قطر بين طالبان و هنية: عندما قال المقاتل الأفغاني للقطريين ( أنا لست دبلوماسيا )

قطر بين طالبان وهنية

عندما قال المقاتل الأفغاني للقطريين : أنا لست دبلوماسيا

نجحت قطر في عقد هدنة مع إسرائيل يتم بموجبها تبادل محدود للأسري بين مجاهدي غزة وإسرائيل في مقابل السماح بدخول مقادير محدودة من الإمدادات والوقود إلي قطاع غزة المحاصر والذي يعاني من التجويع وإنهيار الظروف المعيشية بشكل غير معهود في العالم كله منذ الحروب العالمية .

ينص الاتفاق علي هدنة محدودة لمدة خمس أيام قابلة للتجديد خاصة إذا واصلت حماس الإفراج عن الأسري في غزة بهذه الطريقة التى أقل ما توصف به بانها صفقة جائرة وغير متوازنة وسابقة كثيرا لموعدها .

فموضوع تبادل الأسري أو تبادل الرهائن كما تسميه إسرائيل والدول الغربية لأسري حرب يهود في مقابل القليل جدا من الإمدادات المعيشية لقطاع لغزة.

فخلال اليوم الأول من الاتفاق حيث كان من المفترض أن تدخل مائة شاحنة إلي غزة دخلت سبع شاحنات فقط واضح الفرق الهائل بين ما يذاع وبين ما ينفذ بالفعل ومع ذلك لم تستح السلطات المصرية من أن تضع لافتة علي أحد الشاحنات كتب عليها (ولئن شكرتم لأزيدنكم) وهي جزء من آية قرآن ولكنها في هذه الظروف تشير بإن الفلسطنين في موقف ضعيف ومتسول بينما مصر وأصحاب القوافل التي لم يثبت فاعليتها في تلبية إحتياجات سكان القطاع ومع ذلك فسكان القطاع مطلوب منهم تقديم الشكر للمصرين أصحاب المعبر والمانحين الذين يمنحون دعما لصالح مطالب إسرائيل وليس دعما لاحتياجات سكان غزة .

فإسرائيل مازالت تواصل قتل سكان القطاع في أيام الهدنة وتحظر عليهم الحركة وتحدد لهم مسارات تقول لهم أنها آمنة بينما هي مصائد للقتل .

وقد فجرت مستشفي الشفاء قبل أن تنسحب منه قواتها واتلفت جميع المعدات فتحول المستشفى إلي مقبرة جماعية بكل معني الكلمة .

وما زالت القوات الإسرائيلية تحتفظ بمناطق داخل القطاع حتي تنطلق منها عند استئناف القتال وحصولها علي الأسري التي وعدتهم بهم قطر .

يصر نتنياهو علي أن تحقق الحرب أهدفها التي تعني القضاء علي غزة وقتل جميع السكان وتهجير من يتبقي منهم إلي مصر التي تظهر المعارضة لذلك ولكنها في الحقيقة تناور لرفع ثمن الخيانة .

بعد إنتهاء الهدنة المؤقتة من المتوقع أن تبدأ الحرب بوتيرة أشد عنفا رغم أن الهدنة قد تمدد لعدة أيام أضافية إذا وافقت حماس علي الأفراج علي المزيد من الأسري وهم يهود أسري حرب حقيقيون أظهرت الصور التي نشرت لهم عند الإفراج عنهم أنهم شباب أصحاء و كأنهم قتلة محترفين بينما الفلسطنيون المفرج عنهم هم بالفعل مدنيون مختطفون من الشوارع والبيوت بواسطة جيش الاحتلال والحكومة الفلسطينية في رام الله .

وفي نفس الوقت التي أفرجت فيه إسرائيل عن أسري فلسطينين إعتقلت ما يوازي نصف عدد المفرج عنهم تمهيداً لصفقات قادمة مع قطر علي هذا المنوال المخزي.

أي الأفراج عن أسري حرب مقاتلين في مقابل الأفراج عن مدنيين من نساء وأطفال تم إختطافهم من الشوارع والبيوت ويمكن إعتقال أضعاف أعدادهم خلال ساعات في أي وقت فالضفة الغربية كلها رهائن قيد الإعتقال .

يمكن القول أن حماس وافقت في موضوع الأسري والذي هو أحد مكتسبات عملية طوفان الأقصى على عملية مقايضة مع بعض شاحنات الطعام  فدفعت ثمنا قاتلا بان فرّطت فى الأسرائيليين مقابل عدو شاحنات مصرية من طراز (ولئن شكرتم لأزيدنكم) وزينت قطر صفقتها المشينة بعدد من الأبرياء الفلسطينيين الذين اعتقلهم (جيش الدفاع) متعاونا مع السلطة الوطنية الفلسطينية التي بجهزونها مع إسرائيل وأمريكا لتتسلم حكم غزة بدلا من حكومة حماس.

إكتفت حماس بصفقة صغيرة جدا لا تتناسب مع خطورة ما قدمه المجاهدون من تضحياته والسبب هو أن الذي يتفاوض مع الإسرائيليين. كان هم القطريون وليس الذين نفذوا عملية طوفان الأقصى .

تنازل هنية قائد حماس بكل بساطة عن دوره السياسي للقطريين الذين هم أداه للسياسة أمريكية والإسرائيلية ولم يحد أحد حرجا من القول بإن صفقة الهدنة وتبادل (الرهائن) كان بواسطة قطرية أمريكية مصرية . بمعني أن إسرائيل كانت تتفاوض مع نفسها في عملية التفاوض بشأن الهدنة والتبادل . فإن جميع الأطراف المذكورة هى أطراف إسرائيلية بالأصالة وليس بالتوكيل .

سينعكس ذلك سلبا علي المرحلة القادمة في غزة بشأن موقف المؤيدين لحماس والجبهات التي تقاتل بالتضامن معها من لبنان و العراق و اليمن .

فقد نجحت قطر نيابة عن إسرائيل في زرع إنعدام الثقة بين حماس و محور المقاومة الحليف للمقاومة الفلسطنية. حيث ظهر أن عملية طوفان الأقصى من الناحية العسكرية هى مجرد طوفان عسكري بلا أبعاد سياسية . بل جمود سياسي علي ما كانت عليه التحالفات بين ثوار الربيع العربي ودول النفط و أمريكا و أوروبا.

فأسفر ذلك الربيع عن النتائج التي نشاهدها الآن في الدول التي عصف بها . فجاء الربيع المنحوس بنظام السيسى في مصر، كما جاء بجهاد زعران الشام في سوريا. ولم تبتعد حماس كثيرا بتسليم مقاليدها لقطر عن الخط الساسى لمجاهدى زعران الشام منذ نشأتهم حتى الآن. لذلك لن يكون مستغربا وصول حكم أبومازن إلى غزة منفردا أو مناصفة مع حماس، عندها  قد تأخذ دورا شبيها لدور فتح في الضفة الغربية.

وقد رفع ذلك الربيع شعارات لا شأن لها بالمطالب الحقيقية للشعوب بل نطقت فقط بما يرضي أوروبا والولايات المتحدة ولا يغضب إسرائيل .

وقد سلمت حماس أوراقها السياسية كاملة لليد القطرية لتفعل بها ما تشاء لمصلحة المحور الأمريكي الإسرائيلي الذي هو من المفترض العدو الأساسي المشتبك عسكرياً مع مجاهدي غزة .

وقعت حماس في نفس الخطأ التي وقعت به الأحزاب الأفغانية في الحرب السوفيتية التي سلمت أوراقها السياسية لباكستان والسعودية كي يحددا مصير شعب أفغانستان .

وكانت النتيجة أن عينت المخابرات السعودية حكومة مجددي لتتولي السلطة في كابل في أعقاب سقوط الإتحاد السوفيتي فكانت النتيجة حرب أهلية عصفت بالعاصمة كابل وبأفغانستان كلها استمرت لمدة أربع سنوات، حتي ظهرت حركة طالبان وإنقذت الموقف . وعندما أنتصرت حركة طالبان علي الاحتلال الأمريكي الأوربي بعد حرب طويلة شرسة .

طالبت أمريكا التفاوض مع الحركة في قطر لكي تستعين بالثعلب القطري للإيقاع بحركة طالبان الذين تصورت فيهم أمريكا الغفلة والسذاجة السياسية . ولكن حركة طالبان أفشلت سعيهم ولم يستطع الثعلب القطري الإيقاع بهم في شباكة .

وكانت قطر قد نصبت كمينان محكمان للإيقاع بالمفاوض الطالباني … هما :

1 ـ التحدث مع وفد طالبان المفاوض في قطر علي أنه يمثل حركة طالبان فقط وليس الإمارة الإسلامية . وطالبوا الوفد الأفغان أن يبتعد عن الإمارة الإسلامية وأن يتكلم علي حركة طالبان فقط .

وكما يقول لهم (الخبراء) القطريون أمريكا ودول حلف الناتو (والمجتمع الدولي) لا يوافقون علي نظام تقيمة الإمارة الإسلامية يحكم بالشريعة .

وكانت قطر بالمناسبة قد جهزت طابورا من العملاء الأفغان من أجل أن يشاركوا في التفاوض وفى الحكم القادم إلى أفغانستان. وكانوا جميعا يمثلون قطر أكثر مما يثلون حركة طالبان أو الإمارة الإسلامية أو حتى أفغانستان..

وانتبهت الإمارة الإسلامية إلي الكمين فأرسلت وفداً جديداً من المقاتلين أصحاب الخبرة السياسية .

فأفشلوا جميع الكمائن وأعلنوا أنهم جزء من الإمارة الإسلامية ويمثلونها في المفاوضات وأن حركة طالبان هي جزء من الإمارة الإسلامية و أذراعها القتالية والإدارية .

2ـ الكمين الثاني : هو تحويل أمريكا من طرف معادي وهو الطرف الرئيسي في المفاوضات التي بدأت من أجل أخراج قوات الاحتلال وقد غيرت قطر صفة التفاوض من تفاوض لأخراج جيوش الاحتلال إلي تفاوض لعقد مصالحة بين حركة طالبان وحكومة كابل العميلة بقيادة (أشرف غني) (وزوجته رولا). وان يبقى الجيش الأمريكي في أفغانستان (للحفاظ على السلم) حتي لا تندلع حرب أهلية بين طالبان وباقي الفرقاء السياسيين.

وأن تكون أمريكا طرفاً وسيطاً بين تلك الحكومة وطالبان كما أنها وسيط بين حماس , وإسرائيل رغم أنها من يدير الحرب ضد الفلسطينيين وغزة للتوصل إلي حكومة مشتركة يوافق عليها الطرفين وأن تبقي القوات الأمريكية في غزة بصفتها حامية للسلم حتي لا تندلع حرب أهلية بين حماس وباقي الفرقاء السياسيين .

تسائل الوفد الأفغاني بدهشة: وكيف نقبل بوجود قواعد أمريكية في أفغانستان ونحن شعب مسلم ؟ لن نوافق علي ذلك .

فأجاب الخبراء القطريون: نحن أيضا شعب مسلم ولكن عندنا قواعد عسكرية أمريكية وكذلك دول الخليج وهي مسلمة ولديها قواعد أمريكية وكذلك باقي دول العالم فلماذا لا توافقون أنتم ؟

كان المفاوض الأفغاني جالساً علي مقعدة في غرفة صغيرة وإلي جانبه خبراء قطريون يهمسون إليه بحكمتهم الثمينة .

بينما وقف عضو  من الوفد الأمريكي المفاوص أمام الطاولة التي يجلس عليها المقاتل الأفغاني وحاول أن يتدخل وبدأ الكلام محاولا إثبات صحة رأي الخبراء القطريين .

فما كان علي المقاتل الأفغاني الا أن رفع قدميه ووضعها في وجهه المفاوض الأمريكي قائلا له ( أسكت أنت أنا لا أتكلم معك نحن جئنا هنا من أجل أخراجكم من أفغانستان وليس من أجل إبقائكم فيها). فأنصرف المفاوض الأمريكي غاضباً .

الخبير القطري مال علي أذن المفاوض الأفغاني قائلا: يا أخي لابد أن تعلموا أن هناك قواعد دولية للتعامل بين الدول وعليك أن تتحدث مع الوفد الأمريكي بدبلوماسية.

فرد عليه المقاتل الأفغاني قائلا: ( أنا لست دبلوماسياً ) وكان محقا لأنه كان مقاتلاً مخضرما يجيد إستخدام المدافع وليس الكلام الدبلوماسي المنافق والمنمق .

لهذا وضع قدمه فوق المكتب في وجه المفاوض الأمريكي وقال لقد جئنا لطردكم وليس لإستضافتكم في أفغانستان .

نلاحظ هنا الفرق بين موقف هنيه وموقف  لقد وافق هنية علي أن تكون أمريكا وسيطاً في صفقة الاسري وبالتالي في حل القضية الفلسطنية كلها . وهي التي تدير الحرب في غزة من قاعدة العديد و قيادة القوة المركزية في قطر .

وهي التي أرسلت أساطيلها وأساطيل حلف الناتو في مياه البحر المتوسط لكي تنقذ إسرائيل من السقوط بعد أن ترنحت بفعل عملية طوفان الأقصى .

وحركة طالبان التي رفضت عن التخلي عن قاعدتها الأم وهي الإمارة الإسلامية بينما هنية وافق عن الإنفصال بحماس عن جبهة المقاومة التي تقاتل إسرائيل معهم في نفس الوقت .

وكما تكلمت قطر مع الأفغان عن حكومة مشتركة بين طالبان وحكومة أشرف غني العميلة يتكلمون الآن عن حكومة مشتركة في غزة بين حماس وحكومة محمود عباس العميلة في (رام الله) التي هي الذراع الثقيلة لإسرائيل في الضفة الغربية .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world