( ممر واخان – ميناء تشبهار ) : نيران الحرب فوق طريق الحرير

0

( ممر واخان ــ ميناء تشبهار )

نيران الحرب فوق طريق الحرير

– ولاية بدخشان الأفغانية، ساحة لحرب بالوكالة تتكامل فيها مجهودات العدوان الباكستاني مع العدوان الطاجيكي .

– الجيش الباكستاني حاول التقدم للاستيلاء على ممر  واخان الاستراتيجي، وتحريك علامات الحدود بحيث يفصله عن الأراضي الأفغانية ، ويضمه إلى باكستان.

– بدخشان مهددة بأن تُطْبِقْ عليها قوات باكستان وطاجيكستان ويفصلانها عن الإمارة الإسلامية، في حرب بالوكالة عن أمريكا.

– جهاز الدعوة والإرشاد كان أمضى أسلحة الجهاد ضد الاحتلال. ومازال هو أمضى أسلحة القوة الناعمة لدى الأمارة الإسلامية.

– الحرب بالوكالة التي تشنها باكستان وطاجيكستان ضد الإمارة الإسلامية، قد يكون من نتائجها وقوع أزمة تسليح لدي الإمارة الإسلامية. و ربما كان ذلك من أهداف تلك الحرب والقائمين عليها .

 

بقلم  : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

 

تتعرض أفغانستان لحرب من نوع جديد، بدأت فور انسحاب القوات الأمريكية من ذلك البلد في 15 أغسطس 2021 . وهي من نوع الحروب التي ابتكرتها أمريكا على ضوء تجارب جيوشها في الحروب على الأرض، والفشل الذى يلازمها علي الدوام. فعالجت الخلل بمجموعة من الابتكارات سواء في طريقة الحرب أو الأسلحة المستخدمة فيها، أو أنواع الحروب التي تندمج مع بعضها لتشكل حرب شاملة معقدة (إقتصادية ـ سياسية ـ إعلامية ـ نفسية ـ بيولوجية).  أما الثورات الملونة والحروب بالوكالة فما زالت تحتفظ بمكانها ضمن حزمة الحروب الجديدة التي قد يطلقون عليها الحروب المعقدة أو المركبة أو حروب “الجيل الفلاني”، ولكن لا تعريف رسمي لتلك الحروب حتي الآن . ولا عجب في ذلك لأنهم قد لا يعلنون قيام الحرب من أساسها، رغم أنها قائمة بالفعل في عدد من صورها (جرثومي ،مُلَوَّن، اقتصادي ، بالوكالة ..).

– إيران هي الأخرى تشهد حرباً مركبة قد يظن البعض أنها مجرد ثورة ملونة، أو انتفاضة ذات شعارات عرقية أو مذهبية. أو يصورها البعض على أنها ثورة لتحرير المرأة من “قيود” الشريعة الإسلامية و فرض الحجاب عليها .

الحرب في إيران تشمل معظم أفرع الحروب المعقدة الحديثة فتشمل الحرب البيولوجية والاقتصادية والنفسية والحرب بالوكالة إلى آخر تلك التشكيلة التي ابتكرتها أمريكا ضمن الحروب المعقدة فيما بعد هزيمتها في أفغانستان .

– الحربان في أفغانستان وإيران لهما هدف واحد من الناحيتين الدينية و الإستراتيجية. فأمريكا والمعسكر الغربي كله وإسرائيل في مقدمة الجميع ، لا تريد نظاما إسلاميا مهما كان( لا فرق عندها بين أن يكون سنيا أو شيعيا، إنما ذلك الفرق هام عند مجموعات العقول المسطحة ). لا تريد أمريكا شيئا اسمه الشريعة الإسلامية. وتقف أمامها بكافة وسائل الحروب المعقدة الحديثة .

كما تعارض أمريكا حتي الموت عبور طريق الحرير الذى تشقه الصين نحو الخليج الفارسي وبحر العرب عبر إيران وأفغانستان. ولذلك الطريق نتائج استراتيجية غير مباشرة لا تقل أهمية عن خطورة الطريق نفسه. منها مثلا تحول أفغانستان إلى عقدة مواصلات أساسية في قارة آسيا. فتربط روسيا مع الهند وإيران. كما تربط الصين برياً مع إيران. كل ذلك بعيداً عن تهديد الأساطيل الأمريكية المتحفزة في المحيطين الهندي والهادي .

 

حروب بالوكالة ضد أفغانستان

تنخرط باكستان، صاحبة أطول حدود برية مع أفغانستان، في حرب بالوكالة ضد جيرانها الأفغان مستخدمة قواتها النظامية وقوات المرتزقة.

وضمن مجهوداتها العدائية تجاه أفغانستان، تحتفظ باكستان بتواجد استخباري قوي لإسرائيل والولايات المتحدة. وعدة قواعد تنطلق منها طائرات الدرونز العاملة ضد أفغانستان. .

– شرق شمال أفغانستان حيث الحدود الطاجيكية الطويلة، استخدمت طاجيكستان قواتها المسلحة عدة مرات لاختراق الحدود الأفغانية في اتجاه ولاية بدخشان الشمالية ذات الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية العالية. وهى نفس الولاية التي يوجد في أقصي طرفها (الشرقي الشمالي) ممر واخان الإستراتيجي الذى يربط أفغانستان مع الصين .

تلك ساحة مشتركة لحرب بالوكالة تتكامل فيها مجهودات العدوان الباكستاني مع مجهودات العدوان الطاجيكي .

الجيش الباكستاني حاول عدة مرات التقدم للاستيلاء على ممر واخان وتحريك علامات الحدود بحيث يفصل الممر الاستراتيجي عن الأراضي الأفغانية ، ويضمه إلى باكستان، كما فعل في العديد من المواضع الهامة على طول الحدود بين البلدين. فأحبط الجيش الأفغاني بكل بسالة محاولات باكستان، التي تهدد بشدة مستقبل أفغانستان وقيمتها الجيوسياسية.

– قيادات عليا في الجيش الأمريكي ، مثل قائد القيادة المركزية التي مقرها قطر ،قاموا بعدة زيارات لباكستان. ويعتقد أن لتلك الزيارات دور كبير في الحرب الدائرة ضد الإمارة الإسلامية. خاصة الدور الباكستاني والطاجيكي حيث أن قوات البلدين باكستان وطاجيكستان يقفان على طرفي ولاية بدخشان الحساسة إستراتيجياً، والتي تضم ممر واخان وأجزاء كبيرة من منابع نهر جيحون وثروات منجمية كبيرة .

هذه الولاية مهددة بأن تُطْبِقْ عليها قوات باكستان وطاجيكستان ويفصلانها عن الإمارة الإسلامية، في حرب بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل. ولكن الإمارة الإسلامية تمتلك خيارات متعددة وفعالة لمواجهة أي حرب بالوكالة تأتي إليها من أي اتجاه.

فإذا نجحت باكستان في الاستيلاء على ممر واخان، سينقطع أي أمل في مرور طريق الحرير عبر أفغانستان وإيران. بل أيضا يقطع أي أمل في إقامة علاقات برية مباشرة بين الإمارة الإسلامية وجيرانها في الصين.

– هناك احتمال جدير بالتأمل، وهو أن باكستان تريد أن تجعل ممر واخان بداية لطريق حرير يأتي من الصين ويمر عبر أراضي قريبة من الحدود بين باكستان وأفغانستان. تلك الأراضي قد تضمها باكستان إليها ليكون طريق الحرير / طبقا للتصور الباكستاني/ أفضل وأكثر أمنا من الطريق القديم الذي أقامته الصين عبر باكستان وصولا إلى بحر العرب عند ميناء جوادر الباكستاني. وهو الميناء الذي أقامته الصين لحساب الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، ضمن صفقة لتهدئة خواطر الصين، حتي تقبل بالتغيير الجيوسياسي الذى أحدثته أمريكا باحتلالها أفغانستان عام2001   وقد نجحت تلك الترضية. وهذا ما يجعل أمريكا وإسرائيل يمتلكان ما يكفي من الأمل في استرضاء الصين حتي تقبل بحذف أفغانستان وإيران من مشروعها لطريق الحرير، وأن تكون باكستان هي البديل. وصفقة الترضية هذه المرة ستكون مشاريع عملاقة في جزيرة العرب لربطها مع إسرائيل في مجالات الطاقة والمواصلات البرية، وربما البحرية أيضا .

 

الإمارة الإسلامية وفتح ملف التسليح

الحرب بالوكالة التي تشنها باكستان وطاجيكستان ضد الإمارة الإسلامية، قد يكون من نتائجها وقوع أزمة تسليح لدي الإمارة الإسلامية. وربما كان ذلك من أهداف تلك الحرب والقائمين عليها .

– مع نهاية الحرب السوفيتية على أفغانستان، وتشكيل حكومة “مجددي” في كابل، حدثت أزمة كبيرة في التسليح داخل أفغانستان بشكل يصعب تخيله. نتج ذلك من سوء التصرف في غنائم الحرب. فقد نُهِبَت الأسلحة والذخائر بشكل فوضوي، وبيعت فى باكستان للحكومة والتجار.

ومعظم الطائرات، ومخازن قطع الغيار تم تهريبها إلى طاجيكستان و أوزبكستان بواسطة زعماء مليشيات الشمال. والنتيجة كانت تفريغ أفغانستان من معظم ما لديها من أسلحة وذخائر (أمريكا جمعت ما تبقي من صواريخ ستنجر التي أرسلتها إلى المجاهدين. ولكنها تركت ذخائر مفخخة قتلت الكثير من المجاهدين في الحرب ضد السوفييت وما أعقبها من حروب أهلية ) .

– قد تحدث أزمة في السلاح والذخائر هذه المرة لأسباب مختلفة. فعمليات التهريب كانت نادرة وقد سيطرت الإمارة الإسلامية على غنائم السلاح والذخائر والقواعد العسكرية والجوية بشكل كامل بدون عمليات نهب أو سطو أو تهريب. وكانت الكميات هائلة الحجم ولكن المشكلة أنه مع توالي الاستنزاف في اشتباكات مع الجيران في باكستان وطاجيكستان، فإن ذلك المخزون الكبير سوف يهبط تدريجيا إلى أن يتلاشى . هذا مع اعتبار عدم وجود موارد لقطع غيار الأسلحة و الذخائر الأمريكية ، إلا من خلال السوق السوداء. كما أن المصنوعات الأمريكية باهظة الثمن . تلك الأزمة في السلاح والذخائر ستفرض نفسها على القيادة العسكرية في الإمارة عاجلاً أو آجلاً.

عدة نقاط قد تفرض نفسها على طاولة البحث وقتها .. منها :

1 ـ العودة إلى التسليح الشرقي الذي كان سائداً في فترة الحرب السوفيتية. فذلك السلاح يتمتع بسهولة الاستخدام وقوة الاحتمال وسهولة الاستيراد و رخص الثمن.

2 ـ تحديد عقيدة قتالية للجيش الجهادي الأفغاني تتناسب مع الظروف التي تمر بها الإمارة والدول المحيطة والعالم بشكل عام .

3 ـ استبعاد اللجوء إلى الحروب التقليدية أو حروب الاستنزاف الطويلة (وذلك ما تسعي اليه باكستان والقيادة الأمريكية لاستنزاف موارد أفغانستان وقدراتها التسليحية والمالية ) .

وبدلا عن ذلك اعتماد القانون الذى أثبت نجاحه الساحق وهو القضاء على المعتدي داخل أراضي أفغانستان نفسها. وذلك ما حدث في الحروب الإنجليزية والسوفيتية والأمريكية. وتطوير ذلك المبدأ مع الاستفادة من التطورات التسليحية الحديثة، و اعتماد مبدأ ضرب العدو في العمق بالاستفادة من عدة عناصر منها :

طائرات الدرونز ـ والصواريخ أرض/ أرض ـ قوات الفدائيين و الكوماندوز القادرة علي ضرب الأهداف الحساسة للعدو فى العمق . ولدي الإمارة أساس جيد تكوَّن في الحرب ضد الأمريكيين ويمكن البناء عليه .

4 ـ تشغيل بعض من دربهم الأمريكيون أثناء الحرب في أفغانستان. تلك العناصر البشرية أسلحة ذات حدين قابلة لأن تستخدم ضد من أطلقها .

وخلال الجهاد ضد الاحتلال الأمريكي نجح المجاهدون في استخدام العديد من أسلحة العدو وعناصره وتشكيلاته المسلحة والأمنية ضد العدو نفسه. وكانت بالفعل واحدة من أسباب الانتصار . وهى تجربة قابلة للتكرار، والخبرة في ذلك موجودة.

القيادة المركزية للجيش الأمريكي(ومقرها قطر) تستخدم النظام الباكستاني، كما كانت القيادة الأمريكية تستخدم نظام كرازي وأشرف غني في أفغانستان لتنفيذ مآربها الشيطانية في ذلك البلد.

قاومت الإمارة الإسلامية الهجوم الاستعماري بكافة الطرق الجهادية التي على رأسها مجهود لجان الدعوة والإرشاد، الذين عملوا لإيقاظ ضمير الشعب، وبالخصوص تلك الفئة التي تعمل لصالح المحتل. وبداية التشققات الأساسية في بنيان الاحتلال والنظام العميل كان بفعل مجهودات أجهزة الدعوة و الإرشاد وتأثيرها في معسكر الأعداء والأصدقاء على حد سواء .

جاء الوقت لاستخدام وتفعيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (التي يقوم بها جهاز الدعوة والإرشاد) لإنقاذ الشعبين المسلمين في باكستان وطاجيكستان، وإيقاظهما على حقائق الدين وأحكام الشريعة. وتبصرتهم بمخاطر سيطرة الكافرين على بلاد المسلمين.

شعب باكستان شعب مسلم غيور في معظمة. وقد أنشئت باكستان من أجل إقامة الشريعة. وهذا الأمر لم يحدث أبدا نتيجة سيطرة السياسيين العملاء والجنرالات المتجبرين الغارقين في المال الحرام .

آن الأوان ليقف المسلمون في باكستان وقفة جادة لاسترداد بلادهم من أمريكا وإسرائيل والطغمة الحاكمة العميلة والمنحرفة التي حكمت باكستان منذ قيامها وحتي الآن .

فالإسلام لن يقام في باكستان بمظاهرات وهتافات (يعيش/ ويسقط ) ــ كما قال ذلك الملا محمد عمر لأسامة بن لادن رحمه الله عليهما ــ

كما أن حوالي ثلث مساحة باكستان المجاور للحدود مع أفغانستان هي أراضي أفغانية، كان من المفترض إعادتها إلى أفغانستان عام(1993) طبقا لإتفاق بين الإنجليز وحكومة أفغانستان عام(1893). وسكان تلك المناطق عانوا الأمرين من تعسف السلطات الباكستانية العسكرية ضدهم خلال فترة الاحتلال الأمريكي الذى استمر عشرين عاماً. وقد تواطأ الجيش الباكستاني مع الجيش الأمريكي في شن حملات إبادة ضد قبائل “وزيرستان” التي آوي إليها المسلمون. فقتلت الطائرات الآلاف من رجال القبائل وعائلات المهاجرين الفارين من أفغانستان.

تلك المناطق الأفغانية التي يحتلها الجيش الباكستاني، والتي تقارب ثلث مساحة باكستان، من العدل والقانون والمنطق والشريعة ، أن تعاد إلي أفغانستان . ومن حق ساكنيها أن يعودوا إلى موطنهم الأفغاني بأي وسيلة ممكنة ، ومن الأفضل أن تكون سلماً. وإلا فإن الأنظمة التي حكمت باكستان منذ نشأتها، ليست أفضل من تلك التي حكمت أفغانستان منذ الإنقلاب الشيوعي عام (1978) وصولا إلي حكومة أشرف غني عميل إسرائيل وأمريكا ، والذي فرَّ بطائرة محملة بالأموال عام2021 .

– طاجيكستان هي الأخرى في حاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجهودات جهاز الدعوة والإرشاد ، حتى يتخلصوا من الفئة الفاسدة المستمرة في الحكم منذ العهد الشيوعي حتى الآن.

والشعب الطاجيكي كان على شفا ثورة إسلامية على حكومته عام 1993 لولا أن قيادته الإسلامية لم تكن مهيأة ولا قادرة على أداء تلك المهمة. وحكومة “رباني” في كابل وقتها، عملت علي إحباط الجهاد في طاجيكستان بالتعاون مع الأمم المتحدة والعالم أجمع. ولكن العالم الآن تغير كثيرا.. وكذلك أفغانستان .

لقد أثبت جهاز الدعوة والإرشاد أنه أمضى أسلحة الجهاد ضد الاحتلال. ومازال هو أمضى أسلحة القوة الناعمة لدى الإمارة الإسلامية.

ونزْعُم أن بإمكانه أن يمضى إلى مدى أبعد مما يمكن لمنظومة صواريخ عمر لدى طالبان أن تصل إليه.

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world

 

( ممر واخان ــ ميناء تشبهار ) : نيران الحرب فوق طريق الحرير

 



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا