من ((إسرائيل الكبرى)) إلى ((إسرائيل العظمى)) -1

نقلا عن موقع الحوار المتمدن 

بقلم  : الاستاذ خلف الناصر

من (( إسرائيل الكبرى )) إلى (( إسرائيل العظمى)) 

(1)

إن ظاهره الاحتلال والاستيطان ليست جديدة في تاريخ العالم، ولا تحويل (كيانات الاستيطان) إلى (قوى عظمى) بالجديد أيضاً، فقد سبق للعالم أن شهد تجارب كثيرة في تاريخه من هذا النوع، وسبق للمستوطنين الأوربيين أن حولوا مستوطني ومستوطنات أميركا الشمالية إلى (اقوه عظمى) اسمها “الولايات الأمريكية المتحدة” بل هي أعظم قوه عظمى عرفها الجنس البشري في كل تاريخه!!

ويراد اليوم ـ وحتى بالأمس ـ تحويل “إسرائيل” إلى (قوه عظمى) مهيمنه في المنطقة العربية وعموم الشرق الأوسط، كهيمنة الولايات المتحدة على العالم بأجمعه تقريباً!!

فما هي الخلفية التاريخية لتلك التجارب الاستيطانية الاستعمارية في العالم!!.. وما هي الطرق العملية والعوامل المتعددة، التي أدت إلى خلق مثل تلك (القوى العظمى) العالمية والإقليمية.. والتي قد تؤدي لأن تكون “إســــرائــيــل” واحدة منها؟؟

إن ظاهره الاحتلال والاستيطان واحلال مستوطنين غرباء محل شعب آخر ـ جزئياً أو كلياً ـ سواء في فلسطين أو الأمريكيتين أو استراليا أو في أجزاء من أفريقيا ـ الجزائر/ زمبابوي / جنوب أفريقيا وغيرها ـ وحتى في بعض مناطق من آسيا ومن الصين بالذات!

وهذه الظاهرة ظاهرة استعمارية، رافقت الاستعمار الأوربي الحديث لشعوب العالم الثالث أو للملونين كما يسمونهم، وامتاز هئولاء المستوطنون الغرباء في جميع هذه المناطق، بتفوقهم الكاسح على أبناء البلد الأصليين!

وقبل هذا الاستعمار الأوربي لم يكن العالم خالٍ من الاحتلالات لبعض البلدان والدول والشعوب، من قبل ملكيات وإمبراطوريات كثيره قامت في مناطق متفرقة من العالم القديم منذ فجر التاريخ، وقبل هذا الاستعمار الأوربي بعشرات القرون، لكن ما يميز هذا الاستعمار الأوربي عما سبقه هو، أنه كان وليد الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، ووليد عصر الاكتشافات البحرية التي سبقته في القرن الخامس عشر الميلادي!

وكانت الاستكشافات البحرية قد قامت لأسباب دينية ومالية ولمجد الملوك والأباطرة، لكن ما تمخض عنها كان استعماراً لأمم وشعوب، واكتشافاً لقارات ومناطق ما عرف بــ “العالم الجديد” ولبعض من مناطق العالم القديم.. وقد نتج عن حركه الاستكشافات البحرية في القرن الخامس :

ــ استكشاف قارتي أميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا ونيوزلندا، ثم احتلالها واستيطانها جميعها وإبادة سكانها الأصليين!!

ــ احتلال الكثير من شواطئ وسواحل تقع في آسيا وأفريقيا، وإقامه موانئ ومستوطنات ثابتة عليها!

لكن ما تمخضت عنه الثورة الصناعية هو ما عرف بالاستعمار الكونيالي، والذي ظهر لسببين مباشرين يتعلقان بالثورة الصناعية.. والسببان هما: المواد الأولية الخام، وأسواق لتصريف المنتجات المصنعة!

فمن المعروف أن الصناعة تحتاج إلى:

مواد خام أوليه: تعيد المصانع تدويرها ودمجها ومعالجتها وتركيبها، ومن ثم تحويلها إلى بضائع ومنتجات يحتاجها ويستخدمها كل الإنسان في العصر الحديث!
وتحتاج الصناعة أيضاً : إلى أسواق واسعه لتصريف جميع تلك المنتجات الصناعية!

فالمنتجات الصناعية الأوربية، لا يمكن إيجاد جميع موادها الخام داخل الدول الأوربية ذاتها، ولا يمكن تصريف جميع موادها المصنعة ومنتجاتها الصناعية داخل القارة الأوربية نفسها.. فهي تحتاج إلى مواد خام كبيرة وكثيرة ومتعددة الأصناف ، وتحتاج أيضاً إلى أسواق واسعة وكبيرة لتصريفها، وهذه ما لا تتوافر عليها قاره أوربا الصغيرة بمساحتها وقلة سكانها! فبدون هذين العنصرين الحيويين قد تموت الصناعة وتختفي من الوجود، أو أنها تبقى صغيره ومحدودة .. ولا حل أمام دول أوربا لحل لهاتين المعضلتين، إلا بالتوجه إلى العالم الخارجي الواسع، لتأمين هذين العنصرين الحيويين!

ولهذا قامت جميع الدول الأوربية الصناعية الكبيرة بالاتجاه إلى العالم الخارجي في آسيا وأفريقيا والعالم الجديد، للحصول على تلك المواد الأولية الخام، ولإيجاد أسواق كافيه لتصريف واستيعاب منتجاتها الصناعية!

ولهذين السببين الجوهريين قامت حركه استعماريه واسعه لاحتلال دول ومناطق العالم وقاراته المختلفة، لتأمين هذين العنصرين الأساسيين اللتين تتطلبهما العملية الصناعية.. وقد احتلت بالفعل دول كبيرة وعريقة في آسيا كالصين والهند…..الخ ومصر في أفريقيا ومعها معظم مناطق أفريقيا السوداء، وكذلك في أمريكا الجنوبية!

وقد تنافست تلك الدول الأوربية فيما بينها على المواد الخام والأسواق واحتلال دول العالم الأخرى لـتأمينها، تنافساً شديداً وصل في بعض الأحيان إلى حروب بين دولتين أوربيتين أو أكثر، وفي أحيان أخرى وصل إلى حروب عالمية مدمرة دفع ثمنها العالم كله، كالحربين(الأوربيتين) العالميتين الأولى والثانية!

وقد نتج عن الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر:

ــ احتلال أجزاء واسعه: من قارتي آسيا وأفريقيا واستيطانها: كالجزائر وجنوب أفريقيا وزمبابوي وغيرها من المناطق
في قاره أفريقيا!

ــ إنشاء مستوطنات ثابتة: في سواحل العالم القديم كالهند وجنوب شرقي آسيا وجنوب أفريقيا بعد استعمارها، واستيطان أجزاء من أغلبها!!

ــ احتلال الصين: واستيلاء الأوربيون واستيطانهم لأجزاء واسعة منها: كهونغ كونغ وماكاو وغيرها!!ومن مهازل القدر أو من مهازل التاريخ، أن الصين هذا العملاق البشري الذي يحسب له العالم اليوم ألف حساب، قد احتلته وتقاسمته معظم الدول الدول الأوربية الكبيرة وحتى الصغيرة منها، كهولندا والبرتغال.. فالبرتغال مثلاً: قد احتلت ماكاو الصينية، واستمر احتلالها لها سته قرون كاملة ،أي، 600 عام، ولم تنسحب منها إلا قبل سنوات قليلة [في عام 1999] وكانت هي آخر مستعمره أوربية في آسيا تم تحريرها (سلماً!!) .

ــ احتلال فلسطين من قبل بريطانيا: واستيطانها من قبل اليهود الأشكناز(الغربيين) ثم تبعهم اليهود السفراديم(الشرقيين) لاحقاً.. وهي آخر مستعمرة ومستوطنة أوربية لا زالت مستعمرة في آسيا إلى اليوم!!

لقد تم احتلال فلسطين من قبل بريطانيا باعتبارها من أملاك (الدولة العثمانية) التي اشتركت الحرب العالمية الأولى، والتي تمت تصفيتها فيما يعد، واقتسام أملاكها بعد خسارتها لتلك الحرب، فكانت فلسطين من نصيب بريطانيا حسب اتفاقيات سايكس/بيكو بينها وبين القطب الاستعماري الآخر، فرنـــســـا!

لكن قبل هذا الاحتلال البريطاني كانت فلسطين على جدول أعمال “المؤتمر الصهيوني الأول” الذي عقد في بازل بسويسرا عام 1897 ، والذي ترأسه (تيودور هيرتزل) مؤسس “الحركة الصهيونية” ، المرادفة للحركة الاستعمارية في نشأتها!

وكذلك كانت فلسطين على جدول أعمال “مؤتمر لندن” الذي دعا إليه حزب المحافظين البريطاني عام 1905، ووجهت الدعوة أنذك سراً إلى كل من: [بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وإيطاليا] التي حضرته، وكانت هي كبرى الدول الاستعمارية أنذك.. وكانت الدعوة لعقد مؤتمر يتم من خلاله: وضع سياسة لهذه الدول الاستعمارية لـــ :
أ‌) دراسة السبل التي تحفظ الحضارة الأوربية من السقوط كما الحضارات التي سبقتها!
ب‌) احتواء شعوب العالم الخارجي غير الأوربي، ودراسة أي منها يمكن أن يشكل خطراً على الحضارة الأوربية، حاضراً ومستقبلاً!
ت‌) احتواء الوطن العربي بالخصوص، باعتباره مجاور لأوربا جغرافياً؟

وبعد سنتين (عام 1907) انبثقت عن ذلك المؤتمر وثيقة سرية تحمل وصايا سريه، أسموها ” وثيقة كامبل ” نسبه لرئيس وزراء بريطانيا أنذك (هنري كامبل)!

وواحد من بنود ووصايا تلك الوثيقة السرية يقول:

((إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان والحضارات . ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان)) (عن وثيقه كامبل السرية)

ولاحتواء ((شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان)) واحتواء خطره المحتمل ـ كما يعتقدون ـ على المنظومة والحضارة الأوربية، اقترحوا وأوصوا بتمزيق وطن ذلك الشعب الواحد بتقسيمه و “زرع جسم غريب وسطه في فلسطين” يفصل جزئه الآسيوي عن جزئه الأفريقي.. على أن يكون (الجسم المزروع) قوه ضاربه تستنزف جهد مواطني ذلك الشعب، وتمنع نهوضهم وتمتص ثرواتهم وتديم تخلفهم وتؤجج خلافاتهم وتسفه أحلامهم، بتوحدهم وقيام دولتهم الواحدة!!

فانبثقت عن تلك التوصيات السرية لمؤتمر لندن” “اتفاقيات سايكس/بيكو” عام 1916 بعد تسع سنوات من انعقاده، ثم تبعها “وعد بلفور” عام 1917 أي بعد عشر سنوات من ذلك المؤتمر، ثم نفذ مشروع “زرع جسم غريب” متمثلاً بقيام “إسرائيل” في فلسطين عام 1948، التي ستؤدي دور ذلك “الجسم الغريب” الذي يفصل الجزء الآسيوي عن الجزء الأفريقي لوطن ذلك الشعب الواحد بكفائة عالية!!
وغير تلك التوصية الرئيسية هناك توصيات سرية كثيرة أخرى، يتعلق معظمها بمتابعة خلق مشاكل دائمة بين الكيانات التي انبثقت عن اتفاقيات سايكس/بيكو ، لمنع توحدها ونهوضها وادامه تخلفها، ومتابعة رسم سياسات مرحلية مرنة للمنطقة في كل مرحلة على حدة، لتديم تلك المشاكل والخلافات وتطورها وتُصَعْدُها باتجاهات أكثر عمقاً وشمولية بين كياناتها المختلفة!!

ويمكن القول دون تحفظ بأن ما وصلنا إليه اليوم من داعش إلى النصرة والقاعدة وأفراخها الكثيرة، ليست بعيده عما رسمته (وثيقه كامبل) ووصايا “مؤتمر لندن” السرية.. إن لم يكن درءاً لخطر يتوهمونه، فلثروات غير محدودة يريدون إدامة نهبهم لها!!

وهذه وثــــائـــق موجودة لمن يريد الاطلاع عليها، وليست “نظرية مؤامرة” التي يرددها البعض بمناسبة وبدون مناسبة، وكأنها البسملة التي يفتتح ويختتم بها كل موضوع، ويرد بها على كل رأي مخالف لآرائهم!! والرابط أدناه يمكنه الوصول بالقارئ الكريم لــ “وثيقه كامبل” ووصايا “مؤتمر لندن: 1907” وبعض ما كتب عنهما .
http://bit.ly/2RRRIJZ

 

بقلم  : الاستاذ خلف الناصر
المصدر:
مافا السياسي ( ادب المطاريد )

www.mafa.world