلغ إقترح البعض فرض (ضربة حرب!!) على الشعب الأمريكى المأزوم من أجل تمويل حرب لاتحظى بشعبية. ولكن لذلك عواقب قد تصل إلى حد نزول المعارضين للحرب إلى الشوارع كما حدث فى حرب فيتنام . لذا مال القرار إلى خيار الإقتراض لتغطية نفقات الحرب، بما يعنيه ذلك من زيادة الدين العام والفوائد الربوية المترتبة عليه مع زيادة عجز الميزانية وآثار آخرى غير مباشرة مثل زيادة الفشل فى إجراء إصلاح إقتصادى .

دفع ذلك رئيس مجلس لجنة المخصصات فى مجلس الشيوخ إلى التأكيد على أن الخطر الأكبر الذى يهدد الولايات المتحدة على المدى الطويل هو الركود الإقتصادى .
الخطر الداخلى والشعور بالعجز عن مواجهته هو ما يضغط على أوباما لكى( يضحى بأفغانستان)  ويولى منها هاربا حتى (ينقذ أمريكا) .

خوف الإدارة الأمريكية من الركود لا يأتى من خشيتهم (على المواطنين) ، بل خشيتهم (من المواطنين ) .فالمجتمع الأمريكى معبأ بعوامل التمزق الإجتماعى، وإنعدام العدالة الإجتماعية ، والجور الإقتصادى ، والتركيز المفرط للثروات والسلطات فى يد أقلية تمثل 1% من السكان أو أقل .

وضاعت المبادرة الميدانية
لا يوجد أمام الولايات المتحدة أى حل سهل لمعضلتها فى أفغانستان، ولا لمعضلاتها الداخلية التى تتمحور حول الإقتصاد. فكل الطرق تؤدى بها إلى الأسوأ فى كلا المجالين. ويبدو أنها تتصرف بيأس المنهزمين فتأتى القرارات غير حاسمة وغير جذرية . وتنكفئ الأهداف من مستوى طموحات القوة العظمى إلى مجرد طموحات حزبية صغيرة جدا لإحراز أصوات فى الإنتخابات التشريعية القادمة .

فقرار أوباما إرسال 30 الف جندى إضافى إلى أفغانستان، وتسمية تلك الخطوة الهزيلة بمسمى ضخم مثل ( إستراتيجية أوباما الجديدة ) هو نوع من التبجح الفارغ الذى يدل على الضعف وإن إتخذ مظهر القوة .

فمجرد قرار بزيادة القوات فى حد ذاته لا يمكن أن يسمى (إستراتيجية ). ولكن ذلك المسمى يطلق على كيفية إستخدام تلك القوات لتحقيق أهداف الحرب .
ولن يجدى نفعا إرسال مثل ذلك العدد ولا أضعافة المضاعفة إلى أفغانستان حيث تم إنتزاع زمام المبادرة العسكرية والسياسية بالكامل من يد الإحتلال ليستقر بثبات وقوة فى يد الإمارة الإسلامية .

ومعنى إمتلاك الإمارة لزمام المبادرة هو ببساطة : أن كل القوات الامريكية والحليفة لها سوف تتحرك فوق الساحة الأفغانية وفقا لردود أفعال تفرضها عليهم تحركات المجاهدين وخططهم الاستراتيجية .

وتلك هى الحلقة ما قبل الأخيرة للهزيمة العسكرية مكتملة المواصفات .
وبمعنى أوضح أن تعريف الهزيمة الأمريكية هو ما يحدث فوق الأرض الأفغانية الآن حين تحدد قيادة الإمارة المهام العسكرية لمجاهديها ولقوات الاحتلال فى نفس الوقت . فذلك هو الإنتزاع الكامل للمبادرة .

نهاية الأكذوبة

هذا ويدعون أنهم أنظمة ديمقراطية. بينما حكوماتهم فى أمريكا والغرب تخدع شعوبها بالأكاذيب الكبيرة. ولا تستجيب لمطالبها الحقيقية إلا بألاعيب لا تخدم سوى مصالح إنتخابية ضيقة . فهذا أوباما فى قراره ( الإستراتيجية الجديدة ) لا يهدف إلى تحقيق النصر فى أفغانستان، فمن المؤكد أنه يائس من ذلك تماما. فمعظم أصحاب الرأى من كبار العسكريين والسياسيين أكدوا أن ذلك مستحيل. والرأى العام فى بلده يطالب بالإنسحاب فى أقرب فرصة. ولكن أوباما يأخذ قرارا بإستراتيجية عجيبة هى نصف حرب ونصف إنسحاب.

أوحرب ممتدة لعام ونصف، وإنسحاب مؤجل حتى عام ونصف !!!.
وليست تلك وسيلة لكسب الحروب ولا هى وسيلة لتجنب الهزيمة.
ولكن النصف الأول من القرار يرضى حزب الجمهوريين والنصف الثانى منه يرضى حزب الديموقراطيين. فعين أوباما ليست على أفغانستان بل على الإنتخابات القادمة لتجديد نصف المجلس التشريعى.

إستراتيجية (النصف نصف) التى إبتدعها أوباما، معروفة النتائج سلفا . وهى الهزيمة الأمريكية الكاملة، والإنتصار الكامل لشعب أفغانستان ولمجاهديه وللإمارة الإسلامية.

بقلم :
مصطفي حامد ابو الوليد المصري
copyright@mustafahamed.com

المصدر  :
موقع مجلة الصمود (إمارة أفغانستان الإسلامية) عدد 43
http://124.217.252.55/~alsomo2