إنها أفغانستان أيها الغبي !

بقلم : مصطفي حامد – ابو الوليد المصري

مجلة الصمود الإسلامية | السنة السادسة عشرة – العدد 183 | رمضان المبارك 1442 ھ – أبريل 2021 م .   

27-04-2021

 

إنها أفغانستان أيها الغبي !

– على أي رئيس لأمريكا ألا يتمادى في الخطأ، حتى لا يدمر بلاده في أطول الحروب خلال تاريخها القصير. إنها ليست الشرق الأوسط.. إنها أفغانستان أيها الغبي.

– تشكيل حكومة مختلطة بين نظام كابول والإمارة الإسلامية، هو مطلب يشمل جميع الشروط اللازمة لإحباط أهداف الجهاد وإعادة أفغانستان إلى وضعية المستعمرة الأمريكية.

– العلاقات الجيدة، والموقع المتوسط بين دول الإقليم، يعتبران الملجأ الأول للإمارة الإسلامية للوقاية من العقوبات الإقتصادية المتوقعة، والتي تمارسها أمريكا على الدول غير الخاضعة لها.

– تعتبر بدخشان هي (المغارة السرية لكنوز أفغانستان) من الأحجار الكريمة والذهب والخامات النادرة، ومنابع نهر جيحون التي تنسج إسرائيل من حولها خيوطاً معقدة من التآمر اليهودي.

– الهزيمة العسكرية أورثت أمريكا ضعفاً سياسياً بين حلفائها، وتراجعاً نسبياً في قدرتها على السيطرة داخل التحالف (خاصة المرتزقة ومراكز القوى المتصارعة داخل نظام كابل، وتَغَوّل النفوذ الإسرائيلي وطغيانه حتى على المصالح الأمريكية نفسها).

تحميل مجلة الصمود عدد 183 : اضغط هنا

 

لم تلجأ الولايات المتحدة إلى التفاوض مع الإمارة الإسلامية إلا بعد أن واجهت هزيمة حتمية في ميدان المعركة، قادتها إلى قرب نقطة الجلاء الشامل عن أفغانستان وسحب جميع قواتها بدون مفاوضات.

وإذا اعتمدنا على الأرقام التي تذيعها أمريكا ـ مع تحفظنا الكامل على صحتها ـ فإن أمريكا بدأت حربها باستخدام مئة الف جندي من قواتها. أما قوات حلف الناتو فإنها بلغت حوالي ثلاثين ألف جندي.

فتكون أمريكا قد بدأت حربها بحوالي 130,000 جندي على أقل تقدير، وهو رقم يقترب من عدد قوات الجيش الأحمر الذي غزى أفغانستان في أواخر ديسمبر 1979. مع الفارق الهائل في مستوى تطور الأسلحة ـ خاصة سلاح الطيران ـ والذخائر التي استخدمها، مثل قنابل اليورانيوم، ذات قوة التدمير غير المعهودة مع التلويث الإشعاعي طويل الأمد. وأنواع لا حصر لها من القنابل والصواريخ، وصولا إلى (أم القنابل) ذات الأحد عشر طنا وهي أكبر قنبلة تقليدية في العالم.

تقول التقارير الأمريكية أن الرئيس أوباما خفض عدد قواته في أفغانستان حتى وصل إلى 8400 جندي بنهاية فترة رئاسته الثانية ـ أوباما كان قد وعد بإخراج قوات بلاده من أفغانستان (بحلول 2014) وكان قد اغتال بن لادن في أول مايو 2011.

ثم أجَّلَ أوباما موعد الانسحاب إلى نهاية 2014. ثم تجاهل أيضا ذلك الموعد، إلى أن تسلم الرئاسة منه ترامب، الذي أحدث تغييراً شاملا في استراتيجية الحرب على أفغانستان لتصبح بالكامل حرب تتولاها شركات (المتعاقدين) أي المرتزقة.

في البداية رفع ترامب عدد قواته في أفغانستان إلى 14000 جندي لتفادي انهيار القوات الأمريكية والحليفة لها. ولكن مع اكتمال التحول إلى نموذج حديث من حروب المرتزقة، لم يجد ضرورة لكل تلك الأعداد من الجيش النظامي، فخفض عدد قوات بلاده حتى وصل به إلى 2500 حسب تصريح الأمريكيين.

كان الجيش الأمريكي وحلفائه في مسيرة محتمة نحو هزيمة عسكرية، وخسارة متزايدة ليس في الأرواح والمعدات فقط، بل أيضاً في تحقيق أهداف العدوان. أي تحويل أفغانستان إلى أكبر مصنع للهيروين وتصديره إلى العالم.

بمجهود شعبي وجهادي انكمش ذلك الهدف تحت أرجل العدوان، وأصبح العائد المتبقى في أيدي الأمريكيين غير مُجْزٍ في مقابل حرب كبيرة بهذا الشكل. ومع ضعف الأمريكيين عسكرياً تدخل عدد كبير من المنافسين والطامعين والأعداء فيما تبقى من غنيمة الأفيون. فأصبحت الحرب (غير اقتصادية) بالنسبة للأمريكيين، ناهيك عن فضائح خسارة الجيش الأمريكي التي بدأت تتسرب إلى العالم، بعد حرب طويلة واستخدام أسلحة هي الأرقى والأخطر في العالم، ولكنها كانت الأكثر فشلاً في إخضاع شعب فقير معظم أفراده يعيشون على الحافة بين الحياة والموت. ويقوده في تلك الحرب الحديثة المعقدة شباب طلاب العلوم الشرعية، الذين ارتقوا في استيعاب فنون الحرب لدرجة جعلت من جيوش أمريكا والناتو يظهرون كجيوش من القتلة الفاشلين.

 

هروب نحو التفاوض

لجأت أمريكا إلى المفاوضات تحت ضغط فشلها العسكري، ومسيرتها المؤكدة نحو هزيمة عسكرية ستكون وبالاً على مكانتها الدولية.

وما كان ينبغي مسايرة الأمريكيين في طريق التفاوض، وكان الأولى مواصلة الضغط العسكري عليهم لإرغامهم على الانسحاب في ظلال الهزيمة العسكرية.

لكن أمريكا نجحت في تكتيل عدد كبير من الوسطاء وأدوات الضغط السياسي والدعائي في الداخل والخارج تدعو إلى التفاوض. وكان هدفها استدراج الإمارة الإسلامية بعيدًا عن ميدان الحرب نحو ميدان لا يجيدون السير فيه. فخبرات المجاهدين الأفغان منذ الغزو السوفيتي كانت محصورة تقريبًا في المجال العسكري، أما الجانب السياسي فكانت تتولاه عادة الدولة المضيفة للأحزاب أو الممولة لهم وتحتضن مجهودهم الدعائي والإعلامي.

ربما لأول مرة خلال قرن من الزمان أو أكثر، تتولى حركة جهادية التفاوض بالأصالة عن نفسها. لهذا كان من الطبيعي أن تحدث أخطاء. ولكن المجاهدين تعلموا الدروس بسرعة أدهشت الأمريكيين الذين ارتَدَّت عليهم الكمائن السياسية التي جهزوها للقضاء على الإمارة الإسلامية، وتبديد ثمار جهادها الناجح في العقدين الأخيرين. أكبر هذه الكمائن كان مؤتمر اسطنبول الأخير الذي رفضت الإمارة الإسلامية حضوره. فسقط الأمريكيون في الكمين الذي جهزوه بأنفسهم للإمارة الإسلامية.

المسافة الفاصلة بين موقف الإمارة الإسلامية من مؤتمر اسطنبول، وبين أهداف الولايات المتحدة من عقد ذلك المؤتمر توضح مدى الكارثة السياسية التي وقعت فيها الولايات المتحدة. يتضح ذلك فيما صرح به الدكتور محمد نعيم وردك المتحدث الرسمي للمكتب السياسي للإمارة مُذَكِّراً بثوابت الموقف السياسي للإمارة، وهي:

1 ـ استقلال البلاد.

2 ـ انسحاب القوات الأجنبية.

3 ـ إقامة نظام إسلامي.

تحميل مجلة الصمود عدد 183 : اضغط هنا

 

أما المطالب الأمريكية.. فمحاورها الأساسية هي:

1- تشكيل حكومة مختلطة بين نظام كابول والإمارة الإسلامية. وهو مطلب يشمل جميع الشروط اللازمة لإحباط أهداف الجهاد وإعادة أفغانستان إلى وضعية المستعمرة الأمريكية التي تدار وفقاً للنموذج المشوه الذي تدير به أمريكا دولة العراق، بأقل قدر من قوات الاحتلال، مع تحقيق كامل لجميع أهدافه السياسية والاقتصادية، ومطاردة أي مقاومة مسلحة، مع إشعال الصراعات الداخلية المذهبية والعرقية، وتغيير شامل لثقافة المجتمع وما تبقى فيها من آثار للإسلام، وإحلال الثقافة الغربية مكانها، تحت إدعاءات (الحقوق) ما بين حقوق امرأة ـ وطفل ـ وأقليات ـ وحريات تعبير واعتقاد. وترويج وحماية الفساد كمظلة عامة للمجتمع، أو بالأحرى ديانة جديدة تشمل كافة نواحي الحياة.

واضح أن النموذج الاستعماري في حكم العراق يتعارض بالكامل مع النموذج الإسلامي للإمارة الإسلامية المحدد في مطالب (د.نعيم): أي استقلال البلاد ـ انسحاب القوات الأجنبية ـ وإقامة نظام إسلامي.

2- ثاني الأهداف الأمريكية الكبرى من مؤتمر اسطنبول كان إلغاء مبدأ الانسحاب العسكري. وخروج المؤتمر بسلسلة قرارات أهمها إجبار الإمارة الإسلامية (وحركة طالبان) ولو بقوة السلاح للإنخراط في حكومة مشتركة مع نظام كابول العميل.

وكما تناسى أوباما وعوده بالانسحاب في 2014، يتناسى بايدن تعهد بلاده في اتفاق الدوحة بإنجاز انسحاب كامل لجيوشها من أفغانستان بحلول أول مايو2021.

3- ترغب أمريكا بالإبقاء على تواجد عسكري صغير نسبيًا ومتفوق نوعيًا وتكنولوجيًا، للإشراف على برامجها في أفغانستان ـ خاصة برامج النهب الاقتصادي. وبرامج إخراج الإمارة الإسلامية من دائرة التأثير فى شؤون قارة آسيا، بما يتناسب مع عظمة انتصارها العسكري، كما حُرِمَ المجاهدون سابقًا من الثمار السياسية لانتصارهم على السوفييت. وما يخيف أمريكا أكثر هو التطور الكبير للقوى الأسيوية خاصة الصين وإيران وروسيا، واتجاههم نحو استقلالية وندية في مواجهة أمريكا. وأن الضغوط الأمريكية على أفغانستان سيجعلها تقترب أكثر إلى محيطها الأسيوي وليس إلى تحالفها التقليدي مع أمريكا وأوروبا ودول النفط العربي.

يُقلق أمريكا كثيرًا وجود الإمارة الإسلامية على أحد أهم محاور طريق الحرير، يربط بين الصين وإيران. وموقعها المتوسط كأهم حلقة اتصال في آسيا بين دول الجنوب والشمال الأسيوي وشرق آسيا وغربها، بما يضمن تفوقاً فى الجغرافيا السياسية لأفغانستان، واحتمالات إمتلاكها لقوة عظمى في الاقتصاد والتأثير الثقافي، وإمكانية تشكيل مركز روحي وثقافي تلتف حوله الأقليات المسلمة في دول آسيا الكبرى، التي تحتفظ بعلاقات متوترة أو ملغومة مع مواطنيها المسلمين.

العلاقات الجيدة والموقع المتوسط بين دول الإقليم، يعتبران الملجأ الأول للإمارة الإسلامية للوقاية من العقوبات الاقتصادية المتوقعة، والتي تمارسها أمريكا على الدول غير الخاضعة لها، حتى لو استمرت الضغوط لعشرات السنين. الجغرافيا هنا تلعب دورًا مركزيا. وسياسة الإمارة الخارجية مع دول الإقليم ودول الجوار ستكون العنصر الحاسم لإبطال سلاح الحرب الاقتصادية التي سوف تشنها أمركيا على الإمارة الإسلامية التي تتمسك بجدية الالتزام بمبادئها.

4- التصور الأمريكي لحل مشكلة أفغانستان (وهو حكومة مشتركة) يضمن احتلالها للبلاد بأرخص التكاليف، وبلا مقاومة مسلحة، بل وتخريب مرتكزات الجهاد فتجعله، فكرة غير قابلة للتنفيذ مستقبلا. وقد نجحت في ذلك في الكثير من الدول الإسلامية والعربية. هذه المرة تتصور أمريكا أفغانستان محتلة بنظام فاسد ومجتمع فاقد الهوية، تَرَاجَعْ فيه الإسلام تحت ضغوط شتى من الحرب إلى الدعاية. دولة تدور في الفلك الأمريكي وتسيطر عليها إسرائيل. أي مجرد دولة شرق أوسطية ولكن في وسط آسيا.

5- على رأس المشاريع الاقتصادية / السياسية لأمريكا في أفغانستان يأتي التنظيم الجديد لتجارة المخدرات في ظل ظروف الهزيمة العسكرية وإعادة صياغة الاحتلال العسكري. فإلى جانب تسهيل استخدام ثوري للحشيش في العالم، شرعت منذ فترة داخل قواعدها الجوية في أفغانستان ابتكار مخدرات صناعية (خطيرة أو عالية الخطورة)، وأخرى نصف صناعية، لتعوض خسائرها في السوق الدولي للمخدرات نتيجة لتَزَاحُمْ المنافسين حتى من الحلفاء أنفسهم. الهزيمة العسكرية أورثت أمريكا ضعفاً سياسياً بين حلفائها وتراجع نسبي في قدرتها على السيطرة داخل التحالف (خاصة المرتزقة ومراكز القوى المتصارعة داخل نظام كابل، وتَغَوّل النفوذ الإسرائيلي وطغيانه حتى على المصالح الأمريكية نفسها).

6- ولاية بدخشان تحتل مكاناً في مقدمة الأهداف الاقتصادية والسياسية للاحتلال الذي يخطط له الأمريكيين في أفغانستان. فمن ناحية اقتصادية تعتبر بدخشان هي (المغارة السرية لكنوز أفغانستان) من الأحجار الكريمة والذهب، إلى الخامات النادرة. إلى منابع نهر جيحون الذي تنسج إسرائيل حول منابعه خيوطاً معقدة من التآمر اليهودي.

ومن ناحية الجغرافيا السياسية لبدخشان فإنها مرشحة لتغيرات خطيرة قد تقود الى حروب مدمرة ومزمنة، لأسباب منها تغيير الحدود بين طاجيكستان وأفغانستان. وبين كل من الهند وباكستان مع ولاية بدخشان. وإغلاق ممر واخان في وجه طريق الحرير المزمع امتداده من الصين عبر أفغانستان صوب إيران وصولا إلى الخليج الفارسي وبحرالعرب.

وحاليا تشهد بدخشان حرباً طاحنة مرشحة للتصاعد وربما التوسع إقليميا أو حتى دوليا. فإسرائيل تُعامِل بدخشان على أنها الحدود الشرقية لإمبراطوريتها اليهودية العالمية التي مركزها القدس الشريف.

حدود بدخشان (الإسرائيلية) لها صفة العالمية، بدعم من القوة العسكرية الأمريكية. فهي تجاور بل (وتهدد!!) الصين، القوة الأولى الوشيكة للعالم. وتلاصق الهند، الدولة الأسيوية الأولى في عدد السكان، والثالثة اقتصادياً، والحليف الأسيوى الأوثق لإسرائيل بفضل الحكم الهندوسي المتطرف في نيودلهي. يزمعون (أمريكا وإسرائيل) اقتطاع جزء من الحدود الجبلية الجليدية بين الصين وكل من الهند وباكستان، وضمها إلى بدخشان. وبذلك ينقطع الاتصال البري بين الصين وهذين البلدين، كجزء من حصار الصين ومنع وصولها إلى مياه بحر العرب عن طريق باكستان.

مهما كانت المخططات الأمريكية (الإسرائيلية) طموحة ومحكمة وشيطانية، إلا أن من وضعوها سوف يسقطون فيها، ويغرقون في أفغانستان. مقبرة الإمبراطوريات الغازية ـ والحصن الأعظم للإسلام.

فما زالت بنادق البريطانيين، التي غنمها الأفغان في حروبهم ضد الحملات البريطانية، موجودة ضمن مقتنيات الكثير من العائلات الأفغانية ـ بل وقاتلوا بها ضد الانقلاب الشيوعي عام 1978.

والأسلحة السوفيتية التي غنمها المجاهدون من الجيش الأحمر كانت هي أساس المقاومة الجهادية التي صفعت وجوه الأمريكيين وحلفائهم عام 2001.

والأسلحة الأمريكية المكتسبة من غنائم الجهاد ضد الحملة الصليبية الأمريكية، هي نفسها التي تحرق تلك الحملة الآن، وتحرق أولا بأول مسيرة الحملة الإسرائيلية لاحتلال أفغانستان(تحت حماية أمريكا وحلف الناتو).

إمارة أفغانستان ليست إحدى إمارات النفط في الشرق الأوسط. وجهادها جهاد حقيقي نابع من إسلام حقيقي، يعتنقه ويدافع عنه بالأرواح رجال حقيقيون، وليسوا أشباه رجال.

على أي رئيس لأمريكا ألا يتمادى في الخطأ حتى لا يدمر بلاده في أطول الحروب خلال تاريخها القصير. إنها ليست الشرق الأوسط.. إنها أفغانستان أيها الغبي.

تحميل مجلة الصمود عدد 183 : اضغط هنا

 

بقلم  :
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world