33 استراتيجية للحرب -5- (استراتيجية القيادة والسيطرة)

سلسلة مقالات 33 استراتيجية  للحرب -5- (استراتيجية القيادة والسيطرة)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

5- استراتيجية القيادة والسيطرة

يعرف المرء بمن معه .. الليث لا يقود فريقاً من الضباع .. والأسود لا يقودها إلا أسامة .. وبقدر ما يمكنهم التواصل بقدر ما يكون النجاح .. والبراعة تكمن في الانسجام والسيطرة بين القائد وأركانه .. وإطلاق العنان لهم للابداع .. وهذا معناه أنك تفهم بنية مجموعتك .. أو صممتها بالشكل المناسب ..

حضور القائد و قدرته على الإلهام .. تظهر في: تفاعل الجنود وإحساسهم بالهدف الكلي .. ومن خلال منحهم حرية التصرف لإنجاز الهدف .. وتنمية روح الفريق التي تمنحهم إندفاعة لا تقاوم .. وأن تتحمل معهم نتائج العمل .. مهما كانت .. فأنت المسؤول الأول عن النجاح أو الفشل ..

المعادلة الصعبة تكمن في انتخاب القيادات للعمل والسيطرة عليهم .. وأن تطلق لهم العنان للإبداع دون أن ينطلقوا خارج حدود الخطة .. أن ينفذوا روح أفكارك دون أن يكونوا آلات .. النجباء لديهم أجندتهم ونمطهم في التفكير وحظوظ أنفسهم .. فإن أحكمت عليهم الخناق أفسدتهم وتمردوا عليك بالصمت وتحينوا الفرصة لإفساد خططك .. وإن تغافلت عنهم أفسدتهم بصراع أناني داخلي على السلطة يسارع بالانهيار أو الهزيمة .. وفقدان السيطرة ..

إذا كنت تهدف لتوحيد الأجندة وإحسان تفاعلهم وتنمية روح الفريق فعليك: باختيار أهل الكفاءة والخبرة لا أهل الولاء والصحبة .. الإحسان في توزيعهم على التخصصات .. الإنصاف في توزيع المهام ودعمها بالإمكانات التي تنجحها .. وتنسيق التعاون بين الوحدات والقطاعات على كامل الخريطة .. الاهتمام بقنوات التواصل لسرعة وصول المعلومات والتجاوب معها.. فرض مناخ الشورى للمساهمة في صناعة القرار .. فسح مجال مرن باتاحة الفرص لاستثمار إبداعهم فتشبع طموحهم .. الجدية والحزم في المتابعة والمسائلة والمحاسبة ( ثواباً – عقاباً – عفواً ) تكسبك الهيبة والاحترام وتقتل روح التمرد الذاتية ..

التزامك بما تدعوهم إليه هو إلهام لهم باقتفاء أثرك .. ربطهم بالخالق وبما عنده وتنمية الإيمان في قلوبهم ينمي الولاء له سبحانه .. تعهدهم بالتربية وتزكية النفس يذهب شوائب الصدور .. حرصك على العدل والإنصاف يبعد الحسد والبغضاء بينكم .. المسارعة للإصلاح فيما شجر بينهم يبث مناخ المحبة والثقة .. اشاعة روح التكافل الإسلامي تبني روابط الإخوة وتدعم الصداقات .. نشر معاني الوفاء الإخلاص التضحية الفداء تلد جيلا من المحسنين .. كل هذا .. يقتل حظوظ النفس وجموحها إن شاء الله ..

بعض القادة لديهم موهبة فطرية رائعة في وضع الخطة والعناية بالتفاصيل والتحضير للمواقف الطارئة .. ويضيع منهم أحد أهم ركائز النصر ( السيطرة ): وضوح الأوامر .. سلسلة القيادة .. وشبكة الاتصالات التي تنتقل من خلالها الأوامر والمعلومات والقرارات .. فإن كانت السلسلة والشبكة لا تعملان على الوجه المطلوب والأمر تم صياغته بشكل ضبابي فلا يمكن تنفيذ أي استراتيجية كما خطط لها ..

الصف الأول من سلسلة القيادة يجب أن يكون من الأسود الذين يجيدون فن المناورة والانقضاض .. وحينما يتلقفون الأوامر يتخذون من الأسباب ما يمكنهم من تنفيذها .. أما إن كانوا من الضباع فأول ما يفكرون فيه هو تأول الأمر .. خاصة إذا أصدر لهم بصيغة مهذبة وضعيفة سيرون في أوامرك ما يريدون رؤيته .. ويحولون الهدف من مجهود رئيسي إلى هدف محتمل ..

الصف الثاني من سلسلة القيادة والذي يتولى مباشرة التنفيذ إن لم تشملهم شبكة الاتصالات مع القيادة العامة .. وكانت الأوامر التي وردتهم تم تأويلها .. فسيكونون مترددين في كل حركة .. ومرعوبين من التصرف على سجيتهم .. وجنودهم يتحولون إلى أسراب تائهة .. وهكذا تتحول الضبابية عند رأس القيادة إلى إرتباك وفتور عند القاعدة ..

بخلاف الإنكسار في سلسلة القيادة .. هناك خطأ أكثر شيوعا يقع فيه كثير من القادة عند تحليل أسباب الفشل .. حينما تنظر للأحداث بصورة عكسية: فتلوم ضباطك غير الأكفاء .. أو التكنولوجيا الناقصة لديك .. أو المعلومات الاستخبارية الخاطئة …..الخ .. إذا استمر تحليلك بهذا الشكل فأنت على موعد مستمر مع الفشل والهزيمة ستظل في ركابك ..

والحقيقة أن كل شيء يبدأ من قمة الهرم: وما يحدد فشلك أو نجاحك هو أسلوبك القيادي والتسلسل القيادي الذي تصممه وشبكة التواصل مع سلسلة القادة .. فإذا كانت أوامرك غامضة أو ضعيفة فحين تصل إلى الميدان ستكون قد فقدت معناها .. سلسلة القيادة هي من صنعك أنت وهو عمل فني يتطلب رعاية واهتمام وتجاهله لا يحقق إلا الخطر .. يعتمد النجاح على السرعة التي تصل بها المعلومات في الاتجاهين عبر شبكة اتصالات القادة ..

ضعف السيطرة معناه أن السلسلة فقدت واحدة أو أكثر من حلقاتها: وضوح الأوامر .. سلسلة القيادة .. شبكة التواصل ..

عند اختيار قائد عسكري جديد ينشأ صراع داخلي صامت مع المجموعة البيروقراطية .. كذلك مع الطامحين لنفس المنصب من كبار القادة[1] .. من يسيطر على صنع القرار ويستمر مسيطراً أثناء تنفيذه؟ ..

الصراع الداخلي للسيطرة على مستوى القيادة يتطلب حلما وحكمة .. على القائد الجديد أن يتجنب الدخول في تحديات .. وأن يتفادى مراد الخصوم بهدر الوقت واستنزاف القوة في معارك فرقاء .. والغوص في تفاصيل صغيرة تعمي عن الصورة الكلية ..

لتغيير الحالة البيروقراطية ومناخ المنافسة على القائد أن يبادر بأمرين: الأول اختيار وتوظيف طاقمه[2] الذي قام بانتقائه وتدريبه وتشغيله والتأكد من كفائته وحسن تصرفه في الظروف العادية وتحت الضغط خلال مسيرته العملية .. الثاني العمل على تأهيل[3] الذين كانوا يعوقون سلسلة القيادة ودمجهم بروح الفريق وبأسلوب غير مباشر ..

الحزم من الحكمة .. ومطلوب مع العناصر التي يصعب عليها أن تنسجم مع أسلوب الإدارة الجديدة .. هذه العناصر لا يمكن إصطحابها أثناء المسيرة العملية ولا بد أن تغادر لتعمل في إدارة أخرى ..

على القائد الجديد أن يقوم بتعيين مساعدين يشاركونه الرؤية وقادرون على التصرف وفق أسلوبه .. يوفرون عليه الوقت في التفاوض مع كل شخص صعب .. ويساهمون في نشر روح الفريق لتصبح سياسة عامة .. ويحلون بديلا عنه في الاجتماعات قليلة أو عديمة الجدوى .. ويحمونه من الغرق غوصا في التفاصيل الصغيرة لينشغل بالصورة الكلية .. وهم يدعمون بلا شك سلسلة القيادة والسيطرة بصورة عامة وبشكل غير مباشر .. والناس سيتبعونك دون اتهامك بالتسلط .. وهذا قمة المهارة لتحقيق أقصى سيطرة في الصراع الصامت الداخلي ..

إذا كان ميدان الحرب مقسم بين فصائل أو تنظيمات متنوعة .. فهو ميدان خطير .. فصائل مختلفة المشارب تواجه عدو واحد .. أشبة بجيش له خمس قيادات أو أكثر .. الناس ضمن مجموعات تكون لديهم ميول سياسية وانتماء للفصيل أو التنظيم .. وما يقولونه أو يفعلونه هو للترويج عن أنفسهم فقط ولإرضاء الآخرين ..

في حين أن الفرد جرئ ومبدع فإن المجموعة تخشى المخاطرة وتعلق في خوفها .. إنها تملك عقلا خاصاً بها .. عقل حذر وبطيئ في اتخاذ القرار ومعدوم الخيال ..

عندما تعقد تحالف من عدة فصائل أو تنظيمات ذات مرجعيات مختلفة فلا تسمح بخرق أحد أهم قواعد الحرب والسيطرة .. { وحدة القيادة } .. يميل البعض لمنح المجموعة مزيد من القوة انطلاقا من رغبة بعض القادة بأن يظهروا ديموقراطيين فيترك للمجموعة اتخاذ القرار وصياغة الاستراتيجية .. هذا هدم وليس بناء .. ومن هنا ندرك عبقرية الشورى وما تمنحه من مرونة للقائد ..

القيادة الموزعة هي وصفة للكارثة وهي سبب أعظم الهزائم العسكرية في التاريخ .. تعين قائدين أو أكثر لقطاع عمليات سيتشاكسون فيما بينهم أكثر من قتالهم للعدو .. لا بد من اختيار قائد عسكري واحد لقيادة التحالف .. تحت سيطرته جميع الجنود ويشرف على كامل الميدان .. ومخول من الفصائل المتحالفة بكامل الصلاحيات .. وعليه أن يصطفي وبعناية هيئة أركانه ويجعل منهم فريق عمل واحد .. قديما قالوا: لا يجتمع سيفان في غمد ..

قال تعالى: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {29} الزمر..

– الخطوة الجوهرية لبناء سلسلة قيادة فعالة هي جمع فريق من أصحاب المهارات الذين يشاركونك أهدافك وقيمك .. عليك أن تبحث عن الأشخاص الذين يعوضون عن نقصك ويملكون المهارات التي تفتقر إليه .. لا تختر إطلاقاً رجلاً فقط بسبب سيرته الذاتية اللماعة أنظر تحت جلده إلى تكوينه النفسي واحظى بمن ليست ذاته متضخمة .. اعتمد على الفريق الذي كونته ولكن لا تكن أسيره .. إذا حظيت بالمشهورين فاحذر أن تغيب عنهم .. انقطاعك يمثل فرصة لبناء قاعدة قوة خاصة بهم ..

إلى جوار هؤلاء إحذر صنف من البشر ينموا داخل التنظيمات يركض وراء مصالحه وينشأ عصبة تدفع بأجندته الخاصة لإحداث شرخ في البنيان الصلب .. هذا الصنف يفسر أوامرك وفقاً لأهدافه الخاصة .. قبل اختيار أركانك وقادة أفرعك تحرى عنهم وتجنب تعين أصحاب الحظوظ الذاتية .. وإن ابتليت بهم سارع بعزلهم ولا تمنحهم الوقت أو المساحة للمناورة داخل التنظيم .. لا تكثر من إحسان الظن[4] ما أن تتعرف عليهم بادر بعزلهم لكي توقفهم عن بناء قاعدة قوة ينطلقون منها لتدمير سلطتك ..

– حافظ على سلسلة قصيرة لتأمين سرعة نقل المعلومات من الخنادق .. لتحسن التأقلم بسرعة مع ظروف الحرب .. القادة العظام لا يكفون عن التواجد بكثرة مع جنودهم .. وعليهم أحيانا أن ينظروا في رسائل جنودهم ويوظفوا من يثقون به لمتابعتها .. في وقت الحرب ابني شبكة غير رسمية تنقل لك وقائع الميدان .. بالموازاة مع الشبكة الرسمية والتي تكون عادة أبطأ .. شكل مجموعة سفراء فوق العادة ترسلهم في العمق لجلب أو توصيل المعلومات .. أو للتفاوض مع العدو .. هذا الفريق يمنحك مرونة في السلسلة وفسحة في المناورة في بيئة صلبة ..

– انتبه إلى الأوامر نفسها شكلاً ومضموناً .. الأوامر الضبابية لا قيمة لها وأثناء تنقلها من مستوى لأخر تصبح معكوسة .. اجعل أوامرك واضحة فيها تفصيل للبنود الهامة وتشمل على مقترحات لمواجهة بعض الأحداث الطارئة المحتملة .. هذا النمط يجعل ضباطك يعرفون كيف تفكر .. لذلك اجعل أوامرك ملهمة تفتح المجال للإبداع والمشاركة في إطار الخطة العامة ..

حفلت أفغانستان بعدد من القادة المخلصين وغير المخلصين .. كما حظيت بمرجعية شرعية واحدة ( المذهب الحنفي ) .. الحلفاء قبل الأعداء اجتهدوا في إفساد الاستراتيجية .. وأوصلوا المجاهدين إلى سبعة أحزاب .. مما جعلها تخسر وحدة القيادة وتفقد السيطرة .. وانتشرت الفوضى والقتال الداخلي .. هذا الدرس استوعب بدقة .. وحينما انتظم المجاهدون تحت راية طالبان حققوا أربعة أركان للنجاح: وحدة القيادة .. الإستراتيجية .. التنطيم .. السيطرة ..

ساحات الصراع التي تفتقر: { للقيادة .. للاستراتيجية .. للتنظيم .. للسيطرة }.. هي ساحات تعيش حالة من الفوضى بما تعنيه الكلمة .. لا احد يسمع للاخر .. وليس هناك نقاط التقاء .. وكلمة الفصل بيد حلفاء الخارج .. كل فصيل يفعل ما يحلوا له .. والاجتماعات بينهم تخلوا من اتفاق .. وأحينا تدار لمعرفة ما عند المنافس .. وتكرارها هو كسب لمزيد من الوقت .. والصدام قادم بينهم .. والعدو الماكر يتحين فرصته ..

ولندرك جميعا أن الخلل في أحدها { وحدة القيادة .. الاستراتيجية .. التنظيم .. السيطرة } نتائجه الدخول في متاهة .. خروجنا منها مرهون بتوفيق الله أولاً ثم اجتهاد القيادة في إصلاح الخلل ..

– – – – – –

[1] المسلمون ليسوا استثناء .. فهذا أمر بشري خاضع لحظوظ النفس .. ورغبتها في التملك والسيطرة .. وليس كل القادة خالد بن الوليد رضى الله عنه .. والتاريخ ذاخر بالمؤامرات الداخلية للقرب من السلطان وتولي المناصب .. ولا شك أن هذا خلاف التربية الإسلامية الصحيحة ولكنه واقع النفس البشرية ..

[2] سبق وبينت أن هؤلاء لا بد أن يكونوا من النجباء ( الأسود ) .. وليسوا من ( الضباع ) الذين أفضل صفاتهم أنهم من أهل الولاء فقط .. هؤلاء النجباء قام القائد خلال مسيرته بانتقائهم وتدريبهم وتشغيلهم والتأكد من نزاهتهم وكفائتهم وحسن تصرفهم في الظروف العادية وتحت الضغط ..

[3] هنا ملاحظة هامة جداً هذا التصرف لعلاج المنظومة القديمة مقبول وحكيم لكونهم جميعا يعملون داخل النظام القائم .. أما في حالة الثورات أو حروب العصابات فهذا التصرف يعد حماقة سياسية لأننا لسنا أمام فريق منافس في إطار نظام نقيمه .. وإنما أمام فريق معادي يعمل على إعادة نظام نباشر هدمه ..

[4] من هذا الباب أوتيت قيادة القاعدة .. فخرج نموذج ( ابن عواد ) الذي التصق بالتنظم حتى إذا واتته فرصته انقلب وشن حرب على قيادته .. وهو نموذج قابل للتكرار إذا استمرت قيادة القاعدة بالسير على نفس المنوال ..

 

 

بقلم  : عابر سبيل

المصدر:

مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world