ـ عبدالله عزام ـ القاعدة ـ السلفية الجهادية.
ـ المسيرة الجهادية إلى أين ؟؟.
ـ بقلم : مصطفى حامد ـ
ما تقوم به الآن فى أستراليا السيدة ” ليا فارال” من بحث جامعى حول الحركة الجهادية، ممثلة فى تنظيم القاعدة، لعله أن يكون حافزا للجامعات العربية والإسلامية لفتح ذلك الموضوع الهام والحساس أمام الباحثين الشباب. والمعلوم أن الأجهزة الأمنية فى تلك البلدان قد حالت دون ذلك. فطرح موضوع الحركات الجهادية لايتم إلا من خلال أشخاص معينين وطبقا لرؤية بوليسية بحتة بعيدة عن روح البحث العلمى والأكاديمى.
وحسب علمى فإن بعض الطلاب الدارسين للعلوم السياسية فى بلد عربى عندما حاولوا الإقتراب من كتبى التى تتناولها ” فارال” فى أستراليا إعتقلهم البوليس الجامعى وتم تصنيفهم كإرهابيين فى دوائر الأمن. أى أنهم خسروا ليس مستقبلهم العلمى فقط بل خسروا باقى حياتهم.. رغم هذا فالموضوع يكاد أن يكون عربيا فى الأساس. ولكنها روح “الماكارثية” والإرهاب البوليسى وطغيان أجهزة الإستخبارات تحت ستار أكذوبة إخترعتها الولايات المتحدة وأسمتها (الحرب العالمية على الإرهاب).
# إكتشف العرب خاصة والمسلمون عامة أنهم لم يحصلوا على حريتهم أو إستقلالهم بزوال الإحتلال الغربى المباشر عن بلادهم. فكل ما حدث كان مجرد تحوير فى شكل الإستعمار من إحتلال بالجيوش إلى هيمنة سياسية وإقتصادية وثقافية. وأن حكومات الإستقلال الوطنى لم تكن سوى دمى فى يد الغرب، تستمد شرعيتها وإستمراريتها على رأس السلطة من موافقة الدوائر الإمبريالية الجديدة، فى مقابل سهرها على حماية أطماعهم فى تلك البلاد.
والآن تشهد تلك البلاد تحركا شعبيا جديدا لنيل إستقلال حقيقى وحرية حقيقية وإستعادة الهوية الإسلامية الأصلية.
فى هذا الخضم من الإضطراب ظهرت تحركات إسلامية شتى تحاول العثور على مخرج من الأزمة بطريقة سلمية أو بأقل قدر من الأضرار. وإتضح أن ذلك غير ممكن، وأظهرت تجارب مريرة لعشرات السنوات أن جميع السبل موصدة أمام أى تغيير سلمى شعبى وحقيقى. فلجأ البعض إلى السلاح كملجأ أخير. ولكن محاولاتهم فشلت حتى الآن لأسباب تتعلق بقصور شديد فى البنية المعرفية سواء الدينية الشرعية ( قصور الإجتهادات الفقهية الموروثة والمتاحة عن تلبية إحتياجات ومتطلبات عملية التغيير العنيف بالسلاح أو حتى الإنتفاضة الشعبية والعصيان المدنى غير المسلح).
إضافة إلى قصور فادح فى المعارف السياسية تحديدا، والمعارف العسكرية المتعلقة بالحروب غير التقليدية التى هى عماد مواجهات شعبية مسلحة مع قوى نظامية متأهبة للنزال.
نتيجة ذلك القصور زاد العمل العشوائى سواء فى إستخدام السلاح أو فى إتجاه مفرط نحو تشكيل الجماعات والتظيمات الإسلامية بشتى أنواعها. وقد جاء إنشاء تنظيم القاعدة كنتاج لذلك المناخ المضطرب الذى عايش تجربة أفغانستان. وبدلا من فهم تلك التجربة فسرها بشكل خاطئ تماما.
لقد أصبحت قدرة الأعداء على المواجهة أشمل وأسرع من قدرة القوى الإسلامية على الحركة وتصحيح المسار. وهكذا تعقدت المشكلة أكثر، ليس على المسلمين فقط بل على أعدائهم أيضا.
فمشاكل الأعداء بدأت تتفاقم ويفقدون قوتهم القائده والمحركة المتمثلة فى الولايات المتحدة.
هذا فى الوقت الذى كاد أن يصل اليأس بالمسلمين إلى درجه فوق طاقتهم على التحمل. عندها فإن قوة على الأرض لايمكنها منع وقوع كارثة أوشكت القدرة على إحداثها أن تكون متيسرة لمن يريد الشروع فيها.
أساليب العمل الإسلامى التى بدأت مع الشيخ حسن البنا عام 1928 إلى تلك التى توصل إليها بن لادن فى 2001 جميعها وصلت إلى طريق مسدود. ويتأكد ذلك مع كل ممارسة جديدة على نفس الأسس القديمة للبنا وأسامة بن لادن. أما المؤسسات الدينية الحكومية فقد سقطت بالكامل تقريبا وأصبح تاثيرها الشعبى فى أدنى مستوياته. ذلك على الرغم من المجهودات الحكومية الكبيرة من أجل بعث الحياة فى أشلاء تلك المؤسسات مستفيدين من وسائل تكنولوجية حديثة مثل الفضائيات وشبكة الأنترنت.
ـ العمل الإسلامى الشعبى الدعوى ممثلا فى الإخوان المسلمين أفشله سيطرة رأس المال عليه. وميل الحركة بالتالى إلى عقد صفقة، مع النظام المحلى والإقليمى والهيمنة الدولية، من أجل تبادل المصالح والمشاركة فى المنافع الإقتصادية. وليس ذلك رأى جهة إسلامية جهادية منافسة للإخوان بل هو رأى الدكتور عبد الله النفيسى الإخوانى السابق والأكاديمى الكويتى ذائع الصيت.
ـ والعمل المسلح ممثلا فى القاعدة ومثيلاتها أفشله سيطرة رأس المال الفردى (بن لادن) أو (المشايخ) بالنسبة إلى الحركات السلفية الدعوية والجهادية التى يلزمها الحصول على مباركة الشيوخ حتى تنفتح لها مغاليق خزائن كبار التجار.
والآن فإن مصادر الفتوى ومصادر التمويل واقعة تحت سيطرة الملك والبيت الأبيض.
كلا التياران، الإخوانى والسلفى الجهادى ، عانى بشكل خطير من إضطراب وعدم التوازن بين ثلاث عناصر هى: العمل الدعوى ـ العمل السياسى ـ إستخدام القوة كوسيلة للتغيير السياسى.
فالإخوان المسلمين خاصة فى مصر ( كما فى مناطق عربية أخرى وباكستان) ركزوا بشكل مبالغ فيه على العمل السياسى وأهملوا كثيرا عملهم الدعوى الذى كان عنصرا أساسيا من دعوتهم فى بدايتها. كما أنهم إستبعدوا تماما إحتمال إستخدام القوة كوسيلة للتغيير. رغم أن فكرة الإنقلاب العسكرى تبدو قريبة من طابع فكرهم السياسى. فقد دعموا بقوة إنقلاب يوليو فى مصر وإنقلاب الجنرال البشير فى السودان وحكم ضياء الحق فى باكستان. ولا أظن انهم يمانعون فى تكرار التجربة كلما سنحت فرصة للتحالف مع أى تحرك لضباط الجيش شرط أن يكون ناجحا.
أما السلفية الجهادية فلديها مشكلة كبيرة جدا مع موضوع الدعوة. نتيجة الحظر الأمنى الصارم المفروض عليها. إلى جانب طابعها الجاف والعنيف فى الحديث والحركة، إضافة إلى صبغتها السلفية المتصادمة مع مذاهب المسلمين السنة والتى تعادى الكثير من عقائدهم. كما أن لديها إستبعاد كامل من منطلق عقائدى للعمل السياسى الرسمى أو حتى الخارج عن الأطر الرسمية. وذلك يضعهم مباشرة خارج القدرة على تغيير النظام.
القصور السياسى الواضح لدى الإخوان والسلفية الجهادية يضعهما فى إطار (إمكانية الإستخدام) من جانب القوى المعادية المحلية والعالمية. أى أنه يمكن توظيفهما ـ بدون وعى منهما ـ ضمن برامج تحكم إستبدادى فى الداخل أو إمبريالى فى الخارج. وذلك هو المقصود من نظرية (بغال التحميل) التى كتبت عنها مرات عديدة أثناء حديثى عن حركة المجاهدين العرب خارج أوطانهم، فى أفغانستان والشيشان والبوسنة ..إلخ. وعدم قدرتهم على تحديد وإتباع خط مستقل يخدم مصالح إسلامية وليست إمبريالية. وتحدثت أيضا عن نظرية (علماء البنتاجون) وهى الوجه الآخر للنظرية الأولى. وهم شريحة علماء يخدمون مصالح البنتاجون بتوجيه حركة المتطوعين المسلمين إلى ميادين الحرب التى جرى تجهيز شروطها لخدمة المصالح الأمريكية قبل أى شيئ آخر. وهو الأمر الذى حدث فى أفغانستان والشيشان والعراق والبوسنة.
ترجع تلك السلبيات إلى أسباب أهمها:
ـ عدم وجود مرجعية دينية للعمل الإسلامى كله: الدعوى والجهادى.
ـ عدم وجود نظرية متماسكة تستند إليها الحركة الإسلامية فى ميدان المواجهة مع الأعداء.
فالموجود بين أيدى الحركة الإسلامية مجرد شعارات براقة ومبادئ شديدة العمومية.
ـ عدم وجود قيادة على مستوى التحدى القائم.
كل ذلك على بشاعته لن يصيب الأجيال القادمة بالشلل. بل سينتج عنه تحرك جديد خارج جميع الأطر القديمة والتى عرفت فى الفترة ما بين 1928 إلى 2001 وخارج كل الصيغ التى عرفتها التحركات السلمية الدعوية أو الجهادية العنيفة. وهنا ستجد الإمبريالية ـ المحلية والدولية ـ نفسها أمام ورطة حقيقية لأن العمل يومها سينتقل إلى ميادين جديدة مجهولة تماما وغير محددة المعالم. يومها سيشتاق هؤلاء الإمبرياليون إلى أعدائهم القدماء من مسلمى العهد القديم. لأن مقاومة المجهول القادم هى عين المستحيل وهى أشبه بشخص يحاول السير فى ضوء الشمس بدون أن يكون له ظل على الأرض.
نعود إلى إفتراض السيدة ” لياه فارال” والقائل: { إن القاعدة لم تتبع القواعد الصحيحة للجهاد التى وضعها عالم مهم مثل عبد الله عزام. وأن ذلك هو السبب فى الأزمة التى تعانيها القاعدة}.
تفترض “فارال” أيضا: { أن النجاحات التى صادفتها القاعدة تعود إلى جهود بعض القادة الرئيسيين فيها وليس إستراتيجية بن لادن التى أضرت أكثر مما أفادت} .
أقول هنا أن الشيخ عبد الله عزام إمتلك مزايا خاصة كرجل على درجة من من العلم الشرعى والقدرة الخطابية والشجاعة الأدبية والحماس، فأهله كل ذلك لأن يتقدم فى جو من المخاطر ويتصدر تحرك عربى إقتحم قضية دولية كانت فى صدارة إهتمام العالم وقتها وهى قضية الغزو السوفيتى لأفغانستان.
أما مسألة التوجهات الصحيحة للجهاد، فذلك شيئ لم يبتكره أحد. فلدينا أطر دينية عامة يقوم العلماء بنشرها عند الإحتياج. المشكلة هنا أن التحرك بالمبادئ العامة لم يعد كافيا، فهى فى حاجة إلى توضيحات تفصيلية تجابه تحديات الواقع العملى المعاصر. وحيث أن المسلمين السنه قد أغلقوا باب الإجتهاد فإن فتاوى الأقدمين التى يلجؤون إليها بشكل مزاجى وإنتقائى فى أكثر الأحوال، تزيد من الإضطراب فى صفوفهم. وزاد الأمر سوءا أن السلفية فتحت باب الإفتاء لكل لأتباعها بدعوى مكافحة التقليد. فالجميع يمكنه أن يصبح مجتهدا ومفتيا. وبهذا عمت الفوضى الفقهية وفقد الناس المرجعية الدينية الجامعة. فزادت الفرقة وتشرزمت المجهودات. ويمكن لأى كان أن يزعم أنه على صواب وأن يسلح نفسة بما يشتهى من فتاوى الأقدمين والنصوص الشرعية المنتقاه ووضعها فى غير محلها الصحيح . فإذا تواجد السلاح فى تلك البيئة ـ وهو ما حدث فى مناطق عديدة منها العراق ـ فلنا أن نتخيل المآسى التى يمكن أن تقع. لذا فأهل السنة فى معضلة والسلفية الجهادية فى معضلة أشد.
إذن الدكتور عزام وهو سلفى من مدرسة الإخوان:
1 ـ قدم الفتاوى القديمة الخاصة بالجهاد ولم يقدم إجتهادا حقيقيا لمشاكل الجهاد فى الوقت الراهن.
2 ـ بقدر تمتعه بالموهبة الخطابية إفتقد الدكتور عزام إلى الرؤية السياسية السليمة. بل إنه إفتقد التقدير السياسى الصحيح لدور الأحزاب الجهادية الأفغانية، وللوضع الدولى للقضية نفسها.
3 ـ إندفع الدكتور عزام فى الساحة الأفغانية بدون أى تصور إستراتيجى لعمله. وبدون أن يحاول وضع مثل ذلك التصور فيما بعد. وكان عمله عبارة عن سلسلة مبادرات يقتضيها الموقف الإنسانى والمشاعر الدينية المتأججة فى ذلك الوقت أو المعارك العنيفة التى تندلع هنا وهناك داخل أفغانستان.
بدأ بن لادن عمله المباشر فى أفغانستان منذ عام 1987ـ أى بعد بداية الدكتور عزام بحوالى أربعة سنوات، باذلا عناية أكبر للعمل العسكرى ولكن بنفس أوجه القصور التى ذكرناها.
وكلا الرجلين القائدين حافظ على أخطاء متوارثة فى العمل الإسلامى. على رأسها الفردية المطلقة فى القيادة وتهميش دور الشورى وجعلها غير ملزمة فى إدارة العمل أى مجرد ديكور، هذا إن وجد ذلك الديكور. أى أن وجود مجالس الشورى غير ضرورى فى أساسه.
يضاف إلى ذلك عدم إحترام التخصص وأصحاب الإختصاص. وهذا ينتج تداخل فى الأعمال وتدخل القائد فى كل شيئ ويكون رأيه هو الفصل فى كل مجال.
زاد “بن لادن” على كل ذلك كونه الممول الأوحد للتنظيم. لذا كانت القاعدة هى أول تنظيم جهادى ( قطاع خاص) فى تاريخ المسلمين، كما لاحظت ذلك فى كتاباتى. وكان لذلك آثار فى غاية السلبية. وأخشى ان تكون تجربة كهذه قابلة للتكرار مستقبلا. فيتحول التنظيم الجهادى إلى ما يشبه ( الشركة الأمنية) فى دول الغرب.
القيادة الفردية المطلقة، والتمويل الشخصى للتنظيم، أديا إلى نوع من السلبية وإنعدام المبادرة والشعور بالتبعية لفرد وليس لفكرة أو رسالة. فأدى ذلك إلى تفكك سريع أصاب التنظيم منذ وقت مبكر. وكانت فترة تواجدهم فى السودان هى فترة إختفاء فعلى للتنظيم ووجود مجرد جهاز بيروقراطى يدير شركات بن لادن فى السودان. ذلك الجهاز مكون من بقايا التنظيم القديم فى العهد الأفغانى. وهذا الجهاز البيروقراطى مع تعديلات طفيفة وزيادات لاتذكر، هو الذى قامت عليه حرب 7 أكتوبر 2001 فى أفغانستان.
تلك هى الصورة الحقيقية بعيدا عن التهويل الأمريكى البشع الذى خدعوا به العالم. بل خدعوا به بن لادن نفسه فأغرقوه فى أوهام لذيذة أفاق منها بعد خراب كل شيئ وضياع أفغانستان وإمارتها الإسلامية.
# أما القادة الرئيسيين ودورهم فى نجاح القاعدة (خاصة فى مرحلة البداية، أى معركة جاجى تحديدا التى تعتبر النقطة الأشد سطوعا فى تاريخ القاعدة) فقد شرعوا فى إنشاء التنظيم عقب تلك المعركة مباشرة. فالذى شرع فى تكوين التنظيم وقبول بيعة الأفراد لقائده بن لادن هما المنتصران فى معركة جاجى أبوحفص المصرى وأبو عبيدة البنشيرى القادة ونجوم المعركة وأبطالها الكبار.
واكمل بن لادن العمل بأن ذهب إلى السعودية محرضا على الجهاد بالنفس والمال. وطاف بمساجد المملكة وكانت أخبار إنتصار “جاجى” الكبير قد سبقته إلى هناك. فاستقبله الشباب إستقبال الأبطال الفاتحين. أفاده ذلك فى تقوية تنظيمه الجديد بالمال والشباب ولكنه دق أجراس الإنذار لدى النظام والعائلة الحاكمة.
فى فترة قياسية نادرة الحدوث إستطاع أبو عبيدة وأبو حفص من ضم عدة آلاف من الشباب الذين قدموا إلى أفغانستان فى صفوف التظيم الجديد بل ضموا إليها تنظيمات كاملة كانت قائمة وتعمل فى أفغانستان. وكان إسم ” القاعدة” هو من إبتكارات أبو عبيدة الذى شغل منصب النائب الأول لأمير التظيم بن لادن. وكان أيضا القائد العسكرى والمشرف الإدارى وكان يتقاسم المهام مع أبو حفص بسلاسة ويسر نظرا لعلاقات صداقة متينة توطدت بينهما أثناء معركة جاجى التى كشفت عن صفات نادرة فى كلا الشخصيتين.
الإنتصار المبهر فى معركة جاجى كان سببا رئيسيا أوليا فى النجاح السريع فى إنشاء “القاعدة” والسبب الثانى كان فى القدرة المالية الكبيرة التى تحت تصرف بن لادن. وكان الجميع تقريبا يفتقر إلى الدعم المالى اللازم. والسبب الثالث كان شخصية بن لادن نفسة الذى كان يحظى سريعا بمحبة الناس وقبولهم.
ولكن التكوين السريع حمل فى طياته بذور التفكك السريع. فلم يكن هناك تصور مسبق لمهام التنظيم القادم سوى بعض الجمل البراقة التى يتلونها فى الجلسات. مجرد شعارات براقة جدا تتلى فى جو حماسى عارم من شباب شاهد لأول مرة أنه من الممكن أن يخوض معارك كبيرة ضد قوى عسكرية عظمى وأن ينتصر عليها.
لم يكن لدى التنظيم الجديد من الكوادر الإدارية والعسكرية التى بها يمكن إدارة هذا العدد الضخم من الشباب المشتعل حماسة ولا يطيق الصبر أو الإنتظار. ومرة اخرى نعود إلى نقطتنا الشهيرة:
لم يكن هناك هدف محدد ـ لم يكن هناك بالتالى إستراتيجية عمل.
وفى ظنى أن القاعدة كتنظيم قد تفكك بالفعل (عام 1993) فور مغادرته أفغانستان ـ الأرض التى ولد عليها ـ ثم لفظ آخر أنفاسه فى السودان حين غادره معظم الكوادر من شتى الأقطار محتجين على السودان وعلى القاعدة وعلى التوجه المدنى الجديد لإبن لادن كمستثمر وليس مجاهدا كما كان فى أفغانستان.. ولكن التآكل فى بنيان القاعدة كان قد بدأ منذ عام(1990) حين غزا صدام حسين الكويت واستنفر “بن لادن” كوادر القاعدة للدفاع عن السعودية المهددة بجيوش صدام. ولذلك حديث طويل ورد بعضه فى كتابى المعنون ( المطار 90).
رؤيتى الخاصة تقول بأن ما نراه هذه اللحظة ليس هو تنظيم “القاعدة” بل هو شيئ جديد مختلف تماما.
ولا يوجد الآن عمليا تنظيم بهذا الإسم حتى ضمن القلة الملتفة حول بن لادن حيث هو الآن.
وبفقدان أبو عبيدة البنشيرى عام 1996 فى افريقيا، ثم أبو حفص المصرى عام 2001 فى قندهار ، لم يعد هناك أدنى إمكانية لعودة القاعدة / على الأقل بالكيفية والروح القديمة النى أسسها بها (الآباء المؤسسون) أبوعبيدة ، وأبو حفص.
وهنا أضم صوتى إلى صوت السيدة ” فارال” موافقا على أن النجاحات التى صادفتها القاعدة فى بداية عهدها كانت بفعل مجهودات هؤلاء العمالقة المؤسسين.
وحتى عندما نشبت حرب 2001 على أفغانستان، لم يكن هناك فعليا “تنظيم” بإسم القاعدة. الموجود كان بقايا من الكوادر القديمة يضبطهم أبو حفص المصرى ثم يربطهم مع بن لادن، كأب روحى وأخ أكبر لبقايا من المجاهدين الواقعين تحت ظروف غاية القسوة. وكان لإبن لادن متعاطفون كثر فى السعودية واليمن، ولكن بلا رابط تنظيمى على الإطلاق.
وحتى الآن فإن أى تنظيم يطلق على نفسه إسم “القاعدة” لا يعنى أنه مرتبط تنظيميا بأسامة بن لادن أو أنه يتحرك معه وفق إستراتيجية محددة. فقط يجمعهم معه شيئان:
أولا: أنهم على منهج سلفى واحد (رغم ان الإجتهادات السلفية فى المسألة الواحدة يمكن أن تكون لا نهائية).
ثانيا: أنهم على إتفاق معه على أن معالجة معضلة الإحتلال وحكام الجور لن تتم بغير السلاح.
تلك هى الخطوط العامة للإتفاق بين القاعدة (يعنى بن لادن) والتنظيمات السلفية الجهادية الناشطة تحت لافتة عريضة تسمى “القاعدة”. ولكن الفوضى الفقهية فى تلك التنظيمات وما ترتب عليها من أعمال مرفوضة من إجمالى المسلمين، قد أضرت كثيرا بسمعة بن لادن وأنهت قضيته بشكل شبه كامل فى مناطق مثل العراق والجزائر. كل ذلك أضر أيضا بالوضع الإسلامى العام وبقضايا المسلمين.
ومن الصعب إصلاح كل ذلك العطب بغير طى صفحة من التاريخ جعلت من كلمة “السلفية” رديفا للجمود الفكرى والفقهى والتعصب المذهبى بدلا من أن تكون رديفا للعودة إلى المصادر الأصلية والصافية للدين.
على رأس الأولويات الآن بالنسبة للسلفية الجهادية وباقى تيارات التغيير الجهادى فى بلاد المسلمين يأتى البحث عن صيغة جهادية منضبطة على أسس شرعية واضحة وسليمة وموضع إجماع المسلمين(على الأقل داخل القطر المعنى بالعمل الجهادى) ، مضافا إليها رؤية سياسية واضحة لما حولها، مع إستراتيجية عمل تقيها التخبط والعشوائية وتضبط المسير صوب الهدف المنشود.
من هنا نرى أنه ليست إستراتيجية بن لادن هى التى أضرت بالقاعدة، كما تظن السيدة ” فارال”، بل الذى أضر بالقاعدة هو عدم وجود إستراتيجية فى الأساس. فالإرتجال هناك هو القاعدة والتخبط هو السمة الغالبة.
# وإذا كان من ميزة للدكتور عبد الله عزام يتفوق بها على بن لادن فهى ثباته على غاية نهائية واضحة وهى (تحرير فلسطين). وكان ذلك كافيا لأن ينطلق منه لحل باقى العضلات التى تعوق ظهور إنطلاقة جهادية صحيحة وتفادى الأخطاء التى تحدثنا عنها وهى: الإجتهاد الفقهى ـ الرؤية الإستراتيجية ـ العلم السياسى.
ولكن الشيخ عبد الله عزام كبلته هو الآخر رؤية سلفية تتمسك بظاهر النص وتقمع الإجتهاد. ثم وقوعه فى شباك العمل الإستخبارى السعودى فى أفغانستان، فتمكنوا من إحباط معظم مجهوداته من داخلها.
كما أن الشيخ/ شأن معظم القيادات الإسلامية/ لايعترف بالتخطيط طويل المدى. ويميل دوما إلى المبادرات الوقتية البراقة والجامحة، وهو فى كل ذلك يتفق مع بن لادن.
# كان الشيخ عبد الله عزام أكثر قدرة من بن لادن فى التركيز على الهدف. فهو كان على علم بأنه يجب أن يعود بعمله الجهادى إلى داخل فلسطين، أو على طوقها الخارجى. وشرع فى ذلك بالفعل ودرب عددا من العناصر وأرسلهم إلى داخل فلسطين، وهناك نفذوا بعض العمليات. وكان ذلك اهم السباب التى عجلت فى إغتياله ( فى نوفمبر1989).
بالطبع لم يضع الشيخ أى رؤية إستراتيجية لعمله فى فلسطين، بل أوقع نفسه فى خصومة مع الإسلاميين العاملين هناك، وأهمهم حماس، التى كانت ناشئة وقتها، والمشتركة معه فى الجذور الإخوانية.
حتى الآن لم ينجح أسامة بن لادن فى تحديد هدفة الإستراتيجى.
فبعد تشكيل القاعدة قال أن هدفه هو إسقاط النظام الشيوعى فى اليمن الجنوبى (موطن بن لادن الأصلى). فلم يوافقه أركان حرب القاعدة وكبار شركاؤه فيها مثل تنظيم الجهاد المصرى آنذاك.
ثم جعل هدفه الدفاع عن المملكة السعودية ضد زحف بعث صدام حسين. (عام 90 ـ1991 )
ثم جعل الهدف بناء السودان كدولة إسلامية قوية فى أفريقيا. ( عام 93 ـ 1995)
ثم تحول الهدف إلى ” إخراج المشركين من جزيرة العرب ” . ( عام 1996 )
ثم تحول الهدف إلى ” تحرير المقدسات الإسلامية فى الحجاز وفلسطين” ـ ( عام 1998 )
ثم تحول الهدف إلى ” ضرب أمريكا فى عقر دارها حتى ترحل عن بلاد المسلمين” ـ ( عام 2001)
ثم تحول إلى “ضرب أمريكا فى ميادين الحرب المفتوحة فى العراق وأفغانستان”. ( عام 2003)
ثم تحول إلى ضرب أمريكا فى كل مكان. ( عام 2006)
ثم تحول إلى تهديد أمريكا بحرب إستنزاف طويلة فى افغانستان. ( عام 2009)
كل ذلك يضاف إلى فتح جبهات ضد العديد من الأنظمة العربية بواسطة تنظيمات لصقت نفسها بالقاعدة، التى رحبت بذلك الإلتصاق غير المفيد. أما البلاد التى لم تصلها تنظيمات السلفية الجهادية ـ المنتسبة إلى القاعدة ـ فقد وصلتها تهديدات عنيفة من كبار أركان القاعدة مثل الدكتور أيمن الظوهرى ( الرجل الثانى فى التنظيم) أو الشيخ سعيد ( الرجل الثالث فى التظيم).
غنى عن القول أن تلك التنظيمات بلا إستثناء إدت إلى تدهور الأوضاع فى مناطق نشاطها وإلى إشعال نيران فتن طائفية ( العراق) أو تكفير الوسط الإسلامى الشعبى وشن الحرب عليه (الجزائر).
هذا التبدل العجيب والسريع فى الإستراتيجية ـ التى من طابعها الثبات أو التغيير البطئ ـ يقابله جمود ونمطية قاتلة فى العمل التكتيكى. فمثلا أصبحت العمليات الإستشهادية عملا روتينيا ومجرد نمط يستخدم بلا تدقيق وحيث يمكن إستبداله بعمل آخر أرخص كلفة فى أرواح المقاتلين وأرواح المدنيين وحتى فى التكلفة المالية للعمليات وفى الثمن السياسى الباهظ المترتب على ذلك الإستخدام الأهوج لسلاح نفيس جدا. يخرج المتابع بإستنتاج أن لدى القاعدة (وأخواتها) فائضا فى أرواح مقاتليها تود التخلص منه.
وهكذا نرى أننا نتبدل حيث ينبغى لنا الثبات، ونتجمد حيث ينبغى لنا الحركة.
أظن أننى فيما سبق شرحت بعض مجالات خلافى مع إخوانى الأعزاء فى القاعدة .
وقد كان ذلك أحد أسئلة السيدة “فارال”.
بقلم: مصطفي حامد ابو الوليد المصري
المصدر: موقع مافا السياسي