سلسلة مقالات 33 استراتيجية  للحرب -17- (استراتيجيات الضغط)

0

سلسلة مقالات 33 استراتيجية  للحرب -17- (استراتيجيات الضغط)

بسم الله الرحمن الرحيم

17- استراتيجيات الضغط

 

فلسفة الأناكوندا: “التي تسمح بافراغ الهواء لا إدخاله .. تقيد عدوها وتخنقه وتحرمه من المبادرة .. تعصره وتفرمه وتشكله لتتمكن من التهامه كاملاً” .. لا حدود لقسوتها .. إنها غريزة الحيوان .. وما أكثر وجودها بين البشر ..

ركز بعمق على القاعدة التالية: “دافع وأنت تهاجم .. وهاجم وأنت تدافع .. وهاجم بعنف وأنت تفاوض” ..

في الصراع مع من «أبَى» علينا: [ أن نضغط ونقاوم ضغط الأعداء في آن واحد .. المطلوب: “أولاً أن نحدد طبيعة العلاقة ونُعرفها .. ثانياً أن نضبط سرعة الإيقاع ونفرض إيقاعنا” ] ..

في الصراع السياسي والعسكري التحدي والاستفزاز يسهل نقل موضوع الصراع إلى منطقة من اختيارنا .. تقتضي الحكمة السيطرة على نمط تفكير العدو  واستدراجه إلى متاهة الغضب أو العظمة أو الرضا: “تغضبه ليفقد اتزانه ويقع في سلسلة لا متناهية من الأخطاء .. تمدحه ليزهو بنفسه ويترفع على العقلاء ويبقى فريسة جهله ووحدته وأنانيته .. تشعره بالسيطرة لتقل يقظته ويتملكه الرضا القاتل عن نفسه” .. القائد المنتصر في الصراع العسكري يفرض على أعدائه مجالاً يحجمهم فيه ويسمح لهم بالتنفس .. ويمنحهم فرص لإعادة التفكير والاختيار فنحن مسلمون ولسنا أناكوندا ..

 

من البراعة قبل الحرب:

أن نعرف أعداء الدين ونصنفهم لنحسن التعامل مع كل صنف: الدعوة للجميع .. ومنهم من تغزوه بالقوة الناعمة .. ومنهم من تغزوه بالقوة الخشنة .. ومنهم من تتحالف معه .. ومنهم من تهادنه …إلخ .. والواجب ليس ابقاؤهم فقط تحت ضغط السنان واللسان بل إمرار سحب الرحمة الاسلامية في التعامل عبر سمائهم ليقارنوا بينها وبين ظلمات حياتهم ..

وهذا لا ينفي أن هناك خصوم ومنافسون ينتمون للدين ولكن طموحهم تسوقه أطماعهم .. فالحرص كل الحرص على عدم سفك الدم الحرام فيقدم الصلح والقضاء على القتال .. قال تعالى{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {9} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {10}الحجرات ..

 

ومن البراعة في الحرب:

أن نسيطر على فكرهم العسكري ونستدرجهم إلى منطقة نألفها ولا يألفونها .. أن نحضر الميدان بما يمنحنا التفوق ويحرمهم منه ( بدر ) .. بأن نمنحهم طعماً ما يتوهمونه ضعفاً فهذا يجعلهم يندفعون حيث نريد أن نحشدهم ( حطين ) .. ولطالما حارب المسلمون الأوائل وظهرهم إلى الصحراء .. وسمحوا لعدوهم بعبور الجسر بعد أن جربوا عبوره .. وحاصروا عدوهم وظهره للهاوية ( اليرموك ) .. وبنو أو حفروا الموانع ليكسروا إرادته ( الخندق ) .. ودمروا الإمبراطوريات بحرب العصابات ( أفغانستان ) .. هكذا فعل عباقرة القادة ساقوا أعدائهم لحتفهم بظلفهم ..

والقاعدة في ذلك: لا تُقبل على حرب حضر لها العدو .. واستدرج العدو إلى حرب حضرت لها ..

 

ومن البراعة بعد الحرب:

بل من الحرص على الإنسان في الأرض أن نمنح جنود العدو وشعبه بعد هزيمتهم فرصة يتنفسون فيها تحت ظلال الإسلام ونجدد لهم الدعوة ونمنحهم الخيارات .. بعد أن رفع عنهم ضغط الساسة وأئمة الضلال وتحررت عقولهم ..

كذلك أن نحدد للخصوم أو المنافسين مجالاً ينفسون فيه عن كبتهم؛ يحفظ حياتهم ويمنعهم من الفتنة .. أن نسمح لهم بالقدر الذي يمنحهم الأمن والاستقرار ولا يمكنهم من أخذ زمام المبادرة .. وقديماً قال معاوية رضى الله عنه: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي .. ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني .. ولو كان بيني وبين الناس شعره ما انقطعت إذا مدوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها ..

وختاماً: عند الساقية تستر أعين الفحول وتعلق على أكتافهم مهمة إخراج الماء لنفع الناس .. بعض الناس لا ننجح في هدايتهم أو نتوافق معهم؛ فلسنا المختارين لهذه المهمة ( الهداية ) فلكل قوم هاد .. لكن .. يمكن إشغالهم بالنفع العام بدلاً من إهمالهم وتهميشهم وتركهم لأنفسهم .. لعلهم يهتدون ولعلنا نتوافق ..

 

مبادئ استراتيجية الضغط:

1- أبقهم مستنزفين:

وهذا من فلسفة حرب الضعيف ضد القوي .. يبقيه دائما مستنفراً غاضباً مهموماً متعجلاً متوجساً لاهثاً خلف طيف لا يمسكه ولا يقضي عليه .. إذا أراد العدو أن يرتاح نغص عليه الوقت والمكان .. حول هجوم العدو إلى رد فعل متعجل يندفع إليه بذهن مشتت .. وكلما خطط العدو لأمنه واستقراره اضربه في مكمنه وزاد من توجسه وحيرته .. وإذا أراد العدو أن يفكر أثقلته هموم ديونه واستنزاف اقتصاده .. اجعل مسيرة عدوك سلسلة من النكد تنتهي بيأسه وهزيمته ومن ثم خضوعه التام .. إنها الحرب المجلية أو السلم المخزية .. وفق استراتيجية تنسجم مع حجمنا الصغير وقدراتنا المحدودة ضد ديناصورات القرن الحادي والعشرين ..

 

2- اختر الميدان وابتكر نظرية التغيير المناسبة:

فمن بدر وأحد والخندق إلى اليرموك والقادسية والفسطاط والقدس .. ومن أفغانستان وفلسطين واليمن والصومال والمغرب والعراق والشام ومصر وليبيا ومالي إن شاء الله إلى العالم أجمع .. هذه اليوم أراضي عملنا ويجب أن يختار أهل كل أرض ما يناسب شعبهم وإمكاناتهم ويبتكروا رؤى التغيير المناسبة ويبنوا الاستراتيجية التي تحقق أهدافهم ..

وأي ميدان توقفت فيه الفتوحات وانكمشت المناطق المحررة وتعطل تحقيق الأهداف فعليهم أن يراجعوا علاقتهم بالله أولاً وبأسباب التحول والانكماش ثانياً .. ومن هذه الأسباب: في بعض هذه الساحات وأثناء مسيرتها الجهادية أحدثوا تغييرات جوهرية في الاستراتيجية التي تحقق بها العديد من الانتصارات .. وتعجل بعض العاملين فيها ليحقق له ولدولته المزعومة أو لفصيله تواجد سياسي وإداري تحت مظلة الخلافة والسلطان قبل القضاء على العدو وفض تحالفاته .. وانفرط النظم بخصومتهم الداخلية وقتالهم لحلفاءهم بالأمس ورفاقهم في التغيير .. فدخلوا في متاهة اجتهادهم وفقدوا اتجاههم وضل سلاحهم .. على هؤلاء جميعا أن يقفوا لله وقفة تجرد وإخلاص ولا يغرهم تزين بطانتهم وتبريرها لسقطاتهم أو غش من يدعمهم ويمنيهم من الخارج .. فهي لن تجدي في الدنيا ولن تنفعهم في الأخرة .. وليكونوا على يقين بأن تأخرهم في الإصلاح نذير شؤم لهم وإنذار بالاستبدال .. أما شعبهم وأمتهم فلهم الله يُخرج منهم سبحانه وتعالى من ينصر دينه ..

 

3- أفشل استراتيجيتهم وزد من أخطائهم:

بات مألوفاً أن نكتب عن كيف نجحت حرب العصابات في إفشال استراتيجية النظام .. لنكتب اليوم بعض صور إفشال النظام لاستراتيجية حرب العصابات:

– يتعمد النظام في مرحلة أولية من الصراع وبسبب شراسة الهجمات إلى التخلي عن بعض المناطق البعيدة من العاصمة ليتملص من تبعاتها ويحملها للعصابات وذلك لأسباب منها: ضعف ولاء السكان .. صعوبة الدفاع عنها وبالتالي سهولة استعادتها مستقبلاً .. ضعف القدرة على الانفاق عليها ..

– يقوم النظام في المناطق التي تخلى عنها بترك جيوب موالية له تعمل كطابور خامس حال تمدد العصابات وتمارس أعمال التجسس والتخريب النفسي والمادي ..

– يقوم النظام بتشكيل عصابات موازية تشعل حرب جانبية مع العصابات الحقيقية وتنافسها على شعب المنطقة أو تفسد نقاء عملية التغيير وتصيب الشعب باليأس من كسب المعركة مع النظام ..

– فسح المجال أمام العصابات لتتمدد على بقعة تفوق قدراتها البشرية .. وضع العصابات في حالة استنزاف اقتصادي بالانفاق على سكان المناطق التي انسحب منها .. استهلاك واشغال العصابات في توفير الأمن للسكان والسيطرة على اللصوص والمجرمين ..

– سرقة الوقت من العصابات حيث لم تنضج كوادرهم فتكثر أخطاؤهم ولم يتعرف عليهم السكان بعد فتهدم الثقة بينهم .. تمنح النظام مزيداً من الوقت لكسب حلفاء إقليميين ودوليين يساهمون في دعمه .. عقد هدنة مع بعض فصائل العصابات الضعيفة ليتفرغ للأقوى منها .. يقوم النظام بإرهاب وتحيد حلفاء العصابات الاقليميين ..

– بانكماش النظام وتمدد العصابات تتوهم العصابات بأنها أصبحت ذات قدرات نظامية تمكنها من الحسم وبالتالي يتم استدراجها إلى حرب تفوق منظومتها العسكرية فيقضي عليها فيها … إلخ ..

– يساهم النظام في حرق المراحل على العصابات حتى يقضي عليها قبل أن تستوعب تجربتها وتستغرق وقتها ويتعرف ويثق فيها شعبها وتبني منظومتها وتطورها وفق تدرج مرحلي سليم ..

– – على العصابات أن تنتبه لعنصر الوقت وعليها أن تقايض المكان بالزمان ..

 

4- الحرب خدعة:

نحن أمام مناورة ذهنية وحركية تتعلق بالنفس البشرية حيث تكثر الاحتمالات وتتنوع بحسب نفسية الشخصيات المتصارعة .. التي يجب أن يقدم لها الطعم المناسب الذي يحرك شهيتها لممارسة ما تجيده .. والخدعة إما إيجابية أوسلبية .. والسلبية تسعى بالضرورة لنتيجة إيجابية .. المناورات الايجابية لتحريك الجمود .. المناورات السلبية للسيطرة على الحركة .. هكذا يجب أن تسير الأمور ..

– المناورة السلبية هي: التي لا تستخدم فيها الوحدات العسكرية .. فهي مناورة ذهنية تمثل ضغطاً ناعماً على نفسية العدو ليقوم برد الفعل المخطط له من قبل المناور .. وهي ناجحة بدرجة كبيرة في فض التحالفات أو جلبها ..

– المناورة الإيجابية هي: أيضاً مناورة ذهنية ولكنها تعتمد على التحركات الأرضية للوحدات العسكرية .. تهدف للضغط على نفسية العدو وتستدرجه للقيام بالحركة الخطأ ..

– الطعم قد يكون معلومة يتعمد تسريبها ( نعيم بن مسعود – غزوة الأحزاب وتعتبر نموذجاً مثالياً للمناورة السلبية ) أو تحرك أرضي يصعب تجاهله أو تفويته ( المناورة الأكثر شهرة الفرار لإيقاع المطارد في كمين محكم وهي تعتبر ايضاً نموذجاً مثالياً للمناورة الإيجابية ) .. وكلا المناورتين تمثلان ضغطاً على نفسية القائد وسرعان ما يتجاوب معه

لإنجاح الخدعة لابد لمن يمارسها أن يكون عالما بنفسية القائد المقابل وهيئة أركانه .. مدركاً لنمط أفعالهم وبالتالي قادراً على التنبؤ بردود أفعالهم .. وبشكل عام فالخدعة يجب أن تغذي الصفة المسيطرة على شخصية القائد بحيث يلتهمها بنهم يشبع طبيعته ..

ومن نماذج القادة: الحذر .. العنيد .. المتهور .. المتباهي .. الوفي …إلخ ولكل منهم نقطة الضعف التي تؤتى منها فمثلاً:

القائد الحذر: يجب أن تمارس سلسلة من المناورات التي تغذي حذره وتزيد من مخاوفه .. نقطة ضعفه هي الخوف وهو بالتالي يحسن الحرب الدفاعية .. ولذلك لا يقدم على أي خطوة حتى يجتاز شكوكه وخوفه .. والمناورة الإيجابية فعاله جداً مع هذا النوع من القيادة فبمجرد تثبيت وحدات أمامه وتحريك قوات أخرى في حركة التفاف فهو يعتبره تهديد بالحصار مما يدفعه ( القائد الحذر ) عادة إلى الانحياز لنقطة تقيه هذا الحصار .. وبالتالي يفقد الأرض دون هجوم كبير عليه أو مقاومة منه .. وتكرار المناورة معه نافع وأثرها الأكبر يكون دائماً بحسب عمقها ..

القائد العنيد: يجب ألا تساهم مناورتك في تغذية عناده ورغبته في السيطرة بل تساير رغبته وتمنحه ما يجعله يرغب في مزيد من السيطرة ثم تفاجأه بما يكسر اندفاعته وتضعه أمام وضع يائس يفقده توازنه ويعجل بانهياره .. نقطة ضعفه تكمن في كبريائه وشرفه ( ليس متكبراً )  وبالتالي لا يمكنه أن يقف مكتوف الأيدي ليتلقى الضربات بل عليه أن يحقق ما يغذي عزة نفسه من انتصارات وبالتالي فهو يجيد الحرب الهجومية .. ومثله يصعب مواجهته فلا يمنح هذا بل يتم استدراجه في مواجهات صغيرة متعددة سرعان ما تنحاز ويطاردها .. حتى إذا طالت خطوط إمداده أمكن إعاقة تقدمة بقوات أكبر مع الالتفاف عليه وتطويقه .. وقطع الإمدادات عنه وإحكام حصاره ..

القتائد المتهور: تكمن نقطة ضعفه في انعدام صبره وعصبيته .. وهو لا يكف عن مطاردة أي حركة تلفت انتباهه .. إعداده للمعركة سيء واهتمامه بالاستطلاع والاستخبارات أسوء .. وهذا النوع من القادة ما أسهل أن تستدرجه لكمين محكم ينتهي فيه مع قواته ..

وهكذا يتم التعامل مع بقية الصفات الشخصية لقادة العدو .. والضغط عليها بما يناسبها ..

قال أبو جعفر المنصور: لقد أخرجت الثعلب من مخبأة .. لقد كان النفس الذكية محمد بن عبد الله بن الحسن ذكياً كريماً وفياً ولقد كان مقتله في حسن خلقه وتربيته .. فما هو نوع الضغط الذي مارسه أبو جعفر المنصور عليه ليخرجه .. راجع الصراع بينهما ففيه الكثير من الفوائد ..

من النماذج التي يصادفها الانسان في حياته النفسيات السلبية .. وهي تلك التي تواجه ضغوط الحياة بدرع من العناد ترفض من خلاله التعاون وتحاول به الهروب من المواجهة .. فمنهم من يظهر عدم الاكتراث لما يواجههم ويهربون منه بالصبر عليه .. وقد يتلذذ البعض بالمعاناة والألم وينتظر أن يرأف به معذبه وينتشله من معاناته ( حال الكثير من الشعوب العربية ) .. نوع آخر منهم يظهر الحكمة والتعقل ولكن أيضاً بلا فاعلية فهو يهاجم بعاطفة هائجة مشحونة بمشاعر ساخنة لصرف انتبههم عن التوجهات الايجابية وأسرهم في قوقعة من السلبية ( حالهم كالخازن الذي يتعلل لابقاء خزنته مغلقة لانه يجد مشقة كبيرة في الصرف منه ويرى فيما سبق وتم صرفه أنه استهلاك بلا فائدة وطان الأفضل لو بقي في الخزنة ) .. وهناك نماذج أخرى للنفسيات السلبية منها ما يطلق عليه “عبد المأمور” هذا النوع في خطابه يحتاج إلى مرجعية يقيس عليها الصواب والخطاء ومن ثم صدمه بين ما أمر الله وإملاءات رئيسه ثم يخاطب ضميره ليتوقف عن تنفيذ الأعمال الخاطئة .. والنماذج السلبية كثيرة والمطلوب فهمها وإدراك ماذا نقول لها ..

هذه العناصر السلبية سواء كانت أعضاء في تنظيم أو مكونات شعبية يغذي عنادهم السلبي محاولات دفعهم للايجابية وتكرار طلب ذلك منهم .. الحل الأمثل معهم هو التفوق عليها في السيطرة السلبية .. أي ممارسة الضغط السلبي عليهم .. فيم الإيحاء لهم بأن ما يمارسونه من سلبية هو تعاون معك وتنفيذ لمخططك .. وعلى مستوى الشعب فإن ما ينفذونه هو إملاءات النظام عليهم .. هذه المسايرة لأفراد التنظيم وهذه الموافقة من الشعب للنظام هو ما يهربون منه بعنادهم فكيف يطيعونهم؟!! .. هنا فقط يفقدون توازنهم ويتوقفون عن العناد السلبي ويعكسون سلبيتهم باتجاه التغيير .. وهو الهدف الذي تم التخطيط لتحقيقه ..

يقول البعض أن إبادة الخصم أو القضاء التام عليه يخلق خصوم جدد أكثر خبرة وقوة .. لذلك الابقاء على خصم ضعيف عركته مع الأيام خير من القضاء عليه .. ربما تفسر هذه المقولة رؤية ما تمارسه الأنظمة العربية مع جماعة الإخوان المسلمين .. وهو ما تسعى إليه أيضاً مع غيرها من الجماعات .. وهو ملاحظ إلى حد ما مع تلك الجماعات التي هزمت في القتال وانسحبت حتى من الممارسة السياسية واكتفت بممارسات إجتماعية وإنسانية تداوي فيها جراحها .. أسأل الله أن يعفو عنا وعنهم جميعا ..

هذه الإشكالية تعالجها الأجيال الجديدة التي اطلعت على نمط الحياة والتقدم للشعوب الأخرى .. هذه الأجيال تحركها رغبتها في التطور والتقدم وتقودها غيرتها على دينها ووطنها للمنافسة مع بقية الشعوب .. ومهما حاول الغرب أو الأنظمة العملية له أن تكبتها فلن تستطيع .. ومهما قُدم لها من فتات فلن تقبل به .. إنها روح المنافسة التي لا تهدأ والغيرة المحمودة والسعي الحثيث نحن التفوق والسيادة .. هذا هو ما يحرك الشعوب الحرة .. ونزيد عليها أن ديننا يدفعنا ويحرضنا لحمل رسالته إلى العالم كله ..

الخطوة الأولى لهذه الأجيال هي: الخروج من الضغط والتبعية النفسية للقيادات التاريخية التي لم تحسن تعبئتها .. وصَبغتها بسلبيتها في المواجهة .. ورضت بالفتات مقابل البقاء والمحافظة على اليسير من المكتسبات .. إن كسر طوق رق الطاعة العمياء أصبح ضرورة لعودة الروح لهذه التنظيمات .. لقد أصبح حتمياً أن تتخطى هذه الأجيال رؤساءها السلبين لتتمكن من تحقيق طموحها ..

الخطوة الموازية هي: المعرفة بما سبق من تجارب وتاريخ الصراع السياسي للمنطقة على الأقل لآخر قرنين من الزمان .. كذلك التمسك بالمذهب الديني لغالبية الشعب كمرجعية تضبط المسيرة الحركية للتغيير .. والانتباه لمكونات المجتمع والعمل على انسجامها وتلافي ما يحدث شروخ تعيق تقدم عملية التغيير ..

الخطوة التالية هي: إعادة التنظيم للطاقات والإمكانات .. وتبني رؤية تغييرية واقعية وشاملة .. واختيار وسيلة للتغيير أو التنسيق بين عدة وسائل للتغيير بحسب ما تمنحه الأرض ويملكه الشعب من إمكانات .. ومن ثم قيادة الجماهير بحكمة وحنكة لتحقيق التغيير المنشود ..

ويبقى التفاعل الحركي للصراع خاضع لموهبة القيادة وقدرتها على الإلهام والتجديد وتخطي العوائق والأزمات ..

النقطة التي لا يمكن تجاهلها أو إغفالها هي حسن التوكل على الله وطلب معيته وتوفيقه .. والتزام أوامره وتجنب معصيته .. ولأهميتها أخرت ذكرها حتى تبقى عالقة في الذكرة ..

ومسك الختام: بيان الروح والخلق الإسلامي في الصراع .. لأننا بشر ولسنا أناكوند “حيوانات” .. ولأننا مسلمون نؤمن برسالتنا .. فليس للإبادة نصيب في تفكيرنا .. لأننا ندرك مهمتنا وهي تعبيد الخلق للواحد الأحد وهو ما ندعو إليه قبل الصراع وأثناءه وبعده .. فإن النصر في حركتنا الجهادية يعني إزلة العوائق أمام الدعاة ويكشف الحجب عن أعين الناس ليمكنوا من الاختيار ..

إن جوهر الجهاد قائم على تحقق النصر على الشيطان بالتغلب على أئمة الكفر وبطانتهم وجندهم لاستنقاذ ما يمكن إنقاذه من بني آدم .. وليس قائم على إبادة الناس .. وعلى شباب الأمة عامة ومن حمل منهم السلاح خاصة أن يتعلموا ويفقهوا مراد الله من الدعوة والجهاد ( عملية التغيير ) ومن ثم يعقلون ماذا يقدمون للناس بعد النصر ..

 

بقلم  : عابر سبيل

المصدر:

مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world

سلسلة مقالات 33 استراتيجية  للحرب -17- (استراتيجيات الضغط)

 



ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا