القديم والجديد فى علاقة طالبان والقاعدة

السيدة “ليا فارال” ، إطلعت مؤخرا إحدى مقالاتك التى تناولت موقف القاعدة من إنسحاب أمريكى متوقع من أفغانستان. وجهة نظرك كانت أن (إستراتيجية) القاعدة ترمى إلى إبقاء القوات الأمريكية غارقة فى أفغانستان لأن ذلك يحقق للقاعدة فوائد عديدة ذكرتيها فى مقالك.

ثم ذكرت أيضا أن (إستراتيجية القاعدة) تناقض (إستراتيجية طالبان) التى ترى ضرورة الإنسحاب الأمريكى الكامل حتى تعود السيطرة الكاملة لطالبان على أفغانستان.

لى على ذلك ملاحظات كثيرة ـ أرجو أن أتمكن من العودة إلى شرحها بالتفصيل فى وقت ما ـ لأننى لاأفضل الحديث بشكل إجمالى فى قضايا حساسة كهذه تحتاج إلى تفصيل، خاصة إذا كانت وجهة نظرى تخالف معظم ما هو سائد فى الإعلام ولدى المختصين . لكن الظروف الحالية، إضافة إلى خصوصية المنتدى، لاتسمح سوى بالإختصار والتركيز. وسأحول ذلك ما إستطعت ــ  فأقول:

1 ــ أن طالبان والقاعدة وكل المسلمين وكل شعوب العالم، يفضلون إنسحابا سريعا للقوات الأمريكية والحليفة لها من أفغانستان. فليس هناك إنسان عاقل يتمنى إستمرار معاناة الشعب  الأفغانى ونزيف الدم هناك، ولو فى مقابل تحقيق أى هدف سياسى أو مادى.

2 ــ  فى إعتقادى الخاص أن جميع دول المنطقة وفى مقدمتها الصين ـ مضاف إليها روسيا ـ مع إستثناء الهند، تفضل إنسحابا أمريكيا من أفغانستان، ولكن ــ ليس سريعاــ وذلك لسببين:

الأول: إستنزاف أمريكا حتى تهبط قدراتها إلى المستوى الأدنى. فتكون مكانتها فى النظام الدولى القادم أكثر تراجعا كما يمكن وراثة الكثير من حيزها ( الجيوإستراتيجى) العالمى.

الثانى : إستنزاف حركة طالبان إلى الحد الأقصى، بحيث لايمكنها الإستفراد بالوضع الأفغانى. وفى هذه الحالة إما أن تتمكن الدول الخارجية من فرض نوع من الإئتلاف لحكم أفغانستان تكون حركة طالبان أحد مكوناته. أو أن تحكم حركة طالبان وهى منهكة القوى فلا تتمكن من تحقيق رؤاها على أرض الواقع ويبقى الباب مفتوحا لتدخل الجيران وربما تقسيم أفغانستان، إما إلى عدة دول أو إلى عدة كنتونات تدور كل منها فى فلك واحدة من دول الجوار.

سبق لى خلال حوار بيننا أن أشرت إلى أن القاعدة لاتمتلك إستراتيجية محددة، لاسابقا ولا حاليا. وأرجعت ذلك إلى عيب مزمن فى الحركة الإسلامية ( وفى العرب عموما ) وهو عدم القدرة على التخطيط بعيد المدى ، وطبيعتهم المتوثبة التى تعشق المغامرات الصاخبة والعمل الإرتجالى .

لذا أشك أن للقاعدة أى نوع من الإستراتيجية الآن . قد يكون لها ” وجهة نظر ” تدوم أسابيع أو أشهر ثم تستبدل “بوجهة نظر آخرى ” حسب الظروف .

ـ كما أعارض بل وأتشكك فى محاولات التضخيم من قوة القاعدة ودورها . أو القول بأن تلك الجيوش الجرارة جاءت إلى هذه المنطقة فائقة الحساسية فى استراتيجيات العالم كى تطارد بن لادن وعدة عشرات من أتباعة . هذه خدعة كبرى وسحابة دخان تضليلية من الطراز الأول تخفى تحركات هامة لرسم خريطة قارة آسيا كلها والعالم بشكل أشمل .

ـ على إفتراض ان للقاعدة ” رؤية ” لأوضاع أفغانستان الحالية ، فإنها تفتقر تماما إلى الوسائل اللازمة لتنفيذ تلك ” الرؤية” وفرضها على الواقع . كما ليس لها حلفاء يساعدنها على ذلك .
ـ الحالة الأيدلوجية للقاعدة لا تمكنها من التمدد الجوهرى فى الوسط السكانى البشتونى . فالتواجد السلفى هناك محصور ضمن مناطق ضيقة وأقلية سكانية .

ـ الطرح السياسى للقاعدة ليس مقبولا فى منطقة تواجدها الحالى . كما أنه يتقلص بسرعة فى العالم العربى والاسلامى .

ـ التكتيكات القتالية للقاعدة أصبحت نمطية وذات مردود سياسى سلبى للغاية ، واستخدامها فى باكستان والعراق كان من الناحية السياسية كارثيا ـ ومن الناحية العملية محدود التأثير.

لكن أتفق معكم على أن الإنسحاب الأمريكى من أفغانستان سوف يضع القاعدة فى مهب الريح  وستكون خياراتها محدودة وصعبة . وذلك للأسباب التالية :

أولا : إن عودة القاعدة إلى أفغانستان سيجعل الأمور أكثر تعقيدا على حركة طالبان والإمارة الإسلامية . فالاوساط الشعبية فى  معظمها معادية للقاعدة لعدة أسباب جوهرية .. أهمها :

1 ـ العداء التقليدى بين الأحناف والسلفية “الوهابية”

2 ـ إدانة بن لادن فى الأوساط الشعبية الأفغانية بصفته الشخص الذى أشعل الحرب الأخيرة تسبب بكل الخراب الذى حدث .

3 ـ حتى داخل حركة طالبان نفسها لن يجد بن لادن سوى الرفض إلا من عدد محدود جدا من عناصرها . والسبب مفهوم كون بن لادن هو المدان الأول فى تهديم نظام الإمارة الإسلامية .

4 ـ قد لا يكون من السهل على الملا عمر طرد بن لادن من أفغانستان ( إلا اذا كان هناك من يقبل بإستضافته خارج أفغانستان ولو بشكل غير رسمى وبإتفاق ضمنى مع الأمريكين ) .
ولكن الإستضافة الأفغانية سوف تكون مشروطة وضيقة، بمعنى أن يوضع فى نوع من الإقامة الجبرية.

5 ـ قد لا يستطيع الملا عمر التبرير لشعبه إعادة إستضافة بن لادن  فى أفغانستان بدون عرضه على محكمة إسلامية لمحاكمته على تهم مثل:

( نقض البيعة بدون عذر شرعى ــ تعريض أمن أفغانستان للخطر ــ إشعال حرب ضارية تسببت فى مقتل الآلاف وتخريب واسع للممتلكات ــ عصيان أوامر أمير المؤمنين والتى أدت مخالفتها إلى إشعال الحرب) .

وحتى اذا لم يطلب الملا عمر شخصيا عقد تلك المحاكمة فسوف يطالب بها كثيرون من أفراد الشعب ومن حركة طالبان نفسها ، وحتى من العرب الذين كانوا فى أفغانستان قبل الحرب ولم يكونوا من أنصار تهور بن لادن .

إذن من مصلحة حركة طالبان ـ بل والمصلحة العامة للشعب الأفغانى ـ أن لا تعود “القاعدة” مرة أخرى إلى أفغانستان ـ وأن لا يعود بن لادن إلا عند الضرورة القصوى وبالشروط السابق ذكرها.

بل أنه من المصلحة العامة عدم عودة أى تنظيمات عربية أو إسلامية بالشكل الذى كان موجود سابقا ـ من الفوضى والعشوائية الإنفلات الشامل ــ  وعلى أحسن الإفتراضات، ومع التفاؤل الشديد ، يمكن قبول عودة محدودة لأفراد يعيشون تحت قوانين الإمارة ـ وبدون أى نشاط مستقل سياسي أو عسكرى .

أما معسكرات التدريب بالشكل القديم فلن تعود مرة أخرى . والعمل التدريبى سيكون خاضعا لسلطة وزارة الدفاع فى الإمارة الإسلامية وطبقا لسياستها الدفاعية .

التمايز المطلوب:

جاء فى أحد تعليقاتك  ملاحظات هامة تقول ما معناه :

(أن حركة طالبان لم تميز موقفها علنا عن موقف القاعدة . وأن ذلك يساعد الأمريكين على إنتهاج سياسة الحل العسكرى ضد طالبان بصفتها حليفا للقاعدة ).

أعتقد ان موقف طالبان المتميز جدا عن موقف القاعدة معروف للأمريكين حتى قبل أحداث 11سبتمبر . ولكن الأمريكيون كانوا قد قرورا الحرب حتى لو استجابت حركة طالبان لجميع مطالبهم .

والآن تمايز طالبان عن القاعدة أكبر بكثير من ذى قبل . بسبب الحرب التى  أشعلتها القاعدة ، وبسبب تباين الرؤى المستقبلية لأفغانستان ودورها القادم على وجه الخصوص .

فبينما تفضل القاعدة وباقى أفرع السلفية الجهادية العودة إلى الوضع المنفلت القديم ، تفضل حركة طالبان ـ على مايبدو من بياناتهم ـ العودة إلى وضع أكثر إنضباطا وصرامة مع الضيوف المنفلتين ، الذين أصبحوا غير مرغوب فيهم  فعليا .

وذلك مع إنفتاح صوب دول الجوار والوضع الدولى. خاصة مع إنتقال الثقل الدولى إلى قارة آسيا ( حتى ان الصين تمتلك اوراق ضغط إقتصادى فعالة على الإقتصاد الأمريكى نفسه، وهى أكبر الدائنين الخارجين للولايات المتحدة ) .

لكن فى ظنى أن مشكلة الإمارة الإسلامية تكمن فى نقطتين :

الأول : ضعف السياسة الخارجية للإمارة ـ وفى الحقيقة عدم وجود جهاز للعمل السياسى الدولى.
الثانى : ضعف الإعلام الخارجى ـ وأيضا عدم وجود جهاز إعلامى متخصص.

فمازالت حركة طالبان تعانى من عزلة كبيرة خارج أفغانستان . وقدرتها على الإتصال بالشعوب الإسلامية وحتى الحركات الإسلامية مازال محدودا للغاية . وخطابها الإعلامى الموجه الى الخارج غير مناسب . وطروحاتها السياسية الخارجية محدودة جدا .

وكل ذلك يناقض قوتها الكبيرة على الأرض وسيطرتها على الشأن الداخلى فى أفغانستان .
وحتى فى العالم العربى لا تكاد ” الامارة الإسلامية ” تجد أصدقاء خارج الأوساط السلفية ووسائلهم الاعلامية خاصة على شبكة الانترنيت .

ولكن ذلك الإختراق الضئيل للإمارة فى الوسط الإسلامى وإنحصارة تقريبا فى النطاق السلفى، له عواقب سياسية مكلفة جدا ، وتكبل الكثير من قدرة المناورة السياسية للإمارة على النطاق الأقليمى والدولى .

وفى الإطار السابق يمكننا أن نفهم عدم قدرة الإمارة الإسلامية حتى الآن على تميز موقفها الحقيقى عن مواقف القاعدة وبوضوح .
بقلم  :
مصطفي حامد (ابو الوليد المصري)- 23 نوفمبر 2009
copyright@mustafahamed.com

المصدر  :
مافا السياسي (ادب المطاريد)
www.mafa.world