ذات يوم (22) .. حسن جان و شيرين : روميو و جولييت فى حرب كابل الأهلية

0

ذات يوم (22)

حسن جان .. و شيرين

روميو وجولييت فى حرب كابل الأهلية

 

(نحن الآن فى شهر نوفمبر عام (2001) وقد مضى أكثر من شهر على الحرب الأمريكية على أفغانستان إنتقاماً لحادث 11 سبتمبر ).

 

كان حسن جان شاباً أوزبكيا من الحركة الإسلامية . كان طويل القامة جميل المنظر ذو ملامح مغولية بطولية، وكأنه أحد فرسان خوارزم القدماء.

كان شعره طويلاً فاحم السواد، و يضع فوقه قلونسوة أوزبكية . كان حسن جان يتمتع بالشجاعة الفائقة والعاطفة الدينية الجارفة .

وبحكم شبابة الغض ــ وكان فى أوائل العشرينات من عمره ــ و رغم خشونة حياته وممارستة المبكرة للقتال فى ميادين المعارك، الا أنه كان ذو عاطفة جياشة. وسريعاً ما تعلق قلبه بفتاة جميلة ، نفترض أن إسمها كان شيرين (أى حلوة)، لأن الأسم كان الأكثر إنتشاراً بين الفتيات . ومن هنا بدأت مشاكل حسن جان .

 كان حسن جان يسكن فى بيت كبير على أطراف كابل، إستأجره التنظيم الأوزبكي واتخذه مقراً ومركزاً إدارياً . أقام حسن جان لأشهر طويلة داخل ذلك المقر الشبيه بالقلعة كثيرة الغرف . وله فناء واسع به عدد من الأشجار، وأحواض مزروعة بالخضروات، يرعاها شباب من أصول ريفية تحن قلوبهم إلى الأراضي الخصبة فى بلادهم.

إلى جوار القلعة، أو المقر الأوزبكي، كانت توجد بيوت بأحجام مختلفة ضمن حي متوسط الحال على أطراف العاصمة . فى البيت المجاور كانت تسكن ( شيرين ) التى تعلق بها الشاب حسن جان . فكانت هى أمله فى أيام حالمة، وبهيجة لا يدري حسن كيف يحققها أو ما إذا كانت ستحدث أم لا. فحياته كانت معقدة للغاية ، والظروف من حوله خطيرة. فالحركة الإسلامية الأوزبكية كانت فى صدام دموى مع حكومة بلادها . وأخوان له هناك إما قتلوا أو سجنوا .

 وبعضهم فعل مثله ، فعبروا نهر جيحون  سباحة ــ صوب مدينة مزار شريف الأفغانية ــ أو فى قوارب صغيرة  مع عائلاتهم.

حرس الحدود الأوزبكى، قتلوا العديدين أثناء العبور وأعتقلوا آخرين ثم قتلوهم تحت التعذيب.

 كان للحركة الإسلامية الأوزبكية مقر على الجانب الآخر من نهر جيحون ، يشعل خيال الشباب الأوزبكي بفجر إسلامي ملئ بالعدالة والأمن والكرامة، أى بكل ما يفتقدونه فى حياتهم الحالية .

من مدينة مزار شريف إنتقل حسن جان إلى مقر آخر للحركة فى العاصمة الأفغانية. وقد إختاره للعمل هناك رئيس التنظيم (محد طاهر جان) وهو شاب فى بداية الثلاثينات من العمر، قوي الشخصية ، شجاعاً وقيادي بالفطرة . ومع ذلك كان عطوفاً ومتسامحاً فى بعض الأحيان رغم شدتة وحزمة .

ضمن قوة تابعة للحركة الأوزبكية ، إنتقل حسن جان إلى كابل للقتال ضد تحالف الشمال الذى كان يقوده ( أحمد شاه مسعود ).

ظهرت مواهب حسن جان القتالية فى ميدان الحرب شمال كابل. وفاق إخوانه فى الشجاعة فكان مضرباً للأمثال .

ولكن العاطفة هزمت البطل حسن جان .فوقع فى غرام فتاة من الجيران . فوجد نفسه واقعاً فى معضلة لا يستطيع لها حلاً. فهو غير قادر على الزواج، وفى نفس الوقت غير قادر على الحياة بدون (شيرين) التى تفصلها عنه عدة جدران من الطوب، لو أعلن عليها الحرب لنسفها فى دقائق.

 المعضلة الأخطر هى أن شيرين تنتمي إلى قومية الطاجيك التى يقاتل ضدهم حسن جان فى شمال كابل. أى أن حسن جان وشيرين ينتميان إلى جيشين متحاربين رغم أنهما جاران فى حي واحد .

بدأت مشاكل حسن جان عندما كان عائداً من خط القتال فى شمال كابل وأخذه الشوق إلى شيرين، فصعد إلى سطح البيت ينظر باحثاً عنها فى فناء المنزل المجاور. كان ذلك تكراراً لمحاولات نجحت أحيانا فى جمع شمل الحبيبين وسط نيران الحرب الأهلية.

كانا يتبادلان الإشارات والإبتسامات السريعة. وكان حسن لا يمل من إنتظار شرين. كما كان لا يمل فى الجبهة من الترصد ببندقيته القناصة لجنود الشمال ، وربما كان بعضهم من أقارب شرين.

وكالعادة يتربص سوء الحظ بالمحبين، فتنْهال عليهم المصائب بمقدار العواطف التى تربطهم .

وقعت أول مصيبة على حسن جان عندما ضبطه رجال الأمر بالعروف والنهى عن المنكر التابعين للمركز. فقبضوا عليه متلبساً بالجريمة وعقدت له محاكمة، وصدر عليه حكماً بالجلد كعقوبة. والجلد هنا يتم بمقاييس أوزبكية وليس شرعية . فكان عنيفاً يحفر قنوات فى البشرة فتسيل الدماء على ظهر المُذْنِب .

على قدر آلآمه المبرحة ، فإن حسن جان ظل حبه شامخاً ومتحدياً. فكرر نفس الجريمة مرة ثانية ثم ثالثة . وكان يعاقب بنفس الشدة فى كل مرة ، حتى تقيح ظهره من شدة الضرب.

وفى المرة الرابعة رفعت مجموعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر توصية إلى رئيس التنظيم (طاهر جان) بأن يفصل ذلك المتمرد العاصي، ويستبعده من صفوف الجماعة .

ولكن طاهر جان كان يشعر بالمأساة التى بعيشها حسن جان. وأن ذلك ـ البطل الوسيم ـ يستحق أن يساعده على الزواج من جارته الحسناء شيرين.

لولا أن ذلك يستوجب إيقاف الحرب الأهلية، وهذا أمر أقرب منه نجوم السماء. خاصة وأن الأمريكان أرسلوا طائرتهم لدعم تحالف الشمال وأظهروا عزماً على إحتلال البلد. وعلى هذا فإن ما يفصل حسن جان عن شرين ليس عدة حيطان من الطوب والأسمنت، بل حرب أهلية ضمن غزو أجنبي تشنه دولة عظمى. وذلك أمر فوق طاقة حسن جان وفوق طاقة زعيمه طاهر جان، بل فوق طاقة أى أحد فى هذا العالم .

قرر طاهر جان أن يسحب ذلك الشاب ـ البطل سيئ الحظ ـ من مقر التنظيم فى كابل، ليعمل سائقاً وحارساً شخصياً له .

كانت كابل فى حالة سقوط و التنظيم الأوزبكي يهجر مقره فى العاصمة. وينقل الأفراد والمهمات جنوباً إلى ولاية لوجر. ساعات قليلة كانت تفصل كابل عن السقوط فى أيدى تحالف الشمال المدعوم بالطائرات الأمريكية التى حطمت قوات طالبان التى تواجه التحالف فى شمال العاصمة. وكانت تهاجم أحياناً قوافل الأهالي الهاربين .

حسن جان فى ذلك الوقت كان قد غادر بسيارته (البيكاب) حدود كابل ودخل فى بداية محافظة لوجر .

يعتبر مضيق (تنجى) موقعاً مثالياً للكمائن. فالطريق المرتفع محصور ما بين الجبل قليل الإرتفاع والقناة الصغيرة العميقة، والأشجار الطويلة التى تحيط بها . وبالفعل وقع حسن جان وسيارته فى كمين نصبه تحالف الشمال .

كان حسن جان يحمل العديد من الأسلحة والمهمات فى صندوق السيارة (البيكاب) وفوقها عدد من المجاهدين الأوزبك ، وإلى جانبه  وخلفه فى مقصورة السيارة  عدد من الزملاء .

رصاص المهاجمين يصيب بسهولة تلك الأجساد المكدسة، فقتل وجرح العديدين، فتساقطوا فى كل مكان . ومن الصندوق الخلفى قفز بعض الذين لم يصبهم الرصاص. وتبادلوا إطلاق النار مع المهاجمين .

حتى تلك اللحظة، حسن جان سحب بندقيته ، ومن نافذة السيارة أطلق النيران على المهاجمين وقتل عدداً منهم. ثم تحول إلى نافذه الجانب الآخر ليطلق منها النيران على من يتقدمون نحوه،. ولكن طلقة أخترقت فخذه الأيسر ومزقت وريداً رئيسياً إنفجر منه الدم مثل البركان. هرب المهاجمون وأخرج الشباب الأزبك زميلهم المصاب وقد غمرته الدماء . حاولوا إيقاف النزيف ولكن بلا جدوى، فالدم ظل يندفع  من الوريد بقوة ، إلى أن توقف قلب حسن جان.

 كانت تلك هى النهاية الطبيعية لذلك الحب المستحيل بين البطل حسن جان، والحسناء شيرين . وهو أفضل ما يمكن أن تقدمه الحرب الأهلية لعاشق بطل من الأوزبك وفتاة جميلة من الطاجيك.

توقف قلب حسن جان ورحلت معه مشاعر داهمته فى المكان الخاطئ والزمان الخاطئ. وبدلاً من الأفراح التى كان يحلم بها العاشقان، دفن جسد حسن جان فى صحراء لوجر.

[ وكما يموت الناس مات ] .

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world

 

ذات يوم (21) .. حسن جان و شيرين : روميو و جولييت فى حرب كابل الأهلية

 



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا